التلفزة television هي فرع من فروع الاتصال من بعد، ويقصد بها إرسال الصور المتحركة واستقبالها (والصوت المصاحب لها) بوسائل الاتصالات. وتعني كلمة «التلفزة» في الأصل الرؤية من بعد، واشتقت من الكلمة الإغريقية «Tele» وتعني «من بعد» والكلمة اللاتينية «video» وتعني «الرؤية».

لمحة تاريخية

 
تقدم بالأفكار الأولى للتلفزة كاري G.Carey عام 1875 ثم سويرW.Sawyer في أمريكة، وبايا De Paiva من البرتغال، وطوّر الفرنسي سنليك C.Senlecq أفكارهم عام 1880 واقترح نظاماً يقابل التتابعي المبسط للتلفزة، واقترح الألماني نيبكو عام 1884 طريقة يكتفى فيها باستخدام خلية كهرضوئية واحدة في طرف الإرسال و مصباح واحد في طرف الاستقبال، على أن يوضع أمام كل من الخلية و المصباح قرص دوّار خاص يسمى قرص نيبكو، ويقصد به قرص دوّار ذو فتحات أو ثقوب مرتبة على خط حلزوني، كما هو مبين في الشكل1.
واقترح الروسي روزينغ عام 1907 استخدام أنبوب أشعة مهبطية CRT (Cathode-Ray tube) للصورة، فتكون شاشته بديلاً للوحة المصابيح، بينما يقوم فيه الشعاع الإلكتروني بعملية المسح. واقترح الإنكليزي سوينتن Swinton عام 1908 أنبوباً خاصاً يعمل للتصوير التلفزيوني، وذلك باستبدال الشاشة في أنبوب الصورة (أنبوب روزينغ) بطبقة من مادة كهرضوئية، بينما يقوم الشعاع الإلكتروني بعملية المسح. وانطلاقاً من فكرة سوينتن، ابتكر الأمريكي زفوريكين (الروسي الأصل) عام 1929 أول أنبوب تصوير تلفزيوني، وأسماه الإيكونوسكوب.
وكانت إنكلترة أولى البلدان المتقدمة بتحقيق البث التلفزيوني المنتظم بطريقة قرص نيبكو عام 1929، كما كانت الأولى بتحقيق البث التلفزيوني المنتظم بنظام إلكتروني بالكامل (باستخدام الإيكونوسكوب) عام 1937.
وفي السنوات اللاحقة ابتكرت أنواع أخرى كثيرة من أنابيب التصوير التلفزيوني، من أهمها أورثيكون الصورة والفيديكون.
واعتمدت إنكلترة للبث التلفزيوني عام 1937 نظام المسح بـ 405 خطّاً، واختارت الولايات المتحدة لاحقاً نظام 525 خطّاً ثم اعتمدت فرنسة على نظام 819 خطّاً، واختارت ألمانية وكل دول أوربة الأخرى نظام 625 خطّاً المسمى «النظام الأوربي»، واعتمد هذا النظام في معظم دول العالم ومنها سورية وبقية الأقطار العربية.
وظهر أول نظام عملي للتلفزة الملونة في الولايات المتحدة عام 1953، وسمي نظام NTSC. وفيما بعد توصل الباحثون في أوربة عام 1966 إلى نظامين ملونين آخرين، هما بّال وسيكام (واختارت سورية بّال). وتركزت أبحاث التلفزة منذ عام 1990على موضوعات التلفزة الرقمية.

