إن أعداء الإسلام يتربصون به في كل مكان، وقد جعلوا من المرأة المسلمة هدفًا لمخططاتهم المسمومة يبثون لها دعاوى التبرج والسفور .. لعلمهم بمدى أهمية دور المرأة في بناء الأمة المسلمة ..
فيــا أختاه، كوني الأخت المجاهدة المتعلمة التي تدافع عن دينها برفع الجهل عن نفسها وعن أخواتها المسلمات .. تسلَّحي بالعلم يا أختاه وارفعي راية الدفاع عن هذا الدين، حتى لا يؤتى الإسلام من قِبَلِك ..
واعلمي أن لطلب العلم فضلٌ عظيم .. ومنها إنه:
- فريضة على كل مسلم ومسلمة .. قال رسول الله "طلب العلم فريضة على كل مسلم" [رواه ابن ماجه وصححه الألباني]
- أيسر الطرق إلى الجنة .. قال رسول الله "من سلك طريقا يبتغي فيه علما سلك الله له طريقا إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاء لطالب العلم" [رواه الترمذي وصححه الألباني] .. فتفتح أبواب الجنة لطالب العلم وتستنزل عليه الرحمات.
- أعظم سبب لمغفرة الذنوب .. قال " وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء" [رواه الترمذي وصححه الألباني]
- أهل العلم هم ورثة الأنبياء .. وقال " وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب إن العلماء ورثة الأنبياء إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر" [رواه الترمذي وصححه الألباني] ..
- العلم أفضل المنازل .. قال تعالى {..يَرفَعِ اللَّه الَّذِينَ آَمَنوا مِنكم وَالَّذِينَ أوتوا العِلمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّه بِمَا تَعمَلونَ خَبِيرٌ} [المجادلة: 11] .. وقال "إنما الدنيا لأربعة نفر عبد رزقه الله مالا وعلما فهو يتقي فيه ربه ويصل رحمه ويعمل لله فيه بحقه فهذا بأفضل المنازل . وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا فهو صادق النية ويقول لو أن لي مالا لعملت بعمل فلان فأجرهما سواء . وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما فهو يتخبط في ماله بغير علم لا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه ولا يعمل فيه بحق فهذا بأخبث المنازل وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو يقول لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان فهو نيته ووزرهما سواء" [رواه الترمذي وصححه الألباني] .. فلابد أن تتقي الله عز وجل فيما رزقكِ من مال وعلم، وأن تؤدي حقه فيه حتى تنالي أفضل المنازل .. وبالعلم تعرفين كيفية توظيف جميع أمورك الحياتية، بإحتسابك النوايا الصحيحة لكل عمل تقومين به فتبلغي المنازل العالية.
- وأشرف الأعمال .. قال الله تعالى لنبيه في شرف العلم {..وَقل رَبِّ زِدنِي عِلمًا} [طه: 114] ..قال القرطبي "فلو كان شيء أشرف من العلم لأمر الله تعالى نبيه أن يسأله المزيد منه كما أمر أن يستزيده من العلم" .
- أفضل الجهـــــاد .. قال رسول الله "من جاء مسجدي هذا لم يأته إلا لخير يتعلمه أو يعلمه فهو في منزلة المجاهد في سبيل الله ومن جاءه لغير ذلك فهو بمنزلة الرجل ينظر إلى متاع غيره" [صحيح الجامع (6184)] وجهاد اليوم هو الجهاد العلمي .. قال تعالى {فَلَا تطِعِ الكَافِرِينَ وَجَاهِدهم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا} [الفرقان: 52]، يقول ابن القيم في (مفتاح دار السعادة) "فهذا جهاد لهم بالقرآن وهو أكبر الجهادين".
- العلماء هم أطباء الناس على الحقيقة .. إذ إن مرض القلوب أكثر وأخطر من مرض الأبدان، وقد قال النبي "إنما شفاء العي السؤال" [صحيح الجامع (4362)] .. فالجهل داء، ودواؤه العلم.
