تعد المصارعة wrestling من أقدم الرياضات التي مارسها الإنسان. فالصراع من أجل البقاء بدأ مع ظهور الخليقة؛ وعليه فقد كان ضرورياً على إنسان ما قبل التاريخ أن يصارع الحيوانات المفترسة وكذلك غيره من بني البشر؛ كي تستمر حياته، وهذا ما جعل مصارعة الإنسان البدائي ذات طابع وحشي.
ومع بزوغ فجر الحضارة تطورت المصارعة البدائية - الوحشية، وأصبحت فناً له أصوله وقواعده. وكان لقدماء المصريين فضل السبق في هذا المجال حيث سجّل الفراعنة مبادئ المصارعة وأصولها ومسكاتها في عدة صور ونقوش، أبرزها في آثار بني حسن على ضفاف النيل منذ نحو 5000 عام، وبلغ عدد الحركات المسجلة على إحدى جدران تلك الآثار حوالي 220 حركة مختلفة. وبمقارنتها مع ما هو قائم اليوم من فنون هذه الرياضة نجدها قد اشتملت على أغلب الحركات الحديثة للمصارعتين الرومانية والحرة. وقد حول الفراعنة المصارعة البدائية إلى فن يقوم على قواعد إنسانية. ولم يمارسوها لغرض الدفاع عن النفس فحسب، بل جعلوها رياضة استهوتهم إلى حد كبير، وكانوا يمارسونها وهم عراة إلا من إزار حول وسط الجسم.
ثم قام الإغريقيون بنقل المصارعة عن الفراعنة، بدليل أن هومر Homer قد وصف المسكات والحركات المختلفة للمصارعة في عهد الإغريق وصفاً يشبه إلى حد كبير تلك الصور والرسوم المنقوشة على مقابر بني حسن. وقد تعلّق الإغريق بهذه الرياضة حتى أصبحت اللعبة الرياضية الأساسية في المسابقة الخماسية التي كانت بداية الألعاب الأولمبية. وكان يسمح للنساء بممارستها، وفي بعض المناطق كانت النساء تتبارى مع الرجال. كما ذكر الشعراء اليونان عام 776 ق.م كثيراً قصة الصراع بين الإلهين زيوس وكرونوس للاستحواذ على الأرض من فوق القمم، وإن المهرجانات والاحتفالات الدينية التي أقيمت فيما بعد في الوادي كانت تخليداً لذكرى انتصار زيوس، وفيما بعد عندما كان أي مصارع يفوز فإنه يتلو دعاء الشكر لزيوس. وفي عام 900ق.م وضع ثيزوس Theseus نجل آجوس Aegeus ملك أثينا قواعد المصارعة اليونانية، ونظّم عملية التدريب بدقة فانتشرت مدارسها ومؤلفاتها. وزاد الاهتمام بها خاصة عندما أدخلت ضمن برنامج الأولمبياد الإغريقي عام 704ق.م؛ لذا فإن بعضهم ينسب المصارعة إلى الإغريق بسبب إسهامات بطلهم الأسطوري ثيزوس.
تعد المصارعة الإغريقية أصل المصارعة الرومانية الحديثة Greco - Roman، ومن المؤكد أن الإغريق قد فرقوا بين نوعين من المصارعة:
- النوع الأول من الوقوف upright wrestling أو المصارعة الصحيحة، وكان الهدف هنا طرح المنافس أرضاً، ويفوز إذا طرحه أرضاً ثلاث مرات ويتعادل المصارعان إذا سقطا على الأرض معاً من دون أن يستمر عراكهما على الأرض.
- والنوع الثاني: المصارعة الأرضية ground wrestling، وكان الصراع هنا يستمر على الأرض حتى يعترف أحد المصارعين بهزيمته.
وقد أدخل النوع الأول ضمن المسابقة الخماسية في الألعاب الأولمبية، في حين لم تقم بطولات للنوع الثاني الذي عدّ فيما بعد أسلوباً من أساليب رياضة البانكراس Pankration التي كانت عبارة عن خليط من المصارعة والملاكمة يستخدم فيها اللاعبون وسائل وحشية كالضرب والرفس والكسر والخنق.
ثم ظهرت المصارعة في روما في الربع الأخير من القرن الثاني قبل الميلاد، واهتم بها الرومان كثيراً، وجعلوها ضمن برامج تربية الناشئين بغية إعدادهم للقتال والدفاع عن الوطن؛ لذا كانت نظرة الرومان إلى المصارعة تختلف عن نظرة الإغريق لها. حيث وجدها الإغريق فنّاً بعيداً عن الخشونة في حين كان الرومان يمارسونها بقسوة وخشونة تصل أحياناً إلى درجة الرغبة في القضاء على الخصم كما كانوا يستخدمون الأسلحة في هذه الرياضة أيضاً.
