مواد الصقل أو الكشط abrasives هي مواد مكونة من حبيبات بلورية قاسية وخشنة تستطيع كشط سطوح المواد الأقل قساوة حين تحك بها، حيث تجرف بحروفها الحادة أجزاءً من السطح المراد كشطه، وخصوصاً النتوءات، لتجعله صقيلاً ناعماً. وتشتمل هذه المجموعة على العديد من المواد الطبيعية والصنعية، والتي تتفاوت في قساوتها بين اللينة جداً والصلبة جداً.
 
تستخدم مواد الصقل بأشكال ومقاييس مختلفة، فمنها ما يصنع على شكل عجلات جلخ دوارة (أحجار الجلخ)، ومنها ما يلصق على صفائح ورقية أو قماشية أو سيور مرنة، أو يستخدم في تحضير معاجين أو مستحلبات للصقل الناعم والتلميع، ومنها أيضاً ما يستخدم على شكل حبيبات ناعمة تُقذف بالهواء المضغوط على السطح المراد صقله. وقد استطاعت الصناعة الوصول إلى منتجات فائقة الدقة في مواصفاتها، مثل تلك التي تستخدم في صناعة السيارات والطائرات والصناعات الفضائية.
 
لمحة تاريخية
 
 يعود استخدام الإنسان لمواد الصقل إلى بداية العصر الحجري، حين كان يحك قطع الحجارة بعضها ببعض لصنع أسلحته وأدواته، وليعطيها الأشكال المناسبة. تظهر الرسومات المكتشفة لقدماء المصريين استخدامهم للمواد الكاشطة في صقل المجوهرات والمزهريات وغيرها، وكانت حبات الرمل الممزوجة ببعض المواد اللينة بمثابة أوراق الجلخ في تلك الحقبة. وفي وقت متأخر بدأ الصناع محاولات للصق حبيبات الرمل على أرضية مرنة باستخدام المواد الخام اللاصقة المتوافرة في الطبيعة، وتبين بعض الوثائق الصينية المتبقية من القرن الثالث عشر كيفية لصق كسيرات الصدف على رقائق ورقية. وبعد ذلك بقرنين أصبح السويسريون قادرين على لصق مسحوق الزجاج على رقائق ورقية وتصنيع أوراق الجلخ.
 
وقد تبين أن أوراق وحجارة الجلخ المصنوعة من مساحيق الزجاج أو الرمل سرعان ما تتآكل حروف حبيباتها الكاشطة، ولم تعد تفي بالاحتياجات الطارئة نتيجة التطور الصناعي في القرن التاسع عشر، لذلك كان لا بد من البحث عن مواد صقل جديدة. وفي عام 1873 نجح أحد العاملين في إحدى الشركات الأميركية المصنعة للخزفيات في الحصول على مادة زجاجية كاشطة (بتحميص كمية من السنبادج مع كمية من الغضار)، كانت أكثر فاعلية في تصنيع أحجار الجلخ. وتوالت بعد ذلك المحاولات الناجحة للحصول على مواد أكثر ملاءمة للاحتياجات الجديدة، وتوصلوا قبل نهاية القرن التاسع عشر إلى إنتاج أكسيد الألمنيوم وكربيد السيليسيوم صناعياً بمساعدة الأفران الكهربائية. وفي عام 1955 توصلت شركة جنرال إلكتريك إلى تصنيع الماس الصناعي.
 
مواد الصقل الطبيعية
 
حلت محل أكثر مواد الصقل الطبيعية مواد مصنّعة، لأن أكثر المنتجات الصناعية التي تُعرّض للصقل يجب أن تكون متجانسة ومتماثلة من حيث دقة المقاييس ونعومة السطوح، ويتطلب هذا استخدام مواد كاشطة قادرة على المحافظة على خواصها ومقاييسها في أثناء الاستخدام المتكرر بين قطعة وأخرى من قطع المنتَج، في حين تتباين مواد الصقل الطبيعية كافة (عدا الماس) بتباين أماكن تعدينها وخواصها ومعدلات تآكلها في أثناء الاستخدام. أما أهم مواد الصقل الطبيعية فهي:
 
1ـ الألماس[ر] diamond: ويعد أقسى مادة معروفة. وكانت الهند المصدر الرئيسي للألماس حتى منتصف القرن التاسع عشر ثم اكتشف في جنوب إفريقيا التي أصبحت وما زالت تسوَّق نحو 95% من كمية الألماس عالمياً، مع أنه اكتشف فيما بعد في العديد من الأماكن مثل البرازيل وأستراليا وغانا وفنزويلا وغيرها.
 
