الإِرميتاج
    يعد متحف الإِرميتاج Ermitage في مدينة بطرسبرغ الروسية من أهم متاحف العالم التاريخية والفنية من حيث ضخامة مبانيه وغنى مجموعاته الثمينة والنادرة، وهو أحدث متحف كبير في أوربة، وقد افتتح بأمر من القيصر نيقولا الأول في 7/2/1852, ويفيد لفظ الإِرميتاج المستعار من الفرنسية معنى الصومعة أو المنْسَك الذي ينفرد فيه الإِنسان بنفسه. وكان قد شيد إِلى جانب القصر الشتوي للقياصرة ليتاح للإمبراطورة كاترين الثانية (1729-1797) وحاشيتها اللجوء إِليه في بعض الأيام سعياً إِلى التحرر من ثقل ضغط تقاليد البلاد.
 
    تتصف المباني الخمسة الضخمة التي تؤلف الإِرميتاج بجمالها المعماري، وتطل واجهاتها الواسعة على نهر نيفا Neva مما يضفي الجمال على المكان. وتبدأ هذه المباني بالقصر الشتوي ويليه الإِرميتاج الصغير فالإِرميتاج القديم فمبنى المسرح فالإِرميتاج الجديد. وقد أسهم في تشييدها كبار المهندسين المعماريين.
 
 

جناح الفرسان في متحف الإرميتاج

 
    أنجز المهندس المعماري الإيطالي راستريلي Rastrelli (1700-1771) بناء القصر الشتوي في مدة عشر سنوات (1752-1762) ليكون مقراً لقياصرة روسية، ويعد هذا القصر أهم مباني الإِرميتاج من حيث ضخامته وجمال عمارته ونظام أعمدة واجهته وروعة منحوتات سقوفه ودوْر الظل والنور في واجهاته. وقد شب حريق فيه عام 1837 دام ثلاثة أيام. وعهد فيما بعد إِلى المهندس المعماري ستاسوف Stassove (1769-1848) القيام بعمليات الترميم وتشييد القصر من جديد، وتم ذلك في مدة عامين.
 
    وإِلى جانب واجهة القصر الشتوي بدئ بتشييد مبنى الإِرميتاج الصغير عام 1764، وقد وضع مخططات هذا البناء يوري فيلتن Youri Velten (1730-1801) وجان باتيست فالن دي لاموت Vallin de la Mothe (1729-1800). ويتصل جناحه الشمالي بالجناح الجنوبي برواقين. وتمكن المهندس شتاكِنْشْنايْدر Stackenschneider (1802-1865) من تحقيق الجمال والانسجام في الطابق الأول من الجناح الشمالي، وزينت قاعته بأعمدة أنيقة ورشيقة من الرخام الأبيض الجميل، وفرش قسم من أرضيتها بالفسيفساء.
 
    أما مبنى الإِرميتاج القديم فقد شيد بين عامي 1771-1787 لحفظ اللوحات الفنية وعرضها. وفي عام 1783 تم وصل المبنى القديم بمبنى المسرح بقنطرة تعلو القناة الشتوية. وأما مبنى الإِرميتاج الجديد فقد تم تشييده بين عامي 1839و1852 ليكون متحفاً وذلك اعتماداً على مشروع ليو فون كلينتزة Leo Von Klenze (1784-1864) وبمساعدة ستاسوف ونيقولاي يفيموف N. Efimov. وزين رواقه بتماثيل عشرة أطالس (جمع أطلس، وهي تماثيل ذكور تستعمل عُمداً أو دعامات حاملة للشرفات والأطاريف والأسقف المعمدة، والأطلس في الأساطير اليونانية هو الجبار الذي يحمل الكرة الأرضية على كتفيه). وقد نحتت هذه التماثيل من حجر الغرانيت وهي من إِبداع الفنان النحات ألكسندر تِرِبيْنيِف A. Terebeniev (1815-1859). وعرضت في ست وخمسين قاعة من المبنى لوحات فنية لكبار فناني روسية وأوربة الغربية، أقام المهندس شتاكنشنايدر في الإِرميتاج الجديد قاعة عرضت فيها لوحات الفنان ليوناردو دافنتشي L. Da Vinci. واستخدم فيها الرخام واليشب والأخشاب النادرة والبرونز المذهب والأصداف وجعلت الأبواب بطراز الفنان التطبيقي بول Boule، وزين السقف وأعلى الجدران بلوحات جميلة.
 
 

متحف الإرميتاج في بطرسبرغ في روسية الاتحادية

 
    وفي عام 1783 شرع المعمار الإِيطالي جياكومو كوارنغي Giacomo Quarenghi (1744-1817) بتشييد مبنى مسرح الإِرميتاج بقنطرة، وانتهت عمارة واجهته عام 1802، وكان كوارنغي قد بنى - على امتداد القناة - في عام 1780 رواقاً مماثلاً لمبنى «اللوج» Loges الذي كان قد شيده المهندس برامانت Bramante في الفاتيكان، ويضم هذا المبنى مكتبة فنية ثمينة.
 