ومن الثابت أيضاً أن الإنكليز مارسوا المصارعة منذ أقدم العصور، إذ ثبت أن السكسونيين Saxons كانوا يمارسونها قبل الميلاد بدرجة كبيرة من الخشونة والعنف. وكان من الثابت أن المصارعين كانوا يرتدون الملابس وأن أيديهم كانت مفتوحة لمسك المنافس من ملابسه. وكان اهتمام الإنكليز بالمصارعة كبيراً في كل طبقات المجتمع من العامة حتى النبلاء والملوك. ففي عام 1520م اشترك ملك انكلترا هنري الثامن Henry VIII وملك فرنسا فرنسيس الأول Frances I في مباراة المصارعة التي أقيمت بين الدولتين دلالةً على مدى الاهتمام بهذه الرياضة. وفي عام 1603م قدم جيمس الأول النصيحة لابنه هنري أمير ويلز لممارسة المصارعة. وفي عام 1681م ترأس الملك تشارلز الثاني Charles II فريقاً من المصارعين يتكون من 12 مصارعاً لمقابلة فريق آخر كان يرأسه دوق ألبمارل Duke of Albemarle.
وتعد الصين أولى الأمم الآسيوية التي مارست المصارعة، ثم نقل عنهم اليابانيون بعض فنونها مثل رياضة الجو- جيتسو Jiu-Jitsu، وطوروها، وكذلك فعل الكوريون وغيرهم من شعوب شرقي آسيا.
أما العرب فقد فرضت عليهم حياتهم البدوية القاسية التوجه نحو رياضات قاسية، منها المصارعة التي كانت تعرف بالمغالبة والمدافعة، حيث درجت القبائل على جعلها أساساً في ندوات سمرهم اليومية الليلية؛ وذلك بصورٍ شتى، منها:
- الملابطة: وهي أن يتماسك شخصان، ويحاول كل منهما طرح منافسه أرضاً.
- والشغزبية: وهي التحايل في صرع الخصم بليّ رجله. أما إذا نجح بليّ رأسه تحت إبطه، وصرعه بهذه الحيلة؛ فيقال: إنه قد تعرّقه.
- ومنها الشفلقة: وهي الدفع من الظهر.
- ومنها الظهارية: وهي الطرح على الظهر.
- ومنها الهضة: وهي أن يصرع خصمه، ثم يجثو عليه.
وظل العرب على هذا الاهتمام بالمصارعة حتى جاء الإسلام، فدعم هذه الرياضة، وحضّ المسلمين على ممارستها، ويحكى أن رسول اللهr أتى إليه رجلٌ يدعى ركانة، فقال: يا محمد! لا أسلم حتى تصارعني، وكان من أقوى العرب، فقام عليه الصلاة والسلام ليصارعه، فصرعه من أول مرة، ثم صارعه صلى الله عليه وسلم، فصرعه مرة ثانية، ثم ثالثة، فقال ركانة: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله.
وكان العرب يسمّون البطل في المصارعة بالعجار أو العرنة. وتجدر الإشارة في هذا المجال إلى أن بعض الروايات تقول: إن تسمية بلدة عرنة في أقصى الجنوب الغربي من سورية يعود إلى أنها اشتهرت بالمصارعة والمصارعين؛ وإلى أن أهلها اتصفوا بقوة الجسم والعضلات.
وعندما تم اكتشاف أمريكا في القرن السادس عشر الميلادي وجد المكتشفون أن المصارعة كانت شائعةً جداً بين الهنود الأمريكيين الأول. وكان بعضهم يمارس المصارعة الرومانية وفقاً لقواعدها في حين يمارس بعضهم الآخر المصارعة الحرة من دون أي قاعدة. بل كانوا يمارسون المسك كيفما اتفق catch- as - catch - can ومن هنا كانت بدايات المصارعة الحرة الحديثة التي عرفت فيما بعد بالمصارعة الحرة الأمريكية (الكاتش). كما أن أبراهام لنكولن كسب شهرته المبكرة بطلَ مصارعة في ولاية إلّنوي Illinois قبل أن يشتهر سياسياً.
المصارعة حديثاً
مرّت المصارعة في العصر الحديث بمرحلتين أثرتا في تطورها وانتشارها.