- أعظم الكنوز .. قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه لكميل "احفظ ما أقول لك: الناس ثلاثة، فعالم رباني، وعالم متعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق .. العلم خير من المال، يحرسك وأنت تحرس المال، العلم يزكو على العمل، والمال ينقصه النفقة، ومحبة العالم دين يدان بها باكتساب الطاعة في حياته، وجميل الأحدوثة بعد موته وصنيعه، وصنيعة المال تزول بزوال صاحبه، مات خزان الأموال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة " .
- أفضل الطرق إلى القُرب من الله سبحانه وتعالى .. ويكفي أن الله عز وجل قد قرن العلماء بالملائكة في شهادتهم بالتوحيد، قال الله تعالى {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 18] لأن العلم يُورث محبة الله، فمَن عَرِفَ الله أحبه .. كما إنه يورِّث الخشية، قال تعالى {.. إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ .. } [فاطر:28]
- طريق الأنس بالله .. قيل لذي النون: ما الأنس بالله؟، قال: العلم والقرآن. فإن كنتِ تريدين أن تأنسي بالله عز وجل، وتملأين قلبكِ بمحبته فتفيض عيناكي من خشيته .. فطريقك إلى هذه المعاني الإيمانية الجميلة هو العلم.
- النور الذي يُبَصَّر به الإنسان حقائق الأمور .. فليس البصر بصر العين ولكن البصر بصر القلب، كما قال الله جلَّ وعلا {.. فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46] .. فالعلم هو الذي يجعل القلوب تُبصِّر وترى الحق، قال تعالى {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ ..} [سبأ:6]
- العلم يورث الخشية .. يقول الله عز وجل {.. إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا، وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا، وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا}[الإسراء: 107,109] .. فالغرض الأصيل من طلب العلم هو تحقيق العبودية والخشية لله سبحانه وتعالى .
- العمل الذي لا ينقطع، حتى بعد موت صاحبه .. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة أشياء صدقة جارية أوعلم ينتفع به أوولد صالح يدعو له" [صحيح مسلم] .. فالعلم يتعدى أثره حتى بعد الموت، فإن تركتي علمًا ينتفع به الناس فهو في ميزان حسناتك إلى يوم القيامة.
- لا نجاة إلا بالعلم والعمل .. قال رسول الله "ألا إن الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالم أو متعلم" [رواه الترمذي وحسنه الألباني] .. فبالعلم والعمل تتنزل الرحمات، وبما سوى ذلك تتنزل اللعنات.
- أعظم المنن التي يمن الله عز وجل بها على العباد .. قال رسول الله "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين" [متفق عليه]
- أعظم الأعمال بعد الفرائض .. عن عائشة أنها قالت: سمعت رسول الله يقول "إن الله عز وجل أوحى إلى أنه من سلك مسلكا في طلب العلم سهلت له طريق الجنة ومن سلبت كريمتيه أثبته عليهما الجنة . وفضل في علم خير من فضل في عبادة وملاك الدين الورع" [رواه البيهقي وصححه الألباني] .. فالزيادة في طلب العلم أفضل من الزيادة في العبادات.
أختـــاه، بعد أن علمتي هذا الفضل والشرف العظيم لطلب العلم .. أما آن أن تكوني مُتعلمة؟!
ولقد كان نساء الصحابة رضوان الله عليهم على عهد النبي يحرصون أشد الحرص على طلب العلم والتفقه في الدين .. فعن أبي سعيد الخدري: قالت النساء للنبي غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يوما من نفسك فوعدهن يوما لقيهن فيه فوعظهن وأمرهن [متفق عليه] .. وقالت عائشة رضي الله عنها "نِعْمَ النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين" [رواه ابن ماجه وحسنه الألباني]
ولم يأت في تاريخ المسلمين أحدًا أعلم من أمنا عائشة رضي الله عنها في الفقه .. وقد كانت رضي الله عنها مرجعًا لأصحاب رسول الله عندما يستعصي عليهم أمر، فكانوا يستفتونها فيما أُشكل عليهم. حيث قال أبو موسى الأشعري "ما أشكل علينا ــ أصحاب رسول الله ــ حديث قط فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علما"
كما إنها برعت في الطب والشعر أيضًا .. فقد قال عنها عروة بن الزبير "ما رأيت أعلم بفقه ولا طب ولا شعر من عائشة".
