الحج والعمرة
الحج
الحج شرعاً: قصد الكعبة المشرفة لأداء أفعال مخصوصة في زمن مخصوص.وقد فرضه الله تعالى على المسلمين في أواخر السنة التاسعة للهجرة، في قوله سبحانه: )وللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَن اسْتَطَاعَ إليه سَبيلا( (آل عمران 97)، ولكن النبيr لم يحج إلا في السنة العاشرة للهجرة. والحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام، فرضه الله تعالى على المستطيع، في العمر مرة واحدة.
فوائده كثيرة، شخصية واجتماعية، فهو سبب المغفرة للذنوب. والحج مدرسة خلقية تربوية ناجحة، لأنه يربط المسلم بماضي الإسلام، ويذكره بمواطن الوحي، وبجهاد النبي في نشر الدعوة إلى الله وحده، وفيه إظهار العبودية لله وشكر النعمة.وهو مؤتمر إسلامي كبير، تجتمع فيه الملايين في وقت واحد كل عام، من مختلف الجنسيات والألوان واللغات يتعارفون، ويتذاكرون في شؤون حاضرهم ومستقبلهم، ويتبادلون المنافع الاقتصادية تبعاً لأداء الفريضة، كما جاء في قوله تعالى: )لَيْسَ عَليْكُم جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغوا فَضْلاً مِنْ رَبكُم( (البقرة 198) وقوله سبحانه: )لِيَشهَدوا مَنَافِعَ لَهُم( (الحج 28). ويعملون على تقوية الروابط الأخوية بينهم.
والحج كالصلاة[ر] والصيام[ر]، يحقق المساواة الفعلية الكاملة بين المسلمين، وتسود في أوساطهم روح التعاون على البر والتقوى. وتحقيقاً لهذه الفوائد وغيرها، كان الحج واجباً على المستطيع فوراً في رأي أكثر العلماء، في حين أن بعضهم كالشافعية جعله واجباً على التراخي، أي عدم لزوم الفور، وفي هذا سعة ويسر وسماحة.
شروطه: يشترط لوجوب الحج وصحة أدائه وإِجزائه شروط هي:
ـ الإسلام: فلا يجب على غير المسلم.
ـ البلوغ والعقل: فلا يجب على الصغير والمجنون، لعدم تكليفهما، ولايصح حج الصغير غير المميز، ولا تسقط فريضة الحج عن الصغير المميز، لما رواه الحاكم وغيره: «أيما صبي حج به أهله، فمات أجزأت عنه، فإن أدرك فعليه الحج..».
لكن يثاب الولي بإحجاج الصغير والإحرام عنه، لما رواه مسلم وغيره: «أن امراة رفعت إلى النبيr صبياً، فسألت: ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر».
- الاستطاعة البدنية والمالية والأمنية الممكّنة من الحج: تتمثل الأولى بالصحة الجسدية الصالحة للوصول إلى مكة وأداء المناسك، وتتمثل الثانية بالاستطاعة المالية للإنفاق على النفس، والأهل في أثناء الغياب، وتتمثل الثالثة بأمن الطريق ذهاباً وإياباً.
- ويشترط للمرأة وجود المحرم، كزوج أو محرم من أب أو ابن أو أخ أو عم أو خال أو زوج بنت، وللحديث المتفق عليه عن ابن عمر: «لاتسافر المرأة ثلاثة أيام إلا ومعها ذو محرم» ولحديث الدار قطني: «لاتحجن امرأة إلا ومعها زوج» كما يشترط فيها أيضاً ألا تكون معتدة عن طلاق أو وفاة.
النيابة في الحج: يجوز الحج عمن يملك المال إذا مات ولم يحج، أو كان عاجزاً عن الحج لعذر كمرض مزمن، ولا يجوز ذلك للقادر المستطيع. ودليل مشروعية النيابة: ما رواه الجماعة عن ابن عباس وغيره: «أن امرأة من خثعم، قالت: يا رسول الله، إن أبي أدركته فريضة الله في الحج شيخاً كبيراً، لايستطيع أن يستوي على ظهر بعيره؟ قال: فحجي عنه».
ويشترط جمهور العلماء في النائب كونه قد حج عن نفسه أولاً، لما رواه أبو داود وغيره عن ابن عباس : «أن النبيr سمع رجلاً يقول: لبيك عن شبرمة، قال: من شبرمة؟ قال: أخ لي، أو قريب لي، قال: حججت عن نفسك؟ قال: لا، قال: حُج عن نفسك، ثم حُج عن شبرمة».