المبدأ العام للتلفزة

 
يوضح النظام المبسط في الشكل 2 الأفكار الرئيسية للتلفزة. ويفترض في هذا الشكل أنه يتم إسقاط الصورة الضوئية للمنظر المتلفز بوساطة عدسة على لوحة رتب عليها عدد كبير من خلايا كهرضوئية صغيرة جداً. وتتصل تلك الخلايا بتماسات مفتاح دوّار، بحيث ينتخب تياراتها بالتتابع ليعطي إشارة تسمى الإشارة المرئيةvideo signal. وهي ترسل بقناة الاتصال (سلكياً أو لاسلكياً) إلى طرف الاستقبال، حيث يفترض استخدام لوحة رتبت عليها مصابيح أو لمبات صغيرة جداً، مماثلة بعددها وترتيبها للخلايا الضوئية في طرف الإرسال، وهي تتصل بتماسات مفتاح دوّار أيضاً، يدور بتوافق زمني مع المفتاح الدوّار في طرف الإرسال. ويشترط أن يدور المفتاحان بسرعة كافية (أكثر من 20 دورة في الثانية)، فيرى المشاهد في طرف الاستقبال «صورة تلفزيونية» مشابهة للصورة الضوئية للمنظر المتلفز، وذلك بفضل خاصة «الانطباع الشبكي» أو «مداومة الإبصار».
ويفترض ضمناً في الشكل2 أنه يتم تجزئة الصورة الضوئية للمنظر إلى «مربعات» صغيرة تسمى عناصر الصورة، وكل منها يقابل إحدى الخلايا في طرف الإرسال. وتسمى عملية إرسال تلك «العناصر» بالتتابع عملية المسح scanning. ويعد النظام التتابعي المبسط في (ساساً لنظم التلفزة العصرية.
وتتوقف جودة الصورة التي يمكن الحصول عليها بالنظام المبسط على عدد العناصر M الذي افترض فيه مساوياً 48. ويتبين أنه لكي يمكن إظهار تفاصيل الصور المتلفزة بدقة كافية، يجب أن يكون M نحو نصف مليون أو أكثر. وبما أن عدد تماسات كل من المفتاحين الدوّارين في () يجب أن يساوي M، فمن الواضح أنه لا يمكن تحقيقهما ميكانيكياً عندما يكون M كبيراً جداً.
 
وأمكن تحقيق التلفزة عملياً وفق ما يقابل النظام المبسط بنظام إلكتروني بالكامل في عام 1930، بعد أن استخدم بديلاً لكل من المفتاحين الدوّارين «شعاع إلكتروني» أو حزمة إلكترونات electron beam داخل أنبوب أشعة مهبطية. ويسمى الأنبوب المستخدم بديلاً للوحة المصابيح والمفتاح الدوّار في طرف الاستقبال، أنبوب الصورة picture tube وله شاشة تظهر عليها صورة مشابهة للمنظر المتلفز. وبالمقابل يسمى الأنبوب المستخدم بديلاً للوحة الخلايا والمفتاح الدوار في طرف الإرسال في الشكل 2 أنبوب التصوير التلفزيوني TV pick-up tube، ويركب داخل آلة التصوير التلفزيونية وتوضع أمامه عدسة لإسقاط الخيال الضوئي للمنظر المتلفز على طبقته الحساسة. ويستخدم بدلاً من أنبوب التصوير التلفزيوني في آلات التصوير التلفزيونية منذ نحو1990 حسّاس تصوير image sensor يصنع بتقانة CCD.
ويوضح الشكل 3 النظام التلفزيوني الأساسي. ويقوم الميكروفون بتحويل الصوت المطلوب إرساله إلى إشارة سمعية، تستخدم في جهاز الإرسال لتعديل موجة حاملة كما هي الحال في نظم البث الإذاعي[ر]. ويقابل الميكروفون بالنسبة لإرسال الصورة آلة التصويرالتلفزيونية التي تشتمل على عدسة وأنبوب تصوير تلفزيوني أو حساس تصوير من نوع CCD، وتحول الضوء الصادر عن المنظر إلى إشارة مرئية. وفي طرف الاستقبال يقوم المجهار أو السماعة بتحويل الإشارة السمعية بعد كشفها وتكبيرها إلى صوت مسموع، ويقابله بالنسبة للصورة أنبوب الصورة.
أنبوب الصورة:
 
هو أنبوبCRT، يستخدم لإظهار الصورة التلفزيونية، وهو يعدّ تطويراً للأنبوب المستخدم في راسم الإشارة أو راسم الاهتزاز oscilloscope. ويوضح الشكل 4 مبدأ عمل أنبوب الصورة، ويُفترض فيه أن المدفع الإلكتروني electron gun يقوم بتوليد حزمة دقيقة من الإلكترونات ويوجهها نحو الشاشة المغطاة من الداخل بطبقة تصدر الضوء عندما تسقط عليها الإلكترونات بسرعة عالية. ويتم تحريك الحزمة الإلكترونية أو «الشعاع الإلكتروني» أفقياً أو شاقولياً بوساطة ملفّين للانحراف الأفقي وملفّين للانحراف الشاقولي، فتظهر على شاشة الأنبوب مجموعة من خطوط شبه أفقية مائلة قليلاً نحو الأسفل. ويفترض أن النقطة المضيئة التي تنتج على الشاشة تتحرك من اليسار إلى اليمين مع النزول ببطء من الأعلى إلى الأسفل. وبفضل مداومة الإبصار يرى المشاهد على الشاشة مجموعة من خطوط شبه أفقية (تميل قليلاً نحو الأسفل)، تسمى خطوط المسح. وعندما ينظر المشاهد إلى الشاشة من مسافة كافية (أكثر من خمسة أضعاف ارتفاع الشاشة عادة)، فهو لا يميز تلك الخطوط بعضها عن بعض، بل يرى الشاشة بيضاء بكاملها إذا بقيت شدة الشعاع الإلكتروني ثابتة.
 
