المونيمات والفونيمات
ما الذي يشكل إذن السمة الخاصة للغات الإنسانية ؟ .. وما هي الخصائص التي تمتلكها جميع اللغات ، والتي تمكن من تمييزها عن العديد من أنظمة التواصل الأخرى ( لغة النحل ، قانون السير . . . الخ ) ؟ .. إن هذه الخصائص لا تتمثل لا في وظيفة التواصل ( التي تتقاسمها مع كل أنظمة الترميز الأخرى ) ، و لا في الخاصية الاعتباطية للعلامات التي تستخدمها ( استخدام اللون الأحمر والأخضر على سبيل المثال هو اعتباطي بشكل كلي في العلامات الضوئية المحددة من طرف قانون السير ) . إن هذه الخاصية التي نبحث عنها تتمثل في التمفصل المزدوج العجيب الذي أشار كل من سوسور ثم مارتينيه المزداد سنة 1908 إلى أهميته البالغة . لنأخذ الكلمة الفرنسية : Réembarquons .
- إننا نلاحظ أنها تقبل التفكيك بادئ ذي بدء إلى وحدات نسميها وحدات التمفصل الأول أو المونيمات والتي هي وحدات صغرى للمعنى : réem-barqu-ons .
- ويمكن أن ندفع بالقسمة بعيدا إلى الأمام ، إلا أننا سنحصل حينها على مقاطع لم يعد لها أي معنى في اللغة ؛ إننا سنحصل بذلك على الوحدات الصغرى للتمفصل الثاني أو الفونيمات والتي هي وحدات صوتية صغيرة لا تحمل أي معنى : em/b/a/r/qu/ons .
“التمفصل الأول في اللغة كتب اللساني أندريه مارتينيه هو ذاك الذي تنحل وفقه كل واقعة من وقائع التجربة يراد تبليغها ، وكل رغبة يراد جعل الآخر يعرفها إلى متوالية كل منها مزودة بصورة صوتية ومعنى” ( عناصر اللسانيات العامة ، 1980 ) ، وهكذا ففي الجملة برأسي ألم يمكنني أن أميز ثلاث وحدات أولية للمعنى أو مونيمات ب ـ رأسي ـ ألم ، لكن الصورة الصوتية ذاتها تقبل التحليل بدورها إلى تعاقب من الوحدات يسهم كل منها في تمييز كلمة رأس على سبيل المثال من وحدات أخرى مثل بأس ، كأس ، فأس ( نفس المرجع ) .أما وحدات التمفصل الثاني ، والتي هي ( ر/ب/ك/ . . الخ ) فتسمى فونيمات وهي كما نرى وحدات أولية للصوت.
الوظيفة الاقتصادية للتمفصل المزدوج
إن هذه التركيبات والتنضيدات للمونيمات والفونيمات هو ما يعطي للغة القدرة على فعل الكثير عن طريق القليل ( إ . بنفينست : مشاكل اللسانيات العامة ، 1966 )، والتي بدونها سيكون أي تواصل ورطة لا خلاص منها :
- فإذا كان اللسان لا يتضمن إلا الفونيمات فإن رسالة مفردة حينها ستتطلب صرخة خاصة ؛
- وإذا لم تكن هناك إلا المونيمات ، فستتطلب اللغة عدة آلاف من الإنتاجات الصوتية الصغرى والمتميزة ، وهو ما يتجاوز بطبيعة الحال الإمكانيات الصوتية للحنجرة الإنسانية.
“إننا لا نستطيع فقط التعبير عن مجموع تجربتنا عن العالم عبر بضعة آلاف من المونيمات وحدها ، وإنما هذه الآلاف من المونيمات هي مشكلة بذاتها انطلاقا من ثلاثين أو خمسين علامة صوتية أولية ـ تبعا للغات ـ؛ أي تبعا لفونيمات كل لغة على حدة” ( جورج مونان ، مفاتيح اللسانيات 1968 ) .
ملخص :
ليس التواصل الحيواني لغة لأنه محدود وبدون حوار و لا تاريخ ، واللغة الحقيقية تتطلب إرسالا اجتماعيا عن طريق الثقافة ، لا نظاما فطريا موروثا منذ الولادة. إن التمفصل المزدوج للغات الإنسانية ( مونيمات / فونيمات ) يمكن من إجراء تركيبات تمكن من قول كل شيء من خلال عدد قليل من العلامات
المراجع
التمفصل_المزدوج_للغات_الإنسانية
التصانيف
فلسفة