كتب: د. علي بن عمر بادحدح
29 نوفمبر, 2010 - 23 ذو الحجة 1431هـ
(لماذا ؟) أكثر أدوات الاستفهام استخداماً ، وأشدها صعوبة ؛ لأنها تبحث عن العلل ، وتفتش عن الأسباب ، فكلما وقعت واقعة أو حلت مصيبة كان السؤال لماذا ؟ ما الأسباب والعلل التي أوصلت إلى تلك الأمور ؟
فعلى مستوى الأمة يتكرر السؤال : لما ذا تتأخر عن غيرها ممن سبقها ؟ لماذا تضعف أمام أراذل الأرض من أعدائها ؟ لماذا تختلف كلمتها وتتضارب مصالحها ؟ لماذا تغيب رؤيتها وتتبدد معالمها ؟ وعلى المستوى الفردي تطفو أسئلة كثيرة : لماذا لم أحقق ما أردته وصبوت إليه ؟ لماذا فشلت ؟
وبين يدي إيضاح الجواب أسوق بعض الحوادث التي دفعتني لإثارة هذا الموضوع :
- اتصلت بي امرأة غير متزوجة في منتصف العقد الثالث من عمرها ، وتعيش بين خمسة أشقاء كلهم مُعرِض عنها ، ومضيق عليها ، وظالم لها ، وقد التمست سبيلاً للزواج فوجدت نوعاً من العضل مباشراً وغير مباشر ، ثم انتهى بها الأمر تحت الحبس إلى أن أصغر إخوانها ـ وهو غير متزوج ـ يراودها عن نفسها ويهددها بالاعتداء عليها . وبعد نصح وتوجيه أحلتها إلى جهة رسمية مختصة.
- امرأة ثانية تبكي ولا تنام ليلها لأنها خُطبت ثم تعقَّدَ الأمر مع أهلها وفي النهاية فُسخ عقدها بعد أن أبرم ، وللأسف لجأت عن جهل إلى دائرة مظلمة من السحر الأسود التي ظلت ترزح من أضراره وشروره نحواً من خمس سنوات وأكثر.
- وأخرى تحدثَتْ مع قريبتها فاتهمتها بأمر وغضبت تلك وحصلت مشكلة توسعت إلى مشكلات وأقاويل هنا وهناك ، وبعد جمع الرجال والحديث إلى النساء مرات وكرات لم يصل الأمر إلى صلح ولا إلى هُدًى وعقل راشد ، بل انتهى إلى المحاكم وأحالت المحكمة الجميع إلى لجان الصلح لأن مثل هذا لا يقتضي أن يكون الناس فيه متخاصمين أمام القضاء .
وإلى لحظتنا هذه ما يزال الأمر يدور يميناً ويساراً.
وعند كل واحد منكم من القصص في دائرته المحيطة به من أقاربه أو معارفه مثل ذلك كثير ، وعندي مثله أكثر.
وإذا نظرتم أو قرأتم وجدتم زيادة في نسب الطلاق ، وفي نسب الجنوح عند الأحداث، وزيادة في الجرائم التي لم نكن نألفها ، وزيادة في التفكك الاجتماعي بين الآباء والأبناء ، والأقارب والجيران !
فلما ذا كل هذا ؟ أين المخرج ؟ ما طريق الخلاص ؟ ما سفينة النجاة ؟
كلنا نقول : المخرج في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - لكننا اليوم لا نريد تلك العمومية ، بل نريد أن ننظر هل نحن موقنون بصدق وإيمان ويقين بما نقوله ؟ هل الواقع في أمورنا التي نعيشها ، وفي حياتنا الذاتية يصدق ذلك ، إنني أوجز طريق الخلاص في نقطتين اثنتين :
- الالتجاء إلى الله والاعتصام به قال تعالى : {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى } [طه/123-124] والمراد بـ (ذكر الله) في الآية كتابُه وما ذكَّرَنا به فيه من الحقائق الإيمانية والأحكام الشرعية ، فالمعرض عن هذا الكتاب يعيش في ضيق وضنك ، قال الطبري في تفسيره : "والضنك من المنازل والأماكن والمعايش: الشديد، يقال: هذا منزل ضنك: إذا كان ضيقا" فليس بالضرورة أن تكون الشدة في القلة بل فيما يكون من هم وغم وعدم شعور بالراحة والطمأنينة ، فمن أراد راحة وطمأنينة وسعادة وسعة في الرزق وبركة في الذرية فطريقه أن يكون مستمسكاً بأمر الله مستقيماً على شرع الله .
- تقوى الله - سبحانه وتعالى - بمعنى مخافته ، وهذا وإن كان داخلاً في المعنى الأول إلا أنه بحاجة للإفراد ، فما وقع في مجتمعاتنا ما وقع من سحر وظلم وخداع وسرقة واعتداء ، إلا يومَ غابت تقوى الله عن القلوب ، وضعفت مخافته في النفوس ، يوم كان الأمر المادي المحسوس أرسخَ وأظهر وأقرب إلى عقولنا وقلوبنا من وعد الله الصادق الجازم بأن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه في ديناه أو في أخراه ، قال تعالى : { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } [الطلاق/2، 3]
إن زوالَ هذه المشكلات ، والشفاء من هذه الأمراض إنما يكون بالاستمساك بمنهج الله وحضور تقواه في قلوبنا ، بل حتى مشكلات الاقتصاد المعقدة علاجها بهذه المسلمات الإيمانية والعالمُ كله شهد اليوم بذلك بعد كارثة الأزمة المالية العالمية !
أسأل الله - سبحانه وتعالى - أن يردنا إلى دنيه رداً جميلاً وأن يجعلنا بكتابه مستمسكين وبهدي نبيه - صلى الله عليه وسلم - معتصمين ولآثار السلف الصالح مقتفين.
المراجع
موسوعة اسلاميات
التصانيف
ثقافات اللغة العربية