الحت والتعرية
يقترن الحديث عن الحت erosion بالحديث عن التعرية dénudation. فالحت سابقٌ للتعرية ومرافق لها في آنٍ واحد، والمواد والمفتتات التي تدخل في نطاق عمل الانجراف والتعرية هي في حقيقتها نتاج عمليات الحت بطرائقه المختلفة.
فالحت (قَرض Latin rodere, ronger) والحالة هذه هو مجموعة العمليات الخارجية exogènes التي تهاجم صخور القشرة الأرضية السطحية، وتعمل على تعديل وتطوير أشكال التضاريس التي كانت قد نتجت من العمليات الداخلية endogènes الباطنية، وتتم تلك العمليات الخارجية عن طريق تفتيت الصخور وجرف وتعرية الفتات الصخري الناتج، ثم نقله وترسيبه بأشكال مختلفة مثل: مخاريط الأنقاض والكثبان والركام الجليدي وغير ذلك.
وهكذا فالحت والتعرية يبدآن عن طريق مهاجمة وتفتيت الصخور وخلخلة التربة، التي هي نتاج عمليات تفتيت سابقة، وأخيراً عن طريق نقل هذه المفتتات والحطام. وتمثل عملية النقل الأخيرة هذه شكلاً من أشكال الحت والتعرية في آنٍ واحد. وترتبط قوة وفعالية جميع هذه العمليات الحتية بطبيعة الصخر الأم من جهة، وبطبيعة التشكلات السطحية الهشة من جهة أخرى. وللعوامل الجوية الدور الأساسي في قوة وفعالية الحت والتعرية ويطلق على هذه العوامل مجتمعة اسم التجوية weathering (météorisation)، وهي تقوم بعملها بشكلين متباينين ولكنهما متلازمان ومترافقان، وهما:
1- التفكك الآلي الميكانيكي الذي ينجم عن التباين الحراري وتجمد الماء أو تمدد ذرات الأملاح في مسامات الصخور، أو عن اصطدام قطرات المطر بسطح التربة، وينجم عن كل هذه العمليات فتاتٌ متباين الأحجام: حجارة، حصى، حصباء، رمال، تكون خصائصها الكيمياوية مشابهة تماماً للخصائص الكيمياوية للصخر الأم الذي نشأت عنه.
2- التحلل الكيمياوي الذي يتم عن طريق عمليات بطيئة تحدث في أغلبها بسبب وجود عنصر الماء بأشكاله المختلفة، مثل عمليات الانحلال dissolution والتميه hydratation وعملية التأكسد oxydation والهدرجة والإرجاع réduction وجميع هذه العمليات تتم بشكل غير محسوس وتصعب ملاحظتها، ولكنها تعطي مواد ومحاليل تختلف تماماً في خصائصها عن خصائص الصخر الأم.
وما تكاد المواد الناتجة من عملية التجوية، الصلبة منها أو المحاليل، تتخذ مكاناً لها على سطح الصخر الأم أو في مساماته حتى تصبح عرضةً لعمليات الانجراف والتعرية بأشكالها المختلفة. وعمليات الانجراف والتعرية تتصف بأنها في حركة دائبة من عالية السفوح إلى سافلتها، وذلك بتأثير قوى الجاذبية والثقالة من جهة، وبتأثير عوامل النقل الجوية الحركية الأخرى: الرياح والانهيارات الثلجية والجليديات، والمياه الجارية خاصة. وتتوقف أحجام المواد الصلبة المعرضة للتعرية والانجراف على قوة كل عامل من العوامل الآنفة الذكر، فالرياح تحمل الغبار وتجرف الرمال، في حين تحمل الجليديات الحجارة والصخور الكبيرة، أما المياه الجارية فتجرف الأتربة والرمال والحصى والحصباء وتحمل المحاليل أيضاً. ومن الصعب الفصل بين عمليات النقل والانجراف هذه وبين عمليات الحت التي تقوم بها العوامل نفسها، وفي الوقت نفسه الذي تقوم فيه بعمليات الانجراف وتحريك المواد ونقلها.
أما المرحلة الأخيرة والتي لايمكن فصلها عن عمليات الحت والانجراف والتعرية، فهي عملية ترسيب وتوضع المواد الناتجة من عملية التجوية، والتي كانت محمولة بوساطة عوامل النقل الآنفة الذكر، وتحدث هذه العملية في حالتين هما:
- الأولى عند انعدام أو تضاؤل الطاقة الحركية الذاتية، مما يؤدي إلى توضع الانهيارات الصخرية والجليدية والركام والرمال.
