يعرف القصف الجوي air bombardment بأنه تدمير الأهداف المعادية بالقنابل أو الصواريخ التي تسقطها أو تطلقها الطائرات مهما كانت طبيعة تلك الاهداف، سواء كانت أهدافاً حربية برية أم بحرية أم أهدافاً تدعم المجهود الحربي، وتقوم بالقصف الجوي عادة طائرات مخصصة لهذه المهمة، يختلف حجمها وحجم حمولتها باختلاف الهدف المراد قصفه وبعده وقربه من مسرح العمليات.
 
لمحة تاريخية
 
بدأ استخدام القصف الجوي عند بداية القرن العشرين، ومع تطور الطيران وصناعة الطائرات وبدء استخدامها للأغراض الحربية. ففي سبيل تدمير قوات العدو البرية والبحرية، وتشتيت قواته الضاربة من مركبات قتال ودبابات وعربات نقل وقطع بحرية وعتاد، بدأ التفكير في كيفية الوصول الى مراكز تجمع القوات المعادية البعيدة عن مرمى مدفعية الميدان، مهما كان مداها؛ لتدميرها وشل قدرتها على التأثير في سير المعركة. وقد تحقق ذلك بتحميل قنابل متفجرة من مختلف الأحجام والأوزان على طائرات قاذفة لإسقاطها على القوات المعادية بصنوفها المختلفة، وكذلك الأمر بالنسبة للمنشآت الحيوية في عمق العدو التي تكون رافداً للقوات المسلحة.
 
أنواع القصف الجوي
 
مهما اختلفت أنواع القصف الجوي فغايتها الاساسية هي تدمير القوات المعادية وإلحاق أكبر قدر ممكن من الخسائر بين صفوفها. لذا يمكن القول: إن قصف تجمع قوات العدو بقنابل شديدة الانفجار، وتدمير الجزء الأكبر منها، وكذلك قصف تجمعات آليات العدو وعتاده ومقرات قياداته الميدانية ومراكزه الدفاعية ومحطات الرادار والمطارات المتقدمة وقطع الأسطول البحري، كل ذلك يعد من الأهداف التكتيكية التي يتم قصفها بوساطة الطائرات المقاتلة القاذفة ومن ارتفاعات متوسطة ومنخفضة، أما الأهداف الاستراتيجية، مثل المنشآت الحيوية، ومصادر الطاقة، ومطارات العمق، وخطوط السكك الحديدية والطرق والجسور المهمة ومراكز القيادة الاستراتيجية وغرف العمليات والموانئ البحرية؛ فيتولى قصفها القاذفات الضخمة البعيدة المدى ومن ارتفاعات عالية بمختلف أنواع القنابل حسب طبيعة الأهداف.
 
ذخائر القصف الجوي
 
تختلف القنابل والصواريخ المستخدمة في القصف الجوي باختلاف الأهداف المراد قصفها فالقنابل إما أن تكون متفجرة أو متفجرة حارقة أو كيميائية أو بيولوجية أو قنابل نووية. أما الصواريخ فتختلف باختلاف طريقة توجيهها، فمنها الصواريخ الموجهة بالرادار أو الحرارية أو المحمولة على شعاع الليزر، و تزود هذه الصواريخ عادة برؤوس متفجرة أو نووية حسب طبيعة استخدامها.
 