ويتم التحكم في شدة الشعاع الإلكتروني في الشكل 4 بالإشارة المرئية التي تنتج مثلاً عن طرف الإرسال في (الشكل -2)، ويفترض أنها تؤثر في إلكترود أو قطب التحكم في المدفع الإلكتروني للأنبوب CRT، بحيث تضيء نقاط الشاشة بشدات متفاوتة، لتنتج عليها صورة مشابهة للمنظر المتلفز.
حركة النقطة المضيئة الناتجة على الشاشة بفرض عدد خطوط المسح 7 من أجل التبسيط. وتبدأ النقطة المضيئة حركتها من النقطة A وتسير حتى B، ثم ترتد بسرعة إلى C، لتمسح خطاً جديداً حتى D وبالمثل «ترسم» الخطوط التالية حتّى «ترسم» الخط الأخيرEF، وترتد بسرعة نحو A لتكرر حركتها دورياً.                          
ويوضّح الشكل 5 ـ ب تيار سن المنشار المطلوب إمراره في ملفّي الانحراف الأفقي، وتقابل اللحظات (tA,tB,tC) النقاط (A,B,C) ف). ونرمز TH لدور الانحراف الأفقي، كما ترمز THa لفترة المسح الفعّال active، وترمز THf لفترة الارتداد flyback.
أنابيب التصوير التلفزيوني وحساسات التصوير من نوع CCD
بعد ابتكار الإيكونوسكوب، جرت أبحاث لابتكار أنواع أخرى لأنابيب التصوير التلفزيوني، من أجل تحقيق مواصفات أفضل. ويبين الشكل 6 صورة للإيكونوسكوب ونوعين آخرين من أنابيب التصوير التلفزيوني، هما أورثيكون Image orthicon والفيديكون vidicon.
وتعدّ أنابيب التصوير التلفزيوني حالياً ذات أهمية تاريخية فقط، إذ حلّت محلها منذ نحو1990 حسّاسات التصوير من نوع CCD، وهي دارات متكاملة integrated circuits حساسة للضوء، ولها نافذة مستطيلة. وتقوم عدسة آلة التصوير بتوجيه الضوء الوارد من المنظر ليسقط من خلال تلك النافذة على مصفوفة عناصر حساسة للضوء من السيليكون، تقابل لوحة الخلايا في الشكل 2، وتدلّ تسميةCCD أو المكوّنات المترابطة بالشحناتcharge-coupled devices على طريقة انتقال الشحنات في المكونات التي تكافئ بعملها المفتاح الدوار  
 
                  

نظام التلفزة الأسود والأبيض

 
يوضح الشكل 7 مراحل الإرسال والاستقبال الأسود والأبيض. ويقصد بحساس التصوير حسّاس تصوير CCD أو أنبوب التصوير، وهو يحول الضوء الصادر عن المنظر إلى الإشارة المرئية. وتضاف إلى هذه الإشارة نبضات تزامن sync pulses، على أن تحصل الإشارة المرئية المركبة CVS (composite video signal). وترسل هذه الإشارة بقناة الاتصال (سلكياً أو لاسلكياً)، وتفصل منها في جهاز الاستقبال (التلفاز) نبضات التزامن، لكي تستخدم من أجل «مزامنة» دارات الانحراف تتوافق عملية المسح في أنبوب الصورة زمنياً مع عملية المسح في آلة التصوير، وتتحكم الإشارة CVS نفسها في شدة الشعاع الإلكتروني في أنبوب الصورة.
نظم التلفزة الملوّنة
 
