كسب الإقليم في القانون الدولي
الإقليم Territory، هو أحد العناصر الثلاثة المكوّنة للدولة في القانون الدولي (إلى جانب الشعب People والسيادة Sovereinty)؛ إذ لابد لوجود الدولة من أن يكون لها إقليم محدد يقيم عليه شعبها إقامة دائمة؛ فالبدو الرحلّ لا يؤلفون دولة. والمقصود بالإقليم هو البقعة المحددة من الأرض التي تمارس عليها السلطة في الدولة سيادتها، ويضاف إليها الرقعة من الماء الموازية لسواحلها إلى مدى يقرّه القانون الدولي للبحار، وتعرف باسم المياه الإقليمية[ر: البحار (قانون-)] Territorial Waters، كما يضاف إليها المجال الجوي الذي يعلو الأرض والمياه الإقليمية National Air Space. ولا يأبه القانون الدولي لسعة الأرض التي تؤلف إقليم الدولة؛ فسان مارينو لاتتجاوز مساحتها 59 كيلو متراً مربعاً، في حين تبلغ مساحة الولايات المتحدة الأمريكية عشرة ملايين. وما يهتم به القانون الدولي كون حدود الإقليم معترفاً بها قانوناً، إمّا بالعرف وإمّا باتفاقية لرسم الحدود، ولاتكفي اتفاقيات الهدنة لتحديد إقليم، دولة، بل ينبغي أن تكون الحدود معرّفة بموجب معاهدات أو وثائق دولية. كما لا يضير الدولة أن يكون إقليمها كلاً متكاملاً أو مؤلفاً من أقسام متباعدة (كإندونيسيا واليونان والفيليبين) مادامت حدود هذه الأقسام معرفة على وجه صحيح، وما دامت ترتبط بسلطة سياسية واحدة. ولم يكن القانون الدولي حتى عام 1967 يعرّف «الحدود الآمنة» Secured Borders، أو الحدود التي يمكن الدفاع عنها Defendeble Borders؛ لكن مع صدور قرار مجلس الأمن رقم 242 في 22/11/1967 برزت فكرة الحدود الآمنة ذات المضمون الجغرافي السياسي البحت، من دون أن يكون لها تعريف قانوني، خاصة في عصر الصواريخ والصواريخ المضادة.
اكتساب الإقليم في القانون الدولي
درج الفقهاء القانونيون على تقسيم طرائق اكتساب الإقليم إلى طرائق أصلية وأخرى ناقلة، وذلك بحسب ما إذا كان الإقليم موضوع الاكتساب خاضعاً لسيادة دولة ما أو مشاعاًRes nullius . فالتنازل والفتح والتقادم (وضع اليد لمدة طويلة من طرائق الاكتساب الناقلة، أما الاستيلاء والإضافة فهما من طرائق الاكتساب الأصلية). وفيما يأتي إيجاز لكل من هذه الطرائق:
1- الاستيلاء Acquistion: وهو إدخال الدولة في حيازتها المادية Possession أراضيَ غير مملوكة لدولة ما، بقصد فرض سيادتها عليها. فموضوع الاستيلاء يتصل بالأقاليم التي لا تتبع أي دولة من الدول، أي الأقاليم المشاعة. وقد كان الاستيلاء فيما مضى الطريقة الشائعة لكسب ملكية الأقاليم لوجود بقاع كثيرة غير مأهولة أو غير مملوكة. وهو ما ليس عليه الحال بعد ما تمّ كشف سطح الأرض كله، ولم يعد هناك من الأقاليم مالا يخضع لولاية Jurisdiction دولة ما.
2- الإضافة Accretion: وهو مايعرف في القانون الداخلي بالالتصاق Accession، تكتسب الدولة السيادة الإقليمية Territorial Sovereignty على المساحات الجديدة التي تضاف إلى إقليمها الأصلي بفعل العوامل الطبيعية أو بفعل الإنسان، ويتم ذلك من دون حاجة إلى قيام الدولة بأي عمل أو إجراء خاص من جانبها لتقرير سيادتها على هذه المساحات الجديدة التي تسمى الإضافات؛ لأنها تلحق بإقليم الدولة الأصلي فتصبح جزءاً لايتجزأ منه. من أمثلة ذلك الحواجز البحرية التي تقيمها الدولة عند شواطئها (كهولندا مثلاً). إذ يترتب عليها ازدياد إقليم الدولة لأن مياهها الإقليمية تقاس في مثل هذه الحالة من نهاية الحواجز، أما المضافات الطبيعية فهي الأكثر حدوثاً وأمثلتها كثيرة؛ منها الزيادات التدريجية أو الفجائية في الشواطئ البحرية، كما حصل في بحيرة بايكال في روسيا، ومنها حدوث زيادة في دلتا النهر (كدلتا النيل)، ومنها نشأة جزيرة جديدة ضمن البحر الإقليمي للدولة.
