البوريون هي سلالة من أصل تركي حكمت دمشق ما يزيد على الخمسين عاماً، وامتد سلطانها إلى حوران (بصرى) وصرخد وبعلبك، وخضعت مدن حمص وحماة وصور وبانياس ورفنية، لسلطانهم مدداً متفاوتة.

مؤسس هذه السلالة هو طُغتكين[ر] الملقب بظهير الدين، أتابك شمس الملوك دُقاق ابن السلطان تتش السلجوقي، ولما تولى دُقاق حكم دمشق، ترك أمور دولته بيد أتابكه طُغتكين، فلما توفي دقاق عام 497هـ خطب طغتكين لولد صغير لدقاق لا يتجاوز السنة اسمه تتش أيضاً، ثم قطع الخطبة له وخطب لأَرتاش بن تتش عم هذا الطفل، ثم لم يلبث أن استبد بالأمر بدمشق، وحصل على اعتراف الخلافة العباسية والسلطة السلجوقية بحكمه.

توفي طغتكين الذي كان من ألدّ أعداء الفرنج في الثامن من صفر عام 522هـ /شباط 1128م، فخلفه ابنه تاج الملوك بوري، وهو أكبر أولاده بوصية منه، وإليه يرجع نسب هذه الأسرة، فأقرّ وزير أبيه أبا علي طاهر بن سعد المزدقاني، وكان المزدقاني يرى رأي الإسماعيلية، فازداد نفوذهم وكثر أتباعهم في دمشق، وخشي بوري تعاظم شأن المزدقاني والإسماعيلية فتخلص منه بقتله ونادى في البلد بقتل الباطنية، وكان من نتيجة ذلك أن ثار به جماعة الباطنية سنة 525هـ وطعنوه، فأصابته جراح اندملت ثم انتقضت، فتوفي سنة 526هـ/ 1132م، وولي بعده ابنه شمس الملوك إسماعيل بن طغتكين بعهد منه، وقام بتدبير الأمر بين يديه الحاجب يوسف بن فيروز، وهو حاجب أبيه، وابتدأ أمره بالرفق بالرعية والإحسان إليهم، ولكنه حين أكثر من مصادرات العمال وبالغ في العقوبات لاستخراج الأموال، وظهر منه بخل زائد، كرهه أهله وأصحابه ورعيته، وأُشيع عنه بأنه كاتب عماد الدين زنكي ليملكه دمشق، واستحثه في الوصول لئلا يسلم البلد إلى الفرنج، فلما سار عماد الدين متوجهاً إلى مدينة دمشق صدق الناس الإشاعة، واستجار أصحاب أبيه وجده بوالدته، فدبرت أمر قتله في ربيع الآخر سنة 529هـ، وتولى الحكم بعده أخوه شهاب الدين محمود الذي اغتيل سنة 533هـ، وكتب مُعين الدين أنر، وكان أحَدَ مماليك طغتكين، إلى جمال الدين محمد بن بوري صاحب بعلبك ليملك بعد أخيه، فحضر مسرعاً وحلف له الجند وأعيان الرعية وسكن الناس. توفي جمال الدين سنة 534هـ لمرض ألم به، فولى قادة العسكر مجير الدين أبق بن جمال الدين الذي فوض أمر دولته إلى معين الدين أنر، فلما توفي معين الدين سنة 544هـ أمسك مجير الدين بزمام الأمور حتى استولى نور الدين زنكي على دمشق وأعمالها سنة 549هـ وعوض مجير الدين بحمص أولاً ثم عوضه عن حمص ببالس، فلم يرض وسار إلى بغداد واختط بها داراً قرب النظامية وتوفي بها.

واجهت الأمراء البوريين إبان السنوات الخمسين من حكمهم مشكلات كثيرة خارجية وداخلية؛ أما الخارجية فتمثلت بالخطر الذي كان يحدق بدولتهم لمجاورتهم الدويلات الفرنجية، إنطاكية، وطرابلس، وبيت المقدس، وفي تهديد الفرنج المستمر للمناطق التي كانت تمد دمشق بالمؤن، كمناطق حوران وسهول الأردن الشمالية وسهول اليرموك؛ وتهديدهم القوافل التجارية المتجهة إلى دمشق والتي تضرر مركزها التجاري بفقدانها لموانئها الهامة على البحر المتوسط، بيروت، طرابلس، صيدا.