يتركز الاستخدام الرئيسي للماس في صناعة المجوهرات، إلا أن حجارة الألماس التي لا تصلح لهذا الغرض تحوّل للاستخدامات الصناعية، فتسحق إلى حبيبات بحجوم مختلفة، لتصنع منها أقراص وسيور الجلخ وأقراص القص ومساحيق التنعيم والتلميع، ولتستخدم في قص وجلخ وتنعيم بعض المواد القاسية جداً مثل أدوات القطع الحاوية على كربيد التنغستين وغيرها.
 
2ـ الكوروندوم corundum: وهو بلورات أكسيد الألمنيوم الطبيعية، ويوجد بكميات كبيرة في جمهورية جنوب إفريقيا والهند وكندا وغيرها، وتتباين خواصه بتباين أماكن وجوده وحتى ضمن المكان الواحد، مما يجعله غير صالح لتصنيع أقراص الجلخ الصناعية، ويقتصر استخدامه على جلخ الزجاج، وتحضير مساحيق تنعيم السطوح وتلميعها.
 
3ـ السنباذج emery: وهو أيضا ًيتكون من بلورات أكسيد الألمنيوم إلا أنه أقل نقاءً من الكوروندوم وبلوراته صغيرة تتوضع في أرضية من أكسيد الحديد. مصادره الرئيسية تركيا واليونان. حبيباته مكورة قليلة الحواف مما يجعله أكثر ملاءمة للتنعيم والتلميع منه للجلخ، لذلك كان وما زال يستخدم في صناعة أوراق الشحذ القماشية.
 
4ـ العقيق الأحمر garnet: وهو أفضل من الصوان ومايزال يستخدم في صنع أدوات الكشط المستخدمة في الصناعات الخشبية والجلدية، وتمتاز بلوراته بحوافها الحادة التي إذا تكسرت ظهرت لها حروف حادة جديدة تبقيها صالحة للاستخدام.
 
5ـ الصوّان flint: ويوجد في أنحاء العالم كافة، وأهم أنواعه الصوان الكوارتزي الذي تصنع منه بعض أدوات الجلخ، وهي قليلة الجودة لأن حبيبات الصوان سرعان ما تفقد حوافها الحادة.
 
6ـ الكوارتز quartz: وهو المكون الرئيسي للرمل والحجر الرملي الذي كانت تنحت منه حجارة الطواحين وعجلات الجلخ إلى عقود قريبة، وماتزال تستخدم في بعض الصناعات الزجاجية والخشبية المحدودة الإنتاج. تستخدم حبيبات الكوارتز المقذوفة بالهواء المضغوط في تنظيف وتنعيم سطوح المسبوكات وتنظيف الجسور وجدران الأبنية.
 
7ـ المواد الطبيعية الأخرى: هناك العديد من المواد الأقل قساوة والأقل استخداماً من السابقة مثل: الطف البركاني pumice، والترابة الطرابلسية tripoli، والتالك talc، والحجر الجيري limestone، وهي غالباً ما تستخدم في تنعيم وتلميع السطوح المعدنية بعد تحضيرها على شكل مساحيق أو معاجين أو صوابين تنعيم.
 
مواد الصقل الصنعية
 
مع أن صناعة كربيد السيليسيوم وأكسيد الألمنيوم بدأت في أواخر القرن التاسع عشر إلا أن استخدامها على نطاق واسع لم يتم إلا في سبعينات القرن العشرين لارتفاع تكاليف إنتاجها بالأفران الكهربائية، وكان استخدامها يقتصر على إنتاج بعض أدوات الجلخ التي تحتاجها الصناعات الدقيقة. أما أهم مواد الصقل الصنعية فهي:
 
1ـ كربيد السيليسيوم: وقد عرف بأسماء تجارية عديدة أهمها الكربوروندوم carborundum. وأول من أنتجه المهندس الأميركي أتشيسون Acheson عام1891 بوضع مزيج من الغضار ومسحوق فحم الكوك في فرن كهربائي وتسخينه إلى درجة حرارة عالية (نحو 2500درجة مئوية) ليتم الحصول على مادة بلورية لماعة ذات قساوة عالية. ويجري إنتاجه اليوم بالطريقة نفسها ويستخدم الكوارتز النقي بدلاً من الغضار.
 