3- التنازل Cession: وهو تخلي دولة لدولة أخرى عن سيادتها على إقليم معين بمقتضى اتفاق بينهما. وهذا التنازل قد يكون بمقابل في صورة مبادلة أو بيع. مثال ذلك تنازل إيطاليا لفرنسا عن السافواه ونيس عام 1860، مقابل تنازل فرنسا لها عن مقاطعة لومبارديا، وتنازل رومانيا لروسيا بموجب معاهدة برلين عن إقليم بساربيا مقابل تنازل روسيا لها عن جزر دلتا الدانوب وإقليم دوبروجا. أما التنازل بالبيع، فمثاله تنازل نابليون عام 1803 عن مقاطعة لويزيانا للولايات المتحدة مقابل ستين مليون فرنك؛ وتنازل روسيا لها عن إقليم ألاسكا عام 1867 مقابل سبعة ملايين دولار. وقد يتم التنازل من دون مقابل، وهو عادة جبري يفرضه الغالب على المغلوب في معاهدات الصلح. من ذلك مثلاً تنازل فرنسا لألمانيا عن إقليم الإلزاس واللورين عام 1871. لكن التنازل قد يقع اختيارياً كتنازل فرنسا عام 1764 عن مقاطعة نيوأورليان لإسبانيا، ثم تنازل هذه الدولة عنها لفرنسا عام 1801. ويطبق على اتفاق التنازل القواعد الخاصة بالمعاهدات، ولاسيما ما يتعلق منها بالشروط الشكلية والموضوعية لصحة المعاهدة[ر: الاتفاقية الدولية]، كما يراعى فيها رغبات السكان القاطنين في الإقليم المتنازل عنه، احتراماً لحقهم في تقرير المصير[ر: تقرير المصير (حق-)].
4- الغزو والاحتلال Conquest and Occupation: وهو إخضاع إقليم دولة لدولة أخرى كلياً أو جزئياً بالقوة وضمه لإقليمها. ويكون الاحتلال عادة بعد انتهاء الأعمال الحربية. ويتم بإعلان من جانب الدولة الغازية بضم الإقليم المحتل. ويبلغ الإعلان إلى كل الدول بالطرق الدبلوماسية توطئة لاعترافها بالضمّ صراحة. لكن هذا الأسلوب من أساليب ملكية الأقاليم أصبح غير مشروع البتة منذ عهد عصبة الأمم (م10)[ر: عصبة الأمم]، وأكدَّ ذلك ميثاق الأمم المتحدة (م 2/4) وبموجب تعريف الجمعية العامة للعدوان (قرار رقم 3314 لعام 1974). ويعدّ الفقهاء القانونيون الاحتلال عدواناً مستمراً وتالياً جريمة حرب دولية. ولأن الغزو غدا باطلاً فلا يجوز الاعتراف به أو بآثاره فما بني على الباطل باطل، وفق نظرية ستمسون (وزير خارجية الولايات المتحدة عام 1932)، إذ عدت عصبة الأمم احتلال اليابان لمنشوريا وضمها إليها عملاً لايجوز الاعتراف به؛ لأن مثل هذا الاعتراف يقع باطلاً. وقياساً على ذلك فإن قرار الكونغرس الأميركي بمجلسيه بنقل سفارة الولايات المتحدة في إسرائيل إلى القدس يخالف أحكام القانون الدولي مخالفة صريحة.
5- التقادم Prescription: يختلف التقادم عن الاستيلاء، بأنه وضع اليد مدة طويلة على إقليم يخضع بالفعل لسيادة دولة أخرى، فهو إذن من طرائق الاكتساب الناقلة. ولعدم وجود قواعد تفصيلية عرفية أو اتفاقية تنظّم أحكام التقادم المُكْسِب، أو انقضاء مدة طويلة على الحيازة الفعلية. فقد ذهب بعض الفقهاء إلى إنكار وجود نظام التقادم في القانون الدولي غير أن الغالبية تميل إلى تقرير وجود هذا النظام في القانون الدولي. وهؤلاء يشيرون خاصة إلى ضرورة الأخذ به في المجتمع الدولي، وذلك لتوافر الأساس الذي تسند إليه فكرة التقادم المكسب للملكية في المجتمع الداخلي. فالنظم القانونية الداخلية تأخذ بفكرة التقادم المكسب إقراراً للوضع القائم الذي مضى عليه زمن طويل، وتفضيلاً لواضع اليد الذي نشط إلى وضع يده على مال معين، واستمر مدة طويلة يباشر حقوق المالك على ذلك المال من دون اعتراض المالك الحقيقي وتحقيقاً لفكرة الاستقرار في المعاملات، وذلك بوضع حد للنزاع بين المالك الحقيقي والمالك الظاهري أي واضع اليد Possesser. ويستند غالبية القانونيين في اعتمادهم لنظام التقادم المكسب في القانون الدولي إلى الحجج الآتية:
ـ إن معظم الحدود القائمة بين الأقاليم المختلفة للدول إنما ترتكز في سندها القانوني على مضي المدة الطويلة. فانقضاء زمن طويل على وجودها الفعلي على نحو مستمر وغير منازع فيه إنما هو قرينة على وجودها القانوني على الإقليم.
