الغواصة submarine سفينة قتالية (حربية) كتيمة للماء، قادرة على الغوص والإبحار تحت الماء وفوقه، مع القدرة على استخدام أجهزتها وأسلحتها في كلتا الحالين. وغوص الغواصة مشروط بعمق لا تستطيع تجاوزه وإلا سحقها ضغط الماء، اعتماداً على دافعة أرخميدس؛ إذ تملأ خزانات التعويم بالماء عند الغوص فإذا ما أصبح وزن الغواصة مع الماء في خزانات التعويم أكبر من وزن حجم الماء المزاح تبدأ الغواصة بالغوص وكلما زاد وزن الماء في خزاناتها ازداد غوصها عمقاً. فإذا ما ضُخ الماء خارجاً تعود الغواصة إلى الارتفاع حتى تطفو. ولكي تتمكن الغواصة من التوقف في الماء عند عمق معين، يُجعل وزنها بما فيها من ماء مساوياً لحجم الماء المزاح، والمهم هنا المحافظة على توازنها كي لا تنقلب، ولذلك يُدرس توزع خزانات الملء هندسياً بدقة فائقة، كما تزود الغواصات بدفات أفقية (ساعد غوص) لتساعدها على النزول والصعود والدوران، وكذلك تزود بعنفة (رفاص) في المؤخرة لتوفر قوة الدفع.
لمحة تاريخية
حاول الإنسان الغوص في الماء منذ القدم، فكان يحمل حجراً أو ثقلاً يساعده على الغوص ثم يتركه حين يريد الصعود إلى سطح الماء، وكان يستعين بقصبة أو خرطوم يمتد خارج الماء ليزوده بالهواء. وقد تخيل ليوناردو دافنشي Leonardo da Vinci عام 1519 رسماً لغواصة مأهولة تعمل تحت الماء. وفي عام 1775 توصل فان دريبل C.van Drebbel الهولندي إلى صنع جهاز للغوص في بريطانيا، غير أن الغواصة في شكلها العام المعروف ظهرت في عام 1880 على يد الأمريكي روبرت فولتون Robert Fulton. وفي عام 1885 أنزلت أول غواصة حربية، ومنذ ذلك الحين شُرِعَ في تطوير الغواصات وتحسين مواصفاتها نحو زيادة مدى الإبحار وعمق الغطس.
قامت الغواصات بنشاطٍ بارز في الحرب العالمية الأولى، وكان لدى الألمان 134 غواصة عام 1917 تمكنت من إغراق ما حمولته 8 ملايين طن من سفن الأعداء، وبدأت مكافحتها بسفن متخصصة. كما اقتصرت حركة السفن على مجموعات ترافقها سفن حماية، مما قلل من تأثير الغواصات نسبياً. وكانت الغواصات تعمل فرادى وضمن مناطق محددة، ثم تطور عملها في الحرب العالمية الثانية لتعمل في مجموعات بشكل ستائر متحركة (سميت قطعان الذئاب)، وقد زود معظمها بمحركات ديزل، وازدادت أهميتها في تلك الحرب لتصبح أكثر صنوف الأسطول استخداماً، وتكاد تكون الغواصة المركبة الوحيدة القادرة على العمل على طرق المواصلات البحرية في المحيطات بعيداً عن قواعدها ولمدة طويلة، وقد دمرت الغواصات الألمانية في الحرب الثانية ما حمولته 15 مليون طن من سفن الحلفاء. وبلغ عدد الغواصات الألمانية 300 غواصة. وبعد الحرب الثانية ازداد الاهتمام بتطوير الغواصات النووية بدءاً من 1954، وهي غواصات لا حدود لمدى إبحارها، وتقارب سرعتها 35 عقدة، أما تسليحها فيوفر لها إمكانات تدمير استراتيجية، مع تخفيض الضجيج وزيادة قدرة الغطس حتى 400 متر واستقلالية كبيرة جداً.
المواصفات الفنية والتكتيكية للغواصات ومميزاتها
تطورت الخصائص الفنية والتكتيكية للغواصات تطوراً كبيراً مع التقدم التقاني العلمي والطاقة النووية، وأهم مواصفاتها: مدى الإبحار وعمق الغطس والإزاحة وسرعة الإبحار والقوة المحركة والطاقم والأبعاد ووسائل الكشف تحت الماء.
