لا يقتصر مسمى (المعلم) teacher على الشخص الذي يمارس التعليم في غرفة الصف الدراسي في المدرسة الابتدائية، وإنما يتسع ليشمل المعلمين في جميع المراحل التعليمية، بدءاً من رياض الأطفال حتى التعليم الجامعي والدراسات العليا، وفي جميع فروع التعليم العام والفني والمهني، إضافة إلى جميع العاملين التربويين في الإدارات المدرسية والتربوية والمؤسسات التعليمية المختلفة، وكذلك الفنيين والمدربين والمشرفين التربويين.
يعد المعلم حجر الزاوية في العملية التعليمية، وهو المكون الرئيس بين مكوناتها، والعامل المؤثر في جعلها كائناً حياً متطوراً وفاعلاً، وهو بحكم وظيفته التعليمية لا بد أن يجمع إلى صفاته الشخصية قدرات علمية ومهارات مهنية، حتى يكون متميزاً.
ولا يستطيع أحد أن ينكر خطورة العمل الذي يقوم به المعلم وأهميته في تكوين الأجيال التي يُنشئها وأثره في تطوير حاضر الأمة وإسهامه في تحديد سمات مستقبلها وخصائصه.
تتعدد مهام المعلم وأدواره، فهو في التعليم الصفي يصمم الدروس وينفذها ويقوِّم تعلم التلاميذ خلال الحصة الدرسية وفي نهايتها، ويختبر التحصيل المدرسي لتلاميذه في المذاكرات والامتحانات، ويعمل على دعم تعلمهم ويعلمهم كيف يتعلمون باستمرار، ويساعد على توفير الصحة الجسمية والنفسية لتلاميذه. وهو خارج نطاق التعليم الصفي يتابع الأنشطة المدرسية ويسهم في تنفيذها، ويسهم كذلك في الأنشطة الاجتماعية التي يمارسها المجتمع المحلي، ويعمل على تعزيز العلاقة بين المدرسة والمجتمع، وهو في مجال تطوير الذات يعمل على فهم ذاته وتحقيقها وتقويمها وتثقيفها.
ومع تقدم العلوم النفسية والتربوية، ومع التفجر العلمي والتكنولوجي والتطور السريع الذي يشهده العصر الحاضر لم يعد يكفي أن يتقن المعلم المادة العلمية التي يُدَرِّسُها ليقوم بعمله بفاعلية ونجاح، ولم يعد مجرد ملقن للمعرفة، كما كان في المدرسة التقليدية، بل أصبح عليه أن يكون موجهاً ومنسقاً ومشجعاً ومحفزاً لتعلم المتعلمين، وقادراً على فهم حاجاتهم وخصائص نموهم وعلى توجيههم وإرشادهم وتوفير الأجواء المناسبة لتيسير مشاركتهم الفعالة، وتعلمهم الذاتي وتنمية ميولهم وقدراتهم، ومساعدة نموهم المتكامل، وإعدادهم لمواجهة مطالب الحياة في عصر سريع التغير.
كما أصبح على المعلم أن يُساعد المتعلمين على الوعي بمشكلات بيئتهم والإسهام في حلها، وتعويدهم الانضباط الذاتي واحترام الآخرين والتضامن الاجتماعي، هذا إلى جانب تقديم تربية من أجل الديمقراطية وتقدير الاختلافات الثقافية والسلام وحقوق الإنسان والتفاهم الدولي، ليس بوساطة المحاضرات والتلقين، بل من خلال الممارسة الديمقراطية وتطبيق هذه المفاهيم عملياً في الصف الدراسي، وفسح المجال أمام المتعلمين للمشاركة في اتخاذ القرارات في جميع المواقف المدرسية.
ويتصف المعلم الفعال بخصائص متميزة منها: جودة الاطلاع، التوجه المباشر نحو الهدف، تشجيع المتعلمين ومساندتهم، الجدية في العمل، الدقة والإتقان، التنظيم والترتيب، التكيف المرن.
وتستوجب هذه الخصائص المتميزة تطوراً في أدوار المعلم الراهنة والمستقبلية ليغدو:
ـ مثيراً التساؤل المستمر والنشط من قبل التلاميذ.
ـ مبتكراً أنشطة تساعد التلاميذ على التفكير.
ـ جاذباً التلاميذ إلى دراسة المشكلات العلمية والأصلية.
ـ قادراً على تفعيل آليات التلاميذ الذهنية، ومتحدياً ذكاءهم بدرجة ما، بالنسبة لما يقوم بتعليمه.
ـ مستخدماً التقنيات التربوية الحديثة وعلى
رأسها الحوسبة والمعلوماتية والاتصالات.
