النزاعات المسلحة (قانون ـ)
النزاعات المسلحة أو ما كان يعرف بالحرب نوعان: دولية وداخلية.
أولاًـ النزاعات المسلحة الدولية، أو الحرب بين الدول:
هي صراع مسلح يحكمه القانون الدولي بين القوات المسلحة النظامية لدولتين على الأقل أو بين جيش نظامي وقوات مسلحة (تعرف بالمليشيات) مستقرة على أراضي دولة أخرى تستهدف فرض وجهة نظر إحدى الجهات المحاربة على الأخرى. وهي حالة قانونية اهتم القانون الدولي المعاصر بتقنين قواعدها، وتكون إما شاملة يستخدم فيها كل أنواع الأسلحة المحرم منها وغير المحرم، وإما محدودة (يتقيد الأفرقاء باستخدام الأسلحة التقليدية)، وقد تكون عالمية (شهد العالم حربين عالميتين: الأولى 1914ـ1919، والثانية 1939ـ 1945)، أو إقليمية (الحرب العراقية ـ الإيرانية 1980ـ1989).
على أن مصطلح النزاع المسلح الدولي حل محل الحرب كحالة قانونية، ليصبح هذا الآخر مفهوماً فلسفياً واجتماعياً تاركاً للمصطلح الأول إمكانية تغطية طرق القتال ووسائله بهدف تقليل الخسائر المادية والبشرية إلى أدنى حد ممكن، ودون أن يؤثر ذلك في سير العمليات القتالية ومصالح المتحاربين، وللقانون الدولي الإنساني إمكانية أنسنة هذه النزاعات وتقديم العون للضحايا من مدنيين وعسكريين، وذلك من خلال قواعد تفرض على المقاتلين وعلى قادتهم السياسيين.
يشير مصطلح «نزاع دولي مسلح» إلى أن كل حرب تتكون من عنصرين اثنين: الأول عسكري، والثاني دولي، ومن ثمّ يبدو من السهولة بمكان التمييز بين هذا المفهوم وغيره من المفاهيم التي تستعمل مصطلح الحرب، كالحرب الباردة (السياسة المتبعة عقب الحرب العالمية الثانية لإقامة توازن بين المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفييتي سابقاً والمعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية)، أو حرب النجوم (وهو مصطلح أطلقته الولايات المتحدة الأمريكية عام 1985 على برنامج الدفاع الاستراتيجي الخاص بها). بيد أن عدّ نزاع ما نزاعاً دولياً مسلحاً قد لا يكون دائماً أمراً في غاية الوضوح؛ لأن هناك طائفة من النزاعات التي يمكن أن تكون لبعض المتحاربين تعبيراً عن نزاع داخلي (حرب أهلية)، وهي لبعضهم الآخر نزاع مسلح دولي (الحرب الكورية عام 1950).
بدء الحرب وتوقفها
تبدأ النزاعات المسلحة الدولية بإعلان يتزامن مع بدء العمليات القتالية، وكانت اتفاقية لاهاي الثالثة الموقعة في 18/10/1907 قد نصت على ضرورة خضوع بدء العمليات العدائية لإنذار مسبّق وغير قابل للشك، والذي إما أن يكون بصورة إعلان معلل للحرب، وإما بإنذار مع إعلان حرب مشروطة، على أن هذه القاعدة وإن كان قد تم احترامها في الحرب العالمية الأولى؛ فهي لم تراع في الحرب العالمية الثانية (لم تعلن ألمانيا هجومها على بولونيا والاتحاد السوڤييتي، ولم تعلن اليابان هجومها على الولايات المتحدة الأمريكية) كما أن النزاعات الإقليمية لم تتقيد دائماً بهذا الشرط (الحرب اليابانية ـ الصينية 1931ـ 1933 التي راح ضحيتها أكثر من ستة ملايين قتيل). على أن معظم دساتير الدول احتفظت لنفسها بحق تنظيم إعلان حالة الحرب، (مثل المادة 104 من الدستور العربي السوري لعام 1973، (فقرة (7) من دستور الولايات المتحدة الأمريكية لعام 1787).
على أن البدء بالعمليات القتالية من جانب بعض الدول العربية ضد «إسرائيل» لم يأخذ يوماً الشكل الذي جاءت به الاتفاقية الثالثة لعام 1907 وإلا كان ذلك اعترافاً بدولة «إسرائيل».
تتوقف النزاعات المسلحة إما بصورة مؤقتة عن طريق وقف القتال، وهو قرار عسكري يتخذ باتفاق الأطراف، ويوقف العمليات العدائية بغية إغاثة الجرحى والمرضى ودفن الموتى، وإما عن طريق الهدنة، وهي قرار سياسي يتم التوصل إليه باتفاق أطراف النزاع توطئة للصلح. وفي حال عدم تمديد مدة الهدنة يمكن استئناف العمليات القتالية في أي وقت بعد إنذار العدو، ويعد أي انتهاك جسيم لبنود الاتفاقية مسوغاً لاستئناف العمليات العدائية من قبل الطرف الآخر. أما إنهاء الحرب فلا يتم إلا بمعاهدة صلح أو بفناء الطرف المحارب أو خضوعه التام للطرف المحارب الآخر.