ـ إن السند القانوني لسيادة كل دولة على إقليمها هو في الواقع وضع اليد الطويل الأجل. فالتقادم، كما يقول الفقيه الإنكليزي برايرلي Brirerly، هو أكثر طرائق اكتساب السيادة الإقليمية شيوعاً. غير أنه قلّما يثور- في الواقع العملي- نزاع دولي يقتضي من الدولة أن تثبت سند سيادتها على إقليمها إذا كان ذلك السند هو انقضاء مدة طويلة، ومن أجل ذلك فإن التقادم لا يثير الاهتمام.
ـ إن عدم وجود قواعد تفصيلية تحدد المدة اللازم انقضاؤها على وضع اليد الهادئ المستمر ليس معناه عدم وجود نظام التقادم في العلاقات بين الدول. والظاهر أن الدول لم تجد نفسها في حاجة إلى الاتفاق على قاعدة عامة لتحديد مدة وضع اليد الطويل، وفضَّلت أن تدع الأمر للأوضاع الخاصة بكل حالة. وعمدت الدول في الحالات القليلة التي ثار النزاع بينها حول شروط التقادم إلى الاتفاق مقدّماً - أي قبل إحالة النزاع للحكم فيه قضائياً - على مقدار المدة اللازمة لتوافر وضع اليد. مثال ذلك المعاهدة المعقودة بين بريطانيا وفنزويلا في عام 1897 الخاصة بإحالة الخلاف الناشئ بينهما حول الحدود بين غيانا البريطانية وفنزويلا على التحكيم. فقد تضمنت المعاهدة التي فصلت في شروط التحكيم نصاً يقضي بأن مرور خمسين عاماً يعدّ كافياً في تحديد وضع اليد الطويل، وبالتالي سنداً مثبتاً للسيادة على المساحات المتنازع عليها. وعلى هذا يعرّف أوبنهايم Oppenhiem التقادم المكسب بأنه «اكتساب السيادة على إقليم ما عن طريق ممارسة السيادة الفعلية عليه على نحو مستمر وغير متنازع فيه لمدة من الزمن تكفي لتبعث الشعور العام بأن هذا الوضع القائم هو الوضع الذي يتفق مع النظام الدولي».
لذلك يشترط في وضع اليد الطويل كي يعدّ سنداً مكسباً للملكية على الإقليم بالتقادم ما يأتي:
ـ أن تضع الدولة يدها على إقليم معيّن تابع لإحدى الدول الأخرى بصفتها صاحبة السيادة عليه، وأن تصدر على هذا الأساس جميع التصرفات التي تجريها بشأن هذا الإقليم وسلطاتها التي تباشرها فيه. ويترتب على ذلك أن الدولة التي تدير إقليماً معيناً نيابة عن دولة أخرى بمقتضى اتفاقية معقودة بين الدولتين تعترف فيها الدولة الأولى بسيادة الثانية على الإقليم لايمكن أن تكتسب السيادة على ذلك الإقليم عن طريق وضع اليد مهما طالت مدة إدارتها لذلك الإقليم. مثال ذلك أن بريطانيا عقدت معاهدة مع تركيا في 4/6/1878 اتفق فيها على أن تقوم بريطانيا بإدارة قبرص، على أن تظل الجزيرة تحت السيادة التركية. كما يترتب على ذلك أن الدولة صاحبة السيادة على ذلك الإقليم لا تملك الادعاء باكتسابها السيادة عليه نتيجة لوضع اليد الطويل لأن الدولة التي تدير الإقليم، وإن كانت تباشر السيادة فعلاً على ذلك الإقليم، فإنها تفعل ذلك بصفتها مستأجرة له ونيابة عن الدولة صاحبة السيادة القانونية عليه، أي الدولة المؤجرة. مثال ذلك مركز الولايات المتحدة الأمريكية في الجزء الذي استأجرته من جمهورية بنما عام 1903. وكذلك مركز المملكة المتحدة في إقليم هونغ كونغ المستأجر من الصين عام 1898 لمدة تنتهي عام 1997. والشيء ذاته يقال في الأراضي الأردنية في وادي الأردن التي انسحبت منها إسرائيل بموجب اتفاقية «وادي عربة» عام 1994، واستأجرتها من المملكة الأردنية الهاشمية مدة خمسة وعشرين عاماً.