كان من نتيجة هذه الأوضاع أن اضطر البوريون إلى خوض العديد من المعارك مع الفرنجة، ولكنهم كانوا مضطرين أحياناً أخرى إلى عقد الهدن معهم من أجل تأمين الطرق التجارية أمام القوافل الوافدة إلى دمشق وحماية التجار؛ إلا أن هذه الهدن المعقودة بين حكام دمشق والفرنج لم تكن تجدي نفعاً في كثير من الأحيان، لأن اعتداء الفرنج على القوافل كان يستمر. ففي سنة 511هـ مثلاً هاجم الفرنج القافلة الحلبية القادمة إلى دمشق، وبعد أن أخذوا المكس منها عادوا وقبضوا على التجار وأسروهم؛ وفي سنة 527هـ نقض الفرنج الهدنة التي بينهم وبين شمس الملوك فتعرضوا إلى أموال جماعة من تجار دمشق بمدينة بيروت وأخذوها، فترددت المراسلات بين شمس الملوك والفرنج على إعادة ما اغتصبوه، ولكن المراد لم يتحقق، فاقتحم شمس الملوك حصن بانياس ونازله واستولى على البلد عنوة.

إضافة إلى خطر الفرنج، كان عماد الدين زنكي ابتداء من عام 524هـ ومن بعده ابنه نور الدين محمود يستهدفان توحيد المنطقة حتى يتسنى لهما مقارعة الفرنج وطردهم. إذا ما استثني شمس الملوك الذي أظهر استعداده لتسليم دمشق إلى عماد الدين زنكي، قبل اغتياله سنة 529هـ، فإن بقية الأمراء وكبار رجال الدولة كانوا مناوئين للزنكيين، ويطلبون أحياناً المساعدة من الفرنج لدفع خطر الزنكيين، إلا أن التهديد الجسيم الذي تعرَّضت له دمشق من وصول الحملة الصليبية الثانية سنة 543هـ/1148م التي استهدفت الاستيلاء على دمشق، وضع حداً لهذه السياسة وسارع في تسليم مدينة دمشق إلى نور الدين محمود.

لم يكن الوضع الداخلي أقل اضطراباً من الوضع الخارجي؛ فقد كانت دمشق مسرحاً لنشاط جماعات الأحداث[ر] كما كانت مسرحاً لنشاط الباطنية الذين كانت لهم يد في اغتيال الكثير من الشخصيات، كالأمير مودود صاحب الموصل الذي اغتيل في دمشق سنة 507هـ، وكان قد جاء لنجدة طغتكين، كما أن تاج الملوك بوري كان أحد ضحايا الباطنية.

اعتمد البوريون في إدارة دولتهم على الأمراء العسكريين الذين كانت لهم إقطاعاتهم، وعليهم كان يقع عبء صد الفرنجة ومواجهة الأخطار الداخلية؛ أما الأعوان فقد كانوا خاصة أمير البلاد يصحبونه ويجالسونه ويشاورهم في أموره ويركن إليهم في مهامه ويعيشون معه في قصره أو في القلعة يخرجون بخروجه ولهم رواتب يتقاضونها. وكان للبوريين وزراء وحجاب، وكان الحجاب صلة الوصل بين الأمراء والوزراء، فقد كان الحاجب يتلقى الأوامر من الأمير وينقلها إلى الوزير للقيام بتنفيذها.

اعتمد البوريون على القوات التركية العسكرية إضافة إلى اعتمادهم أحياناً على العرب والأكراد، وقد استمر ولاء القوات التركية للبوريين حتى نهاية حكمهم تقريباً؛ أما الدعم الشعبي لهذه الأسرة فقد كان بين مد وجزر، وإذا كان طغتكين قد حصل على ولاء العامة وطبقات التجار، فقد كان ذلك نتيجة للانتصارات الكثيرة التي حققها على الفرنج، واستقامة الأحوال في عهده وتصديه لهجمات اللصوص والمفسدين وقطاع الطرق، ولكن الأوضاع تدهورت بعد موت تاج الملوك بوري، وباستثناء المدة التي كان الحكم الفعلي فيها بيد معين الدين أنر (534-544هـ)، فإن العامة والتجار شعروا بأنه ليس ثمة ما يربطهم بهذه الأسرة التي ظهر عجزها، وازداد تعاطفهم مع نور الدين بن زنكي فسهلوا له مهمة الاستيلاء على دمشق، وحين خرج مجير الدين أبق آخر أمراء البوريين من دمشق لم يظهر أهلها تأسفاً أو تَمسكاً به.

 

الجدول الزمني لأمراء الدولة البورية


ـ طغتكين

498 - 522هـ/1104 - 1128م

ـ تاج الملوك بوري

522 - 526هـ/1128 - 1132م

ـ شمس الملوك إسماعيل

526 - 529هـ/1132 - 1135م

ـ شهاب الدين محمود

529 - 533هـ/1135 - 1139م

ـ جمال الدين محمد

533 - 534هـ/1139 -1140م

ـ مجير الدين أبق

534 - 549هـ/1140 - 1154م


 


المراجع

arab-ency.com.sy

التصانيف

عائلة   فئات اجتماعية   أسر   عائلات عربية   العلوم الاجتماعية