اللجوء إلى القوة المسلحة لحل النزاعات الدولية:
عدّ اللجوء إلى استخدام القوة المسلحة في حل النزاعات الدولية حقاً من الحقوق السيادية للدول. ولم يكن من الجائز مطلقاً التعرض له أو منعه؛ على الرغم من بعض القيود التي حاول فقهاء مدرسة القانون الطبيعي وضعها للحد من هذا الحق مثل ڤيتوريا Francisco de Vitoria ت(1480ـ1546)، وسواريز Francisco Suarez ت(1548ـ1617) اللذين ذهبا إلى التمييز بين الحرب العادلة التي يكون سببها مشروعاً وبين الحرب غير العادلة التي ليس لها دافع مشروع؛ ومن ثمّ فهي محرمة، على أن هذا التمييز بقي مسألة فقهية حتى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين (فالاتفاقية الأولى المعقودة في لاهاي عام 1907 حول حل النزاعات الدولية بصورة سلمية استثنت النزاعات التي تتعلق بالشرف وبالمصالح الحيوية والأساسية للدول من أحكامها، وجعلتها خاضعة لتقدير الدول المعنية).
على أن سوء استعمال سلطة التقدير الممنوحة للدول والتمادي في استخدام القوة المسلحة وسيلة لحل النزاعات الدولية جعل من الضرورة بمكان تقييد هذه الحرية، وجاءت الاتفاقية المتعلقة بالحد من استخدام القوة من أجل إيفاء «الديون التعاقدية» والموقعة في لاهاي عام 1907 أول قيد على هذه الحرية. لكن عهد عصبة الأمم[ر] لم يفلح في إعلان اللجوء إلى القوة المسلحة ـ حلاً للنزاعات الدولية ـ عملاً غير مشروع إلا إذا كانت عدوانية (م 15 من عهد العصبة) ثم جاء ميثاق بريان ـ كيلوغ الموقّع في باريس بتاريخ 20/8/1928، ليدين اللجوء إلى الحرب لحل النزاعات الدولية، وهذا ما أكده ميثاق الأمم المتحدة خاصة في الفقرة (4) من مادته الثانية؛ والتي تدين لجوء الدول إلى التهديد أو استخدام القوة في علاقاتها المتبادلة، و يبدو أن الحرب من أهم مظاهرها، وضرورة حل هذه النزاعات بالوسائل السلمية على وجه لا يجعل السلم والأمن الدوليين عرضة للخطر (م2، ف3)، وذلك على أساس المساواة في السيادة بين الدول (م1، ف1). وهكذا غدت الحرب أو استخدام القوة أو حتى التهديد بها في ظل الميثاق محرمة قانوناً إلا في حالة الدفاع المشروع الفردي والجماعي (م51) أو عندما يكون استخدام القوة باسم الأمم المتحدة عملاً بنظرية الأمن الجماعي التي جاء عليها الفصل السابع من الميثاق.
صور النزاعات المسلحة الدولية
ينطوي مصطلح النزاع المسلح الدولي على مفهومين قانونيين:
1ـ الدفاع المشروع عن النفس.
2ـ العدوان.
1ـ الدفاع المشروع عن النفس: وهو ما ضمنه الميثاق الذي يعدّ دستور العلاقات الدولية عندما نص في مادته الواحدة والخمسين على أنه لا يوجد في الميثاق «ما يضعف أو ينقص الحق الطبيعي للدول فرادى أو جماعات في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة، وذلك ريثما تتدخل القوات التابعة للأمم المتحدة لإعادة الأمن والسلم الدوليين إلى نصابهما». ولقد أكدت محكمة العدل الدولية في قرارها الصادر في 27/6/1886ـ بخصوص نشاطات الولايات المتحدة الأمريكية العسكرية وشبه العسكرية في نيكارغوا ـ هذا الحق الطبيعي العرفي عادّة أن حق الدفاع المشروع لا يمكن أن يمارس إلا بتحقيق شرطين، الأول هو وجود «عدوان مسلح» بناء على التعريف المعطى بالتوصية رقم 3314 للجمعية العامة، والثاني يتعلق بطرق ممارسة هذا الحق التي لم يحددها الميثاق بصورة دقيقة، لكن القانون الدولي العرفي قام بذلك، كضرورة تناسب الرد المسلح والوسائل المستخدمة فيه مع حجم العدوان المرتكب ووسائله.
ويعدّ بعض فقهاء القانون الدولي أن تحرير الكويت ـ طبقاً للقرار 678 عقب الغزو العراقي عام 1990 ـ بوساطة مساهمة عدة دول مالياً أو ع بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية جاء إعمالاً لحق الدول الطبيعي في رد العدوان بصورة جماعية، في حين رأى فيه آخرون أنه جاء تطبيقاً لنظرية الأمن الجماعي الواردة في الفصل السابع من الميثاق.
2ـ العدوان
لم يأتِ ميثاق الأمم المتحدة على تعريف دقيق للعدوان، ولم تفلح عصبة الأمم قبلها بالتوصل إلى مثل هذا التعريف، وكان لابد من انتظار توصية الجمعية العامة رقم 3314 تاريخ 14/12/1974، لتعرف العدوان على الوجه الآتي: «هو استخدام القوة المسلحة من قبل دولة ضد السيادة أو الوحدة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لدولة أخرى أو بأي طريقة أخرى لا تتفق مع ميثاق الأمم المتحدة» مستبعدة باقي أشكال العدوان المحتملة، ثم عدَّدَت المادة الثالثة من هذه التوصية مجموعة من الأفعال تعدّ عدواناً، وذلك على سبيل المثال لا الحصر.
هذا، ويعدّ احتلال أراض تابعة لدولة ما من دون وجه حق جريمة عدوان مستمر، ولا ينتج من هذا الاحتلال نقل السيادة من الدولة المُحتلة إلى المحتل، بل يحق للمحتل أن يمارس ما هو ضروري فقط لإدارة الخدمات العامة وأدائها. ونص الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة على مجموعة من التدابير رداً على الأعمال التي يقرر مجلس الأمن أنها تخل، أو تهدد السلم والأمن الدوليين، أو تعدّ عملاً من أعمال العدوان.