تحتاج الغواصات المزودة بمحركات الديزل إلى العوم بين فترة وأخرى لإعادة شحن المدخرات والتزود بالوقود والأكسجين والماء، في حين استغنت الغواصات النووية عن ذلك، إلا أن قدرة الطاقة البشرية على البقاء في عزلة وممارسة العمل تحد من المدى المفتوح. ومازالت الغواصات التقليدية تخضع للعمل في أعماق معينة، مثل عمق المنظار الانزلاقي (منظار قابل للإطالة والتقصير والرفع من الغواصة لمراقبة السطح) ويراوح بين 8-12 متراً، وكذلك عمق الأمان والحيطة، ولا يقل عن 40 متراً، والعمق الحدي (الأعظمي) الذي تتعرض الغواصة بعده لخطر ضغط الماء. ويحدد عمق العمل في حدود 70-90% من العمق الحدي، أما العمق الحسابي فيوافق العمق النظري المحسوب لتحمل البدن لضغط الماء عند بناء الغواصة. وللغواصات إزاحتان، خلافاً للسفن، وهما إزاحتها تحت الماء وإزاحتها فوق الماء. وتتأثر الإزاحة عامة بنوعية تسليحها؛ إذ يبلغ الوزن المتوسط للطوربيد 1300كغ في حين يزيد وزن صاروخ تريدنت على 5.7 طن. ومن ميزات الغواصات أنها لا تتأثر تحت الماء بالأحوال الجوية، إنما يحسب حساب التيارات المائية العميقة. وتحوي الغواصات خزانات مياه عدة للصابورة والغوص السريع والتوازن وضبط الانتكاس الأمامي والخلفي وللماء العذب. كما تمتاز الغواصات بوجود وسائط كشف متبادل مع السفن تفوق قدرة وسائط السفن، وتعتمد على محطات «الأزدك» التي تشتمل على أجهزة صوتية - مائية وكهربائية وإلكترونية للاسترشاد الضجيجي والصوتي وكشف الساحات الكهرطيسية، إضافة إلى أجهزة قياس مسافة الأهداف وقياس الإشارات الرادارية المائية والبحث عن الألغام وتجهيزات السلامة والحيطة الملاحية، إضافة إلى أجهزة التعامل مع الساحات الفيزيائية مثل الأثر الحركي والليزر وأجهزة قياس المقاومة الكهربائية لماء البحر وأجهزة قياس الصدى الجليدي وربطها بأجهزة قيادة النيران، وقد تطورت دقة تحديد المكان من منظومة لوران س LORAN-C (Long Range Navigation) للملاحة اللاسلكية الأرضية التي كانت 900 متر، لتصير في نظام نافستار NAVSTAR للأقمار الصناعية حتى 10 متر.
تصنيف الغواصات وموقعها
الغواصة صنف من صنوف القوى البحرية، لها تكتيكها وعملها وطبيعتها الخاصة جداً تحت الماء، إلا أن تطور التسليح وقوى الدفع النووية نقلها إلى المستوى العملياتي بالغواصات متعددة المهمات، وإلى المستوى الاستراتيجي بتزويدها بالصواريخ البالستية البعيدة المدى والمتعددة الرؤوس لتحتل المحلَّ الأساسي في الأسلحة الاستراتيجية في العالم.
وعليه تصنف الغواصات كما يأتي:
1- حسب حجمها ووزنها:
غواصات صغيرة جداً minisubmarines تتسع لشخص أو اثنين وتسمى غواصة جيب. وغواصات صغيرة لا تتجاوز 25 متراً، وغواصات متوسطة تعمل في أعالي البحار، وغواصات ضخمة تعمل في المحيطات.
2- حسب أسلحتها ومهماتها:
ـ غواصات طوربيدية: مسلحة بطوربيدات مختلفة الاستعمال وقد تكون مزودة برؤوس نووية وموجهة لضرب سفن السطح والغواصات المعادية والتجميعات البحرية والقوافل ومجموعات حاملات الطائرات.
ـ غواصات الطوربيدات الصاروخية: وهي مسلحة بطوربيدات صاروخية ذات رؤوس تقليدية أو نووية إضافة إلى عدد من الطوربيدات التقليدية الأخرى.
ـ الغواصات الاستراتيجية حاملات القذائف الصاروخية strategic missile submarines: وهي مسلحة بالصواريخ القذفية (البالستية) الاستراتيجية البعيدة المدى المتعددة الرؤوس النووية. والغواصات الحديثة من هذا الصنف تستطيع إطلاق صواريخها من تحت الماء بدءاً من جيل صواريخ بولاريس إلى صواريخ بوسيدون إلى صواريخ تريدنت -1 ومداه 7500كم، ثم تريدنت -2 ومداه 11 ألف كم. وتحمل الغواصة الواحدة 24 صاروخاً منها، وتوجه إلى المدن المهمة والأهداف الحيوية الكبيرة. والمثال عليها الغواصة أوهايو.
ـ الغواصات المتعددة المهمات: وهي تحمل أسلحة مختلفة تقليدية وصاروخية بمدى حتى 4 آلاف كم، مثل صواريخ هاربون وصواريخ توماهوك. وتخصص لتدمير سفن النقل والقوافل والغواصات والتجميعات القتالية والأهداف الأرضية. وتكلف توفير الحماية للغواصات النووية والاستراتيجية وأسيطلات حاملات الطائرات. والمثال عليها الغواصة لوس أنجلوس .
ـ الغواصات ذات المهمات الخاصة: وهي غواصات مخصصة للكشف الراداري والإنزال والنقل والتجارب والتدريب وكشف الألغام وزرعها والأبحاث العلمية والتأمين الملاحي والإنقاذ والاستطلاع ونقل مجموعات التخريب وغير ذلك.
الآفاق المستقبلية
يتم التركيز الخاص في الدول العظمى على بناء الغواصات الحديثة رغم ازدياد الكلفة أضعافاً مضاعفة، فقد كانت كلفة غواصة الديزل في الحرب العالمية الثانية تعادل خمسة ملايين دولار، وهي تكلف اليوم 350 مليون دولار، أما الغواصة الاستراتيجية فتبلغ كلفتها 3 مليار دولار. والأفق مفتوح على مصراعيه أمام الغواصات النووية لتزود دوماً بأحدث التقانات وأدق الأجهزة والأسلحة وأشدها ذكاءً وفاعلية مع تطوير التصميم والشكل بما يناسب التمويه والإخفاء والسرية، وتوفير الميزات الفنية والقتالية القصوى، وكذلك استغلال الساحات الفيزيائية من أثر حركي وقياس مقاومة ماء البحر الكهربائية، واستخدام الليزر وقياس الصدى الجليدي، كما توفر لها الأقمار الصناعية التي تغطي الكرة الأرضية كاملة القدرة على الحركة في أي مكان وزمان.
قتيبة الصفدي
المراجع
الموسوعة العربية
التصانيف
الأبحاث