الطباعةُ لغةً صوغ المادة المكتوبة وتصويرها على الورق، وطَبْعُ الكتاب نَقْلُ صورته مِن الحروف إلى الورق بآلة الطبع. وطبعَ بمعنى خَتَمَ، ومنه الطابَع لأنه يُختم. والطبّاع مَن كانت حرفته الطباعة، وأما المـَطبعة فهي المكان المعدّ للطباعة.
 

لمحة تاريخية

يُرجَّحُ أن الصينيين كانوا أول مَن عرف الطباعة باستخدام قوالب مِن الخشب، كانوا ينقشون على سطوحها الكلمات والرسوم مقلوبة ثمّ يختمون بها، وأول عملية طبع معروفة كانت عام 1040م حين صنع بي شنغ Pi Sheng بعض مكعبات صغيرة مِن الطَّفَل الفخاري اللين، وحفر عليها بعض الحروف الصينية، ثمّ شواها حتى تتصلب وطلاها بطبقة مِن الحبر، ثمّ طبعها على الورق، وكان الصينيون أول مَن اخترعها، بدأت الطباعة الحديثة باستخدام الحروف المفردة على يد الطباع الألماني يوهانِّس غوتنبرغ (1397ـ1468) Johannes Gutenberg باستخدام مكبس، ثمّ ظهرت الآلات الطابعة التي تُدار باليد ثمّ بالبخار ثمّ بالكهرباء؛ وتعدُّ جريدة «التايمز» اللندنية أقدم صحيفة طُبِعَتْ بآلة بخارية عام 1814م، وكانت سرعة طبعها 1600 ورقة في الساعة

الطباعة في العالم العربي

 
تعدّ المطبعة التي جلبها نابليون معه إلى مصر في حملته عام 1798م أول مطبعة دخلت البلاد العربية، أنشأ بعدها محمّد علي باشا مطبعة بولاق عام 1821، بعد أن أوفد بعثة لدراسة الطباعة في إيطاليا، وكان أول كتاب طُبِعَ بها معجم عربي إيطالي عام 1822، ومن ثمّ انتشرت المطابع في مصر وفي الشرق العربي.
 
يقول الأديب والحرفي الدمشقي وجيه بيضون في كتابه «بين الصناديق» الَّذي عقد فيه فصلاً كاملاً للكلام على تاريخ الطباعة في سورية والعالم العربي «ومن المؤسف أن الشرق العربي لم يتأدَّ له أن يعرف الطباعة إلا متأخراً، أي بعد قرنين تقريباً مِن ظهورها». بيد أن بعض الكتب طبعها الأجانب قبل ذلِكَ ، فقد طبعت في مدينة «فانو» الإيطالية في عامي 1514و1516 بعض الكتب العربية، كما طُبِعَ غيرها في مطابع إيطاليا ومنها جغرافية الإدريسي «نزهة المشتاق»، وكتابا «القانون» و«الشفاء» لابن سينا، كما طبعت بعض الكتب في لايدن بهولندا، وفي باريس ولندن ولايبزيغ ما بين عامي 1595و1755.
 

التنضيد الطباعي

 
التنضيد الطباعي هو صف الحروف وتحضيرها للطباعة، وقد ابتدأ التنضيد يدوياً باستعمال الحروف المفردة ، ثمّ صار آلياً باستخدام اللينوتيب linotype والأنترتيب intertype، ثمّ صار بالحاسوب computer.
 
الطباعة بالحروف المفردة
 
يرجع تاريخ استخدام الحروف المفردة إلى منتصف القرن الخامس عشر الميلادي، حين ابتكر غوتنبرغ مبدأ صف الحروف عام 1440، وصمم آلة للطباعة على هيئة مكبس خشبي بمدينة مِتز، وسرعان ما انتشرت طريقته في إنكلترا وإيطاليا وفرنسا، وعُدَّت عنصراً مِن عناصر النهضة الأدبية الفكرية في ذلِكَ القرن.
 

التنضيد اليدوي

 
كانت الحروف تصنع في البداية مِن الخشب، ثمّ عُرِفَ أن معدن الرصاص مناسب لهذا الغرض مع نسبة بسيطة مِن الإثمد، على أن تكون قساوة الحروف متوسطة ومناسبة. تُصنع الحروف المفردة في مسبك متخصص، وهي قليلة نسبياً في اللغات ذات الأصول اللاتينية، أما حروف اللغة العربية فأكثر تعقيداً وعددها أكثر، وذلك لأن لكل حرف منها أربعة أشكال، حسب موقعه في الكلمة إضافة إلى الحروف المدموجة، وقد يصل عدد الحروف في صندوق الحروف العربية من قياس (بنط) موحد إلى 360حرفاً، ويستخدم عادة القياس 12للحواشي، والقياس 16للمتن، والقياس 24للعنوانات، ولكل نوع منها شكلان: حرف عادي، وحرف دابغ (أسود غامق).
 