ويبدأ المجلس عادة باتخاذ تدابير مؤقتة كوقف إطلاق النار أو وقف القتال (م40)، ومن ثم للمجلس أن يتخذ ما يراه مناسباً من تدابير قسرية سواء دون اللجوء إلى القوة المسلحة كوقف «الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفاً جزئياً أو كلياً وقطع العلاقات الدبلوماسية» (م41)، أم باللجوء إلى القوات المسلحة البرية والجوية والبحرية (م42) التابعة للأمم المتحدة والموضوعة من الدول تحت تصرف المنظمة وبإدارة لجنة أركان الحرب (م47)، وذلك إن لم تفِ التدابير القسرية غير المسلحة بالغرض المطلوب.
قانون النزاعات المسلحة الدولية
يرافق اندلاع النزاع المسلح الدولي تطبيق قانون خاص بها، واجبه تنظيم حالة الحرب التي حلت محل حالة السلم، مع كل ما ينتجه ذلك من آثار قانونية كإعلان بعض الدول حيادها المؤقت، أو انتهاء بعض المعاهدات (كالاتفاقات التجارية التي تربط الأطراف المتنازعة) وقطع العلاقات الدبلوماسية بين المتحاربين دون أن يعني ذلك بالضرورة قطع العلاقات القنصلية. ويهتم هذا القانون بعلاقة المتحاربين مع بعضهم أو مع غيرهم من المدنيين بهدف إلغاء العنف الزائد وتجنيب المدنيين ويلات الحرب إن أمكن ذلك.
على أن كثيراً من الفقهاء يرى أن هذا القانون غير مجد لأنه يأتي لينظم حالات سبق أن وقعت، ولا يستشعر في حالات جديدة خاصة في عصر التطور المذهل في مجال التقنيات العسكرية، وإنه عديم الفائدة لأن المتحاربين يحذفون قواعده في كل مرّة تسمح لهم الظروف بذلك، ولاسيما في عهد تعدّ محاكمة مجرمي الحرب ومقترفي الجرائم ضد البشرية والسلام استثناءً نادراً ومحصوراً على من يخسر الحرب. بيد أن تزايد عدد الدول الموقعة على اتفاقات جنيڤ لعام 1994 (188 دولة حتى عام 1999) والحق الأول الخاص بالنزاعات المسلحة الدولية لعام 1977 (155 دولة حتى عام 1999) يذهب ليؤكد أن هذه الدول ترى أن لقانون النزاعات المسلحة الذي تكمل أحكامه قواعد القانون الدولي الإنساني [ر] دوراً مهماً في تنظيم العلاقات الدولية زمن الحرب، وأن التقيد بأحكام هذه القوانين قد يخفف من آثار هذه النزاعات، ويحد من تطورها. ويعدّ نجاح الدول في عدّ جرائم الحرب من اختصاص المحكمة الجنائية الدولية الحديثة العهد (1998)، وإعطاء هذه الأخيرة الحق في معاقبة مجرمي الحرب، عاملاً يؤكد رغبة الدول ولو نظرياً في الحد من اللجوء إلى القوة المسلحة لحل النزاعات الدولية دون رقيب أو حسيب.
وينظم هذا القانون ـ بصورة عرفية أو بشكله المقنن (اتفاقات، معاهدات) ـ ثلاثة أنواع من النزاعات المسلحة الدولية: البرية ـ الجوية ـ البحرية.
النزاعات المسلحة البرية
هي نزاعات تدور على أراضي الأطراف المتحاربة، وكانت أولى المعاهدات الناظمة لأحكام هذا النوع من النزاعات هي اتفاقية لاهاي الموقعة في 29/7/1899، ثم جاءت اتفافية لاهاي المتعلقة بقوانين الحرب البرية وأعرافها والموقعة في 18/10/1907، لتعرّف المحاربين بأنهم المقاتلون النظاميون أو غير النظاميين، من المليشيات المقاتلة التي يكون على رأسها شخص مسؤول، وتحمل إشارة مميزة إضافة إلى حمل السلاح بصورة واضحة وتلتزم بأحكام قوانين الحرب في عملياتها القتالية. وتكرس هذه الاتفاقية الحماية نفسها لسكان الأراضي غير المحتلة الذين يحملون السلاح من تلقاء أنفسهم عند اقتراب العدو دون أن يكون لديهم الوقت الكافي لتنظيم أنفسهم في وحدات مقاتلة عادّة إياهم محاربين يعاملون كأسرى حرب، شريطة أن يحملوا سلاحهم جهاراً، ويحترموا قوانين الحرب في صراعهم (م 1)، وحددت هذه الاتفاقية طرق معاملة أسرى هذه النزاعات، ونظمت سير العمليات العدائية من حيث الوسائل المستعملة بهدف إلحاق الضرر بالعدو والحصار والقصف، كما أنها حددت شروط اتفاقات الهدنة والاستسلام والسلطات التي تتمتع بها دولة الاحتلال في الأراضي المحتلة.
ووجدت الدول ـ منذ بداية القرن ـ ضرورة لحماية المؤسسات الفنية والعلمية وحماية الآثار، فعمدت إلى توقيع الاتفاقات التي تلزم الأطراف باحترام حياد هذه الأمكنة دون أي تمييز يقوم على الانتماء الوطني لهذه الآثار والمؤسسات وسواء أكانت منقولة أم ثابتة، والامتناع عن تدميرها أو تعريضها للتلف أو أيّ عمل عدائي آخر (ميثاق زوريخ الموقع في واشنطن في 15/4/1935، واتفاقيات لاهاي حول حماية الممتلكات الثقافية في حالة نزاع مسلح الموقعة في لاهاي في 14/5/1954، والمستكملة ببروتوكول لاهاي لعام 1999).