وفي زمن شيخ الإسلام ابن تيمية، كانت هناك امرأة تُدعى أم زينب فاطمة بنت عباس .. وكانت صالحة عابدة ناسكة ومن العالمات الفاضلات. وقد كانت تحضر مجالس شيخ الإسلام ابن تيمية، فكان يستعد لها من كثرة مسائلها وحسن سؤالاتها وسرعة فهمها، وكان يُثني عليها، ويصفها بالفضيلة والعلم، ويذكر عنها أنها كانت تستحضر كثيراً من المُغني أو أكثره. وقد ختمت الكثير من النساء القرآن عليها.
ومن المعاصرات: الدكتورة كاملة الكواري .. التي لا يوجد مثيل لها من العالمات المعاصرات في قوة الإطلاع وجودة الفهم، مع الإقدام على بعض العلوم العقلية التي ليس من ديدن النساء الاشتغال بها .. ولها العديد من الكتب نافعة والمفيدة المعروفة، وقد قدَّم لها الشيخ سِفر الحوالي في كتابها عن (قدم العالم وتسلسل الحوادث .. بين شيخ الاسلام ابن تيمية والفلاسفة)، ولها كتاب ( المجلى شرح القواعد المثلى ) وهو من أمتع وأفضل الشروح على كتاب القواعد المُثلى للشيخ ابن عثيمين.
وأيضًا الدكتورة سارة بنت عبد المحسن بن عبد الله بن جلوي .. وهي تُعتبر من أكثر نساء العصر تمكناً ومن كبار أهل العلم في علم العقيدة، حاصلة على الدكتوراة في العقيدة الإسلامية تخصص المذاهب المعاصرة عام 1413 هـ. وهيَ الرئيس العام لمركز الأمير عبد المحسن بن جَلوَى للبحوث و الدراسات في الشارقة، ولها كتب تناقش فيها مسائل عَلْمِية عَقَدِية دقيقة بل وتشرح وتناقش كلام شيخ الإسلام ابن تيمية.
وهذه الشيخة أم السعد رحمها الله .. التي تفردت بين نساء عصرنا بإتقانها القراءات العشر، وأجازت بذلك الكثير من مشايخنا، وربما كانت السيدة الوحيدة في العالم الإسلامي التي يسافر إليها القراء وحفظة القرآن من أجل الحصول على (إجازة) في القراءات العشرة، وظلَّت طوال أكثر من نصف قرن تمنح إجازاتها في القراءات العشر. وكانت ضريرة وتوفيت رحمها الله في رمضان عام 1427هـ.
واعلمي يا أختاه إنكِ لن تكوني صانعة للعلماء إلا إذا صرتِ مُتعلِّمة، لأن فاقد الشيء لا يُعطيه .. كوني كأم سفيان الثوري: التي قالت له: "اذهب فاطلب العلم حتى أعولك بمغزلي، فإذا كتبت عشرة أحاديث فانظر هل تجد في نفسك زيادة فاتبعه وإلا فلا" .. أو كأم الشافعي التي كانت كما يقول الحافظ ابن حجر "باتفاق النقلة من العابدات القانتات ، ومن أزكى الناس فطرة وكانت لبيبة وذات فقه".
وأخيرًا، ألا تُحبين أن تكوني من وصية الرسول صلى الله عليه وسلم؟!
عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله قال "سيأتيكم أقوام يطلبون العلم فإذا رأيتموهم فقولوا لهم مرحبا مرحبا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم واقنوهم" قلت للحكم: ما اقنوهم؟، قال: علموهم. [رواه ابن ماجه وحسنه الألباني]
فمن الآن لا يمر عليكِ يوم دون أن تزدادي خطوة في طريق طلب العلم .. ولو صدقت الله عز وجل وكنتِ بالفعل غيورة على دين الله، سيكون شُغلِك الشاغل أن تكوني عالمة ربانية ومُربية لأجيال من العلماء الربانيين يكونون سببًا في نصر أمتنا،،
المراجع
موسوعة المنهج
التصانيف
عقيدة