الأمراض البيئية.. أرقامٌ تدقُّ ناقوس الخطر.. والفاتورة الصحية إلى ارتفاع!!..
9 % من مراجعي المراكز الصحية (دون 5 سنوات) يراجعون بسبب أمراض تنتقل عن طريق المياه والغذاء، وأبرزها الإسهالات. و60 % يراجعون لإنتانات تنفسية حادة ناتجة عن الملوثات الهوائية، تصنّف في نوعين: ملوثات الهواء الداخلي، والملوثات الخارجية. وقد تنتج أيضاً بسبب الجائحات العالمية، مثل الكريب. ولكن النسبة الأعلى تعود إلى تلوث الهواء الداخلي والخارجي.
والبيئة اليوم تُعرف بكل ما يحيط بالإنسان، سواء كان مادياً كالبيئة الفيزيائية والكيميائية أم معنوياً كالبيئة الاجتماعية والثقافية. وإنَّ تلوث البيئة هو ظهور مواد جديدة فيها، أو تجاوز مستويات بعض المواد الموجودة أصلاً إلى حدود معينة، بحسب مديرية الأمراض البيئية والمزمنة في وزارة الصحة، والتي تؤكد أنَّ تلوث البيئة يسهم في حدوث ونشر الأمراض المعدية والمزمنة؛ حيث ساعد التلوث البيئي والتغيّر في التوازن البيئي في انتشار هذه الأمراض، وفي ظهور أمراض جديدة لم تكن معروفة مسبقاً، حيث يقدَّر عبء الأمراض الناتجة عن التلوث البيئي بنحو 40 % من عبء الأمراض كافة. وزيرة البيئة الدكتورة كوكب الداية، قالت: «لاشكَّ في أنَّ التدهور البيئي (تلوث المياه أو الهواء أو التربة أو انحسار الغطاء النباتي..) يؤدي إلى أمراض بيئية، إضافة إلى الأمراض الناتجة عن سوء التغذية. كلها تصبّ في الأمراض البيئية. فالبيئة هي كل ما يحيط بنا. لكن هذا كله يتطلَّب أن يكون لدى الناس وعي كبير بكيفية انتقاء وتنظيف واستعمال الأغذية المناسبة».
أكثر المناطق تلوثاً هي باب توما والزبلطاني والعباسيين وساحة المحافظة والبرامكة. نسب التدهور البيئي: ديرالزور 48 %- دمشق 38 %- طرطوس 32 %- اللاذقية 24 %- حلب 12 %- حمص 9 %.
من هنا.. المخاطر البيئية في البلدان النامية، بحسب تقرير الحالة البيئية في سورية، مسؤولة عما يعادل 20 % من الضغوط الناجمة عن الأمراض وسوء الصحة العامة بين السكان. وهذه النسبة هي ضعف تلك التي نجدها في البلدان المتقدمة. وأكثر أفراد المجتمع تأثراً هم النساء والأطفال.
