المزرعة الجماعية
المزرعة الجماعية Kolkhoz هي وحدة الاستثمار الزراعي التي كانت معروفة في الاتحاد السوڤييتي السابق وانتشرت فيما بعد في دول أوربا الشرقية الاشتراكية. وهي عبارة عن تنظيم تعاوني لعدد من الفلاحين الذين انضموا إلى التعاونية طوعاً برعاية من السلطة الاشتراكية ودعمها.
نشأتها وتطورها: بعد انتصار ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا كان أول مرسوم صدر عن الثورة مرسوم الأرض الذي قضى بتحويل ملكية الأرض بالكامل إلى الدولة. وسعت الحكومة السوڤييتية إلى تطبيق خطة لينين في التعاون. عُدَّت خطة لينين جزءاً من عملية بناء الاشتراكية في الريف السوڤييتي تقوم على الانضمام الطوعي للفلاحين في جمعيات تعاونية بطريق جمع أدوات إنتاجهم وتعاونهم للعمل الجماعي في قطعة الأرض التي تضعها الحكومة بتصرف التعاونية.
وبالرغم من أن روسيا القيصرية عرفت أنموذجاً من القرى التعاونية الزراعية التي كانت تُسمى mir، وهي كلمة روسية تعني العالم؛ فإن أرض القرية لم تكن مملوكة من الفلاحين بل من الكنيسة الروسية أو الإقطاعيين الروس، وكانت القرى التعاونية الزراعية مجرد شكل تنظيمي لعيش الفلاحين المشترك. أما بعد الثورة فقد سعت الحكومة السوڤييتية بقيادة لينين ـ بعد تأميم الأرض ـ إلى تجميع الفلاحين في تعاونيات إنتاجية طوعاً وعلى مراحل. كان النوع الأول في نشر التعاون انضمام الفلاحين إلى جمعيات تعاونية سميت أرتيل artel وكانت تقوم على جماعية وسائل الإنتاج الرئيسة وعمل الفلاحين الأعضاء، ويوزيع الدخل بحسب العمل. في حين كانت الأرض تخصَّص من قبل الحكومة للاستعمال المؤبد من قبل الجمعية. وكان أعضاء الأرتيل يحتفظون باستثمارات خاصة عائلية على مساحة محدودة من الأرض يزرعونها ويربون فيها الطيور وبعض الماشية. تتحدد مساحة قطعة الأرض وعدد المواشي والطيور بقرارات من أعضاء الأرتيل بما يحقق التوافق بين المصالح الفردية للأعضاء وضرورة تطوير الإنتاج الجماعي. أما النوع الثاني لتعاونيات الفلاحين فكان الكومونة الزراعية، وفيها - خلافاً لما كان عليه الوضع في الأرتيل - كانت كل وسائل الإنتاج والاستثمارات الفردية على شكل جماعي، وحتى الاستهلاك والخدمات اليومية كانت تتم على حساب الإنتاج الجماعي، وفي السنوات الأولى بعد الثورة عُدَّت الكومونة الزراعية النمط الأولي للمزارع الجماعية.
في عام 1929 أخذت التعاونيات الزراعية شكل المزارع الجماعية (الكولخوز) وخضعت لإصلاحات متعددة شملت مستوى جماعية وسائل الإنتاج والعمل، وكذلك حجم الاستثمارة العائلية المرافقة وأسلوب تنظيم العمل وطريقة توزيع الناتج. وكان أهم هذه الإصلاحات الإصلاح الذي أُدخِل عام 1958 ومعه أخذت الكولخوزات شكلها النهائي.
ولم يختلف الشكل التنظيمي للمزارع الجماعية في الدول الاشتراكية الأخرى عن مثيله في الاتحاد السوڤييتي سوى ببعض التفاصيل الجزئية.
تنظيم المزارع الجماعية: تحكم المزارع الجماعية أنظمةٌ متشابهة في كل الدول الاشتراكية السابقة الحليفة للاتحاد السوڤييتي. وبموجب هذه الأنظمة يُقبَل في عضوية المزارع الجماعية كل الأشخاص المشتغلين في الزراعة، ويجوز طرد أي عضو منها بموافقة ثُلثَي الأعضاء على الأقل. ولكل كولخوز نظام داخلي توضح فيه واجبات الأعضاء وحقوقهم وتنظيم العمل وتوزيع الدخل فيه.
الأرض في المزرعة الجماعية ملك للدولة، وللكولخوز بصفته الاعتبارية حق الاستثمار الدائم للأرض، لا يجوز بيعها أو شراؤها أو تأجيرها.