ويتم التنضيد اليدوي بانتقاء الحروف من الصندوق، وترتيبها في أداة تدعى المِصَف حتى ينتهي السطر كاملاً، وقد توضع حشوات بين الكلمات تناسب طول السطر، فلا يزيد على المقاس المقرر ولا ينقص، ثمّ يصفّ السطر الثاني والثالث وهكذا، فإذا امتلأ المِصَفّ يفرغه العامل على أداة اسمها مِحَطّ، فإذا اكتملت الصفحة ربطها بخيط بعد أن يضع في أسفلها رقمها، ثمّ يأتي دور المكبس لاستخراج نسخة التجربة الأولى بعد دلك الصفحة بالحبر بوساطة محبرة صغيرة، ووضع ورقة بيضاء فوقها، ثم تمرير دولاب الكبس عليها، فتنطبع الصفحة على الورقة، يقرأ المصحح تجربة الصفحة، ويؤشر على الأخطاء فيها، فيصححها الصفّيف ويستخرج تجربة ثانية لها، حتى إذا اكتملت الملزمة (16صفحة مصححة)، نُقِلَتْ إلى آلة الطباعة المسطحة (تيبوغراف) مرتَّبة لتطبع على طرس الورق فتخرج ملزمة كاملة.
 
الرواسم النافرة (الكليشيهات)

آلة الأوفست

 
إذا كانت الصفحة تحوي صورة فيتم إعدادها في قسم الحفر الضوئي[ر] (الزنكوغراف zincograph) ليتم إعداد الصورة بوضع السلبية الشفافة على صفيحة مِن خلائط التوتياء zinc الحساسة بالضوء، وبعد تعريضها للضوء تُحفر في مغطس حمضي، فتتآكل المناطق غير الحساسة، وتبقى الأماكن التي تحسست بالضوء نافرة، حسب درجة الإضاءة فيها، وهكذا يُحصل على رواسم للصورة يوضع في مكانه من النص [ر: الأوفست].
 

التنضيد الآلي السطري (اللينوتيب)

 
بسبب صعوبة التنضيد اليدوي توصل المهندسون إلى طريقة آلية سريعة لتنضيد الحروف في أسطر هي اللينوتيب، يقوم العامل فيها بانتقاء حروف كلمات السطر الواحد على لوحة مفاتيح الآلة، فيتوالى نزول الحروف النحاسية المقولبة فوق منصة حتى يكتمل السطر، فتنقله رافعة إلى جهاز السكب، ليُصَبَّ عليه الرصاص الذائب من البوتقة، ويخرج سطراً من رصاص، ويتوالى صبُّ الأسطر حتى تكتمل الصفحة، ومن سيئات هذه الطريقة أنه في حال حدوث خطأ في حرف واحد من حروف السطر تجب إعادة صفّ السطر كله مِن جديد
 

التنضيد الضوئي بالحاسوب

 
بعد اختراع الحاسوب وانتشار الطباعة بالأوفست؛ أُوْقِفَ العمل باللينوتيب، واسْتُعِيْضَ عنه بالتنضيد الضوئي، الَّذي يقدم النسخة الأولى مِن صفحات الملزمة بوساطة طابعة إلكترونية يتم تصويرها، وإعداد ألواح الطباعة على أساسها، وتوضع على آلة الأوفست وتُطْبَعُ، وهذه الطريقة هي الأكثر انتشاراً اليوم، ومن مميزات طباعة الأوفست إمكانية حفظ ألواح الطباعة بعد الانتهاء منها، ودَهّنِها بالصَّمغ العربي، لتكون جاهزةً لإعادة طبعها في أي وقت آخر.
 
طرائق الطباعة وتجهيزاتها
 

تقسم آلات الطباعة إلى نوعين رئيسيين:

 
1ـ الآلات المسطحة: ومن أمثلتها الطباعة الحجرية (ليتوغراف lithography)، والطباعة بالحروف والرواسم (تيبوغراف typography).
 