    ويُعدّ عام 1764 بداية تكوين مجموعات متحف الإِرميتاج، عندما اشترت الإمبراطورة كاترين الثانية من التاجر البرليني جوتسكوفسكي Gotzkowsky مجموعة مؤلفة من مئتين وخمس وعشرين لوحة فنية فلمنكية وهولندية كانت نواة هذا المتحف. ولكن مبنى هذا القصر بدا غير كاف لاستيعاب هذه الأعمال الفنية واقتضى الأمر تشييد المباني الجديدة في جواره. وقد ازدادت هذه المجموعة الفنية غنى بوساطة رجال السياسة الروس والمبعوثين الرسميين المكلفين القيام بمهمة الحصول على مزيد من هذه الأعمال. وفي عام 1767-1768 تمكن السفير الروسي في باريس من شراء عشر لوحات فنية قيّمة لأشهر الفنانين الأوربيين، كما تم شراء مجموعة أخرى من اللوحات من بروكسل وباريس. وازدادت محتويات الإِرميتاج غنى بشراء مجموعة اللورد ولبول Walpole من إِنكلترة عام 1779، ومجموعات أخرى من كبار هواة اللوحات في أوربة.
 
    واختارت الإمبراطورة كاترين الثانية أجمل الأعمال الفنية من المجموعات الأخرى المشهورة، وتنافست مع الملك فريدريك الثاني في سبيل شراء تمثال ربة الصيد ديانا Diana الذي أبدعه الفنان النحات المشهور هودن Houdon (1741-1828)، وكانت كاترين الثانية تستعين بعدد من أصحاب الذوق الفني والحس الجمالي مثل البارون غريم Grimm (1723-1807) في انتقاء اللوحات الفنية الثمينة.
 
    وفي عام 1814 ازدادت مجموعات متحف الإِميتارج غنى بمجموعة من قصر مالميزون Malmaison الذي كان يعود للإمبراطورة جوزفين (1763-1814). ومنذ عام 1820 بدأ القصر الشتوي يتلقى الآثار المكتشفة في المواقع الأثرية المختلفة. ويزداد غنى بالتماثيل والمنحوتات القديمة ومجموعات من الفن البيزنطي والأسلحة الأوربية. وشيد المبنى الجديد الملحق به خصيصاً ليكون متحفاً. وبعد ثورة تشرين الأول 1917، واستقرار السلطة السوفييتية، حُوِّل القصر الشتوي وكل المباني الملحقة به إِلى متحف، وأجريت عليه تعديلات لاستيعاب الأعداد المتزايدة من التحف والنفائس والآثار والأعمال الفنية التي جمعت من داخل البلاد وخارجها، وصنفت مقتنياته بحسب عصرها ونوعها ومادتها وجعلت مع الأعمال المتصلة بها في ثمانية أقسام يقع في مقدمتها من حيث الأهمية الفنية خمسة هي: الحضارات البدائية، حضارات العالم القديم، حضارات الشرق القديمة، الحضارة الروسية (وفي القسم قاعة خاصة بحرب 1812)، الفن الأوربي الغربي. أما الأقسام الثلاثة الأخرى فهي قسم النقود والنميات، وقسم البحوث العلمية والتوعية الفنية، وقسم الترميم.
 
    يضم قسم الحضارات البدائية آثاراً مختلفة تعود إِلى العصور الحجرية والعصر البرونزي، والعصر الحديدي، إِضافة إِلى روائع الفن السكيثي Skythian art (وهو فن السكيثيين الذين ظهروا في شمال البحر الأسود في القرنين الثامن والسابع ق.م. وقضى عليهم القوط في القرن الثالث ق.م).
 
    ويضم قسم حضارات العالم القديم أكثر من 113.000 قطعة من الفخار اليوناني القديم، والأحجار الكريمة المختلفة، والمنحوتات الرومانية، وروائع فنون المدن القديمة في شمال البحر الأسود، وروائع الفنون الإِيطالية مثل إِناء ريجينا Regina Vasorum وآثار حضارة رومة القديمة وفنها مثل تمثال أوكتاف أوغسطس، وتماثيل الأباطرة السوريين السيفيريين (من أسرة سيفيروس) والإمبراطور فيليب العربي، إِلى جانب منحوتات تمثل بعض أباطرة الرومان والربات الإِغريقية والتحف البرونزية والزجاجية والحلي الذهبية والآثار المكتشفة قرب مدينتي كيرتش وسباستيبول وغيرها.
 