ـ أن يكون وضع اليد هادئاً، بمعنى ألا يكون متنازعاً عليه. أما إذا كانت دولة الأصل قد احتجت على وضع اليد قبل الدولة التي تدّعي مباشرة حقوق السيادة على الإقليم، واستمرت في احتجاجها عليه فإن وضع اليد لايعدّ في هذه الحالة هادئاً. ولايكفي «الاحتجاج الورقي» على تلك الممارسة بل لابد من احتجاج فعلي، وهذا ما ذهب إليه الفقيه البريطاني فيتنرموريس في مرافعته في قضية جزر مينكوير وايكريهوس أمام محكمة العدل الدولية. أما إذا لم تبد دولة الأصل احتجاجاً فعلياً وعملياً وجدياً أو كانت احتجت ثم توانت أو وقفت موقفاً سلبياً، فإن وضع اليد يصبح في هذه الحالة هادئاً لاغبار عليه. يقول القانونيون: إنه في واقع الحال «لايمكن معارضة الحيازة الفعالة Effective Acquisition بمجرد الكلام. صحيح أن الاحتجاج هو عمل قانوني، وهذا العمل قد يكون له تأثير في شرعية سند في طور الإنشاء، ولكن لايمكن أن يكون له أثر في مواجهة سند ثابت بالحيازة الفعلية؛ لأن الاحتجاج ليس عملاً من أعمال الحيازة، والحيازة الفعالة لاتعارض إلا بحيازة فعالة مضادة، وهذا ما استقر عليه قضاء محكمة العدل الدولية بدءاً من قضية السيادة على غرينلاندGreenland، إذ قالت إن سيادة الدنمارك التي قامت منذ زمن قديم لايمكن أن تتأثر بالاحتجاجات أو التحفظات التي كانت تصوغها الحكومة النروجية من حين إلى آخر. كذلك فسَّر الحكم التحكيمي الصادر في دعوى البالماس الحيازة الفعلية بأنها مباشرة الدولة الحائزة وظائفها بقدر كاف من الاستمرار».
ـ أن يكون وضع اليد قديماً فالمحكمة الدولية (الدائمة والحالية) ذهبت إلى أن الحكمة في تقرير السيادة عن طريق التقادم هي احترام الأوضاع القائمة التي مضى عليها زمن طويل؛ فأصبح الاعتراف ضرورياً لاستقرار النظام الدولي. ويتفرع من هذا وجوب أن يكون قد مضى على وضع اليد زمن طويل تصرّفت إبّانه الدولة الواضعة اليد على أنها صاحبة السيادة على الإقليم في مواجهة الدول كافة. أي بعلانية Publicly وعلى نحو مستمر غير منقطعUn interuptedly أو Consistantly.
أما طول المدة اللازم انقضاؤها لاكتساب السيادة الإقليمية عن طريق التقادم، فقد اتفق الفقه المعاصر على تركه للمرجع القضائي أو التحكيمي الذي يحال إليه النزاع، وعلى أساس مراعاة الأوضاع في كل حالة، ومن منطلق تولّد شعور لدى الجماعة الدولية بأن الوضع القائم يتفق والنظام الدولي، وأن احترام هذا الموضوع يسهم في استقرار المعاملات الدولية.
بناءً على ما تقدّم يعدّ الفقه العربي أن الشارقة ورأس الخيمة اكتسبتا سيادة فعلية على جزر «أبو موسى وطنب الكبرى والصغرى» لأن القواسم من العرب (وهم أصول الإمارتيين) مارسوا وضع يدهم الهادئ عليها قبل عام 1750م، كما تؤكد الوثائق الدولية والوقائع الفعلية ولاينتقص من قيمة هذا السند أن حكومة الشاه ادّعت بسيادتها على «أبو موسى» عام 1904 وأرسلت إليها حملة صغيرة، لأنها أمام الرد البريطاني (بوصف بريطانية دولة حامية) تراجعت في اليوم التالي لوصول حملتها إلى «أبو موسى»، ولم تعترض على سيادة الشارقة عليها قط حتى غزتها في أواخر 1972، ثم أعلنت ضمّها في عام 1994؛ مما استدعى إحالة الموضوع إلى التحكيم أو القضاء الدولي للحكم فيه ما لم يحل بطرق ودية أخرى. والشيء ذاته يقال في سيادة اليمن على جزر «حنيش الكبرى والصغرى» قبالة باب المندب فهو مستمر هادئ غير منازع فيه منذ القرن الثامن عشر على الأقل حتى بدأت أريتريا الادعاء بسيادتها على هذه الجزر الاستراتيجية. غير أن التحكيم الدولي الذي نظر في موضوع النزاع حسمه لصالح اليمن.
محمد عزيز شكري
المراجع
الموسوعة العربية
التصانيف
الأبحاث