بوتيشيلّي (ساندرو ـ)
(1445 ـ1510)
 
ساندرو بوتيشيلّي Sandro Botticelli مصور إيطالي، ولد في مدينة فلورنسة في إيطالية، وعاش فيها طيلة حياته، عدا مدة وجيزة قضاها في رومة، عمل على تزيين كنيسة السكستين فيها، ويعد واحداً من أهم فناني مدرسة فلورنسة التي تمثل أفكار وتطلعات عصر النهضة الباكر في إيطالية.
يكمن تفرد بوتيشيلّي فناناً في نزعته القلقة التي أدت به إلى حافة الجنون، وتجلت بنوع من الحسّية المكثفة انعكست في إنتاجه في أناقة الحركة وانسياب الخطوط المنحنية والتكوينات المبتكرة. وقد كان بوتيشيلّي من أهم الذين استطاعوا أن يوحوا بالحركة في الرسم مما أعطى لأعماله مسحة واقعية، على الرغم من الطابع الشعري المسيطر، بسبب تأثر الفنان بالنزعة الأفلاطونية المثالية. والواقع أنه ما كان يبحث عن محاكاة الواقع بقدر رغبته في الإيحاء به بأسلوبه الذي تميز بالبحث الدؤوب للتوصل إلى العذوبة الأنيقة في الخط ونوعية الألوان المنسجمة والتي تشي بحساسية فائقة، والنعومة الحزينة في المواضيع التي كان يختارها.
 
بدأ بوتيشيلّي حياته الفنية حِرَفياً في مشغل للصياغة، فاكتسب من هذه المهنة القدرة على صقل الأشكال بدقة ومهارة، وهو ما ميّز أسلوبه فيما بعد. ثم بدأ بدراسة التصوير، في عام 1460 عند المصوّر فرا فيليبو ليبي[ر] Fra Filippo Lippi مستوحياً أسلوبه. بعد ذلك عمل في محترف الفنان أندريا دل فيرّوكيو[ر] Andrea del Verrocchio الذي كان من أفضل المصورين والنحاتين في فلورنسة في ذلك الوقت. فاكتسب منه متانة التكوين والرشاقة والنعومة. ويبدو من عمله الموثق الأول، وهو لوحة القوة (1470، محفوظات فلورنسة) La Force أنه كان يجهد في التوفيق بين أسلوبه الخاص وما اكتسبه من فيرّوكيو. فقد صور القوة بأسلوب التشخيص المجازي Allégorie على هيئة فتاة ذات نظرة حالمة لا تخلو من الحزن، لكن وضعيتها تعكس الصلابة والوقار. كما أن انثناءات الأردية وتعاكس الظل والنور في هذه اللوحة يبيّنان تأثره بأستاذه النحّات. ويظهر في هذه اللوحة الأولى توجه بوتيشيلّي نحو الاهتمام بالتزيينات الاتباعية (الكلاسيكية) وبالانعكاسات، وهو ما سيميز عمله في مرحلة النضج.
في عام 1470، حظي بوتيشيلّي برعاية آل مديتشي Medicis الذين كان لهم أثر مهم في نهضة الفن في فلورنسة. وقد رسم بناء على طلبهم مجموعة لوحات مستمدة من الأساطير، يبدو فيها تأثره بالنزعة الإنسانية التي طبعت فكر عصر النهضة، وتمثلت بالعودة إلى الينابيع اليونانية والرومانية. من أهم هذه الأعمال التي تعتمد أسلوب التشخيص المجازي لوحة الربيع (1478، محفوظات فلورنسة) Primavera، وولادة فينوس (1485، محفوظات فلورنسة) Naissance de Venus، وعبادة المجوس (1475، محفوظات فلورنسة) Adoration des Mages. ويقال إنه صور في هذه اللوحة الأخيرة الحكماء بقسمات وجوه بعض أعضاء عائلة مديتشي.
في عام 1481، طلب البابا سيكستوس الرابع من بوتيشيلّي أن يذهب إلى رومة ليساعد في تنفيذ التزيينات الجدارية لكنيسة السكستين. وقد عمل هناك إلى جانب روزيلّي Roselli وغيرلاندايو[ر] (1449-1494) Ghirlandajo بإشراف بيروجينو Perugino المكلف بإدارة المشروع. وله في هذه الكنيسة ثلاث لوحات جدارية تمثل «النبي موسى وعقاب اللاويين» الذين تمردوا إبان اجتياز الصحراء، وكذلك «تطهير المجذومين»، و«إغواء المسيح». وقد كان لاهتمامه بغنى التفاصيل في هذه الجداريات أثر في ذيوع شهرته.
بعد عودته إلى فلورنسة نفّذ لوحات تنتمي إلى أنواع مختلفة من التصوير، منها عدد من اللوحات الدينية طلبتها الكنائس أو الفرق الدينية أو الأعيان، كلوحة «تتويج العذراء» (1488، محفوظات فلورنسة) Couronnement de la Vierge، ومجموعة لوحات تمثل السيدة العذراء Madonna استخدمت للعبادة المنزلية، كان بوتيشيلّي يضعها في أطر مستديرة براقة لها شكل ميداليات كبيرة Tondi وأهمها البتول والشمعدانات Madone aux candélabres المحفوظة في برلين، و تسبيحة البتول (1485، محفوظات فلورنسة) Madone du Magnificat ، والبتول تحمل الرمان (1487، محفوظات فلورنسة) Madone à la Grenade.
في عام 1494 طُرد آل مديتشي من فلورنسة. وخضعت المنطقة لسيطرة السلطة الدينية التي رسّخها رجل الدين الدومينيكاني فريار جورامو سافونارولا Friar Gioramo Savonarola فكان لذلك تأثيره الكبير في أسلوب بوتيشيلّي، فقد عاش تلك الحقبة أزمة كبيرة انتهت بتحوله إلى نوع من التعبيرية الحادة من خلال اختيار مواضيع تحمل رسالة أخلاقية. كما أن خطوطه المنسابة أصبحت متكسرة، وألوانه الهادئة صارت أكثر كثافة وعنفاً. لا بل أن اللوحات التي رسمها في تلك الآونة كانت توحي بتمزق الفنان من الداخل، إذ تتجاوز فيها مشاهد القيامة والجحيم وفنون العذاب مع مشاهد السلام والطمأنينة. من أهم لوحاته في تلك المرحلة «العذراء المنتحبة» (1498 متحف الصور في ميونيخ) Pietà، و«صلب المسيح» Crucifixion (كامبريدج ـ الولايات المتحدة)، و«الميلاد» (1500 لندن) Nativité . ونفّذ بوتيشيلّي أيضاً مجموعة من الصور على رق الغزال لتزيين مؤلف دانتي «الكوميديا الإلهية». وتتصف هذه الصور بحدة التعبير ووضوح الخطوط.
بعد عام 1500، تحول التصوير في فلورنسة إلى اتجاهات جديدة، وخاصة بعد عودة ليوناردو دافنشي[ر] Leonard de Vinci إلى فلورنسة في عام 1501 وصعود اسمي رافايلّو[ر] Raphaëllo وميكلانجلو Michelangelo. وقد كان لذلك تأثيره في تراجع أهمية بوتيشيلّي الذي مات منسياً بعد أن عانى من أزمة مالية.
 
حنان قصاب حسن

المراجع

الموسوعة العربية

التصانيف

الأبحاث