موانعه: يمتنع الحج في أحوال أهمها:
- منع أحد الأبوين ولده من التطوع بالحج أو العمرة، ويسن استئذانهما في الفرض.
- للزوج منع الزوجة من التطوع بالحج أو العمرة، دون الفرض في رأي أكثر العلماء، وكذا الفرض عند فقهاء الشافعية.
- إذا حبس المحرم بحج أو عمرة عن أداء المناسك، تحلل من الإحرام.
- للدائن منع المدين الموسر من السفر للحج، وليس له تحليله منه.
- ليس للسفيه المبذر الحج إلا بإذن وليه أو وَصِيِّهِ.
- إذا أحصر الحاج (أي منع من متابعة أعماله من عدو) إلا بقتال أو بذل مال، فللمحصر التحليل بعد انتظار مدة يرجى فيها زوال المانع. ويكون التحلل في مكان الإحصار بذبح شاة على الأقل.
- أجاز الحنفية دون غيرهم التحلل من الحج بسبب المرض، مثل الإحصار بعدو.
مواقيته: للحج مواقيت زمانية ومكانية:
أما مواقيته الزمانية: فلا يصح الحج إلا فيها، وهي شوال و ذو القعدة وعشرة أيام من أول ذي الحجة، أجملتها الآية الكريمة: )الحَجُّ أَشهُرٌ مَعْلُومَاتٌ( (البقرة 197).
وأما مواقيته المكانية فتختلف تبعاً لموقع مريد الإحرام:
الطواف حول الكعبة المشرفة
أ - فمن قدم من الآفاق، وهي كل البقاع الواقعة خارج حدود المواقيت، فإحرامه للحج والعمرة عندها، وهذه المواقيت خمسة، حدد حديث الصحيحين أربعة منها، وهو عن ابن عباس رضي الله عنهما: «أنه صلى الله عليه وسلم وقَّت لأهل المدينة ذا الحليفة (آبار علي 460 كم من مكة) ولأهل الشام الجحفة (قرب رابغ 187كم من مكة) ولأهل نجد قرن المنازل (94كم من مكة) ولأهل اليمن، يلملم (54 كم من مكة)».
وبين حديث جابر في صحيح مسلم الميقات الخامس، ونصه «وَمَهَلُّ أهل العراق ذات عِرّق (94 كم من مكة)». وقال صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس: «هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد الحج والعمرة».
ب – ومن كان داخل مكة وأراد الإحرام:
فميقاته للإحرام بالحج مكة نفسها، وميقاته للإحرام بالعمرة الحل، وهو البقاع المحصورة بين حدود الحرم والمواقيت المذكورة، لقوله عليه الصلاة والسلام «وكذلك أهل مكة يهلون – أي بالحج – منها».
ج – ومن كان داخل الحل، وهو المنطقة المحصورة بين حدود الحرم والمواقيت، فميقاته الإحرام بالحج أو بالعمرة موضعه في الحل، لقوله عليه الصلاة والسلام، في حديث ابن عباس «فمن كان دونهن – أي دون المواقيت – فَمَهَلُّه من أهله».
والإهلال، أصله رفع الصوت، ومنه إهلال المولود، لأنهم كانوا يرفعون أصواتهم بالتلبية عند الإحرام، ثم أطلق على الإحرام نفسه بالحج أو بالعمرة، توسعاً في الإطلاق.
أركانه: للحج أركان هي:
– الإحرام: وهو النية المقترنة بقول أو فعل متعلق بالحج، كالتلبية المعروفة، والتوجه إلى الطريق، وينعقد الإحرام عند الشافعية والحنابلة بمجرد النية، وإن لم يقترن بالتلبية، وصيغتها: «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لاشريك لك». والتلبية واجبة عند الحنفية والمالكية لكن يجب اقترانها بالنية عند الحنفية، ويقطع الحاج التلبية عند المالكية خلال الطواف والسعي، ثم يعاودها بعدهما، وعند الجمهور لايقطعها إلا عند ابتداء رمي جمرة العقبة يوم العيد. ويكون الإحرام بالحج من ميقاته الزماني والمكاني كما تقدم.