الأولى: تبدأ مع بداية الألعاب الأولمبية الحديثة التي أقيمت دورتها الأولى في أثينا عام 1896م وكانت المصارعة الرومانية إحدى ألعابها الأساسية في حين لم تظهر المصارعة الحرّة إلا في الدورة الأولمبية الثالثة التي أقيمت في سانت لويس St. Louis عام 1904م. وكان الخلط بين النوعين وارداً؛ لذا تم الفصل بينهما في الدورة الأولمبية الرابعة التي أقيمت في لندن عام 1908م، وفاز يومها ببطولة المصارعة الرومانية السويد وفنلندا وإيطاليا والمجر. لكن الخلط بين النوعين جعل السويد لا تعترف بالمصارعة الحرة في الدورة الأولمبية التي نظمتها في ستوكهولم عام 1912م، واقتصر الأمر على المصارعة الرومانية، وفازت يومها فنلندا والسويد.
ومع زيادة انتشار المصارعة بنوعيها خاصةً إبّان الحرب العالمية الأولى كانت الحاجة كبيرةً جداً لوضع قواعد لكلا النوعين، وتم ذلك مع تأسيس الاتحاد الدولي للمصارعة عام 1912م؛ إذ قام الاتحاد بفصل اللعبتين عن بعضهما ووضع قواعد خاصة لكل منهما مما أسهم في تطور النوعين معاً، وظهر ذلك واضحاً في دورة باريس الأولمبية عام 1924م؛ إذ تميزت هذه الدورة بالمصارعة رياضةً وبعدد المصارعين المشاركين بها حيث بلغ عددهم 250 مصارعاً في الرومانية وقرابة 200 في الحرة. ولم تعد لقاءات المصارعة مقتصرةً على الألعاب الأولمبية فحسب، بل انتشرت المقابلات الدولية والدورات الدولية بإشراف الاتحاد الدولي. وزاد عدد الدول التي تشارك في رياضة المصارعة سواءً في الألعاب الأولمبية أم في بطولات العالم. وقد فازت السويد ببطولة المصارعة بدورات برلين عام 1936 ولندن عام 1948، وشهدت دورة هلسنكي عام 1952 قوة المصارعين الروس حيث فازوا بالبطولة على 53 دولة مشاركة.
وكان لسورية دور واضح في هذه الرياضة؛ إذ شهد تاريخها بروز أبطالٍ مرموقين يأتي في طليعتهم المصارع الأسطوري صائب بك المؤيّد العظم[ر] الذي عرف بقوته الهائلة مما جعله يحرز بطولة العالم مدة اثنتي عشرة سنة في الفترة بين 1907م و1919م والمصارع السوري الأمريكي الجنسية جوزيف عطية الذي أحرز الميدالية الفضية لسورية في أولمبياد لوس أنجلس عام 1984م، وغيرهما من المصارعين الأبطال أمثال شفيق البغدادي وصبحي البلح ولطفي السيروان؛ وهم من جيل الرواد، وجاء من بعدهم نخبة من المصارعين الذين أحرزوا بطولات العرب وآسيا.
كما اشتهر المصارعون المصريون، وأحرزوا العديد من الإنجازات الدولية والأولمبية، ومن أبرزهم إبراهيم مصطفى بطل أولمبياد برلين ومحمود حسن بطل أوربا وغيرهما.
أنواع المصارعة
بعيداً عن الأنواع الشعبية للمصارعة التي تمارسها الشعوب أحياناً؛ فإن للمصارعة الأولمبية نوعان، هما:
- المصارعة اليونانية الرومانية.
- المصارعة الرومانية الحرة.
وتعتمد المصارعة اليونانية الرومانية - التي عرفت بالرومانية بعد ذلك بجميع مسكاتها - على ما فوق الورك فقط.
أما في المصارعة الحرة فيحق للمصارع أن يمسك أي مسكة كانت من أي جزء من أجزاء الجسم التي لم يحّرمها القانون، وتكون الخسارة في كلا النوعين إما بالنقاط أو بلمس كتفي اللاعب لبساط المصارعة في وقت واحد مدة ثانيتين تنهى بأن يعد الحكم بكلمة واحدة ضارباً بيده على البساط.
وتمارس المصارعة من قبل الجنسين، إلا أن الرجال يمارسون المصارعتين الرومانية والحرة في حين تقتصر مشاركة الإناث على المصارعة الحرة فقط.
مزايا المصارعة
تعدّ المصارعة أفضل الرياضات في تنمية القوة البدنية والتوافق العضلي العصبي واعتدال القامة والقدرة على حسن استخدام الجسم إذ يندر أن تجد بين المصارعين هزيلاً أو ضعيفاً أو ذا حركة مضطربة. فالمصارع يتميز عادةً بنمو عضلي سليم وقوة بدنية فائقة ورشاقة في الحركة واعتدال في القوام.
