الموطن
يعد الموطن Le domicile من أهم عناصر الشخصية القانونية، وذلك لأنه يمكِّن من تحديدها، والعثور على مقر الشخص ومكانه، وهو يقسم إلى: موطن عام وموطن خاص.
الموطن العام ومفهومه في القانون المقارن وفي الشريعة الإسلامية
أ ـ في القانون المقارن [ر]: يعرف الموطن بأنه المقر القانوني للشخص بالنسبة لكل ما يتعلق بأعماله وتصرفاته القانونية، وعلاقاته مع غيره من الأشخاص، بحيث يعد موجوداً فيه بصفة دائمة حتى لو تغيب عنه فترة مؤقتة.
ب ـ في الشريعة الإسلامية [ر]: الموطن في الشريعة الإسلامية هو المكان الذي يقيم فيه الشخص عادة إقامة مستقرة، وبالتالي يجوز تعدده، حيث يمكن أن يكون الموطن الأصلي واحداً أو أكثر من ذلك بأن كان للشخص أهل ودار في بلدتين أو أكثر ولم يكن من نية أهله الخروج منها.
أنواع الموطن العام
: يقسم الموطن العام إلى: موطن عادي أو إرادي، وموطن قانوني.
أ ـ الموطن العادي أو الإرادي: وهو المقر القانوني للشخص الذي يعتد به بالنسبة لنشاطه القانوني عموماً، ويختاره الشخص بإرادته. ولكن القوانين المعاصرة تختلف في كيفية تحديد الموطن العادي؛ فالقانون الفرنسي يحدد موطن الشخص بالمكان الذي يوجد فيه مركز أعماله الرئيسي، وبالتالي فهو يميز الموطن العادي من محل الإقامة، ويترتب على ذلك عدم إمكانية تعدد الموطن. إلا أن القضاء الفرنسي خرج عن ذلك وأنشأ ما يسمى بنظرية الموطن الظاهر التي تعدّ محل الإقامة موطناً للشخص في بعض الأحيان.
أما القانون الألماني فيحدد الموطن العادي بمحل الإقامة المعتادة للشخص، وبالتالي يجوز تعدده.
ويقضي القانون الإنكليزي بأن لكل شخص موطناً أصلياً، وهو الموطن الذي ينسب إليه قانوناً عند ولادته، إلا أنه يمكن للشخص بعد ذلك أن يغير موطنه، ويجيز هذا القانون تعدد الموطن في حالات استثنائية.
أما في القانون السوري فتنص المادة /42/ من القانون المدني على أن: «الموطن هو المكان الذي يقيم فيه الشخص عادة. ويجوز أن يكون للشخص في وقت واحد أكثر من موطن، كما يجوز أن لا يكون له موطن ما»، وهذا هو موقف القانون المدني المصري أيضاً.
والمقصود بالإقامة هنا، الإقامة المعتادة وهي الإقامة الفعلية بصفة مستقرة.
وبالتالي يجوز تعدد الموطن العادي في القانون السوري، ومثال ذلك الشخص الذي يتزوج بأكثر من امرأة ويقيم مع كل منهن في منزل منفصل، كما يجوز انعدام الموطن بالنسبة لشخص ما، ومثال ذلك البدو الرحل.
ب ـ الموطن القانوني: المبدأ هو أن يختار الشخص بإرادته المكان الذي يريد أن يكون موطناً عاماً له، ولكن في حالات استثنائية يحدد القانون المكان الذي يعد موطناً عاماً بالنسبة لبعض الأشخاص، وهذه الحالات هي:
1ً ـ حالة الموظفين العامين: عد القانون المكان الذي يمارسون فيه وظائفهم موطناً قانونياً لهم، والعبرة في ذلك ارتباط الموظف بمكان عمله، ولا يشمل هذا الاستثناء ـ طبقاً لنص المادة /43/ من القانون المدني السوري ـ إلا موظفي الدولة، وبالتالي فإن موظفي الشركات الخاصة ليس لهم موطن قانوني، وإنما لهم موطن عادي وهو مكان إقامتهم المعتادة.
2ً ـ حالة الأشخاص كاملي الأهلية الذين يشتغلون عند الغير: يقضي القانون المدني السوري، في المادة /43/ السابقة، أنه يعد موطن الأشخاص كاملي الأهلية الذين يخدمون أو يشتغلون عند الغير هو موطن من يستخدمهم إذا كانوا يقيمون معه في منزل واحد.