- السعي بين الصفا والمروة سبعة أشواط عند الجمهور وهو واجب عند الحنفية.
- الوقوف بعرفة، ولو بالمرور بها أو التحليق فوقها، بدءاً من زوال شمس اليوم التاسع من ذي الحجة إلى طلوع الفجر من صباح يوم العيد.
- طواف الإفاضة (أو طواف الزيارة) سبعة أشواط بالبيت الحرام.
واجبات الإحرام: تجرد الرجل من المخيط وكشف الرأس والتلبية، ووصلها بالإحرام، فمن تركها أو فصل بينها وبين الإحرام بفاصل طويل، فعليه ذبح شاة. أما المرأة فتظَل مرتدية ثيابها، وإحرامها في كشف وجهها.
كيفية أدائه: للحاج أداء الحج أن يحرم مفرداً أو متمتعاً أو قارناً. والإفراد: أن ينوي الحاج من الميقات الإحرام بالحج وحده، ثم لايعتمر إلا بعد الفراغ من حجه، أي بعد أن ينفر من منى في اليوم الثالث أو اليوم الرابع من أيام العيد. ويتحلل بعد رمي جمرة العقبة يوم العيد بالحلق أو التقصير، وليس على المفرد ذبح، وهذا هو التحلل الأصغر الذي يحل به كل شيء إلا التمتع بالنساء، ولا يكون التحلل الأكبر الذي تحل به النساء إلا بعد طواف الإفاضة.
والتمتع: أن ينوي الحاج من الميقات أداء العمرة أولاً، فيطوف ويسعى ويتحلل من إحرامه بالحلق أو التقصير، ثم ينوي الحج في اليوم الثامن(يوم التروية) وهو في مكة، ثم يتحلل كما يتحلل المفرد أول أيام العيد (يوم النحر).
والقِران: أن ينوي الحاج الجمع بين إحرام العمرة والحج معاً، فيطوف ويسعى عنهما طوافاً واحداً وسعياً واحداً، ثم يتحلل يوم العيد كالمفرد والمتمتع. ويلزم المتمتع والقارن بذبح شاة في أيام العيد في منى، أوفي مكة، ومن عجز عن ثمن الشاة صام عشرة أيام ثلاثة قبل اليوم التاسع، وسبعة أيام في وطنه، لقـولـه تعـالى: )فَمَنْ تَمَتَّعَ بالعُمْرةِ إلى الحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدي، فَمَن لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثة أَيامٍ في الحَجِّ وَسَبعَةٍ إذا رَجَعْتُم، تِلكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ( (البقرة 196).
محرَّمات (أو محظورات) الإحرام:
يحرم على المحرم بحج أو عمرة حتى يتحلل من إحرامه بالحلق أو التقصير أربعة أشياء:
– لبس المخيط، أو ستر الرأس وانتعال الحذاء بالنسبة للرجل، لا المرأة، وعلى المخالف شاة.
– ترفيه البدن أو الثوب بالطيب وإزالة الشعر وتقليم الأظفار، سواء الرجل والمرأة، ومن خالف فعليه الفدية الواجبة في قوله تعالى: )فَمَن كانَ مِنكُم مَرِيضاً أو بِهِ أَذى مِنْ رَأْسِه فَفِدْيَة مِنْ صِيامٍ أو صَدَقةٍ أو نُسكٍ..( (البقرة 196).
– التمتع بالنساء (الجماع ومقدماته)، وكذا إبرام عقد الزواج حال الإحرام في رأي الجمهور خلافاً للحنفية، وذلك حرام، ومن جامع قبل الوقوف بعرفة أفسد حجه، ومضى في فاسده، وعليه القضاء فوراً من العام القادم، وعليه بَدَنَةٌ، وإن جامع بين التحلُّلين الأصغر والأكبر، فعليه شاة.
– الاصطياد: فيحرم على المحرم صيد البر أو الدلالة على المصيد، إلا المؤذي من الحيوانات المفترسة أو الطيور الجوارح ونحوها. ويحل للمحرم صيد البحر مطلقاً، وذبح المواشي الأهلية والطيور التي لاتطير في الهواء كالدجاج والبط والأوز.ويعد ما صاده المحرم من صيد البر ميتة لايحل أكلها، ويأثم الصائد بذلك، ويلزمه الجزاء.