قيد المشرِّع الدولي حرية الأطراف المتحاربة في اختيار وسائل القتال، فحرم اللجوء إلى الغدر (م33، ف ب، من اللائحة المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية لعام 1907)، والمادة 37 ف1 من البروتوكول الملحق الأول لعام 1977 لاتفاقات جنيڤ لعام 1949، في حين أجاز اللجوء إلى خِدَع الحرب وسائل للتمويه (م24 من اللائحة المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية)، ومن ثم نظم أمر التجسس، فعاقب الجاسوس إن قبض عليه متلبساً (م29ـ30ـ31 من اللائحة نفسها والمادة 46 الملحق الأول لاتفاقات جنيڤ).
ثم عمد المشرِّع إلى تحريم اللجوء إلى استخدام بعض الأسلحة، كتحريم استعمال القذائف (إعلان سان بيترسبورغ لعام 1868)، أو استخدام الرصاص القابل للانتشار أو التمدد في الجسم بسهولة (لاهاي 29/7/1899)، واستعمال الغازات الخانقة والسامة أو ما شابهها والوسائل الجرثومية (جنيڤ في 17/9/1925)، و حظر بعض الأسلحة لكونها مفرطة الضرر أو عشوائية الأثر (جنيڤ في 10/10/1980)، واستعمال الألغام والأشراك الخداعية والوسائط الأخرى (3/5/1996)، والألغام المضادة للأشخاص (جنيڤ 1997)، إلا أن الإدارة الدولية لم تنجح في الاتفاق على ضرورة تحريم السلاح النووي على الرغم من المآسي التي شهدها العالم بعد أن استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية هذا السلاح في الحرب العالمية الثانية ضد اليابان (هيروشيما في 6/8/1942، ونكازاكي 9/8/1945، لتقتل في المرّة الأولى 78150 شخصاً وفي المرّة الثانية 36000 شخص، إضافة إلى عشرات الآلاف من المشوهين)، وذلك على الرغم من الجهود الحثيثة التي قدمتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في هذا المجال (التوصية 1653 بتاريخ 24/11/1961)، والتوصية رقم 46/37 تاريخ 6/12/1991؛ التي ألحق بها مشروع الاتفاقية حول منع الأسلحة النووية (الذي لم يلق أي قبول من قبل جمهور الدول). على أن بعض فقهاء القانون الدولي لا يرون ضرورة في إيجاد نص واضح وصريح لتحريم اللجوء إلى استخدام الأسلحة النووية أو ما شابهها من أسلحة تزيد من الألم بحيث تجعل الأشخاص عاجزين عن القتال، أو تجعل موتهم محتوماً، لأن مثل هذا المنع موجود في إعلان سان بيترسبورغ المشار إليه سابقاً، وهو تحريم يشمل ضمناً اللجوء إلى استخدام الأسلحة النووية، وهذا ما جنحت إليه محكمة العدل الدولية في فتواها الصادرة في 8/7/1996، بناء على طلب موجه من الجمعية العامة للأمم المتحدة لمعرفة فيما إذا كان التهديد باستخدام الأسلحة النووية أو استخدامها فعلياً أمراً مسموحاً بموجب أحكام القانون الدولي حيث أشارت المحكمة بالإجماع إلى أن التهديد باستخدام الأسلحة النووية يخالف الالتزام الذي أخذته الدول على عاتقها عند توقيع ميثاق الأمم المتحدة (بعدم استعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأيّ دولة أو أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة) (م2، ف 4 من الميثاق)،وأن هذا التهديد أو استخدام هذه الأسلحة يتعارض بصفة عامة مع قواعد القانون الدولي خاصة مع قواعد القانون الدولي الإنساني.
ولم يكتف المشرع بتحريم بعض وسائل القتال بل حرّم أيضاً بعض أساليب مهاجمة السكان المدنيين، (الاتفاقية الرابعة لجنيڤ لعام 1949)، ومنع الهجمات العشوائية التي لا توجه إلى هدف عسكري معيّن، أو تستخدم وسيلة قتال لا يمكن حصر آثارها في العسكريين والأهداف العسكرية، ومنع الهجمات التي قد يحصل فيها خلط بين الخسائر المدنية والعسكرية بحيث تتجاوز الخسائر والأضرار المدنية ما كان يستحقه الهجوم من قوة عسكرية مباشرة، كما حرّم الشرع مهاجمة الشخص العاجز عن القتال وإعطاء الأوامر بعدم إبقاء أحد على قيد الحياة أو تهديد الخصم بذلك أو إدارة المعارك على هذا الأساس (م23 و26 من لائحة لاهاي المتعلقة باحترام قوانين وأعراف الحرب البرية لعام 1907، والمواد 40ـ41و51 من الملحق الأول لعام 1977 لاتفاقات جنيف لعام 1949).
النزاعات المسلحة البحرية:
هي العمليات العدائية التي تصطدم بموجبها قوة بحرية عسكرية تابعة لدولة ما بقوة بحرية، أو تمارس ضد طيران العدو أو ضد القوات البرية العسكرية وغير العسكرية التابعة لدولة أخرى. وتدور هذه النزاعات ـ حسب ما ورد في دليل سان ريمو المتعلق بقواعد القانون الدولي المطبق في النزاعات المسلحة في البحار لعام 1994ـ في المياه الإقليمية والمنطقة الاقتصادية الخالصة والجرف القاري للدول المتحاربة، وعند الضرورة في المياه «الأرخبيلية»، كما يمكن أن تدور في أعالي البحار وفي المنطقة الاقتصادية الخالصة والرصيف القاري للدول «المحايدة» دون المياه الإقليمية لهذه الأخيرة.
