المضاربة

 
 
 

تعريف المضاربة

 

المضاربة لغة

: يقال: ضارب له، اتّجر في ماله وهي القراض.
 
والمضاربة Speculation تسمية أهل العراق، مأخوذة من الضرب في الأرض وهو السفر فيها للتجارة، قال الله تعالى: }وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُون َمِن فَضْلِ اللهِ{ (المزمل20). وسمي هذا العقد مضاربة لأنّ العامل (المضارب) يسير في الأرض ويسعى فيها لابتغاء الفضل.
 
ويسميها أهل الحجاز القِراض، وهو مشتق من القرض بمعنى القطع، فكأن صاحب المال اقتطع من ماله قسماً وسلّمه إلى العامل واقتطع له قسماً من الربح.
 

المضاربة اصطلاحاً

 
عرّفها ابن قدامة رحمه الله بقوله: «أن يدفع رجل ماله إلى آخر يتّجر له فيه على أنّ ما حصل من الربح بينهما حسب ما يشترطانه. وقد ثبتت مشروعيتها بالإجماع».
 
المضاربة عند العرب
 
ذكر ابن حزم أنّ المضاربة كانت في الجاهلية، وكانت قريش أهل تجارة لا معاش لهم من غيرها وفيهم الشيخ الكبير الذي لا يطيق السفر والمرأة والصغير؛ فكانوا يعطون المال مضاربة لمن يتّجر به بجزء مسمى من الربح. كما أنّ الرسولr عمل بمال خديجة قبل البعثة مضاربة فأقرّ ما لا يتعارض منها مع أحكام الشريعة، وتوسّع الفقهاء في بيان شروطها وأحكامها.
 

طبيعة الظاهرة

 
يقوم عقد المضاربة على أركان هي: الصيغة والعاقدان والمعقود عليه، وهذا ما يراه جمهور الفقهاء.
 
أما الصيغة فهي الإيجاب والقبول بألفاظ تدل عليها كالمضاربة والمقارضة والمعاملة وما يؤدي معاني هذه الألفاظ، بأن يقول رب المال: خذ هذا المال مضاربة على أنّ ما رزق الله عز وجل منه من ربح فهو بيننا على كذا من نصف أو ربع أو غير ذلك من الأجزاء المعلومة.
 
وأما العاقدان فرب المال والعامل ويسمى العامل (المضارب)، ولا يشترط أن يكون رب المال واحداً ولا العامل كذلك.
 
وأما المعقود عليه فالمال والعمل والربح، ويتم توزيع الربح بينهما حسب الاتفاق بشرط كونه نسبة مئوية، أما الخسارة فيتحمّلها المالك؛ لأنّ الخسارة جزء هالك من المال، ومقابل ذلك فإنّ العامل يخسر قيمة عمله.
 
وعقد المضاربة عقد غير لازم، فلكل من رب المال والعامل فسخ العقد، لكن إن فسخ العقد والمال عروض تجارية فللعامل مباشرة البيع ليصير المال نقوداً.
 
واختلف الفقهاء في جعل المضاربة لمدة محدّدة، فعند المالكية، والشافعية، والحنابلة في رواية: يفسد العقد بتوقيت المضاربة؛ لأنّ ما كان من العقود الجائزة (غير اللازمة) يبطل باشتراط المدة، وعند الحنفية والحنابلة في المعتمد يصح التوقيت؛ لأنّ المضاربة توكيل، والتوكيل يحتمل التخصيص بوقت دون وقت.
 
ويد العامل على المال يد أمانة، فلا يضمن إلا بالتقصير أو التعدي.
 

شروط المضاربة

 
يشترط لصحة المضاربة شروط في العاقدين وفي رأس المال وفي الربح، وسأبحث هذه الشروط بإيجاز.
 
1ـ شروط العاقدين: أهلية التوكيل والوكالة، لأنّ المضارب يتصرف بأمر رب المال، ويمكن أن تكون المضاربة بين المسلم وغيره، بشرط أن تكون المتاجرة فيما أباحته الشريعة الإسلامية.
 
