الريع rent هو دخل مضمون لمدة طويلة من الزمن. وفي النظرية الاقتصادية الريع هو الدخل المتأتي عن عامل طبيعي بسبب الخصائص الفنية لهذا العامل. ويعرفه بعضهم بأنه: كل دخل دوري غير ناتج عن العمل أو الدفعات المنتظمة المتأتية عن الملكية العقارية. فالريع مفهوم متعدد الجوانب وتطور عبر الزمن ولكنه بقي محافظاً على جوهره مع تعدد أشكال ظهوره بأنه الدخل غير الناتج من العمل.
 

المنظور التاريخي

 
تاريخياً ارتبط مفهوم الريع بالملكية العقارية ففي المفهوم البدائي للريع أنه الدخل الذي يحصل عليه مالك الأرض نتيجة وضع ملكيته بتصرف الآخرين مقابل عائد معين عينياً كان أم نقدياً.
 
ولكن فيما بعد توسع مفهوم الريع ليشمل العوائد التي تدرها التوظيفات في القروض العامة التي تعقدها الحكومات. وفي مرحلة متقدمة طبقت في أوربا أشكال أخرى للريع، مثل الريع مدى الحياة وهو عبارة عن دفعات دورية منتظمة يقوم بتأديتها منتفع من مال خصص به من قبل متنازل عن هذا المال(عقار مبني أو أرض زراعية وغير ذلك). ويستمر المنتفع بتأدية هذه الدفعات حتى وفاة الشخص المتنازل له. وتكون ملكية المنتفع بالمال مشروطة بتأدية الدفعات في مواعيدها على نحو منتظم.
 
كما عرف التاريخ الاقتصادي للدول الصناعية ما يعرف بالريع الأبدي، وكان عبارة عن قرض تحصل عليه الحكومات لمدة غير محددة تؤدي عنه دفعات منتظمة حتى تاريخ إطفاء القرض(إعادة شراء القرض في سوق الأوراق المالية).
 
وإلى هذه الأنواع من الريوع تصنف النظرية الاقتصادية ضمن مفهوم الريع أي دخل إضافي يعطيه عامل إنتاج بسبب عدم مرونة عرضه الناتجة من عدم إمكانية تجديد إنتاجه أو الحاجة إلى مدة طويلة حتى يتم تكيف العرض مع الطلب. كما يكون في إطار الدخول الريعية كل دخل ناتج من موقع أكثر ملاءمة مثل إطلالة البناء على الشارع العام أو قربه من خطوط المواصلات الرئيسة. وكذلك يحسب في عداد الريوع الدخل الذي يحصل عليه بعض العاملين في مواقع معينة والذي يزيد على دخل أقرانهم العاملين في المواقع الأخرى.
 

كيفية الحصول على الريوع

 
يرتبط ظهور الريع بشكل من أشكال الاحتكار: احتكار الملكية، احتكار المعرفة، احتكار الموقع أو أي شكل من أشكال الاحتكار التي تجعل المالك قادراً على فرض شروطه فيما يتعلق باستعمال الشيء الذي يحتكر التصرف به. فالريع العقاري الذي يحصل عليه مالك الأرض مرتبط أصلاً بملكيته للأرض وانحصار استخدامها به، ولهذا فإنه لايسمح للآخرين الانتفاع بها إلا بعد أداء بدل معين يتحدد في ضوء خصوبة الأرض وموقعها. وصاحب الابتكار أيضاً لا يسمح للصناعي الاستفادة من ابتكاره إلا إذا وافق على دفع جعالة محددة يتفق عليها. صحيح أن الابتكار ينجم عن جهد واستثمار في الوقت والمال ولكن العوائد التي يحصل عليها المبتكر تزيد كثيراً عن أجور العمل المبذول وعوائد رأس المال المستثمر. ولهذا تسعى الشركات الكبرى المسيطرة على الاختراعات إلى تعميم إقرار قوانين الحماية الفكرية من أجل ضمان حصولها على ريوع لمدة طويلة من الزمن تصل إلى أكثر من خمسة عشر عاماً. وتختلف آلية الحصول على الريع تبعاً لنوعيته.
 

أنواع الريوع

 
تتعدد أنواع الريوع بتعدد استعمالات التعبير ولكن حسب مضمون النظرية الاقتصادية التي ترى في الريع دخلاً ناتجاً من عامل طبيعي بفعل ندرته وعدم إمكانيته إنتاج ما يكفي لإشباع الحاجات المتزايدة، يمكن التمييز بين الأنواع الآتية:
 
1ـ الريع الدائم أو الريع مدى الحياة: وهو الدخل المتأتي سواء عن المشاركة في قرض تصدره الدولة لقاء دفعات سنوية أو شهرية تستمر مدى الحياة أو المتأتي نتيجة التنازل عن التصرف بملكية معينة لقاء دفعات منتظمة مدى الحياة.
 
2ـ الريع العقاري: يعد الريع العقاري الأساس الذي انطلقت منه النظرية الاقتصادية في صوغ مقولة الريع. والريع العقاري هو الدخل الناجم عن عنصر الإنتاج «الأرض». ويكون هذا الريع من شكلين الريع المطلق absolue والريع الفرقي أو التمايزي différentielle. فالريع العقاري المطلق ينتج من الملكية الخاصة للأراضي بحيث لايسمح المالكون للمستثمرين استخدام هذه الأراضي، مهما بلغت نسبة خصوبتها، دون مقابل. هذا المقابل هو الريع العقاري المطلق الذي يضيفه المستثمرون إلى تكاليف إنتاجهم إضافة إلى معدل الربح الذي يحصلون عليه لأنفسهم.
 