تتكون القوة الحربية البحرية من السفن الطافية على وجه الماء، وأضافت إليها معاهدة لندن الموقعة في 22/4/1930 الغواصات، ويضاف إليها السفن المخصصة لخدمة الأسطول الحربي من سفن النقل العسكري وحاملات الوقود والمستشفيات البحرية المتنقلة. وتعدّ السفن حربية إذا كانت مسجلة في سجلات البحرية العسكرية لدولة ما يقودها ضابط يعمل في هذه البحرية العسكرية وعلى متنها بحارة ينتمون إلى هذه البحرية العسكرية، وترفع علم هذه البحرية الحربية وشارتها.
على أن البعد الجديد للنزاعات المسلحة البحرية يتمثل في تطور السفن المقاتلة من حيث تزويدها بالسلاح النووي، وفي تسابق الدول على تطوير هذا النوع من الأسلحة (تشير إحصاءات أجريت عام 1986، إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تملك 36 غواصة تطلق رؤوساً نووية و90 غواصة نووية هجومية، ويملك الاتحاد السوڤييتي سابقاً 115 غواصة من النوع الأول و67 من النوع الثاني، وتملك بريطانيا 4 غواصات من النوع الأول، و13 من النوع الثاني، وتملك فرنسا 6 غواصات من النوع الأول واثنتين من النوع الثاني). ولم تفلح الاتفاقية الموقعة في شباط/فبراير في عام 1971 والتي دخلت حيز التنفيذ في أيار/مايو من عام 1972 حول «منع تركيز الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل في قاع المحيطات وما تحته من طبقات» في منع الغواصات التي تسير على الطاقة النووية أو تحمل سلاحاً نووياً أو تدميرياً شاملاً جماعياً من المرور مادامت أنها متحركة وغير ثابتة في مكانها. على أن الاتفاقية نجحت في منع تركيز أو منع الأسلحة النووية أو نماذج أخرى من أسلحة الدمار الشامل في قاع البحار وما تحته من طبقات وإقامة الأبنية لتخزين مثل هذه الأسلحة أو تجريبها أو استعمالها.
وللنزاع المسلح البحري كما في النزاعات المسلحة البرية وسائل قتال مسموحة وأخرى محظورة، فالخدع مسموحة، لكن وسائل الغدر محرمة (م115وم111 من دليل سان ريمو)، ويمكن فرض الحصار على سواحل العدو بغرض قطع الاتصال مع البحر شريطة أن يكون لهذا الحصار ضرورة عسكرية تسوّغه كوجود سفن محاربة في مكان الحصار، وأن يتم تبليغ هذا الحصار للمتحاربين وللدول المحايدة (م93 و95 من دليل سان ريمو).
على أن الحصار يصبح غير مشروع إذا كان الغرض منه هو تجويع المدنيين أو منع وصول المواد الأخرى الضرورية لبقائهم، أو إذا كان الضرر الناتج من هذا الحصار أكبر بكثير من الفائدة العسكرية المرجوة منه (م102 من دليل سان ريمو).
ومن خصوصيات الحرب البحرية إمكانية ممارسة حق الاستيلاء على أملاك العدو (حق الاغتنام)، فيجوز ضبط السفن المعادية سواء أكانت تجارية أم غير تجارية وضبط بضائعها خارج مياه الدول المحايدة إلا إذا كانت محمولة على سفينة محايدة تطبيقاً للقاعدة التي أرساها إعلان باريس حول تنظيم الحصار البحري لعام 1856 من أن «العَلَم يغطي البضاعة، ولا يصادرها».
وكانت اتفاقية لاهاي الثانية عشرة لسنة 1907 قد نصت على إنشاء «محكمة دولية للغنائم» للنظر في الاستئنافات المقدمة ضد قرارات المحاكم الوطنية للغنائم والتي يعود لها عرفاً حق النظر في صحة الاغتنام أو في عدم صحته، غير أن هذه المحكمة لم تولد بعد.
ويعتقد المحللون السياسيون أن الثروات المكتشفة حديثاً في أعماق البحار والمحيطات ستجعل من هذه الأماكن مركز خلاف جديد وحاد بين دول الشمال التي تملك التكنولوجيا الضرورية لاستخراج هذه الثروات وبين دول الجنوب التي تشرف على هذه المناطق، وهذا سيشجع على احتكار هذه المناطق وجعلها مسرحاً لحروب بحرية.
النزاعات المسلحة الجوية:
تعدُّ هذه النزاعات حديثة العهد نسبياً، إذا ما قورنت بالنزاعات المسلحة البرية والبحرية، فهي لم تظهر على نحو واضح إلا في الحرب العالمية الأولى، ومنذ ذلك التاريخ بدأ التفكير بضرورة وضع قواعد ناظمة لأساليب القتال الجوي ووسائله على أنه لابدّ من القول: إن إرادة الدول لم تنجح في الاتفاق على قواعد مقننة تتعلق بهذا النوع من النزاعات، وعليه فإن المبادئ العامة لقانون النزاعات المسلحة البرية والبحرية تسري على النزاعات المسلحة الجوية. فيحق للمتحاربين مثلاً خرق الأجواء التي تعلو إقليم العدو ومياهه الإقليمية وأعالي البحار، ولكن لا يحق خرق أجواء الدول المحايدة والأشخاص المحايدين في الحرب البرية (المادة 13 من اتفاقية لاهاي المتعلقة بحقوق وواجبات المحايدين في الحرب البحرية لعام 1907، والمادة 40 من مشروع إعلان لاهاي حول الحرب الجوية لعام 1923)، ويخرج الإذن بمرور الأسطول الحربي الجوي لدولة ما في نزاع مسلح مع دولة أخرى فوق أراضي دولة محايدة هذه الأخيرة عن حيادها.
