تعريفه ومشروعيته وحكمه ومستحقه وقابضه: المهر من أهم آثار الزواج، وهو المال الذي تستحقه الزوجة على زوجها بالعقد عليها أو بالدخول بها حقيقة. وله أسماء عشرة هي: مهر، وصداق أو صدقة، ونِحْلة، وأجر، وفريضة، وحِبَاء، وعُقْر، وعلاقة، وطَوْل، ونكاح. وهو واجب على الرجل مشروع تكريماً للمرأة وإشعاراً للزوج بالمسؤولية أمام المرأة، فلا يفكر بإزالة الزواج لأدنى سبب، لقوله تعالى: )وَءَاتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً( (النساء 4)، وقوله سبحانه: )فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً( (النساء 24)، وسمي أجراً للدلالة على أنه عوض أو مقابل منفعة؛ وللحديث المتفق عليه: «التمس ولو خاتماً من حديد»، وهو حق خالص للمرأة؛ لا لأحد من أوليائها أو أقاربها، ولها أن تمنع نفسها من الزفاف حتى تقبض مهرها المعجل كله. والمرأة الرشيدة هي التي تقبض المهر، وتتصرف فيه، لكن أقرت الشريعة عملاً بالعرف والعادة للأب أو الجدّ قبض المهر، ويكون قبضه نافذاً عليها، وللقاضي قبض مهر البكر الصغيرة أو الكبيرة إلا إذا منعت المرأة أحد هؤلاء من القبض.
مقداره: ليس للمهر حدّ أقصى أو أكثر باتفاق الفقهاء؛ لقوله تعالى: )وَءَاتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا( (النساء20) لكن يسنّ تخفيف المهر وترك المغالاة فيه؛ حتى لا تتعثر حالات الزواج؛ ولقولـهr فيما رواه أبو داود، وصححه الحاكم: «خير الصداق أيسره». ولا حدّ لأقل المهر في رأي الشافعية والحنابلة؛ للحديث المتقدم: «التمس ولو خاتماً من حديد»، وأقلّه عند الحنفية عشرة دراهم - والدرهم (3.5 غ) - لحديث رواه أبو داود والنسائي: «لا مهر أقل من عشرة دراهم»، وأقلّه عند المالكية: ربع دينار أو ثلاثة دراهم فضة نقية؛ لأن المهر وجب في الزواج إظهاراً لتكريم المرأة ومكانتها، فلا يقلّ عن مقدار نصاب السـرقة الموجب للحد. فإن تزوجها على صداقين: أحدهما في السر (مهر السر) وآخر في العلانية (مهر العلانية) وجب عند أكثر العلماء ما قد به العقد؛ لأن الصداق يجب بالعقد، ويؤخذ بالعلانية عند فقهاء الحنابلة.
ضوابط ما يصلح مهراً: كل ما يجوز تملّكه وبيعه من الأموال يصلح أن يكون مهراً؛ إذا كان معلوماً غير مجهول؛ وسليماً من الغرر (الاحتمال كالشارد والضائع). فالمهر: هو كل مال متقوِّم (مباح الانتفاع به شرعاً) معلوم، مقدور على تسليمه، والمنفعة كالمال المادي المحدد تصلح أن تكون مهراً عند أكثر الفقهاء غير الحنفية، مثل تعليم شيء من القرآن أو أحكام الشريعة (الدِّين)، أو رعي الغنم، كما فعل موسى مع ابنة شعيبu في قصة زواجه بها في قوله تعالى: )قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَج( (القصص27). جاء في قانون الأحوال الشخصية السوري (م/ 54):
1ـ لا حدّ لأقل المهر ولا لأكثره.
2ـ كل ما صلح التزامه شرعاً صلح أن يكون مهراً.