    ويضم قسم حضارات الشرق القديم روائع الآثار المصرية القديمة من مجموعة كاستيليون Castiglion التي كانت أكاديمية العلوم قد اقتنتها، ومنسوجات قبطية مصرية قديمة مهمة جمعها بوك Bok في أعوام 1888-1899. وفي هذا القسم توجد التعرفة الجمركية التدمرية التي تعود إِلى عام 132م وقد نقشت على كتلة حجرية ضخمة يبلغ ارتفاعها نحو خمسة أمتار ونقش النص فيها باللغتين التدمرية واليونانية، وتعد أهم وثيقة اقتصادية قديمة، وقد عثر عليها الأمير الأرمني الروسي سيمون لازاريف Lazarew أمام الساحة العامة في تدمر ونقلت في عام 1901 إِلى متحف الإِرميتاج. وفي هذا القسم آثار زجاجية من أهمها الأثر الزجاجي الذي أبدعه الفنان التطبيقي السوري إِنيون في بداية العصر الروماني. وفي القسم كذلك المنحوتات الآشورية والأيقونات البيزنطية والخزف الإِسلامي والتحف الإِيرانية والآثار الهندية والصينية والمغولية واليابانية والإِندونيسية وغيرها. ومن الآثار الأخرى المهمة في هذا القسم الحوض البرونزي الضخم الذي يبلغ قطره 2.45م ووزنه 2000كغ وكان تيمورلنك قد أهداه إِلى جامع الخوجا أحمد العيسوي، وهو من صنع التبريزي (فنان إِيراني)، ويعود إِلى عام 1399م، وكذلك مجموعة تربيعات من مسجد بيبي هانم، إِحدى زوجات تيمورلنك، (وقد هدم الزلزال هذا المسجد الذي كان من روائع فن العمارة الإِسلامية).
 
    أما قسم الحضارة الروسية فلا يزيد عمره على نصف قرن، ولكنه يضم نحو 200.000 قطعة فنية مختلفة تتعلق بروسية القديمة منذ القرن السادس. فهناك قاعة بطرس الأول، وقاعة الرنوك ورواق الحرب الوطنية عام 1812، وقاعة العرش، وقاعة الحفلات الموسيقية وفيها قبر ألكسندر نيفسكي A. Nevski، وقاعة حضارة روسية الموسكوفية وتضم أيقونات مهمة مع أقدم المخطوطات والمطبوعات التي تعود إِلى القرن السابع عشر، كما أن هناك قاعة عرضت فيها خارطة سيبيرية رسمها س. ريميزوف S. Remezov عام 1698 بحسب الطريقة العربية التي تجعل جهة الجنوب في الأعلى.
 
    وأما قسم الفن الأوربي فيؤلف اللبنة الأساسية الأولى التي واكبت تأسيس الإِرميتاج، والقسم غني بنفائسه التي يزيد عددها على 630.000 تحفة فنية، وهو يضم أقدم أجنحة متحف الإِرميتاج. وفي هذا القسم روائع الفنون التطبيقية والزخرفية من القرن الحادي عشر حتى القرن الخامس عشر، وفيه الأسلحة الأوربية من القرن الخامس عشر حتى القرن السابع عشر، والأعمال الفنية الإِيطالية من القرن الثالث عشر حتى القرن الثامن عشر، وأعمال من الفن الإِسباني من القرن السادس عشر حتى السابع عشر، والفن الهولندي من القرن الخامس عشر وحتى القرن السابع عشر، والفن الألماني من القرن الخامس عشر حتى القرن العشرين، وفيه تحف من الفن الإِنكليزي من القرن السابع عشر حتى القرن التاسع عشر ومن الفن الفرنسي من القرن الخامس عشر حتى القرن العشرين. وفي هذا القسم كذلك سجاد من صنع أوربي من القرن الخامس عشر حتى القرن الثامن عشر، ومجموعة من الأحجار الكريمة المنقوشة والخزف والحُلي. وفيه أيضاً مجموعات من أعمال الفنانين الأوربيين مثل دافنشي ورفايلو وميكيلانجلو وتيتسيانو ورامبرنت وفيلاكسيز، كما أن فيه مجموعات من لوحات الفن المعاصر ذات أهمية فنية عظيمة.
 
    والواقع أن متحف الإِرميتاج يُعدّ من أهم متاحف العالم وأكثرها غنى إِذ يضم ما يزيد على مليونين ونصف مليون تحفة فنية من لوحات تصويرية وتماثيل وقطع أثرية ومسكوكات وميداليات وغير ذلك من الأعمال الفنية الرائعة، وتشغل معروضات المتحف 350 قاعة. وكان الاطلاع على موجودات هذا المتحف، في مطلع تكوينه، مقتصراً على الإمبراطورة كاترين الثانية وبعض أفراد حاشيتها وضيوفها المرموقين، حتى إِنها كتبت ذات يوم إِلى صديقها البارون غريم تقول: «إِن كل هذه النفائس لا يتمتع بها إِلا أنا والفئران». ولكن هذا المتحف غدا حديثاً يستقبل في العام نحو ثلاثة ملايين ونصف المليون من الزائرين، وغدت تقام فيه أعمال علمية وتعليمية وتعقد فيه المؤتمرات العلمية والثقافية والفنية المتعددة، وغدا ينظم بعثات آثار للتنقيب والاستكشاف ويصدر الكتب العلمية والمصورات وكتب «الدليل» وغير ذلك، وينظم المعارض في الخارج لبعض محتوياته

المراجع

الموسوعة العربية

التصانيف

الأبحاث