- الثانية عند ازدياد حمولة الأنهار من المواد الصلبة، وتزايد احتكاك المياه الجارية بجوانب الوادي النهري، وعند تضاؤل انحدار المقطع الطولاني للأنهار في مجاريها الدنيا أو عند أقدام الجبال.
وفي جميع الأحوال تقوم عمليات الحت والتعرية بخلق التفاصيل المورفولوجية لسطح الأرض، ولهذا يمكن تسمية مجموع تلك العمليات «المنظومة الحتية» système d’érosion.
وهكذا يصبح بالإمكان، بعد توضيح ماهية الحت والتعرية، تحديد القيم الكمية لعمليات الحت والتعرية وآثارها، وذلك عن طريق قياس وحساب وزن أو حجم الحمولة الصلبة والعناصر المنحلة المحمولة والمنقولة، بفضل مجموع شبكة التصريف المائي السنوي في أحد الأحواض النهرية، وتقسيم الناتج على مساحة ذلك
الحوض للحصول على قيمةٍ كميّة يطلق عليها اسم التدهور النوعي dégradation spécifique، علماً بأن كل 1م3 من الحمولة الصلبة يزن 2.5طن، وأن قيمة التدهور النوعي التي تبلغ 1م3/كم2/سنة تعني انجراف وتعرية شريحة من التربة سماكتها 1مم/كل ألف سنة في الحوض المائي، وهذا يوضح مدى سرعة الحت والتعرية، التي تتباين بحسب المناطق والنطاقات الجغرافية الحيوية على سطح الأرض.
والجدول 1 مثال على التدهور النوعي في ثلاثة أحواض نهرية
[[ملف:وت40.png|تعليق]]
إن أهم العوامل التي تساعد على تسارع عمليات الحت والتعرية هو عامل الانحدار الذي يؤدي، كلما ازدادت معدلاته، إلى ازدياد وتسارع عمليات الحت الآلي والانجراف، في حين تزداد حدة العمليات الحتية الكيمياوية كلما تضاءلت معدلات الانحدار. أما العامل الثاني الذي لا يقل أهمية عن عامل الانحدار، فهو الغطاء النباتي الذي يقي الفتات الناجم عن عمليات الحت والتجوية من الانجراف، بعكس ما يحدث في المناطق التي أزال الإنسان غطاءها النباتي فعرّضها بالتالي لعمليات الحت والتجوية من جهة ولعمليات الانجراف والتعرية من جهة أخرى.
وهكذا لم يعد ينظر للحت والتعرية في الوقت الحاضر على أنها ظواهر تؤدي إلى تخدد التضاريس وتشكل شبكات الأودية النهرية أو الجليدية أو تكوّن التضاريس الصحراوية والكثبان الرملية فحسب، بل أصبح الإنسان ينظر إليها كظاهرة بيئية تشكل خطراً حقيقياً على التوازن البيئي في المنطقة التي تتزايد فيها قوة الحت والتعرية وتتسارع، وخاصة عندما يزيل الإنسان الغطاء النباتي الواقي أو عندما يمارس أنشطته الزراعية بطرائق غير صحيحة، مما يؤدي إلى تزايد وتسارع ذلك النوع من الحت الذي يطلق عليه حالياً اسم الحت البشري erosion anthropique الذي يؤدي في نهاية الأمر إلى انجراف التربة وتضاؤل طاقتها الإنتاجية.
ولهذا لجأ الإنسان منذ فجر التاريخ إلى طرائق عدة للمحافظة على التربة وحمايتها من الانجراف، ويمكن تلخيص أحدث هذه الطرائق فيما يأتي:
- حماية الغطاء النباتي الطبيعي الغابي أو العشبي والمحافظة عليه.
- ممارسة الحراثة بشكلٍ موازٍ لمنحنيات التسوية.
- ممارسة الزراعة على السفوح المنحدرة بشكل أحزمة متعاقبة وموازية لمنحنيات التسوية.
- إعادة تشجير السفوح التي حُرمت من غطائها النباتي بسبب تدخل الإنسان.
- تنظيم الجريان المائي السيلي في شبكة الأخاديد السطحية عن طريق إعادة زراعة الأعشاب والحشائش المتلائمة، وإقامة سدود وعوائق صغيرة على المجاري السيلية الصغيرة.
محمد إسماعيل الشيخ
المراجع
الموسوعة العربية
التصانيف
أبحاث