ـ خبيراً في مهارات التدريس، ومنظماً للجوانب المعرفية في المقررات الدراسية.
ـ ناقداً موضوعياً لتعلم تلاميذه في حالة حدوث أخطاء من بعضهم.
إن الحديث عن مهام المعلم يقود إلى البحث في تأهيل المعلم، فتأهيل المعلم عملية مديدة ومستمرة وهي تحتوي على فترتين رئيسيتين: فترة الإعداد قبل الخدمة، وفترة التدريب في أثناء الخدمة وصولاً إلى التنمية المهنية المستدامة. وقبل الخوض في هاتين الفترتين لا بد من التطرق إلى عملية اختيار المعلم لأنها الأساس الذي تبنى عليه عملية تأهيل المعلم.
اختيار المعلم
إن اختيار المعلم يضع الأساس لإعداده وممارسته لمهنته، فإذا أُحسن اختياره وروعيت متطلبات مهنته في هذا الاختيار فإن هذا يكون خطوة مهمة نحو إعداده الإعداد المناسب، ومن ثم رفع مستوى أدائه لمهنته والعكس هو الصحيح، فإذا لم يكن الاختيار على أسس سليمة فإن هذا سيؤدي بالضرورة إلى إعداد معلم ضعيف الكفاية، ولهذا آثاره السلبية على العملية التربوية في المدى القريب وكذلك البعيد.
تعتمد عملية اختيار المعلم على عدد من المتطلبات التي تؤخذ بالحسبان لضمان الاختيار السليم لأداء المهام المطلوبة بالجودة والكفاية اللازمتين، وقبل أ ن يتم اختيار المعلم لينخرط في العمل التربوي والتعليمي لا بد من الاختيار السليم للطلبة الذين يتقدمون إلى مؤسسات إعداد المعلمين من خلال تحديد معايير لقبول الطالب المتقدم. وترجع أهمية اختيار هذا الطالب / المعلم إلى أنه سوف يصبح معلم الغد الذي يضطلع بدور أساسي وحيوي في إعداد الناشئة إعداداً متوازناً ومتكاملاً.
وتتعدد أساليب اختيار الطالب / المعلم، فهي تبدأ بالفحص الطبي للتحقق من المتطلبات الصحية واللياقة البدنية، ثم المقابلة الشخصية التي تستهدف تحديد الصفات الظاهرية العامة للطالب والتعرف عموماً على سماته الشخصية ومدى خلوه من الاضطرابات النفسية ومدى طلاقة تفكيره ومرونته واتساع أفقه وخلفيته الثقافية. وبعد ذلك تأتي الاختبارات اللغوية (الشفوية والكتابية) للتأكد من مقدرة الطالب على التعبير السليم. ومن أساليب اختيار الطالب / المعلم كذلك: روائز ومقاييس الشخصية للتأكد من ميل الطالب إلى التعليم والكشف عن صحته النفسية والتحقق من اتجاهاته الأخلاقية والمهنية والاجتماعية.
إعداد المعلم قبل الخدمة Pre- service preparation
بعد اختيار الطالب المتقدم إلى مؤسسة إعداد المعلمين تأتي المهمة الكبرى للفوز بمعلم ناجح في المستقبل، ألا وهي إعداده داخل مؤسسة إعداد المعلمين، وفيها يمضي الطالب المعلم سنوات حاسمة، فإما أن يتخرج بعدها معلماً ناجحاً يقوم بكل أدواره التربوية ويحقق الأهداف التربوية المنشودة، وإما أن يتخرج معلماً تقليدياً يؤدي أدواراً تقليدية تقوم على التلقين والتحفيظ، وهذا يؤكد أهمية الإعداد الجيد للمعلم قبل الخدمة.
حتى يتحقق الإعداد المتكامل للطالب / المعلم ينبغي أن يغطي هذا الإعداد الأبعاد الأربعة الآتية: بعدٌ عام يهدف إلى جعل المعلم ذا ثقافة واسعة، وبعدٌ علمي تخصصي يرمي إلى إحاطة المعلم بميدانه أو مجاله التدريسي، وبعدٌ تربوي وسيكولوجي يقوم على معرفته بفلسفة التربية وأصولها وتاريخها وبعلم النفس التربوي وفروعه المختلفة، وبعد مسلكي يقوم على فعاليته الصفية، يهدف إلى إكساب المعلم المهارات والقدرات والطرائق والوسائل والاستراتيجيات التي تؤهله لأداء الأدوار المختلفة المتضمنة في وظيفته.