أما الريع العقاري الفرقي أو التمايزي فينتج عن ملكية الأراضي الأكثر خصوبة. فمع تزايد عدد السكان وزيادة الطلب على المواد الغذائية تدخل في الإنتاج الزراعي الأراضي الأقل خصوبة والتي يصبح استخدامها في الزراعة ضرورياً لإشباع الحاجات المتزايدة. ولكن أصحاب الأراضي الأقل خصوبة يحصلون مقابلها على الريع المطلق، في حين أن أصحاب الأراضي الخصبة يزيدون البدلات عن استخدام أراضيهم لأنها تعطي مردودات أعلى وبالتالي فإنهم يحصلون، إضافة إلى الريع المطلق، على ريع فرقي إضافي. والريع الفرقي لا ينتج فقط من الخصوبة وإنما قد ينتج من الموقع القريب من مراكز الاستهلاك بحيث يكون نقل المحصولات إلى مراكز الاستهلاك أقل تكلفة.
 
3ـ الريع المنجمي: وهو الدخل الزائد الناجم عن استثمار الثروات الباطنية اليابسة، السائلة أو الغازية المستخرجة من مناجم أو آبار ذات إنتاجية عالية قياساً بالإنتاجية المتدنية لمثيلاتها. ولما كانت أسعار منتجات الثروات الباطنية مثل الذهب والنفط والغاز والفلزات وغيرها تتحدد في ضوء تكاليف إنتاج الثروات الباطنية الأقل إنتاجية والتي يكون إنتاجها ضرورياً لتلبية الطلب عليها، فإن المناجم والآبار ذات الإنتاجية العالية تكون تكاليفها متدنية وتعطي مستثمريها ريعاً منجمياً إضافياً يشبه إلى حد كبير الريع العقاري الفرقي.
 
4ـ ريع الموقع: وهو ريع فرقي ناجم عن وفورات خارجية مرتبطة بالموقع المتميز الذي تشغله وحدات النشاط الاقتصادي: مثل القرب من خط السكة الحديدية الذي يوفر للمشروعات تخفيضاً في أجور النقل.
 
5ـ الريع الوظيفي: من الأشكال الحديثة للريوع الريع الوظيفي الناجم عن المزايا العينية التي يتمتع بها أصحاب الوظائف مثل السكن المجاني، السيارات، مهمات الإيفاد، بعض السلع والخدمات بأسعار مخفضة. هذه المزايا العينية ترتبط بالموقع الوظيفي وليس بكمية العمل الذي يقوم به شاغل الوظيفة أو بنوعيته. وبعضهم يدخل في إطار الريع الوظيفي الرشاوى التي يمكن أن يحصل عليها شاغل الوظيفة بسبب موقعه ودوره في اتخاذ القرارات. وهكذا يمكن تفسير الصراع على المواقع والسلطات أحياناً بدوافع مادية للحصول على نصيب أكبر من الريع الوظيفي.
 
6ـ ريع المضاربة: باعتبار أن الريع إجمالاً هو الدخل غير الناتج من العمل فإن المضاربين، بالرغم من تعرضهم للخسائر أحياناً، يحصلون على دخول عالية جداً أحياناً ويجمعون بذلك ثروات طائلة تصبح بدورها مصدراً لدخول جديدة. وأكثر ما يظهر ريع المضاربة في سوق العقارات أو في أسواق الأوراق المالية. يعرف التاريخ الاقتصادي تشكل ثروات طائلة نتيجة المضاربة مثل المضاربة على الأراضي في أثناء نزوح النشاطات الاقتصادية نحو الغرب الأمريكي إذ كانت أسعار الأراضي تتضاعف عدة مرات في السنة الواحدة. كما سجل التاريخ الاقتصادي الدولي جنوب شرقي آسيا تشكل ثروات ضخمة جداً نتيجة المضاربة على العقارات أو على الأسهم.
 
7ـ الريع الاحتكاري: من المعلوم أن معدل الربح الاحتكاري أعلى من معدل الربح المتوسط الذي تحصل عليه المشروعات العاملة في سوق المنافسة الكاملة. والربح الاحتكاري الزائد ليس بالضرورة ناجماً عن نجاعة أعلى في الأداء الاقتصادي وإنما يكون غالباً نتيجة احتكار السوق وتحديد مستوى العرض بحيث تكون الأسعار أعلى من تكاليف الإنتاج مما يوفر للمحتكر ربحاً إضافياً يمثل الريع الاحتكاري.
 
في اقتصاد السوق القائم على الملكية الفردية لوسائل الإنتاج وحرية النشاط الاقتصادي تتوافر التربة الملائمة لتوليد الريوع ويستحوذ الريع على قسم كبير من الدخل القومي مما يؤدي إلى تثبيط دوافع العمل والاستثمار المنتج في الاقتصاد الوطني.
 

المراجع

الموسوعة العربية

التصانيف

الأبحاث