3ً ـ حالة القاصرين ومن في حكمهم: تنص المادة /44/ من القانون المدني السوري على أن موطن عديمي الأهلية وناقصيها، كالقاصر والمجنون والسفيه، وكذلك المحجور عليه والمفقود والغائب هو موطن النائب القانوني عنهم، كالولي والقيّم والوصي والوكيل القضائي، واستثنى القانون من ذلك الحكم القاصر الذي بلغ الخامسة عشرة من عمره ومن في حكمه، حيث يكون له موطن خاص بالنسبة إلى الأعمال والتصرفات التي يعده القانون أهلاً للقيام بها.
الموطن الخاص
ويقصد به المقر الذي يعتد به القانون بالنسبة إلى بعض تصرفات الشخص القانونية المحددة بدقة، ويقسم إلى موطن أعمال وموطن مختار.
أـ موطن الأعمال: عد القانون المكان الذي يباشر فيه الشخص تجارة أو حرفة موطناً بالنسبة إلى الأعمال المتعلقة بتلك التجارة أو الحرفة، ويترتب على ذلك أن التاجر والحرفي لهما ـ إضافة إلى موطنهما العام وهو محل إقامتهما ـ موطن خاص يتمثل في المكان الذي يباشر فيه كل منهما تجارته أو حرفته. وموطن الأعمال بالنسبة إلى التاجر أو الحرفي هو موطن خاص فقط بالمعاملات القانونية المتعلقة بتجارته أو بحرفته. أما بالنسبة إلى بقية شؤون هذا الشخص فيبقى الموطن في شأنها موطنه العادي وهو محل إقامته المعتادة.
ب ـ الموطن المختار: وهو المكان الذي يتخذه الشخص من أجل تنفيذ عمل قانوني معين، وبالتالي يكون هو الموطن بالنسبة إلى كل ما يتعلق بهذا العمل، بما في ذلك إجراءات التنفيذ الجبري، وهذا الأمر يسهل كثيراً الإجراءات والمعاملات القانونية، وخاصة في مجال التجارة، ولا يجوز إثبات وجود الموطن المختار إلا بالكتابة.
ويختلف الموطن المختار عن موطن الأعمال من حيث إن صاحب الموطن المختار هو الذي يحدد بإرادته، وفي حالات استثنائية يلزم القانون الشخص باتخاذ موطن مختار، في حين أن موطن الأعمال يثبت بنص القانون، ويستمر الموطن المختار قائماً إلى حين الانتهاء من تنفيذ العمل القانوني المتعلق به.
أهمية الموطن وآثاره
كما تقدم يعد الموطن من أهم عناصر الشخصية القانونية، فإذا كانت الحالة المدنية تحدد مركز الشخص بالنسبة إلى الأسرة والدولة، وإذا كان الاسم ـ كأحد عناصر الشخصية ـ يسمح بالتعرف على الفرد وتمييزه من غيره فإن الموطن يمكّن من العثور على مقر الشخص ومكانه، ويترتب على ذلك فوائد وآثار قانونية عدة، أهمها:
1ـ تحديد المحكمة المختصة بالنظر في الدعاوى المتعلقة بالمنقولات والحقوق الشخصية كالدين، وهي المحكمة التي يقع في دائرتها موطن المدعى عليه، وبالتالي إذا رفض المدين مثلاً تسديد الدين المترتب بذمته للدائن في الموعد المتفق عليه، يجب على هذا الأخير أن يرفع الدعوى على المدين أمام المحكمة التي يقع في دائرتها محل إقامته المعتادة.
2ـ تُبلَّغ جميع الأوراق القضائية من مذكرات وإنذارات وغيرها إلى الشخص الموجه إليه في موطنه، وبالتالي يعد عالماً بها حتى لو لم تسلم إليه شخصياً.
3ـ يتم فتح التركات أمام السلطة المختصة التي يقع في دائرتها موطن المتوفى.
4ـ يتم فتح التفليسات أمام السلطة المختصة التي يقع في دائرتها موطن أعمال التاجر المفلس.
يضاف إلى ذلك أن شهر إفلاس التاجر الذي يتوقف عن سداد ديونه هو من اختصاص المحكمة التي يقع في دائرتها موطن التاجر المفلس، وكذلك الحال فإن شهر الإعسار بالنسبة إلى غير التجار هو من اختصاص المحكمة التي يقع في دائرتها موطن المدين المعسر.
5ـ يتم الوفاء بالالتزامات التي ليس محلَّها شيءٌ معين بذاته في المكان الذي يوجد فيه مركز أعمال المدين إذا كان الالتزام متعلقاً بهذه الأعمال.
فواز صالح
المراجع
الموسوعة العربية
التصانيف
الأبحاث