ويقال عن المصارعة: إنها لعبة الشباب وذات تأثير كبير في بناء الجيل القوي؛ لذا كانت مقترنةً مع إعداد الشعوب والجيوش للدفاع عن نفسها، وتأتي في مقدمة الأمور التي تعنى بالتربية القومية، ولعل من أبرز ميزاتها أنها تمارس من نعومة الأظافر؛ إذ يكون الأطفال ميالين إلى العراك والشجار، ثم تزداد قوتهم مع مرحلة المراهقة، فيصبحون أكثر تعلقاً بها، ويكون العمر بين 16-40 أفضل مراحل العمر لممارسة المصارعة والتفوق بها، وتستمر هذه الرغبة حتى موت الإنسان. ومما يزيد من أهمية المصارعة أن متطلبات ممارستها بسيطةٌ جداً من أدوات وتجهيزات وصالات.
طريقة اللعب
تقام منازلات المصارعة وفقاً لأوزان المصارعين حيث يلتقي كل مصارع مع منافس من وزنه نفسه. ويتكون فريق المصارعة من أوزان محددة تبعاً للفئة العمرية والجنس، وقد طرأت تعديلات كثيرة على هذه الأوزان حيث استقرت مؤخراً بعد أولمبياد أثينا على النحو الآتي:
أوزان الرجال
الرجال فوق 19 سنة: 55 - 60- 65- 66- 74 - 96- 120كغ.
الشباب 18- 19 سنة: 50 - 55 - 60 - 66 - 74 - 84 - 96 - (96-120) كغ.
الناشئون 15- 16- 17 سنة: 42 - 46 - 50 - 54 - 58 - 63- 69- 76 - 85 - (85 - 100) كغ.
الطلاب 13 - 14 سنة: 32 - 35 - 38 - 42 - 47 - 53 - 59 - 66 - 73- (73 - 85) كغ.
أوزان السيدات
السيدات: 48 - 51 - 55 - 60 - 63 - 67 - ( 67 - 72 ) كغ.
الشابات: 44 - 48 - 51 - 55 - 59 - 63 - 67 - (67 - 72 ) كغ.
الناشئات: 38 - 40 - 43 - 46 - 49 - 52 - 56 - 60 - 65 - (65 - 70 ) كغ.
الصغيرات:30 - 32 - 34 - 37 - 40 - 44 - 48 - 52 - 57 - (57 - 62) كغ.
طريقة الفوز
وفقاً للتعديلات الجديدة للقانون الدولي التي أجريت بعد أولمبياد أثينا تجرى المنازلة من ثلاث جولات، مدة كل جولة دقيقتان بينهما نصف دقيقة استراحة. وتلعب الجولة الثالثة في حال تعادل المصارعين؛ وذلك بفوز كل مصارع بجولة. أما في حال فوز المصارع بالجولتين فلا تقام الجولة الثالثة. وتوقف الجولة إذا أحرز المصارع 6 نقاط في أول دقيقة من الجولة، ويعد المصارع فائزاً بهذه الجولة. أما إذا لم يحصل أي من المصارعين على أي نقطة في الدقيقة الأولى؛ فيوقف اللعب، وتجري قرعة بين المصارعين؛ ليبدأ اللعب من وضعية الثبات على البساط وفقاً للقانون الدولي.
وفي حال تثبيت أحد المصارعين لخصمه ولمس كتفيه معاً الأرض مدة ثانيتين توقف المباراة، ويعلن فوز المصارع مباشرةً.
البساط
تجري المنازلات على بساط إسفنجي مربع الشكل طول ضلعه 12 متراً، وفي وسطه دائرةٌ قطرها 9م، ويوجد منطقة أمان متر ونصف من كل جهة من جهات الدائرة الأربع. ويبلغ عرض المحيط الخارجي للدائرة الذي يكون أحمر اللون متراً واحداً، ويبقى قطر الدائرة من الداخل سبعة أمتار.
الحكّام
يقود النزال حكم حلقة وقاضٍ ورئيس بساط ومشرف عام، وتصوّر اللقاءات بالفيديو لتحليل الحركات عند الاختلاف بين حكم البساط والقاضي بمنح النقاط.
الملابس
يرتدي المصارعون لباساً من قطعة واحدة (مايوه) يكون ملتصقاً بالجسم، ويغطيه ابتداءً من منتصف الفخذ، ويسمح باستعمال واقي الركب الخفيف وحذاء مرن خاص دون كعب وجوارب، وعلى المصارع أن يكون حليقاً.
مروان عرفات
المراجع
الموسوعة العربية
التصانيف
الأبحاث