تعتمد نظم التلفزة الملوّنة على نتائج تجارب مزج الألوان، وهي تبين أنه عند مزج ضوء أحمر مع أخضر وأزرق يمكن أن ينتج أي لون نريده عملياً بضبط مناسب للشدات الضوئية للألوان الثلاثة. وانطلاقاً من ذلك حقّق الإنكليزي Baird عام 1928 أول تجربة ناجحة للتلفزة الملوّنة بقرص نيبكو خاص. وتمكن آخرون لاحقاً من تحقيق التلفزة الملوّنة الإلكترونية بطرائق عدة، منها الطريقة البسيطة الموضحة في الشكل8. ويفترض في هذا الشكل استخدام 3 آلات تصوير (أو 3 حسّاسات تصوير) توضع أمامها 3 مرشحات ضوئية: أحمرR وأخضرG وأزرقB، فتنتج 3 إشارات نرمز لها ER،EG،EB وتتحكّم هذه الإشارات في 3 أنابيب صورة توضع أمامها 3 مرشحات ضوئية أيضاً و3 عدسات إسقاط، على أن تنتج على شاشة الإسقاط صورة ملوّنة.
يمكن استخدام أنبوب صورة «ملون»، له شاشة ذات 3 أنواع من حبيبات أو شرائح دقيقة جداً: نوع يضيء بالأحمر وآخر بالأخضر وثالث بالأزرق، فتمسح الشاشة بثلاثة «أشعة إلكترونية» تصدرها 3مدافع إلكترونية داخل عنق الأنبوب، وتتحكم بها الإشارات EB,EG,ER.
 
وبدلاً من إرسال هذه الإشارات بثلاث أسلاك في الشكل 8، يمكن استخدام تلك الإشارات لتشكيل إشارة واحدة ترسل بسلك واحد (أو ترسل لاسلكياً)، يوضحها الشكل9. وانطلاقاً من هذه الفكرة استخدم في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1953 نظام NTSC. وتتلخّص أفكار هذا النظام في استخدام الإشارات EB,EG,ER  لتشكيل الإشارة التي تسمى الإشارة المرئية الملونة المركبة (CCVS).
وتسمى الوحدة التي تشكل هذه الإشارة من (EB,EG,ER) المرمّز اللوني color encoder، وتقوم بالعملية المعاكسة في التلفاز الملون الدارة المسماة كاشف الترميز اللوني color decoder.
  ومن خصائص نظام NTSC أنه متوافق أو متآلف مع النظام الأسود والأبيض، بمعنى أنه يمكن أن يستقبل التلفاز الأسود والأبيض إشارة NTSC بحيث تنتج على شاشته صورة سوداء و بيضاء (كما لو كان البث أسود وأبيض).
ويختلف نظاما بّال وسيكام عن نظام NTSC ببعض الخصائص، ولكنهما يحققان أيضاً التآلف مع النظام الأسود والأبيض.

التلفاز

 
يبين  مخططاً صندوقياً مبسّطاً للتلفاز الأسود والأبيض. ويقصد فيه بالمولّف tuner قسم التردد العالي الذي يعمل بطريقة السوبرهترودين، ويليه مكبر التردد المتوسط، ثم قسم الإشارة  المرئية. وتتفّرع من هذا القسم إشارة التردد المتوسط للصوت، ويتم كشفها و تكبير الإشارة السمعيّة الناتجة بقسم الصوت. ويقوم قسم التزامن بفصل نبضات التزامن من الإشارة المرئية المركبة، وهي تستخدم للتحكم في دارتي الانحراف الأفقي والشاقولي.
ويتميز التلفاز الملون باستخدام أنبوب صورة ملوّن، وهو يضّم إضافة إلى المراحل المبينة في الشكل 10 كاشف الترميز اللوني الذي يستخلص من الإشارة الملونة المركبة الإشارات اللونية الأساسية (EB,EG,ER).
الانتقال إلى التلفزة الرقمية
تعتمد التلفزة الرقمية على تحويل الإشارة المرئية من شكلها الأصلي التمثيلي إلى الشكل الرقمي وفق مبادئ PCM. وبدأ التوجُّه لتحقيق البث التلفزيوني الرقمي مع التوجه لتحقيق البث الإذاعي الرقمي منذ عام 1990. ومنذ أواخر القرن العشرين تحولت إلى البث التلفزيوني الرقمي كثير من محطات البث التلفزيوني عن طريق الأقمار الصناعية وكثير من محطات التلفزة في أوربة وأمريكة.
مجالات تطبيقات التلفزة
شاع استخدام التلفزة على نطاق واسع، ليس فقط في مجال البث أو الإذاعة التلفزيونية وبحسب، وإنّما أيضاً في كثير من مجالات العلم والتعليم والطب وأبحاث الفضاء والتطبيقات العسكرية وغيرها. وتشمل تطبيقات نظم التلفزة استخداماتها كوسائل للمراقبة والتحكم والاتصالات.

المراجع

الموسوعة العربية

التصانيف

الأبحاث