أنواعه: للمهر أنواع هي: المهر المسمى ومهر المثل، الأول: هو ما سمي في العقد أو بعده بالتراضي؛ بأن اتفق عليه صراحة في العقد، أو فرض للزوجة بعد العقد بالتراضي، أو فرضه القاضي؛ لعموم قوله تعالى: )وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً…( (سورة البقرة 237). وقد يعدّ من المهر المسمى في العقد عرفاً ما يقدِّمه الزوج لزوجته قبل الزفاف أو بعده، من ثياب وحلي؛ لأن المعروف بين الناس كالمشروط في العقد لفظاً، ومهر المثل: هو مهر امرأة تماثل الزوجة وقت العقد من جهة أبيها في رأي أكثر الفقهاء، وكذا من جهة أمّها في رأي الحنابلة، وحدده المالكية والشافعية: بأنه ما يرغب به مثل الزوج في مثل الزوجة عادة.
ويقسم المهر عرفاً إلى معجّل ومؤجّل، وذلك جائز اتفاقاً، والمعجّل: ما يجب دفعه قبل الزفاف، والمؤجّل يستحق بأقرب الأجلين: الطلاق أو الوفاة؛ عملاً بالعرف والعادة في كل البلاد الإسلامية.
ويجب المهر كله معجّله ومؤجّله بالطلاق أو الخلع (الفرقة بعوض من المرأة) أو بموت أحد الزوجين.
وقت وجوبه: يجب كل المهر بالاتفاق بعقد الزواج نفسه إن كان الزواج صحيحاً شرعاً، والواجب: هو المسمى إن كانت التسمية صحيحة، ومهر المثل إن لم يسمَّ في العقد؛ أو كانت التسمية فاسدة شرعاً كالمال غير المتقوِّم (كخمر أو خنزير) أو كان هناك اتفاق على نفي المهر.
ويتأكد وجوب المهر بالاتفاق في العقد الصحيح بالدخول الحقيقي (الاتصال الجنسي) أو بموت أحد الزوجين؛ وكذا بالخلوة الصحيحة (وهي أن يجتمع الزوجان بعد العقد الصحيح في مكان يتمكنان فيه من التمتع الكامل؛ بحيث يأمنان دخول أحد عليهما، وليس بأحدهما مانع طبيعي كشخص آخر، أو حسّي كمرض بأحدهما يمنع الوطء (الجماع)، أو شرعي كأن يكون أحدهما صائماً في رمضان أو محرماً بحجّ أو عمرة) في رأي الحنفية والحنابلة خلافاً للمالكية والشافعية، ويتأكد المهر أيضاً عند المالكية بإقامة الزوجة سنة في بيت الزوج بعد الزفاف بلا وطء (وقاع).
والواجب بالاتفاق نصف المهر بالفرقة قبل الدخول بها، سواء أكانت الفرقة - عند الشافعية والحنابلة - طلاقاً أم فسخاً؛ لقوله تعالى: )وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ( (سورة البقرة 237).
سقوط المهر: يسقط المهر كله في رأي الحنفية بالفرقة بغير طلاق قبل الدخول بالمرأة وقبل الخلوة بها، مثل الفسخ لعيب، وبالخلع (التراضي على فسخ الزواج) على المهر قبل الدخول أو بعده، أو بالإبراء عن كل المهر قبل الدخول أو بعده، أو بهبة الزوجة كل المهر للزوج إذا كانت أهلاً للتبرع (وهي البالغة العاقلة الرشيدة) وقَبِلَ الزوج الهبة في مجلس العقد، وسقوط المهر في الحالة الأولى مقرر عند أغلب الفقهاء، وأما في الحالات الثانية والثالثة والرابعة فمتفق عليه.
ويسقط نصف المهر في رأي الحنفية بأحد سببين: الطلاق قبل الدخول في زواج سمي فيه المهر؛ وكان ديناً لم يقبض، أو في كل طلاق تجب فيه المتعة: وهو كل فرقة جاءت من جهة الزوج قبل الدخول في زواج لم يسمّ فيه المهر.
المراجع
الموسوعة العربية
التصانيف
الأبحاث