الإحصار والفوات:
الإحصار: منع المحرم من أداء الركنين (الوقوف بعرفة وطواف الإفاضة) بسبب عدو أو مرض أو ضياع نفقة أو حبس أو كسر أو عرج وغير ذلك مما يمنع المحرم من إتمام ما أحرم به، سواء في الحج أو العمرة.
فمن أحصر تحلل من إحرامه، أي فسخه وخرج منه، ووجب عليه ذبح هدي (شاة) لقوله تعالى: )فَإنْ أُحْصِرْتُم فَمَا اسْتَيْسَر مِنَ الهَدْيَ( (البقرة196). وللمحرم عند المالكية والحنابلة أن يشترط عند إحرامه فيقول: «اللهم محلي حيث حبستني» فلو أحصر بعد هذا الشرط فلا شيء عليه لاهدي ولاقضاء ولاغيره، ولافائدة في هذا الشرط عند الحنفية والشافعية، لهذا لايسقط عنه ذبح الشاة.
والفوات: أن يفوت المحرم بالحج الوقوف بعرفة في الوقت المخصص له، حتى يطلع الفجر. ومن فاته الوقوف بعد أن طاف وسعى تحلل بالحلق أو التقصير، وقضى الحج في العام القادم، ولا دم (ذبح شاة) عليه عند الحنفية، لتحلله بأفعال العمرة، ولزمه الهدي في وقت القضاء عند الجمهور، وسقط عنه بقية المناسك كالنزول بالمزدلفة والرمي والمبيت بمنى.
العمرة
تعريفها شرعاً: قصد الكعبة المشرفة لأداء النسك، وهو الطواف والسعي بين الصفا والمروة. وتنتهي بالحلق أو التقصير، وتبدأ بالإحرام بها. فأعمالها كأعمال الحج ماعدا الوقوف بعرفة والمزدلفة، ورمي الجمرات في منى، ووقتها العام كله. واعتمر النبيr أربع عمرات، ثلاث في ذي القعدة، ولا مانع من تكرار العمرة في السنة مراراً، في رأي الشافعية والحنابلة، لأن عائشة رضي الله عنها اعتمرت في شهر مرتين، بأمر النبيr عمرة مع قرانها، وعمرة بعد حجها، وللحديث المتفق عليه عن أبي هريرة قال: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما». ويكره تكرار العمرة في السنة عند المالكية. لكن إن وقعت في أشهر الحج صار الحاج متمتعاً، فيجب عليه هدي (شاة)، وتكره في أيام العيد.
حكم العمرة شرعاً: العمرة فرض كالحج في رأي الشافعية والحنابلة، لقوله تعالى: )وأتِمُّوا الحج والعمرة لله( (البقرة196). أي ائتوا بهما تامتين، والأمر للوجوب، وهي سنة في مذهبي الحنفية والمالكية، مرة واحدة في العمر، لعدم ذكرها في بيان أركان الإسلام الخمسة.
شروطها: هي شروط الحج المتقدمة من توافر صفة الإسلام، والتكليف (البلوغ والعقل) والاستطاعة، ووجود المحرم أو الزوج للمرأة، وألا تكون معتدة من طلاق أو وفاة.
أركانها: أربعة في مذهب الشافعية وهي الإحرام، والطواف سبعة أشواط، والسعي بين الصفا والمروة، والحلق أو التقصير. وهي ثلاثة عند المالكية ما عدا الأخير، ولها ركن واحد عند الحنفية وهو الطواف.
ميقاتها: ميقات العمرة لأهل مكة: الحل كالتنعيم وفيه مسجد عائشة رضي الله عنها وهو أقرب مناطق الحل إلى مكة، أو الجعرانة، أو الحديبية. وأما أهل الآفاق (ما وراء المواقيت) فميقاتهم ميقات الحج، وهي كما تقدم خمسة: ميقات أهل المدينة: ذو الحليفة، وميقات أهل الشام ومصر والمغرب كله: الجحفة (رابغ) وذات عرق لأهل العراق والمشرق، ويلملم لأهل اليمن وتهامة والهند، وقرن المنازل لأهل نجد والكويت والإمارات والطائف.
وليست مدينة جدة ميقاتاً لأنها داخل الحل، فمن قصد عملاً فيها أو زيارة، أحرم منها سواء نوى الحج أو العمرة.
المراجع
الموسوعة العربية
التصانيف
الأبحاث