وتعدّ طائرة حربية كل طائرة يقل وزنها، أو يزيد على وزن الهواء، وتحمل علامة خارجية تدل على جنسيتها وطابعها العسكري، ويكون حجمها كبيراً بقدر الإمكان حتى يمكن رؤيتها، وتشمل هذه الطائرات النقل والاستكشاف وحاملات الجنود والعتاد. ويمكن أن يضاف إليها في هذه الأيام الصواريخ البالستية وما شابهها.
وعلى القوات المسلحة الجوية أن تراعي في عملياتها القتالية ما حرمه القانون الدولي من وسائل قتال، وعدم اللجوء إليها لقساوتها أو لعدم الحاجة إليها عسكرياً، ويحق لها أن تلجأ للتجسس واستخدام وسائل الخداع كوضع مجسمات تمثل طائرات لإيهام العدو بوجود تجمعات منها في منطقة ما، أو إخفاء هذه الطائرات أو طليها بطلاء يضلل العدو عندما تكون جاثمة على الأرض، لكن لا يحق لهذه القوات اللجوء إلى وسائل الغدر كاستخدام شارات العدو وأعلامه مثلاً.
وتعدّ النزاعات المسلحة الجوية أحدث تقنيات الاقتتال وأسرعها، فما قامت به الولايات المتحدة الأمريكية ضد العراق عام 1991 في إطار حرب الخليج (الحرب الجراحية) من قصف دام ستة أيام (من 17/2 ـ 23/2) كان السبب الحقيقي والمباشر لتحطيم الجيش العراقي، وهدم البنى التحتية للدولة بكاملها، وللتقهقر المريع للقوات المسلحة العراقية أمام الجيش الأمريكي الذي كان يقود نوعاً من أنواع التحالف الدولي بغية تحرير دولة الكويت.
على أن بعض السياسيين ـ خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية ـ يدَّعون أن هذه الحرب (الحرب الجوية) هي حرب نظيفة، يتم فيها تدمير الأهداف العسكرية فقط دون إلحاق الأذى بالمدنيين. بيد أن هذه النظرية لم تستطع أن تصمد أمام الأخطاء المقصودة أو غير المقصودة التي قام بها الطيران الأمريكي مع حلفائه في حرب عام 1991 ضد العراق أو في هجومه على هذا الأخير بالاشتراك مع البريطانيين عام 1998، وهو هجوم استمر حتى عام 1999 وعلى أهداف لم يدخلها قرار مجلس الأمن 687 لعام 1991 (الذي عدّ السند القانوني لضرب العراق) في الأهداف المشمولة (منطقة الطيران الممنوع فوق خط العرض 36ْ وتحت خط العرض 32 ْ).
الحياد في زمن النزاع المسلح
وهو ما يطلق عليه عادة مصطلح الحياد المؤقت لتمييزه عن مؤسسة قانونية أخرى تدعى الحياد الدائم، وهو نهج تختاره بعض الدول لتضع نفسها في حياد زمن السلم وزمن الحرب، أما الحياد المؤقت فهو تصريح اختياري ومن جانب واحد تعلن فيه دولة ما عن عدم رغبتها في الدخول في نزاع مسلح دولي لتصبح طرفاً فيه، كما أنه يبقى لها الخيار وحدها في قطع هذا الحياد بإعلان انتهائه، ورغبتها في الدخول في نزاع مسلح قائم (بقيت الولايات المتحدة الأمريكية في حياد في الحرب العالمية الأولى حتى عام 1917).
تمتنع الدول المحايدة عن تقديم أيّ مساعدة مباشرة أو غير مباشرة لدعم جهود القتال بين القوات المتحاربة مقابل احترام هؤلاء لحيادها.
حددت اتفاقات متتالية حقوق الدول المحايدة وواجباتها، فالاتفاقية الثالثة والثالثة عشرة لعام 1907 في لاهاي حددتا حقوق الدول المحايدة والأشخاص المحايدين وواجباتهم في النزاعات المسلحة البرية والبحرية، ومن أهم الحقوق التي تتمتع بها هذه الدول هو عدم انتهاك حرمة أراضيها ومياهها، وبالمقابل يقع على عاتق هذه الأخيرة أن تمتنع عن تقديم يد العون للمتحاربين بصورة تدعم تطور النزاع، دون أن يعني ذلك عدم قدرتها على إقامة علاقات تجارية مع المتحاربين أو بعضهم، كما أن الدولة المحايدة لا تلتزم بمنع تصدير أسلحة أو ذخيرة حربية أو نقلها لمصلحة أحد الأطراف المتحاربة أو أي شيء يفيد الجيش أو الأسطول (م 6 من حقوق وواجبات الدول في حالة حرب برية، م7 من حقوق وواجبات الدول في حالة حرب بحرية)، إلا أنه يمنع على الدول المحايدة أن تزود دولة متحاربة بصورة مباشرة أو غير مباشرة بالسفن الحربية أو الذخيرة أو بالمعدات الحربية أياً كان نوعها (م 6 من حقوق وواجبات الدول في حالة حرب بحرية).
