المسرع الاقتصادي
مصطلح المسرع الاقتصادي هو ذات ما يعرف بالمعجّل، أو نظرية «معجل الاستثمار» أو «المتسارع» أو «مبدأ التسارع» أو «نظرية التسارع» أو كما يُطلق عليه «مبدأ التسريع أو التعجيل» the acceleration principle.
ينطوي مفهوم المسرع الاقتصادي على أن أي تغير بالزيادة أو النقصان في الناتج القومي أو في الاستهلاك أو في مبيعات المنشآت الصناعية أو الزراعية يؤدي بالضرورة إلى تغير مضاعف (±) في الطلب على الاستثمار أو الطلب على التجهيزات الرأسمالية.
فحسب هذا المبدأ، ليس الإنتاج القومي هو الذي يؤثر في الاستثمار. وإنما الذي يؤثر في مستوى الاستثمار هو التغير (∆) في هذا الناتج القومي أو التغير في الاستهلاك أو التغير في مبيعات المنشآت الصناعية أو الزراعية، ذلك لأن زيادة إنتاج السلع الصناعية لتلك المنشأة مثلاً تتطلب زيادة في الطلب على التجهيزات الرأسمالية التي تحتاج إليها هذه المنشأة من أجل تلبية زيادة الطلب على إنتاجها السلعي. وعلى هذا الأساس أطلق بعض الاقتصاديين على هذا المبدأ اسم «نظرية الطلب الاستثماري».
المنظور التاريخي للمسرع الاقتصادي
كان أول من اقترح نظرية التسارع في صورتها الكاملة جون موريس كلارك في مقال نشر عام 1917 بعنوان «تسارع الأعمال وقانون الطلب - عامل فني في الدورات الاقتصادية». ويتلخص مبدأ التسارع الذي شرحه كلارك بما يأتي: «إذا ازداد الطلب على السلع الاستهلاكية فإن هذه الزيادة من شأنها أن تحدث زيادة على البضائع الرأسمالية المنتجة لهذه السلع الاستهلاكية».
وقد حاول كلارك في مقاله هذا أن يظهر أولاً: أن هناك علاقة خاصة وفنية بين الطلب على السلع الاستهلاكية والطلب على التجهيزات الرأسمالية اللازمة لإنتاج هذه السلع. وثانياً: أن هذه العلاقة الفنية قابلة لأن تُستخدم ليس فقط في تفسير طبيعة الطلب على التجهيزات الرأسمالية الجديدة، بل أيضاً في إظهار السبب في أن الطلب على رأس المال أو على التجهيزات الرأسمالية أعنف تقلباً من الطلب على البضائع الاستهلاكية. وقد حلّل كثيرون من الاقتصاديين مبدأ كلارك هذا منذ أن نشر مقاله التاريخي وصقلوه واستعملوه في تفسير التقلبات في الدورات الاقتصادية[ر] لكثير من النشاط الاقتصادي.
آلية مبدأ التسارع الاقتصادي
يمكن توضيح آلية التسارع باستعمال الرموز والمعادلات الرياضية البسيطة وبعض الأمثلة الافتراضية: فرمز الدخل (Y) يدل على الناتج القومي النهائي، والرمز (K) يدل على كمية رأس المال الضروري توافره للوصول إلى الناتج، وتسمى العلاقة الفنية المفترض وجودها بين مستوى معين من الناتج وبين كمية رأس المال اللازم، نسبة رأس المال إلى الناتج capital - output ratio أو معامل رأس المال، وسيرمز إلى هذه النسبة بالحرف (A) فتتكون بذلك المعادلة الآتية:
ويُطلق على المعادلة (رقم 4) معامل التسارع the acceleration coefficient، والتي تعني نسبة زيادة الاستثمار الصافي اللازم لتوفير الزيادة في الإنتاج القومي.
ويمكن أن يستخلص مما تقدم أعلاه ناحيتان مهمتان: الأولى أن النسبة الحدية لرأس المال إلى الناتج (المعادلة رقم 3) تتساوى مع معامل التسارع، على افتراض أن جميع العوامل الأخرى المؤثرة في الاستثمار تبقى ثابتة. والثانية أن من المعادلة رقم (4) يمكن التوصل إلى معادلة الاستثمار الصافي وهي:
DY x A = In(المعادلة رقم 5)
وتوصف المعادلة رقم (5) بأنها التعبير الجبري النظامي لمبدأ التسارع، لأنها تبين وجود معامل (A) إذا ضرب بتغير الناتج القومي فإنه بذلك يعطي مستوى الإنفاق الاستثماري الصافي الجديد اللازم لمؤلفة التغير في الناتج القومي، فإذا ازداد الناتج القومي في فترة زمنية معينة بمقدار ليرة سورية واحدة، وأن معامل التسارع هو (3-1)، فيبلغ بذلك الاستثمار الصافي اللازم زيادته نحو 3 ليرات سورية من أجل مؤالفة الزيادة في الناتج القومي.