أمراض لا تُعدُّ ولا تُحصى.. في العام 2005، راجع المراكز الصحية ما مجموعه 144245 حالة إسهال، و848529 حالة إنتانات تنفسية، لأطفال دون سن الخامسة، بحسب تقرير الحالة البيئية، مع العلم أنه ليس لكلّ الأمراض المعدية طرق مكافحة طبية صارمة، كونها ترتبط بالبيئة الملوثة، ولا يمكن السيطرة عليها إلا من خلال إصحاح البيئة.. فماذا عن أمراض الكبار؟.. مديرية الأمراض البيئية والمزمنة، كشفت أنَّ «هناك قائمة طويلة من الأمراض الناتجة عن التلوث البيئي، والتي تعتبر الأكثر شيوعاً، وذات تأثير عال على الصحة العامة للإنسان؛ حيث نتج عن تلوث الهواء زيادة انتشار الأمراض التنفسية؛ كالربو، والتدرّن (السل)، والتهاب السحايا، والإنتانات التنفسية (ولا سيما عند الأطفال)، والسرطان؛ حيث بلغ عدد حالات الأمراض المزمنة غير الإنتانية للعام 2009 «994123 حالة». كما نتج عن تلوّث الماء زيادة انتشار الإسهال الحاد، والتهاب الكبد الفيروسي الألفي، والطفيليات المعدية، بما فيها الزحار الأميبي، حيث بلغ عدد الإصابات بالإسهالات الحادة المسجلة للعام 2009 «200161 إصابة»، وكذلك نتج عن تلوث الغذاء زيادة انتشار الحمى المالطية، والحمى التيفية، والإسهال الحاد، والأمراض الطفيلية (الديدان)، والسرطان، حيث بلغ عدد الإصابات بالحمّى التيفية للعام 2009 نحو 3841 إصابة، بالإضافة إلى أنّ سوء إدارة النفايات الصلبة والسائلة يسهم في نشر اللايشمانيا الجلدية والحشوية، والتي بلغ عدد الإصابات بها للعام 2009 نحو 46348 للايشمانيا الجلدية، و16 للحشوية». لكنَّ مدير بيئة ريف دمشق (المهندس ثائر الضيف)، اعتبر أنّ «الأرقام، التي تصدرها وزارة الصحة، دائماً غير صحيحة»، وقال: «دائماً أقرأ النسب والإحصاءات التي تصدر عن وزارة الصحة، لأجد أنَّ الكثير مما يُقال ليس بصحيح. ونتمنَّى أن تكون قاعدة البيانات من الوزارات كافة. ونحن لم نصل إلى مرحلة التدهور البيئي، لكننا في الطريق إليه. فإن حصل، انعكاساته ستكون كبيرة على الصعيد الاقتصادي والسياحي والصحي والبيئي. فكلّ القطاعات سوف تتأثر بشكل سلبي من هذا التدهور».
77 % فقط الدراسات، التي نفَّذتها وزارة الصحة على بعض المشكلات الصحية ذات الأولوية، تُظهر أنَّ نسبة عالية جداً، تُقدر بـ77 % من أطفال دمشق (من الفئة العمرية 6- 12 سنة)، تعاني من زيادة تراكيز الرصاص في الدم عن الحدّ المسموح به من قبل منظمة الصحة العالمية (10 ميكروغرام/100 مم بالدم). كما أنَّ نسبة 15 % من سكان سورية تعاني من الإصابة بديدان الأسكاريس، ونسبة 36% تعاني من الزحار المتكيس، و48 % من القاطنين بالجوار لمعمل إسمنت طرطوس مصابون بمرض إنتاني تنفسي مزمن واحد على الأقل، و70 % من العاملين في المعمل نفسه يعانون من أحد الأمراض التنفسية المزمنة، بغض النظر عن نوع العمل والوظيفة التي يشغلونها. كلُّ هذه المعطيات تدلُّ على أنَّ هناك نزيفاً مستمراً لإمكانات القوى العاملة، وضياعاً للموارد المادية والمالية، وضغطاً اجتماعياً لغياب الإجراءات الوقائية المسبقة عند التخطيط والتنفيذ والتشغيل؛ بحسب تقرير الحالة البيئية. التصريحات الحكومية تفيد بأنَّ العجز البيئي في سورية وصل في العام 2006 إلى 9 بالعشرة. وهي نسبة مساوية للنسبة الموجودة في مصر، وأكبر من العجز البيئي الموجود في تركيا، التي وصل فيها العجز البيئي إلى 7 بالعشرة. وشكلت تكاليف التدهور البيئي بين العامين 2004 و2006 نحو 3,5 % من الناتج المحلي الإجمالي (أي نحو 640 دولار أمريكي)؛ بحسب وزير الإدارة المحلية الدكتور تامر الحجة، الذي تابع حديثه بالتأكيد على أنه «من المتوقع أن تزداد الانبعاثات في سورية بشكل ملحوظ، في حال استمرَّت الممارسات البيئية الحالية والاعتداء على المناطق الخضراء».
