المالية العامة (علم ـ)

 
 
 
تعريف علم المالية العامة وتطوره
 
علم المالية العامة La science des finances publiques هو العلم الذي يبحث في جملة الوسائل المالية التي تستخدمها الدولة في سبيل تحقيق أهدافها العامة المختلفة، وتتجسد هذه الوسائل المالية من الأموال العامة، أما الأهداف العامة فهي ذات طبيعة مختلفة اقتصادية واجتماعية ومالية نابعة من سياسة الدولة العامة.
 
ويلاحظ أن علم المالية العامة لم يبدأ بالتبلور حتى انتهاء القرون الوسطى، وذلك عندما ازدادت وظائف الدولة وأصبحت واردات أملاك الحاكم وتبرعات رعيته الاختيارية لا تكفي لسداد حاجة الدولة من النفقات العامة، عندئذٍ لجأت السلطة في سبيل توفير الأموال اللازمة لها إلى فرض التكاليف العامة، وكان من أبرز الكتاب الذين أعطوا علم المالية ملامحه الأولى بودان ومونتسكيو وسميث، وقد تطور علم المالية العامة تبعاً لتطور وظائف الدولة و تدخلها في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، فكانت الغاية من علم المالية العامة بصيغه التقليدية تتمثل في توفير الإيرادات اللازمة لتغطية نفقات الدولة، وتوزيع العبء الناجم بين المكلفين بصورة عادلة، ووفقاً لمبدأ المساواة، وكانت المالية العامة وفقاً لهذا المضمون تخدم الفكر الاقتصادي الحد الذي كان سائداً قبل الحرب العالمية الأولى، حيث يجب أن تقتصر الدولة على الحد الأدنى من النفقات العامة، بحسبان أن إنفاقها عقيم، ولا تجبي من الإيرادات العامة إلا قدر حاجتها.
 
ولكن هذه النظرة التقليدية للمالية العامة تبدلت، وذلك نتيجة للوقائع الاجتماعية والمبادئ الاقتصادية التي تعاقبت على العالم منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، ونتيجة المفهوم الجديد لدور الدولة، إذ أصبحت مهيمنة على النشاطات الاقتصادية، وتتدخل في الشؤون الاجتماعية وتهتم بالمصلحة العامة وتعمل لها، وتتدخل لأجلها في مختلف الفعاليات وتوفر لها شتى الخدمات فتقوم بتوزيع الدخل بصورة عادلة بين الناس، وتستثمر ثروات البلاد، وتحافظ على القوة الشرائية للنقد، وتعمل على زيادة الإنتاج، والقضاء على البطالة، لذلك اختلف دور المالية العامة وأصبحت وسيلة للتدخل في الحياة الاقتصادية وأداة لتحقيق أغراض الدولة الاجتماعية.
 
خصائص علم المالية العامة
 
تتجلى هذه الخصائص فيما يأتي:
 
1ـ علم المالية العامة هو العلم الذي يهتم بالحاجات العامة: والحاجة العامة هي الطلب الجماعي على السلع والمنتجات والخدمات، وتقوم الدولة بإشباعها عن طريق الموازنة العامة. وهذا يعني أن الحاجة العامة تتطلب وجود إيرادات عامة لازمة لتغطيتها مالياً، وحين تقوم الدولة بإشباعها، تظهر هذه الحاجة مالياً على شكل نفقة عامة، وبالتالي فإن المالية العامة تناقش الأسس التي يمكن في ضوئها حصر الحاجات العامة وتحديدها بجميع أنواعها، وتبحث في القواعد العلمية والأصول الفنية التي يتعين على الدولة الأخذ بها في تدبير مايلزمها من موارد اقتصادية.
 
2 ـ علم المالية العامة فرع من فروع القانون العام: وذلك لأن المالية العامة تتكون من مجموعة قواعد قانونية تنظم العلاقة المالية للدولة مع الآخرين على أساس من السلطة والسيادة. والمالية العامة بهذا المعنى لابد من أن تخضع لنظام قانوني خاص يكفل لأجهزة الدولة ضمان تقديم الخدمة العامة وتحقيق المنفعة العامة.
 
3ـ علم المالية العامة يبحث في القواعد والإجراءات المتعلقة بالأموال العامة: وتختلف المالية العامة بذلك عن المالية الخاصة، إذ تبحث الأولى في إيرادات الدولة ونفقاتها وأجهزتها، أما الثانية فتبحث في الثروة التي يتصرف بها الأفراد والشركات الخاضعون لأحكام القانون الخاص.
 
علاقة المالية العامة بالعلوم الأخرى
 
للمالية العامة علاقة بالعلوم القانونية والاقتصادية والسياسية، فالمالية العامة على علاقة بالعلوم القانونية؛ لأنه إذا كانت الغاية من المالية العامة هي جباية الأموال اللازمة لتغطية النفقات العامة وتوزيع العبء الناتج من ذلك بصورة عادلة بين المواطنين فإنه لابد من وضع القواعد الدستورية والإدارية اللازمة لتحقيق هذا الهدف، وبذلك فإن المالية العامة تتجلى من خلال مجموعة من القواعد القانونية التي تنظم موارد الدولة ونفقاتها، والموازنة العامة و الرقابة على تنفيذ هذه الموازنة. وكذلك فإن للمالية العامة ارتباطاً مع العلوم الاقتصادية ولاسيما في العصر الحالي، إذ تبلور دور المالية العامة وسيلة للتأثير في الحياة الاقتصادية ذلك لأن المالية العامة أصبحت تعد الوسيلة الأساسية التي تعتمد عليها السياسية الاقتصادية لتنفيذ مشروعات القطاع العام ولتوجيه القطاع الخاص بصورة تجعله مكملاً للاقتصاد العام، مما يؤدي إلى تعايشهما في سبيل التنمية، وكذلك فإن وسائل المالية العامة تؤثر تأثيراً واضحاً في البيان الاقتصادي للدولة، فالضريبة[ر] تستخدم لتشجيع الادخار، وزيادة الاستثمار ودفع عجلة التنمية، والقروض العامة يمكن أن تستخدم في سبيل امتصاص الكتلة النقدية[ر] الفائضة في السوق، ومنع ارتفاع الأسعار، ومحاربة التضخم[ر]. وللمالية العامة علاقة مع العلوم السياسية، إذ تلازم تطور مفهوم الضريبة مع تطور المؤسسات الديمقراطية، ولإن الديمقراطيات الحديثة تشعر بشعور المواطنين وعبء الضريبة عليهم فقد أخذت على عاتقها مطالبة الدولة بعدم فرض هذه الضريبة من دون أخذ رأيهم، لذلك أعطت الدساتير المعاصرة للمجالس التشريعية - كونها ممثلة للشعب - السلطة الحصرية في فرض الضرائب، كما يتجلى ارتباط المالية العامة بالعلوم السياسية في أن الدولة تجد في الوسائل المالية سبيلاً مهماً لتنفيذ سياستها وتحقيق العدالة والمساواة [ر] بين المواطنين، وكذلك يظهر التأثير السياسي المباشر للمالية العامة عندما يعبر مشروع الموازنة العامة [ر] عن إطار العمل الذي ستنهض به الحكومة في سنة محددة، ويعرض على السلطة التشريعية، وقد تضطر الحكومة إلى الاستقالة، إذا لم تقره السلطة التشريعية؛ لأن ذلك قد يعد بمنزلة رفض الثقة بالحكومة.
 
مهند نوح
 
 

المراجع

الموسوعة العربية

التصانيف

الأبحاث