ويعتقد بعض الفقهاء أن ميثاق الأمم المتحدة كان قد أنهى حالة الحياد في النزاعات المسلحة الدولية، وذلك عندما نص في مادته الثانية فقرة (5) على «واجب الدول الأعضاء أن يقدموا كل ما في وسعهم من عون للأمم المتحدة في أي عمل تتخذه وفق هذا الميثاق»، ومن ثمّ فإن القرارات التي يمكن لمجلس الأمن أن يتخذها ضمن إطار الفصل السابع من الميثاق والخاص بحل النزاعات التي تهدد السلم أو تخل به، أو في حالة وقوع عدوان، والتي قد تتطلب اللجوء إلى القوات المسلحة التابعة للأمم المتحدة تمزق حياد الدول أو تنهيه تماماً، لكن الحقيقة أن فقهاء آخرين يعدّون أن ما جاء في المادة 48 من الميثاق والذي يعطي الخيار للمجلس أن يختار من يشاء من الدول لتنفيذ قراراته التي تتعلق بحفظ السلم والأمن الدوليين، هو تمييز بين المساهمة المباشرة في العمليات القسرية التي يقوم بها المجلس، وتتطلب استخدام قوات مسلحة وبين مجرد تقديم المساعدة لهذا الأخير، ليخلق حسب رأي فئة ثالثة وضعاً جديداً يراوح بين الحياد والتدخل في النزاع القائم، وهذا ما يعرف قانوناً تحت اسم «الحياد التفاضلي».
انتهاء النزاعات المسلحة الدولية
ينتهي النزاع المسلح الدولي إما بعقد معاهدة صلح بين الأطراف المتحاربة وإما بتوقيع معاهدة استسلام من قبل أحد الأطراف المتحاربة معلناً فيه خضوعه خضوعاً تاماً للطرف أو لباقي الأطراف في النزاع، ولا تعدّ اتفاقات الهدنة حالة من حالات انتهاء الحرب.
أما معاهدات الصلح فتبرم في التقاء المتحاربين على مائدة المفاوضات لحل خلاف قائم بينهم أفضى بهم إلى الاقتتال، ولا يشترط في هذه المعاهدات أن تكون جميع الأطراف دولاً، بل يمكن أن تكون منظمات ثورية أو منظمات تحرير وطنية (جمع اتفاق أوسلو بين «إسرائيل» ومنظمة التحرير الفلسطينية)، ومن أولى نتائج هذه الاتفاقات هي إحلال حالة السلم محل حالة الحرب مؤدية إلى انتهاء العمليات العدائية المسلحة وإلى تبادل الأسرى بين المتحاربين وانتهاء احتلال الأراضي إن أفضى النزاع المسلح إلى ذلك. هذا إلا إذا ذهبت إرادة المتعاقدين إلى خلاف ذلك. وتعدّ هذه المعاهدات مناسبة لإعادة العلاقات بين الأطراف المتحاربة خاصة فيما يتعلق بالمعاهدات التي كانت تربط بينهم والتي يبطلها النزاع المسلح الدولي (المعاهدات الثنائية) أو التي يتوقف العمل بها في مدة النزاع (المعاهدات المتعددة الأطراف التي تعلق أحكامها في العلاقات بين الأطراف المتحاربة دون أن يؤثر ذلك في باقي أطراف المعاهدة في علاقاتهم المتبادلة في مدة النزاع).
الاتفاقية الدولية:
تعدّ معاهدات الاستسلام من أقسى المعاهدات وأقلها توازناً حيث يفرض المنتصر إرادته ويملي طلباته على الخاسر (نتج من استسلام ألمانيا غير المشروط ـ عقب الحرب العالمية الثانية ـ اختفاء الحكومة الألمانية وتسليم مقاليد إدارة البلاد للدول الأربع المنتصرة تحت إشراف مجلس للمراقبة دون المساس بالسيادة الألمانية إلى أن قسمت هذه الأخيرة إلى دولتين: شرقية تدور في فلك الاتحاد السوڤييتي والمعسكر الشرقي، وغربية تدور في فلك المعسكر الغربي الرأسمالي، لكل منهما حكومة شرعية، وتم إنهاء الاحتلال عام 1955 تطبيقاً لاتفاقات عام 1952 وعام 1954). وقد ظلت ألمانيا مجزأة إلى دولتين إلى أن توحدتا في مطلع التسعينيّات، وذلك بعد انهيار الاتحاد السوڤييتي وتفكك منظومة دوله.
ثانياً ـ النزاعات المسلحة الداخلية (غير الدولية) أو ما كان يعرف بالحروب الأهلية
هي «نزاع ينفجر ضمن أراضي دولة ما، متخطياً حدود التمرد الشعبي أو العصيان»، وتعدّ درجة العنف التي وصل إليها الصراع الدائر بين الأفرقاء المعيار الذي يميز بين الحرب الأهلية guerre civile والعصيان أو التمرد rébellion وقد كان علم الفقه الإسلامي سباقاً في إيجاد أحكام لهذه الحالة فيما أسمي دار البغي [ر]. ولم يحدد قانون النزاعات المسلحة في اتفاقات عام (1899ـ1907ـ1929ـ1949) مفهوم النزاع المسلح غير الدولي، والذي يجبّ مفهوم الحرب الأهلية، بل كان لابد من انتظار الملحق الثاني لاتفاقات جنيڤ لعام 1949، والموقع عام 1977؛ ليحدد موقف المشرّع الدولي من هذه النزاعات، عادّاً أن أحكام هذا الملحق تنطبق على النزاعات «التي تدور على إقليم أحد الأطراف السامية المتعاقدة بين قواته المسلحة وقوات مسلحة منشقة أو جماعات منظمة مسلحة أخرى، وتمارس تحت قيادة مسؤولة على جزء من إقليمه من السيطرة ما يمكنها من القيام بعمليات عسكرية متواصلة ومنسقة»، مميزاً إياها عن «حالات الاضطرابات والتوتر الداخلية مثل الشغب وأعمال العنف العرضية الأخرى وغيرها من الأعمال ذات الطبيعة المماثلة التي لا تعدّ منازعات مسلحة».
