كان هاتشِك منذ طفولته شخصاً فكهاً وزلقَ اللسان
كثير السخرية وبارعاً في تدبير المقالب العملية، مما جعله شخصية شعبية محببة من
جهة ومرهوبة من جهة أخرى. وعندما سئم حياة البيع والشراء قرر أن يكون صحفياً حراً
وكاتباً متفرغاً، وبدأ منذ عام 1904 بكتابة المقالات والزوايا النقدية الساخرة
والقصص القصيرة ونشرها في صحف «الحركة الفوضوية» anarchist
movement، ثم انضم إلى الحركة في
عام 1906 وسرعان ما صار أحد أركانها ودعاتها ورئيس تحرير صحيفة «كومونَه» Komuna في عام 1907.
قام هاتشِك في أثناء هذه المدة بأكثر من رحلة عبر
وسط أوربا حتى منطقة البلقان متعرفاً أحوال الناس وظروفهم المعيشية، مراكماً في
ذاكرته ومخيلته كثيراً من الخبرات الاجتماعية والسياسية التي مرَّ بها، بما في ذلك
الاصطدامات المتكررة مع الشرطة والأمن السري والسجن فترات قصيرة لكونه ناشطاً
فوضوياً خطراً. وفي أواخر عام 1907 التقى هاتشِك يارميلا مايروڤا Jarmila Mayerová
وشُغف بها حباً، لكن أسرتها عارضت زواجهما الذي لم يتم حتى عام 1910، لكنه لم يدم
أكثر من ثلاث سنوات بسبب الاختلاف الجذري بينهما في أسلوب العيش وفهم الحياة. وفي
عام 1913 تركته يارميلا من دون طلاق وعادت إلى العيش مع أسرتها. حتى ذلك الحين كان
هاتشِك قد نشر في عام 1903 ديوانه الشعري الوحيد «صرخات في أيار/مايو» Májove vykriky،
لكنه نشر ست عشرة مجموعة من القصص القصيرة، أشهرها «الجندي الطيب شڤيك وقصص
غريبة أخرى» Dobry voják Svejk a jiné podivne historky ت(1912)، أما مقالاته وزواياه وما كتبه في أدب
الرحلات للصحافة فقد بلغ نحو ألف وخمسمئة قطعة حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى
التي جُنِّد فيها في جيش الامبراطورية النمساوية ـ الهنغارية، وأُرسل إلى الجبهة
الشرقية حيث سلَّم نفسه في عام 1915 أسيراً إلى القوات الروسية، وانضم في عام 1916
إلى الفرقة التشيكية المشكَّلة في روسيا ليصير بوقها الدعائي ضد الهيمنة النمساوية
على تشيكيا. وعلى أثر نجاح الثورة الشيوعية الروسية في عام 1917، وبعد تأسيس
الاتحاد السوڤييتي انتسب هاتشِك إلى حزب البلشڤيك، وانخرط في الجيش
الأحمر ليقوم فيه بدور مهم على صعيد الدعاية السياسية للمستقبل الحر الجديد في
صفوف العمال والفلاحين، وتزوج فتاة روسية من دون أن ينهي زواجه من يارميلا رسمياً،
فاتُّهم لاحقاً بتعدد الزوجات وكذلك بخيانة الوطن. وفي عام 1919 استدعته «الكومِنْترن»
Komintern
(منظمة الشيوعية العالمية) للعودة إلى براغ والعمل هناك لصالح النضال الشيوعي،
إلا أن إخفاق الحركة الثورية في تحقيق أهدافها، وظهور الاتحاد التشيكوسلوڤاكي،
بقيادات برجوازية أصاب هاتشِك في الصميم. وعندما ظهرت عليه علائم مرض السل انسحب
من الحياة العامة إلى بلدة ليبنيشِه حتى وفاته قبل أن ينهي الجزء الرابع من روايته
الذي أنهاه ناشره وصديقه كارِل ڤانيك Karel Vanek.
ألَّف هاتشِك في عام 1912 كتاباً ساخراً شبه
تاريخي - تسجيلي بعنوان «حزب التقدم المعتدل في حدود القوانين»، لم يجرؤ الناشر
على إصداره حينذاك لراهنيته الفاضحة، ولورود كثير من أسماء الساسة من أصحاب
المناصب الرفيعة آنذاك. ولم يُنشر الكتاب حتى عام 1963، وفي ترجمته الألمانية Die Partei des massvollen Fortschritts in den Grenzen der Gesetze حاكى هاتشِك بنية الأحزاب البرجوازية التي تدعي في برامجها ضرورة
تحقيق التقدم، ولكن في إطار القوانين النافذة، مستنداً في عرضه وتوثيقه إلى خبرته
الصحفية التي زودته بمصادر متعددة، ومنحته فرصة الاطّلاع على أمور تتعلق بإدارة
الحكم في البلاد، وتكشف الغطاء عن حقيقة ارتباط بعض ساسة المعارضة بجهات معينة من
النظام القائم. أما مجموعة قصصه الطويلة «آمر مدينة بوغولمي» Velitelem Mesta Bugulmy
فقد نشرتها صحيفة «تريبونا» Tribuna البرجوازية الليبرالية في أعداد متتالية من عام 1921، ثم نشرت في
«مجموعة الأعمال» عام (1925) بالعنوان الفرعي «من أسرار إقامتي في روسيا» Z tajemství mého pobytu v Rusku، وهي تتألف من تسع قصص فكاهية ساخرة حول موضوع واحد هو تجارب
الكاتب نفسه في الجيش الأحمر في أثناء الحرب الأهلية بين الحمر والبيض في مدينة بوغولمي،
يروي فيها تفصيلات حياتية في غاية التناقض من مجريات الحرب الأهلية وأساليب تطبيق
الإجراءات الاشتراكية.
تعدّ رواية «مغامرات الجندي الطيب شڤيك في
الحرب العالمية» Osudy dobrého vojáka Svejka za Svetove
Války أهم إنجازات هاتشِك
الأدبية، وقد نُشرت أجزاؤها الأربعة بين عامي 1921-1923. يروي فيها الكاتب بأسلوبه
التهكمي الساخر وبلغته الشعبية النضرة مصير تاجر الكلاب يوسف شڤيك بين أسنان
آلة الحرب الهائلة للامبراطورية النمساوية - الهنغارية في الحرب العالمية الأولى.
وهذا الجندي الطيب لا يأبه نهائياً بانتصارات السلطة الحاكمة وهزائمها، في حين أنه
بطيبته الصارمة وبسذاجته المحسوبة يقود حربه الصغيرة ضد آلية الجهاز العسكري وضد
حماقة البيروقراطية وطغيان المسؤولين، وضد الحتمية الظاهرية لمآسي الحرب المدمرة،
وقد اكتسبت هذه الرواية أهميتها من قابليتها للتعميم على أي حرب ظالمة يقودها نظام
سياسي استبدادي. لهذا السبب - إضافة إلى أسلوبها الأدبي اللغوي المتميز - تُرجمت
الرواية إلى نحو سبعين لغة؛ منها العربية. وقد استخدم المسرحي الألماني بريشت[ر]
مادة الرواية في مسرحيته الشهيرة «مغامرات الجندي الطيب شڤيك في الحرب
العالمية الثانية» Die Abenteuer des braven Soldaten Schweik
im zweiten Weltkrieg
المترجمة أيضاً إلى العربية. وقد اقتبست الرواية سينمائياً مرات كثيرة.
المراجع
arab-ency.com.sy
التصانيف
أعلام العلوم الاجتماعية