تدريب المعلم أثناء الخدمة In- service training
إن أيّ برنامج مبدئي للإعداد قبل الخدمة مهما توافرت له مقومات الفاعلية والكفاية، ومهما حظي الطالب / المعلم فيه بإعداد على مستوى رفيع لا يمكن أن يعدّ صالحاً لممارسة المعلم العمل به طوال فترة حياته الوظيفية، أو أداء مختلف أدواره بصورة فعالة؛ ذلك لأنّ التغيرات المتلاحقة والسريعة في شتَّى مناحي الحياة تتطلب من المعلمين بوجه خاص أن يُلمُّوا بها ويتكيفوا معها ويجعلوا مضمونها في الحسبان لدى اضطلاعهم بمسؤولياتهم. وهنا تبرز أهمية التدريب أثناء الخدمة لأنه أنجع السبل للحصول على مزيد من الخبرات الثقافية والمسلكية وكل ما من شأنه رفع مستوى أداء المعلمين، ومن ثم رفع إنتاجية المعلم.
ويقصد بالتدريب في أثناء الخدمة جميع المساقات والدراسات والنشاطات التي يمكن أن يُشارك المعلمون فيها، والتي من شأنها تطوير معارفهم المهنية ومهاراتهم وميولهم واتجاهاتهم نحو العمل التربوي.
وبما أنَّ غاية التدريب في أثناء الخدمة هي جعل المعلمين مواكبين للتطوير والتجديد، ولضمان نجاح التدريب في تحقيق هذه الغاية؛ يؤكد المعنيون به ضرورة أن يتناسب مع الاحتياجات التدريبية training needs الفعلية للمعلمين ومع الأهداف التربوية. ولهذا يلجأ المعنيون إلى مسح هذه الاحتياجات التربوية وتنفيذ الدراسات الميدانية للكشف عن المشكلات والصعوبات التي تعترض المعلمين، وعن الجوانب التي يشعرون أنهم بحاجة إلى تطويرها.
التكامل بين الإعداد والتدريب
نظراً للارتباط الذي يتوثق يوماً بعد يوم بين التعليم وحركة الإنتاج وسوق العمل، وبين التعليم والتقدم العلمي والتقني فإنَّ برامج إعداد المعلم لم تعد كافيةً لمزاولته مهنته بقدر مقبول من الثقة؛ مما يتطلب تدريبه في أثناء الخدمة الأمر الذي جعل عملية تربية المعلم teacher education تتوثق عراها وتتكامل في منظومة واحدة غايتها الاحتفاظ بكفاية المعلم مدى حياته المهنية.
وقد أوصت المؤتمرات الدولية للتربية بأن يكون الإعداد الأولي مجرد مرحلة أولى من عملية مستمرة تمتد طوال حياة المعلم المهنية، وأكدت ضرورة تحقيق التجانس والتكامل والتنسيق بين برامج الإعداد قبل الخدمة وبرامج التدريب المستمر في أثناء الخدمة.
وهكذا أصبح هناك اتفاق عالمي متزايد على ضرورة النظر إلى إعداد المعلمين قبل الخدمة وتدريبهم المستمر في أثنائها على أنهما كلٌّ متكامل يشكلان معاً عملية (تكوين المعلم) teacher formation.
تمهين التعليم والارتقاء بمستوى المعلم
يرى كثير من المربين ضرورة النهوض بمستوى إعداد المعلم وذلك في مدة الدراسة وعمقها، وأن يتم الإقلال من التمييز في مدة الدراسة وفي الملاك الوظيفي وسلم الرواتب ومعايير الترقية بين مختلف فئات المعلمين. فكما أنه لا يمكن أن نتصور طبيب الأطفال أقل رتبة من طبيب الكبار، كذلك لا يجوز التمييز بين المعلمين على أساس عمر المتعلمين الذين يعلمهم لأن جوهر وظيفة المعلم واحد مهما كان المستوى الذي يعلم فيه.
وقد تركزت الدعوات المعاصرة إلى إصلاح مهنة التعليم على تمهين التعليم من خلال تطوير إعداد المعلمين وتدريبهم وتمكينهم وتفعيل دورهم وإشراكهم في عمليات اتخاذ القرارات وتحسين أوضاعهم المعيشية، بحيث يصبح التعليم مهنةً كغيرها من المهن، لأن تمهين التعليم يُشعِر المعلمين بأنهم مهنيون ذوو استقلالية ومكانة في المجتمع مثلهم مثل سائر مزاولي المهن المرموقة كالطب والهندسة والمحاماة وغيرها، ويزيد دافعيتهم، ويؤدي إلى الاعتراف بالدور الحيوي الذي يؤدونه في المجتمع، وبالتالي إلى رفع مكانتهم الاجتماعية والاقتصادية.