ويختلف أمر تحديد لحظة اندلاع هذا النزاع وانتهائه عما هو عليه الحال في النزاعات الدولية المسلحة، فتلك تبدأ غالباً بإعلان بدء العمليات القتالية أو الإنذار الرسمي باحتمال اندلاعها وفق شروط معيّنة يحددها الإنذار، وتتوقف بتوقيع هدنة armistice منتهية بتوقيع معاهدة صلح traité de paix، في حين يسبق الحرب الأهلية حالة فوضى تامة في معظم المرافق العامة في الدولة، وتصبح السلطة التنفيذية مشلولة الحركة غير قادرة على المحافظة على الأمن والسلم الداخليين؛ إضافة إلى تعطل المصالح الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وتغيب الرقابة والقضاء؛ لتجعل من الحرب الأهلية تعبيراً عن الانفجار السياسي والاجتماعي لمجتمع ما، تفقد فيه الدولة أسسها بغية تحطيم هذا الكيان وإعادة بنائه من قبل القوة المنتصرة.
تتحول الحرب الأهلية من نزاع مسلح داخلي إلى نزاع مسلح دولي عند تدخّل طرف دولي أجنبي فيه؛ على أن تقديم المساعدة المادية أو الدعم التكتيكي والاستراتيجي للأفرقاء لا يغيّر من الطبيعة القانونية للنزاع، وعلى الصورة نفسها لا تعدّ تلبية دعوة الحكومة الشرعية لدولة أخرى بالتدخل العسكري عاماً يحول النزاع من نزاع مسلح داخلي إلى نزاع مسلح دولي.
للحرب الأهلية هدفان:
ـ فهي إما أن تهدف من خلال صراع الفئات المتحاربة إلى اقتسام السلطة في دولة النزاع بوساطة تقسيم الإقليم المعني إلى عدة دول (الحرب الانفصالية الأمريكية لعام 1861، حيث حاولت إحدى عشرة ولاية الانفصال عن الولايات المتحدة الأمريكية؛ لتشكل «الدول المتحدة لأمريكا» على مساحة قدرها 750.000 ميل مربع من أصل مساحة الولايات المتحدة بكاملها). ويرافق هذا النوع من الحروب عادة حركة تهجير للسكان وإعادة توزيعهم حسب أديانهم أو قومياتهم سواء أكان ذلك بالتهجير (خارج حدود الدولة) أم بالنزوح (داخل حدود الدولة)، ويعدّ الصراع في يوغوسلافيا سابقاً والذي أدى إلى تقسيمها إلى عدة دول حسب المذاهب الدينية لغالبية سكان أقاليمها من أعنف الصراعات التي شهدتها الأسرة الدولية خاصة الأوربية في نهاية القرن العشرين من حيث ممارسات التطهير العرقي والديني والطائفي بهدف قيام دول جديدة تتخلص من أقلياتها الدينية أو لتسيطر عليها سيطرة تامة.
ـ وإما أن تهدف إلى إيصال فئة من الفئات المتحاربة إلى زمام السلطة أو إلى تدعيم مواقفها وزيادة حظوتها. وقد يكون الصراع في غالبه ذا بعد طائفي (الحرب الأهلية اللبنانية لعام 1975)؛ أو بعد عرقي (الحرب الأهلية في رواندا بين التوتسي والأوتو لعام 1994)؛ أو بعد عقائدي سياسي (الحرب الأهلية في أفغانستان).
ويستخدم عادة في هذا النوع من النزاعات مختلف وسائل العنف المسلح وغير المسلح، وتكون الساحة الداخلية مسرحاً لهذا العنف، حيث تعتمد الفئات المحاربة على قتال الشوارع (حرب العصابات أو حرب القناصة)؛ إضافة إلى جملة من أعمال العنف الأخرى كخطف المدنيين، اغتيالات عشوائية، اغتيالات منظمة لرجال سياسة أو اقتصاد أو دين، تفجير مركبات، إلقاء قنابل في أماكن التجمع العامة، وتعدّ هذه الأعمال من فئة أعمال الإرهاب [ر] التي تمارس في الحرب الأهلية، سواء أكان ذلك الإرهاب داخلياً أم دولياً.
على أن الحرب الأهلية تخضع من حيث المبدأ لقواعد القانون الداخلي؛ ولسيادة الدولة صاحبة العلاقة، وبهذه الوسيلة مثلاً حاولت فرنسا إقصاء الأمم المتحدة عن الحرب الجزائرية بعدّ هذه الأخيرة حرباً أهلية، وليست حرباً دولية.
تعدّ الحرب التي تشنها الولايات الأعضاء ضد الحكومة المركزية في دولة فيدرالية من الحروب الأهلية؛ لأن هذه الوحدات لا تعدّ دولاً بالمعنى الذي يذهب إليه مفهوم هذه الأخيرة في القانون الدولي (حرب الانفصال الأمريكية 1861ـ1865)، أما الدول الداخلة في اجتماع دولي فتعدّ حروبها ضد بعضها بعضاً حروباً دولية، ويجب عدم تجنيد الأطفال دون الخامسة عشرة من العمر في القوات أو الجماعات المسلحة وعدم إشراكهم في الأعمال العدائية، وضمان حماية المرافق العامة اللازمة للحياة اليومية وحماية الأعيان الثقافية وأماكن العبادة، وحظر الترحيل الجبري للمدنيين أو دفعهم إلى النزوح، وحظر تجويع المدنيين أسلوباً من أساليب القتال؛ وإيلاء المنظمات الدولية غير الحكومية اهتماماً خاصاً، حيث يسمح لجمعيات كالصليب الأحمر والهلال الأحمر الدوليين أن تعرض خدماتها على الأفرقاء بحياد وفق ما تمليه المهمة ذات الطابع الإنساني التي أناطت نفسها بها.
أمل يازجي
المراجع
الموسوعة العربية
التصانيف
الأبحاث