تقع كهوف آجانتا Ajanta الشهيرة في إقليم الدكن Deccan، بمنطقة حيدر آباد من الهند وتبعد نحو 105كم عن مدينة أورنغ أباد Aurrangabad في ولاية ماهاراشترا Maharashtra في أواسط الهند وغربيها. وقد ظهرت في هذا الموقع نهضة فنية استمرت نحو خمسة قرون ونيف بين القرنين الأول والسابع بعد الميلاد، وبرزت هذه النهضة في ثلاثين كهفاً ضخماً محفورة في الصخور وتبدو مصطفة في أعلى وادي نهر الغانج في ما يشبه مدينة دينية. وتتميز هذه الكهوف باحتواء معظمها على لوحات جدارية مهمة تزين جدرانها وتعبّر عن نبض روحي وحسٍ جمالي ومهارة فائقة في التنفيذ.

    تدل منحوتات كهوف آجانتا على مدى تطور فن النحت في عهد أسرة غوبتا Gupta (مابين القرنين الرابع والسادس بعد الميلاد) ويتضح ذلك من تماثيل بوذا ويبدو متدثراً بثوبه، وتظهر عيناه مغمضتين وحاجباه على شكل قوسين مخططين بوضوح وشفتاه مقوستين. وتبرز التماثيل صفات أخرى جاءت من الفن الإغريقي - البوذي، وانصهرت في عبقرية الهند التي أبدعت فناً أكثر توازناً وصفاءً ورقة وحيوية. هنا يظهر بوذا (560-480ق.م) ملتفاً بثوب يبدو كأنه من قماش «الموسلين» وقد ابتل بالماء فتموجت ثنياته. أما في بداية عصر غوبتا فقد اختفت الثنيات وبدا الثوب مصقولاً شفافاً يغطي جسم بوذا بكامله. وهناك نوعان من تماثيل بوذا: تماثيل يبدو فيها واقفاً تنسدل ملابسه الفضفاضة لتؤكد الوقار والاتزان، وتماثيل في جلسة ملكية وحول رأسه هالة من نور.

    وفي جميع الأحوال يبدو بوذا طويل القامة ويوحي بالرقة. إلا أن المثَّالين اتجهوا، بعد عصر غوبتا، وفي القرنين السابع والثامن بعد الميلاد، نحو التعبير عن قوة الإنسان العلوي فظهرت نماذج تمثل بوذا بجسم وأطراف ثقيلة ضخمة.

    وقد اشتهرت كهوف آجانتا بتصاويرها الجدارية الرائعة التي تبرز المعاني الإنسانية وفيها تجسيد حياة بوذا. غير أنه لم يبق من الأعمال التي سبقت عصر غوبتا سوى بعض الآثار في الكهف التاسع. وفي الكهف العاشر يوجد إفريز طويل يتميز بحيوية نادرة ويمثل مشاهد فيلة بين نباتات اللوتس ومحاربين وراقصات. أما القسم الأكبر من التصاوير فيعود إلى حقبة متأخرة ترجع إلى عهد أسرة غوبتا وتتجلى في الكهوف ذات الأرقام 17،16،2،1 وقد اتبعت في تنفيذها طريقة تشبه الفريسك.

     والفن في أجانتا فن مثالي لا يبحث عن التعبير المباشر أو الإيحاء بالواقع بطريق النور والظل لأنه يطمح إلى هدف أعمق وأبعد غوراً، مستخدماً تعابير الوجوه والحركات للدلالة على مضامين روحية وجمالية. إن الصور التي تمثل الـ «بوديستافا»Boudistavas (نظراء بوذا) تتميز بالعظمة والتوازن في هدوء لا تشوبه شائبة. ففي صدر الكهف الأول صورة رجلين من «البوديستافا» يحيطان بالبناء النموذجي للعمارة البوذية «داغوبا» Dagoba ويؤكدان في انحنائهما التوازن، وتعبر ملامح وجهيهما عن الصفار والحزن الناجمين عن الإعياء.

    ويلاحظ في تصاوير آجانتا تجمع موفق وثابت ينبض بالحياة بأشخاص في لقاءات ومشاهد غرامية ومواقف مأساوية، وهو تجمع خفي يرصد البطولة ومظاهرها وتبدو الأوضاع فيه كأنها سكبت في أبيات من الشعر، ويبدو المشهد كأنه يروى في قصة، وتكفي خطوة الشخص للدلالة على تغير المكان. فالتجمع مرن، ولكنه مدروس ومتوازن، ولا ينطوي الانتقال من حيّز إلى آخر، في هذه الأعمال، على أي مفاجأة. وإذا كان الانطباع الأول يوحي بأن تجمع الأشخاص جاء عفوياً، إلا أنه سرعان ما تدرك العين نظاماً فنياً في تكوين المشاهد وارتباط بعضها ببعض وخضوعها لإيقاع واضح يتحقق معه الانسجام والتوازن، ويتم التمركز في اللوحات من خلال الشخصيات الثانوية التي تحيط بالتكوين وهي منحنية لتقود البصر نحو الشخصيات الرئيسية.

    تتعدد الطرز الفنية في كهوف آجانتا وتمثل اختلافاً بين المدارس الفنية متطوراً مع الزمن. ولعلَّ أهم هذه الطرز ما يشاهد في الكهفين الأول والثاني، وفي بعض التفصيلات في الكهف السادس عشر، مما يتميز بالضخامة وحسن معالجة الظلال والأضواء، والثقل في قماش الملابس، والوجوه ذات الفم الضيّق الكثيف، وأقواس الحواجب المحددة بخط مستمر.

    والخلاصة فإن ما يغلب على المشاهد المصورة في آجانتا أنها مستوحاة من قصص بوذية وقد تمثلت فيها بيئة تظهر فيها حياة الدين الخيالية ويتجلى فيها الانسجام مع الرقة والنعومة مما يذكر بفخامة مسرح الحبّ السنسكريتي.

    ويحتل فن آجانتا مكانة مهمة في تاريخ الفن الهندي، وهو يعبر عن الصفاء والحب الروحي في بيئة رأت (أن ممارسة الفننشاط مبارك ومن مصدر إلهي).


المراجع

الموسوعة العربية

التصانيف

العمارة و الفنون التشكيلية والزخرفية   التربية والفنون   الفنون