2ـ الآلات الاسطوانية الدوارة: ومن أمثلتها طباعة الأوفست
 
1ـ الطباعة بالحروف
 
تتم باستخدام الحروف والرواسم النافرة، وتستعمل حبراً زيتياً خاصاً ، وتناسب طباعة الكتب العادية، إذ توضع الصفحات المنضدة على سرير مسطح أفقي من آلة الطبع وتُرَصّ جيداً، وعند تشغيل الآلة يتحرك السرير أفقياً إلى داخل الآلة، حيث تتلقى الحروف حبرها مِن المحابر، ثمّ تمرُّ تحت الورقة الملتفَّة على أسطوانة دوارة، ويعود السرير إلى مكانه. وكان إلقام الورق في هذه الآلات يتم يدوياً ثمّ صار آلياً بوساطة جهاز شفط الورق بالهواء 
 
2ـ الطباعة الحجرية والأوفست
 
3ـ الطباعة بالحفر التصويري (هليوغرافور (héliogravure.
 
 اخترع هذه الطريقة الطباع الألماني مِرتنز Mertens عام 1910، وتُسْتِخْدَمُ فيها صفائح (ألواح) معدنية من النحاس أو الزنك، تُحْفَرُ عليها الكتابة والصور بطريقة كيمياوية باستخدام الورق الجيلاتيني، ويكون الحفر بمحلول كلور الحديدي، والفارق بين هذه الطريقة والأوفست أن النقطة في الشبكة تكون غائرة إلى الأسفل، والحبر مائع، فيغطس لوح الطباعة النحاسي في مغطس من الحبر الممدَّد بمادة حالّة هي «الأوزازول»، ثمّ يمرّ اللوح الدوار على شفحة حادة جداً تقشط الحبر السطحي، ويبقى في الأماكن الغائرة من اللوح، فينتقل إلى صفيحة الكاوتشوك، ومنها إلى الورقة.
 
وتتميز هذه الطريقة من الأوفست، بأن النقطة البارزة في الأوفست تتآكل باستمرار الطبع في الكميات الكبيرة، أما هنا فتكون أول نسخة وآخر نسخة مِن الطبع بالنقاوة نفسها، ولذلك تستخدم تقانة الهليوغرافور في طباعة الأوراق النقدية والطوابع والسندات والمجلات الكبيرة العدد ، إضافة إلى ذلك فإن هذا النوع من الطباعة يعطي تدرجاً كبيراً في اللون الواحد.
 
إن الورق المستخدم في الطباعة له أنواع ومقاسات مختلفة، فمن أنواعه الورق الأبيض العادي (البطال)، ومنه ورق الجرائد الأسمر، ومنه ورق الميفان المناسب للصحف، وبعض أنواعه يكون شديد الصقل واللَّمْعَة يناسب طباعة الصور الملونة، ويقاس سمك الورق بوزنه، ويمكن أن يكون 70غ أو 80غ، وإذا تجاوز 100غ يصبح ورقاً مقوى (الكرتون)، أما مقاساته فهناك ثلاثة مقاسات عالمية هي: 70 ×100سم ، وهو الَّذي يعطي مقاس الكتاب العادي (الوزيري) و 63×95سم و 57×82سم.
 

الأحبار

 
بدأ استخدام الحبر الأسود بمزج هباب الفحم بزيت الكتان [ر: الحبر]، وقد اشْتُهِرَتْ ألمانيا بإنتاج مادتين ثمينتين مِن قطران الفحم الحجري ، هما العطور والأصبغة. ومن المادة الصباغية يُصنع حبر الطباعة ذو الألوان المختلفة، وتقسم الألوان كلها في علم الضوء إلى ثلاثة ألوان أساسية هي: الأحمر والأزرق والأصفر، ولما كان لكل لون مِن الألوان تدرّج لاحصر له ناتج من مزجه بالألوان الأخرى؛ فقد درجت مصانع الأحبار على إصدار مصورات (كاتالوغات) تتضمن تدرج الألوان لكل لون مِن الألوان الثلاثة الأساسية، وتحت كل تدرج لوني نِسَبُ الألوان الداخلة فيه، وغالباً ما يقدّم المصنع الألوان الثلاثة الأساسية، ويترك لعامل المطبعة أمر مزج هذه الألوان لتشكيل التدرج اللوني المطلوب. وفي طباعة المناظر الطبيعية تقدّم المصانع المتخصصة ثلاثة ألوان أساسية مدروسة إضافة إلى الأسود، تدعى «كاتيكرومي»، فإذا طُبع بها المنظر جاء مطابقاً للألوان الطبيعية، ويؤثرّ نوع الورق أو الكرتون ومدى نعومته في نقاوة الصورة المطبوعة بالألوان.
 