2ـ أكسيد الألمنيوم: تمكنت إحدى الشركات الكهروكيمياوية في نيو جرسي بالولايات المتحدة في عام1897من إنتاج كميات تجريبية من أكسيد الألمنيوم البلوري، وبعد أن أثبت المنتج الجديد صلاحيته، أنشئ له مصنع خاص قرب شلالات نياغارا عام 1901 ليبدأ إنتاجه بكميات تجارية.
 
المادة الخام لإنتاج أكسيد الألمنيوم هي البوكسيت bauxite (الفلز الرئيسي في تعدين الألمنيوم)، الذي يتكون من أكسيد الألمنيوم المائي إضافة إلى العديد من الشوائب، مثل أكاسيد بعض المعادن الأخرى وغيرها. يوضع الفلز في فرن تحميص لتخليص أكسيد الألمنيوم من جزيئات الماء المرتبطة به، ثم ينقل إلى أفران تعمل بالقوس الكهربائية، حيث يصهر ويترك لتترسب أكثر شوائبه. ثم يبرّد ليتجمد ببنية بلّورية تختلف خواصها باختلاف سرعة التبريد التي من خلال التحكم بها يمكن التحكم بنوعية البلورات لتناسب مختلف الاستخدامات.
 
3ـ الماس الصنعي: كانت تكاليف إنتاج الماس الصنعي في بدايات تصنيعه تفوق أسعار الماس الطبيعي، غير أنه أثبت أنه أكثر كفاءة من الماس الطبيعي عند استخدامه في أقراص جلخ أدوات القطع التنغستينية عالية القساوة وشحذها، ذلك لأن سطوح بلوراته أقل انتظاماً من سطوح بلورات الماس الطبيعي. ينتج الماس حالياً بأشكال وأحجام مختلفة تناسب مختلف أدوات ومواد الصقل من جلخ وشحذ وتنعيم.
 
4ـ كربيد البورون: ينتج في أفران كهربائية من حمض البورون وفحم الكوك، ومع أن قساوته تفوق قساوة كربيد السيليكون فإن استخدامه يكاد يقتصر على صناعة بعض مواد شحذ أدوات القطع التنغستينية.
 
5ـ نتريد البورون: وهو أقسى بمرتين من كربيد السيليسيوم، إلا أن تكاليف إنتاجه التي تفوق تكاليف إنتاج الماس، ومتانته المنخفضة تحدّان من إمكانية استخدامه.
 
هناك العديد من المواد الصناعية الأخرى المستخدمة مواد صقل، منها حبيبات الخلائط المعدنية كالحديد والفولاذ وغيرها التي تستخدم في قذف سطوح المسبوكات لتنظيفها وتنعيمها، وكذلك الصوف الفولاذي الذي تصنع منه الفراشي الدوارة المستخدمة في تنعيم وتلميع سطوح بعض القطع المعدنية وغيرها.
 
تطبيقات الصقل
 
يعد الجلخ من أهم تطبيقات استخدام مواد الصقل في المجال الصناعي. لا يمكن تصور منتج صناعي لا تدخل عملية الجلخ والشحذ في إنتاجه بشكل أو بآخر، وتتدخل عجلة الجلخ والكواشط الأخرى في الإنتاج مباشرة، كما في عمليات إنهاء بعض أجزاء الآلات والمنتجات المعدنية التي يشترط فيها دقة المقاييس، أو نعومة محددة للسطوح، أو ثانوياً في جلخ وشحذ أدوات ووسائل الإنتاج.
 
تتراوح حجوم ومقاييس عجلات الجلخ المستخدمة في الصناعة بين الضخمة التي قد يصل وزنها إلى عشرة أطنان (كالمستخدمة في صناعة عجينة الورق)، وبين الصغيرة التي لا يتجاوز قطرها نصف الميليمتر (كالمستخدمة في إنهاء سطوح بعض الكريات الصغيرة اللازمة لصناعة المدحرجات).
 
أما أقراص القص المصنوعة من مواد الصقل فقد حلت اليوم محل المنشار الفولاذي في قص المعادن والصخور وغيرها من المواد الصلبة وتقطيعها.
 
وإلى جانب الصناعة فإن مواد الصقل تدخل في صنع الكثير من المواد والأدوات المستخدمة في مجالات الحياة المختلفة مثل الطب وطب الأسنان وإكساء المباني والتدبير المنزلي وغيرها.
 
جميل أبو جهجاه

المراجع

الموسوعة العربية

التصانيف

الأبحاث