أجهزة التسديد والقصف
 
 
تعد أجهزة تسديد القنابل المستخدمة حالياً وإسقاطها من أكثر الأجهزة تطوراً بالمقارنة مع ما كان مستخدما منذ عقود عدة، فمع تطور الطيران القاذف ونوعية القنابل المستخدمة كان لا بد من تطوير أجهزة التسديد لتأمين دقة أعلى في إصابة الأهداف المراد قصفها، فأجهزة التسديد المزودة بها الطائرات القاذفة الاستراتيجية التي تقصف أهدافاً في عمق العدو، تعتمد على نظام التسديد الجيروسكوبي الإلكتروني الذي يقوم بحسابات معقدة تدخل فيها عوامل سرعة الطائرة والرياح الجانبية والارتفاع وحجم القنبلة أو مجموعة القنابل التي سيتم إلقاؤها على الهدف، بحيث يعطي الطيار أو القاصف النتيجة النهائية التي تتلخص بضوء يلمع على لوحة القيادة مشيراً إلى بدء القصف. وباستخدام القنابل المتطورة التي تدعى القنابل الذكية التي تعتمد على متابعة التوجيه من قبل الطائرة القاصفة أو الرأس الراداري يمكن تحقيق أعلى نسبة من إصابة الأهداف بالاعتماد على أجهزة التسديد المتطورة.
 
أما في حال تنفيذ القصف بطريقة الانقضاض على الهدف، كما في الطائرات المقاتلة القاذفة؛ فيتم القصف عندئذ باستخدام جهاز التسديد الجيروسكوبي، سواء بالرؤية المباشرة أو بالاعتماد على الشاشة الرادارية الموجودة على لوحة القيادة التي تتولى حصر الهدف ضمن تقاطع جهاز التسديد لضمان التسديد الصحيح ودقة الاصابة.
 
أساليب القصف الجوي
 
منذ أن بدئ باستخدام الطيران للأغراض الحربية، وابتدأ ما يدعى بالقصف الجوي للأهداف المعادية على اختلافها؛ كان إسقاط القنابل يتم يدوياً أو بطرائق تسديد بدائية. ومع تطور الطيران القاذف وتحسن نوعية القنابل المستخدمة أصبح القصف الجوي يتم بمساعدة أجهزة التسديد التي تطورت أيضاً مع تطور الطائرات من حيث قدرتها على حمل أنواع متعددة من القنابل وسرعتها التي تجاوزت سرعة الصوت في الطائرات الحديثة.
 
ويتم القصف الجوي عادة من وضعية الطيران الأفقي المستقيم بالنسبة للقاذفات الكبيرة البعيدة المدى التي تعمل على قصف الأهداف المعادية في العمق الاستراتيجي. أما الأهداف التكتيكية فيتم قصفها بالطائرات القاذفة المقاتلة والحوامات. وهي تتولى قصف هذه الأهداف بمختلف أنواع القنابل والصواريخ من وضعية الانقضاض على الهدف أو بمتابعة توجيه القنبلة رادارياً أو ليزرياً، وخاصة الحوامات التي تستطيع تحقيق دقة عالية في إصابة الأهداف.
 
الآفاق المستقبلية
 
لعل مقولة أن الحرب الحديثة هي حرب طيران هي السائدة في الاعتقاد، بعد أن وصل التطور التقني في صناعة الطائرات وأجهزة التسديد الإلكترونية المعقدة التي تعتمد على أشعة الليزر والأشعة تحت الحمراء بمساعدة الأقمار الصناعية التي ترصد مكان الهدف وإحداثياته، وكذلك التطور الكبير في صناعة القنابل وأدوات التفجير والتدمير باختلاف أنواعها وأغراضها.
 
فقد أصبح بالإمكان إصابة الأهداف وتدميرها وإخراجها من المعركة مهما كان بعدها عن مسرح العمليات، ومع تطور صناعة الصواريخ العابرة للقارات والصواريخ الموجهة البعيدة المدى المزودة برؤوس مختلفة الأغراض يمكن إصابة الأهداف بدقة متناهية من مسافات بعيدة، مما يساعد الحد من استخدام القاذفات نسبياً في قصف الأهداف الاستراتيجية، وقد يحمل المستقبل طرقاً ووسائل أكثر حداثة بعد التطور العلمي الهائل في استخدام الأقمار الصناعية في رصد الأهداف وتوجيه القنابل إليها.
 
سعيد الناشف

المراجع

الموسوعة العربية

التصانيف

الأبحاث