التكيف الانفعالي والشخصي للمعلم
يلجأ بعض المعلمين إلى العقوبات تجاه بعض السلوكات الناجمة عن بعض التلاميذ. والواقع أن ثمة معلمين يشكون من القلق والأرق والعصبية الزائدة ويجدون في ضرب التلاميذ وعقابهم متنفساً لهذه الأعراض المرضية. ويبدو أن بعض المعلمين يشكون مصاعب لا تمنعهم من العمل، ولكنها تؤثر في تكيفهم الشخصي والانفعالي وفي راحتهم النفسية. ومن الصحيح القول إن مثل هذه المصاعب ـ إذا لم تحلّ ـ قد تؤدي إلى اضطرابات تتبدى في عمل المعلم داخل الصف.
إنَّ النزاقة وسرعة التهيج هما أهم الأعراض الباكرة للاضطراب النفسي عند المعلم. وكذلك المعلم الذي يندّد ـ في صفه ـ بأخطاء زملائه كثيراً ما يعبر عن عدم شعوره بالاطمئنان الذي يعبر عنه بالإساءة إلى سمعة زملائه، وقد يكون هذا السلوك مصحوباً باليأس الذي يظهر على شكل السخرية من الآخرين سواء أكانوا تلاميذ أم زملاء معلمين.
إنَّ المعلم الذي يتهكم على تلاميذه ويبالغ في تقريعهم أو يعاقبهم عقوبات غريبة، والذي لا يتحمل الضجة ومتاعب المهنة يعطي دلالات على سوء صحته النفسية وعلى حاجته إلى العلاج النفسي، وعليه أن يفكر في عمل خارج نطاق التعليم الصفي.
تقويم المعلم
إن تقويم المعلم وإصدار الأحكام عليه أمر ينجم عنه كثير من الإجراءات التربوية التي تصيب كل من له علاقة بالموقف التعليمي؛ لذلك يفضل علماء القياس والتقويم عدم الاقتصار في استخلاص النتائج على وجهة نظر واحدة، وإنما معرفة تصور كل من التلميذ والمعلم والمشرف التربوي لتصرف المعلم وفعالياته، ومقارنة تلك التصورات مع الواقع.
فقد يقيّم التلميذ معلمه نتيجة علاقته المستمرة معه، والأثر العاطفي الكبير للمعلم لديه، سواء أكان هذا الأثر محبة للمعلم أم نفوراً منه، وكثيراً ما يعكس التلاميذ انطباعاتهم عن المعلم بعبارات موجزة كقولهم: هذا المعلم قاسٍ، وهذا موهوب، لكن قد تفوتهم معرفة صحة المفاهيم، وقدرة المعلم وبراعته في التعليم.
وقد يقيّم المعلم نفسه، ويراقب ذاته في وضع تربوي معين، ويحلل مقوماته، وبالتالي يكتشف ذاته ويفهم نفسه، ويعدل تصرفه المسلكي ويعمل على تحسين نتائج فعاليته، ولكن التقويم الذي يضعه المعلم عن نتائجه قد يكون أقل أو أكثر من التقويم الصحيح. ولكي يقترب تقويم المعلم لنفسه من الموضوعية؛ وضع المربون استمارات للتقويم الذاتي مفصلة وواضحة يمكن من خلالها للمعلم الوقوف على حقيقة فعاليته.
وقد يقيّم المشرف التربوي المعلم، فتقويم المشرف للمعلم يزوده بمعلومات محددة يحتاج إليها في عمله وتساعده في مهمته وفي اتخاذ القرارات المتعلقة بعمله. والتقويم هنا يفيد في جمع المعلومات عن المعلمين وخاصة من يواجه منهم مشكلات ـ تربوية أو نفسية، ويساعد على تشخيص الأوضاع الخاصة لكل معلم على حدة.
وهناك عدد لا بأس به من الأساليب الديمقراطية التي يتبعها المشرف التربوي لتقويم المعلم، وكذلك عدد لا بأس به من أدوات التقويم والتي لا مجال لتفصيلها في هذا الموضوع، وإنما يمكن الإشارة فقط إلى الأداة المعتمدة اعتماداً أساسياً من قبل الإدارة التربوية وهي بطاقة الملاحظة الصفية التي تختلف مضامينها من مجتمع لآخر بل أحياناً بين منطقة وأخرى أو بين مشرف تربوي وآخر.
خالد طه الأحمد
الموضوعات ذات الصلة:
التأهيل والتدريب المهني ـ التربية (علم ـ) ـ التعلم ـ التعليم ـ التعليم الأساسي والإلزامي ـ التعليم والتعلم (طرائق ـ) ـ التكيف ـ العقاب والثواب ـ القياس التربوي ـ المدرسة ـ المدرسة المتعددة التقنيات.
المراجع
الموسوعة العربية
التصانيف
الأبحاث