آلية التسارع والنمو الاقتصادي
وأن نسبة رأس المال إلى الناتج (أو معـامل التـسارع) في هذه المنـشأة الصناعية هي (3-1)، مما يعني أنها تحتاج إلى 300 وحدة من رأس المال لإنتاج 100 وحدة من تلك السلع الصناعية لهذه المنشأة، كما يفترض أن العمر الوسطي لوحدات رأس المال هو 10 فترات دخل، بحيث إن طلب التبديل العادي للتجهيزات الرأسمالية يبلغ 30 وحدة في فترة الدخل. فإذا بقي مستوى الإنتاج ثابتاً في فترة الدخل الأولى، فلن يكون من الضروري التوسع في حجم الطاقات الرأسمالية لهذه المنشأة. وبذلك يكون الاستثمار محدوداً في نطاق الاستثمار الإحلالي (أو الطلب البديل)، وهو ذلك القدر من الاستثمار اللازم في تلك الفترة والبالغ 30 وحدة، ليحلّ محل الأصول الرأسمالية التي استهلكت في العملية الإنتاجية.
فإذا توقعت هذه المنشأة الصناعية زيادة في الطلب على إنتاج سلعها، وهي تعمل بطاقاتها الإنتاجية كلها، فهذا يستلزم منها زيادة تجهيزاتها الرأسمالية لمواجهة الزيادة في الطلب على إنتاج سلعها، وسيفترض هنا أن هذه الزيادة هي في حدود 10%، مما يعني أن الوحدات المنتجة من الناتج النهائي ستزداد بمقدار 10 وحدات في فترة الدخل الثانية (ليصل مجموع وحدات الإنتاج إلى 110 وحدات)، الأمر الذي يتطلب 30 وحدة إضافية من رأس المال، لأن معامل التسارع هو (3-1). لذا، فإن الطلب على البضائع الرأسمالية سيزداد في فترة الدخل الثانية بمقدار 100%؛ فبعد أن كان الطلب الكلي على رأس المال في حدود 30 وحدة في فترة الدخل الأولى ازداد ليصل إلى 60 وحدة في فترة الدخل الثانية (30 وحدة استثمار إحلالي و30 وحدة استثمار جديد).
أما إذا افترض أن الطلب على الناتج النهائي في فترة الدخل التالية (أي فترة الدخل الثالثة حسب هذا الجدول) سيزداد بمقدار 5% وهي زيادة، من دون شك، ولكن بمعدل متناقص، فإن الناتج النهائي هذا سيزداد في تلك الفترة بمقدار 5.5 وحدات إضافية (ليصل مجموعه إلى 115.5 وحدة) مما يتطلب بدوره 16.5 وحدة إضافية من رأس المال لمؤالفة زيادة هذا الطلب، فيصل بذلك الطلب الكلي على رأس المال نحو 49.5 وحدة (33 وحدة استثمار إحلالي و16.5 وحدة استثمار جديد). وهذا يدل على أن الطلب على رأس المال الجديد قد هبط من 30 وحدة في فترة الدخل الثانية إلى 16.5 وحدة في فترة الدخل الثالثة. وإذا استقر الطلب على الناتج النهائي في فترة الدخل الرابعة عند مستواه فسيتوقف عندها الطلب على رأس المال الجديد.
ويستنتج من كل هذا، وعلى مستوى الاقتصاد بمجموعه، أن الإنفاق الاستثماري الصافي الجديد (In) لا يستمر إلا إذا استمر تزايد الطلب على الناتج النهائي، فإذا استمر هذا الطلب على الناتج بمعدلات متزايدة في الفترات الزمنية المتتابعة، ازداد معه الإنفاق الاستثماري الصافي الجديد (In)، وهذا يعني أن اقتصاد هذا البلد ينعم في فترة انتعاش اقتصادية. أما إذا استمر تزايد الطلب على الناتج النهائي بمعدلات أقل من الفترات السابقة، فهذا يعني أن الطلب على رأس المال الصافي الجديد سيبدأ بالتناقص أو قد ينعدم، الأمر الذي يدل على أن فترة الانتعاش الاقتصادي التي كان ينعم بها هذا الاقتصاد قد قاربت نهايتها، وبدأت تظهر علائم الانكماش أو الركود الاقتصادي لهذا البلد.
ومن ناحية ثانية، فإن العلاقة بين تزايد الطلب على الناتج النهائي ومستوى الاستثمار التي بينها مبدأ التسارع تقود إلى نتيجة مهمة أخرى، وهي أن هذا المبدأ ومفهوم «مضاعف الاستثمار» الذي جاء به الاقتصادي الشهير كينزJohn Maynard Keynes مابين (1883-1946) يمكن أن يعملا مجتمعين لخلق حركة دورية في مستوى الدخل القومي، كما يمكن استخدامهما لتفسير سبب التقلبات الدورية التي تبدو وكأنها خاصة حتمية لاقتصاد السوق.
فالمضاعف - كما شرحه بول سامويلسن Paul Samuelson - يبين أثر زيادة معينة في الإنفاق الاستثماري على الدخل والاستهلاك، أما مبدأ التسارع فيبين أثر الزيادة في الاستهلاك أو الناتج النهائي على الاستثمار. لذا فإن هناك تداخلاً بين عمل المضاعف وعمل المتسارع، إذ يبدأ عمل الأخير عندما ينتهي عمل الأول، ثم يبدأ عمل الأول من جديد وهكذا
فاروق الموقع
المراجع
الموسوعة العربية
التصانيف
الأبحاث