التكلفة والتدهور.. أيهما أعلى؟ إن تكلفة مكافحة الأمراض الناجمة عن التلوث البيئي مرتفعة، وهي تتضمَّن تكلفة ظاهرة وأخرى خفية. تشمل التكلفة الظاهرة ثمن الأدوية والمعالجات (وهي في بعض الأحوال مرتفعة الثمن جداً كما في أدوية السرطانات). أما التكلفة الخفية، فتشمل العديد من البنود، وعلى رأسها تكلفة المعاناة الشخصية للمريض، والتي يصعب تقدير ثمنها، كما تدخل فيها تكلفة التشخيص والتحاليل المخبرية والاستقصاءات الشعاعية، وتكلفة التعطل عن العمل بسبب المرض، وأجور الكادر الصحي الذي يقدّم الخدمات الطبية سواء في القطاع الخاص أم العام، وتكلفة استثمار المرافق الصحية من مستشفيات ومراكز صحية وعيادات (تكلفة البناء والصيانة وفواتير الماء والكهرباء..)، وتكلفة الإجراءات الوقائية كالرش والتلقيح، وتكلفة متابعة الحالات والمخالطين، بحسب مديرية الأمراض في الوزارة. والدراسات أظهرت انحسار المساحات الخضراء في محافظات (حمص، وحلب، ودمشق، واللاذقية، ودير الزور، وطرطوس) خلال فترة زمنية قدرها 19 عاماً (أي بين العامين 1988 و2007)؛ حيث ازدادت المساحات المبنية بمقدار 79 كيلو متراً مربعاً، وبنسبة نمو متوسطة بلغت 46 %. فهل هذا يعني أنه يمكن للجهات المعنية أن تدقَّ ناقوس الخطر لكارثة أعمق مما تعانيه البيئة والصحة السورية؟!..
نقمة أخرى..
مكامن الخلل كبيرة، والهوّة ما بين البيئة والصحة متّسعة للغاية، وإمكانية ضبط الواقع مشكلة أكبر.. الدكتور بسام درويش (الاختصاصي بالجراحة الصدرية والعامة) تحدَّث عن مرض الكيسة المائية، الذي يعتبر الأخطر حالياً: «كثيرة هي الأمراض التي تنتقل إلى الإنسان عن طريق الأطعمة الملوثة. يكون بعض هذه الأمراض بسيطاً، بينما يكون بعضها الآخر خطراً جداً على الحياة. ومرض الكيسة المائية واحد من الأمراض الخطرة التي تصيب الإنسان. فآكلات الأعشاب (كالأغنام والأبقار والخيول)، ولاسيما الأغنام، تشكل المضيف الثاني الذي يتناول الأعشاب والخضروات الملوثة ببيوض دودة الكيسة المائية المعدية، فتدخل هذه البيوض معدة الحيوان وتفقس فيها لتطلق أجنة نشيطة تخترق أمعاء الحيوان المصاب وتصل إلى مختلف أعضائه، لتشكل الكيسة أو الكيسات المائية». ولكن كيف تصل إلى الإنسان؟.. يجيب الدكتور درويش: «يقوم الإنسان، من أسف، بدور آكل الأعشاب. فإذا تناول الأطعمة الطازجة والخضروات غيرالمطبوخة الملوثة، وصلت بيوض أجنة الكيسة المائية إلى أمعائه واخترقتها وتجوَّلت مع الدم في الأوعية الدموية الوريدية؛ حيث تنزرع أجنة الكيسة المائية خلال تجوالها في الكبد وتشكّل داء الكيسة المائية في الكبد، وقد تجتازه وتتوقف في الرئة لتشكّل داء الكيسة المائية في الرئة. وفي حالات أقلّ، قد تتجوّل هذه الأجنة مع الدم الشرياني وتصل الى أيّ عضو في الجسم، فتصيب الدماغ والقلب والكلية والطحال والرحم والعظم والخصية، فلا يكاد ينجو عضو في جسم الإنسان من الإصابة بهذا المرض الكاسح».