يسمح نظام المزرعة الجماعية لكل عضو استثمار قطعة أرض خاصة به إضافة إلى حقه في تملك المنزل وحديقة صغيرة ملحقة به يزرعها ويربي فيها عدداً محدوداً من الطيور والحيوانات الأليفة.
الجمعية العمومية للمزرعة الجماعية هي صاحبة السلطة العليا، وهي التي تنتخب مجلس الإدارة، وتوافق على الخطة الزراعية وتصدق على الحسابات الختامية وتقر توزيع الناتج على الأعضاء.
ويدير المزرعة الجماعية مجلس إدارة ينتخب من قبل الجمعية العمومية التي تختار أيضاً بالانتخاب رئيس مجلس الإدارة، المسؤول عن حسن إدارة المزرعة أمام الأعضاء وأمام السلطات العامة. وغالباً ما كانت هذه السلطات والمنظمات الحزبية تتدخل لتنصيب رئيس مجلس الإدارة وأعضائه عن طريق انتخابات صورية يمارسها الأعضاء.
تنظيم العمل في المزارع الجماعية
يقسم العمل في المزارع الجماعية إلى قسمين:
- العمل في الاستثمار العائلي الخاص، ويقوم به العضو في استثمارته مستعيناً أحياناً ببعض الآليات العائدة للمزرعة عند الضرورة، ويساعده على ذلك أفراد أسرته. ويتمتع العضو بكل الإنتاج الذي يحصل عليه سواء لاستهلاكه الأسروي أم للبيع في «السوق الكولخوزي» بأسعار شبه حرة.
- والعمل في الاستثمار المشترك بوساطة أعضاء المزرعة الذين يتقاسمون العمل وفق نظام محدد. ويقسم العمل في المزرعة إلى فرق عمل أو كتائب يتولى كل منها العمل في قطعة أو حقل بناء على الخطة التي تضعها إدارة المزرعة.
يختلف حجم الحقل أو القطعة وأحياناً الحجم الإجمالي للمزرعة حسب الظروف الطبيعية وعدد الأعضاء والنتائج التي تتحقق في المزرعة.
توزيع الناتج في المزرعة الجماعية: يتم التوزيع في المزرعة حسب كمية العمل ونوعيته إذ تقسم قيمة الإنتاج الإجمالي إلى:
ـ رصيد تعويض تكاليف الإنتاج (الاهتلاكات، البذور، الأعلاف، الأسمدة، المحروقات ونفقات الإصلاح، إلخ…).
ـ ورصيد الأجور (دفع الأجور المضمونة للأعضاء والتي تسدد لهم على دفعات منتظمة لسد تكاليف معيشتهم).
ـ والدخل الصافي.
ويوزيع الدخل الصافي في المزرعة في الأوجه الآتية:
- دفع الضرائب وتسديد المدفوعات النقدية للحكومة.
- الإنفاق على الصناديق المعيشية والثقافية لتغطية الخدمات العامة الصحية والتعليمية وبناء النوادي ودور الراحة والمصحات، إلخ…
- تغذية صندوق مكافأة الأعضاء والاختصاصيين العاملين في المزرعة.
ومن الجدير بالذكر أن الأعضاء في المزارع الجماعية - بالرغم من حصولهم على دفعات منتظمة - لا يتقاضون أجوراً محددة وإنما يحصلون على نصيب من الدخل يتحدد بعدة عوامل:
- الدخل الصافي للمزرعة.
- كمية ونوعية العمل الذي يقوم به العضو في الحقل الجماعي.
يضاف إلى كل ذلك ما يحصل عليه من الاستثمار العائلي الذي يفرده له نظام المزرعة، وبعض الموارد التي يحصل عليها من بيع فوائض نصيبه من الأجور العينية.
تختلف دخول أعضاء المزارع الجماعية من سنة إلى أخرى ومن مزرعة إلى أخرى، لكن الحكومات الاشتراكية كانت تعمد لتقليص الفروق بين دخول الأعضاء في المزارع المختلفة بوساطة التمايز في معدلات الضرائب أو الاقتطاعات المفروضة على المزارع تبعاً لدرجة خصوبة الأرض أو القرب والبعد من أسواق التسليم. وبمعنى آخر كانت الحكومات الاشتراكية تجبي من حساب المزارع الجماعية شيئاً من الريع المكلف وشيئاً من الريع الفرقي.
مطانيوس حبيب
المراجع
الموسوعة العربية
التصانيف
الأبحاث