فرز الألوان والطباعة الملونة

 
تطبع الصور الملونة مع الأخذ بالحسبان كونها مؤلفة مِن ثلاث صور تقابل الألوان الأساسية: الأحمر والأزرق والأصفر، ولدى عزل كل لون على حدة يُحصل على ثلاث صور، فإذا طُبِعَتْ هذه الصور الثلاث فوق بعضها يُحصل على صورة ملونة مشابهة للصورة الأصلية، ويضاف إليها اللون الأسود لتكحيلها، وتُدعى عملية فصل الألوان عن بعضها «فرز الألوان»، وتتم عادة باستخدام مرشحات لونية شفافة، وقد صمّم هذه الطريقة العالم دوكاس دي هورون Ducas du Hauron.
 
وهكذا تحضّر أربعة بلاكات توافق الألوان الثلاثة الأساسية إضافة إلى الأسود، فتُطْبَعُ الورقة باللون الأصفر، ثمّ تُطْبَعُ باللون الأحمر، ثمّ تُطْبَعُ باللون الأزرق، ثمّ باللون الأسود، فنحصل على ما يشبه الصورة الأصلية الملونة.
 
وفي الآلات الطباعية الحديثة تقوم الآلة الواحدة بطبع الورقة أربع مرات على التوالي، ويمكنها كذلك أن تطبع الورقة مِن الوجهين في آن معاً، وتصل سرعة آلة الأوفست إلى عشرة آلاف نسخة في الساعة.
 
ومع تقدم التكنولوجيا أصبح في الإمكان فرز الألوان إلكترونياً بوساطة ماسح scanner، وقد أعطت هذه الطريقة نتائج مرضية، وتقوم على معالجة النبضات الخاصة بالألوان واختزانها بالأسلوب الرقمي بدلاً من استخدام النبضات الضوئية القادمة مباشرة من الرأس الماسح.
 

الإخراج الطباعي للكتب والمجلات

 
ذُكِرَتْ سابقاً طريقة توضيب صفحات الكتاب في الطباعة الحرفية (تيبوغراف) باستخدام الحروف المفردة أو الأسطر والرواسم، وفي طريقة الأوفست لا حاجة إلى رواسم مستقلة، فبعد تنضيد النصوص المعدَّة للكتاب أو المجلة؛ يجري تصويرها على رقاقات شفافة، وتؤخذ الإيجابية منها positive، وكذلك تُصَوَّر الأشكال والصور بعد تصغيرها إلى الحجم المناسب، ثمّ يُرتَّب النص مع أشكاله على صفحات تلصق على طروس شفافة كبيرة كل واحد منها يؤلف ملزمة. وتفرز ألوان الصور الملونة ثمّ توضَّب شفافياتها الأربع وتصور على ألواح الطباعة. وبعد طبع ملازم الكتاب، تطوى كل ملزمة (16صفحة)، ثمّ تخاط وتجلد[ر. الكتب (تجليد ـ)]. أما المجلات والصحف فتطبع على لفافات ورق كبيرة، وتُقْطَعُ وتُطْوَى وتُخْرَزُ أتماتياً، وتصيرُ جاهزةً للتوزيع.
 

الطبع على المعادن

 
إن الطبع على المعادن موضوع شائق، ولايخلو منزل مِن بعض العلب المعدنية المطبوعة، تتم الطباعة على الصفائح المعدنية بآلات خاصة بطريقة الأوفست، ويكسى السطح المطبوع بمادة تلميع (برنيق) شفافة عديمة اللون، ثمّ تمرر في فرن لتثبيت الطباعة بالحرارة.
 
الآفاق المستقبلية للطباعة
 
تطور فن الطباعة وعملياتها بسرعة كبيرة لأهميتها في نشر الثقافة وتقدُّم الحضارة، وقد تضاعف عدد المطبوعات إلى درجة لايمكن تصورها، فقد قُدِّر عدد الكتب التي تم تداولها في أوربا في مطلع القرن السادس عشر بما يزيد على أربعة ملايين نسخة.
 
ويصدر في العالم اليوم ما يربو على نصف مليون كتاب سنوياً، ويبلغ عدد الصحف اليومية التي تصدر في العالم نحو 13ألف صحيفة، وتكفي هذه الأرقام لإعطاء فكرة مبسطة عن كميات الورق المطبوع الَّذي يوزع في مختلف أرجاء العالم. ويعمل العلماء والمهندسون والفنانون مستمرّين على تطوير تقنيات الطباعة وتحسين نوعيتها، ودخلت الحواسيب وتقنيات الليزر هذا الميدان، إذ لم تعد ثمة حاجة إلى التصوير والحفر وتحضير ألواح الطباعة في عمليات منفصلة، بل تتولى الحواسيب طبعها تلقائياً بالألوان واللغات كلها[ر: الراسمة، الطابعات الحاسوبية].
 
لبيب وجيه بيضون

المراجع

الموسوعة العربية

التصانيف

الأبحاث