الباب الرئيس للمشكلة على مدار السنوات السابقة، اعتبرت السيارات المتهم الرئيس لتلوث الغلاف الجوي. ودون القضاء على هذه المشكلة، لا يمكن للمدن استنشاق هواء نظيف. هيثم نشواتي (مدير سلامة الغلاف الجوي في وزارة البيئة)، قال: «هناك تلوث ملحوظ. والسبب الرئيس له عوادم السيارات، بالإضافة إلى المصانع ومحطات الطاقة. ونسبة 60 - 70 % من التلوث سببها عوادم السيارات. وعند معالجة أيّ مشكلة، يجب توصيف الواقع، ومن ثم اقتراح الحلول. وعلى اعتبار أنَّ السبب معروف في التلوث، نتيجة عوادم السيارات، فالحلّ يكمن في إعادة هيكلة أسطول السيارات الموجود، وإدخال تقنية استخدام الغاز في السيارات». وزارة النقل تعمد إلى إدخال 1000 باص تعمل على الغاز. وفي المقابل، هناك العديد من الميكروباصات ألغيت من العمل داخل المدينة. ولكن، هل حلَّت المشكلة؟.. يتابع نشواتي: «أول أوكسيد الكربون وco2 والكبريت.. غازات سامة. وهذا كله يسهم في موضوع الاحتباس الحراري. ولدينا مشكلة الديزل، الذي مازالت نسبة الكبريت فيه عالية. وهذه مشكلة في موضوع التلوث، وتمَّ حلّ هذه المشكلة باستيراد المازوت الأخضر. وهذا شيء جيد، لأنه ضمن المشكلات التي تؤدي إلى تدني نوعية الوقود».
نكافح دون فائدة وزارة الصحة تقول: «الإجراءات المكافحة الفعّالة، التي نفّذتها وزارة الصحة بالتعاون مع الجهات الأخرى ذات العلاقة، أدَّت إلى التخلص من العديد من الأمراض المعدية ذات العلاقة البيئية؛ كشلل الأطفال، والكوليرا، والحصبة، والحصبة الألمانية، وكزاز الوليد، وغيرها.. حيث كانت أهم وسيلة في هذا المجال هي تطبيق برنامج اللقاح الوطني، كما انخفض عدد حالات الإسهال والحمى التيفية والحمى المالطية المبلّغ عنها بحسب الإحصاءات المرفقة». ولكن، تقارير بعثات الأمم المتحدة، تذهب إلى غير ذلك. إسماعيل ولد الشيخ (الممثل المقيم للأمم المتحدة في سورية)، قال: «كما رأينا، من ناحية التقارير، هناك انتشار كبير للأمراض التنفسية. وهذا الغبار، الذي يحصل في دير الزور، يحدث الآن بأكثر مما كان عليه. والمسألة الثانية هي لأسباب تتعلَّق بقلة الماء؛ إذ أصبح بعض الماء ملوثاً. وهذا يؤثر على الأطفال وبعض الكبار في السن من ناحية الإسهال. وهذا المرض أصبح منتشراً أكثر مما كان سابقاً. ولوحظ أنَّ هناك وفيات تتعلَّق بهذا الموضوع». مديرية الأمراض البيئية أكّدت أنَّ «مكافحة الأمراض ذات العلاقة البيئية تعتمد بالدرجة الأولى، وبشكل أساسي، على إصحاح البيئة. والسبيل الصحيح لخفض نسبة انتشار الأمراض المرتبطة بتلوث المياه وتلوث الغذاء، هو تأمين مياه شرب آمنة صحياً، والتصريف السليم لمياه الصرف الصحي، واتباع السلوكات الصحية من حيث النظافة الشخصية.. كما أنَّ حماية الهواء من التلوث بأشكاله كافة (الناتج عن النشاط الصناعي أو عن احتراق وقود السيارات أو رش المبيدات أو مصافي النفط أو محطات توليد الطاقة الكهربائية..) سيؤدي إلى تراجع كبير في نسب انتشار الأمراض التنفسية. كذلك فإنَّ الإدارة السليمة للنفايات الصلبة والسائلة لها دور مهم في خفض انتشار اللايشمانيا».
المراجع
موسوعة الجغرافية نافذة الجغرافيين العرب
التصانيف
تصنيف :الجغرافيا