2ـ شروط رأس المال
 
ـ أن يكون رأس المال من النقود الرائجة: وهذا شرط عند جمهور الفقهاء، فلا تصح المضاربة بالعروض (السلع)، وعلّة ذلك أنّ المضاربة بالعروض تؤدي إلى جهالة الربح وقت القسمة؛ لأنّ قيمة العروض تعرف بالظن وتختلف باختلاف المقوّمين، ولأنها معرضة للغلاء والرخص. لكن إذا قال: بع هذه العروض واعمل بثمنها مضاربة، فإذا باعها بالنقود صحت المضاربة عند الجمهور خلافاً للشافعية، وعلة الجواز: أنه لم يضف المضاربة إلى العروض، وإنما إلى ثمنها، فكان أولاً وكيلاً بالبيع ثم شريكاً في المضاربة، وعلة البطلان عند الشافعية أنه قارضه على ما تباع به العروض وهو مجهول.
 
ـ أن يكون رأس المال معلوم المقدار: فإن كان مجهولاً كما لو أعطاه كيساً فيه نقود، وقال: اعمل بها مضاربة، فالعقد فاسد عند جمهور الفقهاء؛ لأنه يؤدي إلى جهالة الربح، وإذا فسد العقد فالربح لرب المال وللعامل أجر المثل.
 
وأما المالكية فمع اشتراطهم العلم برأس المال أجازوا دفع صُرة فيها دراهم مجهولة العدد؛ لأن الشراء الصادر بعدئذٍ لا يكون إلا بشيء معين فيصير معلوماً.
 
ـ أن يكون رأس المال عيناً لا ديناً: أي يشترط لصحة المضاربة أن يكون رأس المال معيناً حاضراً لا ديناً في الذمة، ولا يشترط حضور المال عند العقد بل أن يكون حاضراً عند التصرف.
 
ـ أن يكون رأس المال مسلَّماً إلى العامل: ليتمكن من التصرف به، فإن شرط رب المال أن يعمل هو أيضاً، أو شرط العامل ذلك فسد العقد عند جمهور الفقهاء؛ لأنّ هذا الشرط يخالف مقتضى العقد، إذ يستلزم بقاء يد المالك على المال. وذهب الحنابلة إلى صحة العقد، لأنّ غير صاحب المال يمكنه أن يعمل مع المضارب فيستحق شيئاً من الربح فصاحب المال من باب أولى.
 
3ـ  شروط الربح
 
ـ أن يكون الربح معلوم المقدار: يشترط لصحة المضاربة العلم بحصة العامل من الربح، فإن كانت حصته مجهولة، كما لو قال رب المال: اعمل وسأعطيك ربحاً، ولم يعين نسبة معينة فسد العقد.
 
ـ أن يكون الربح جزءاً مشاعاً: كالنصف أو الثلث أو الربع، فإن كان مقدّراً بعدد، كما لو شُرط لأحدهما عشرة آلاف ليرة سورية، أو الربع ومبلغ محدد فسد العقد. وسبب الفساد أنّ المضاربة شركة في الربح ولا يختص به أحدهما دون الآخر، فإذا شرط فيها عدد مقدر جاز ألا يربح المضارب إلا القدر المذكور، فيكون لأحدهما دون الآخر وهذا يخالف مقتضى عقد المضاربة. وبناء على ذلك: فإن ما تدفعه المصارف من فوائد على الودائع لا يمكن عده ربحاً في المضاربة بحال؛ لأنّ المضاربة تقتضي الاشتراك في الربح دون تحديد نسبة مقطوعة كسبعة في المئة مثلاً على أساس رأس المال، إذ يمكن حساب ما سيأخذه من فوائد ابتداء، بخلاف جعل ما يأخذه رب المال أو العامل نسبة مئوية من الربح الحاصل، فإن حصل الربح كان لهما حسب الاتفاق، وإلا فلا يأخذ العامل شيئاً.
 
ـ أن يكون الربح بينهما: يقتضي عقد المضاربة أن يشترك الطرفان في الربح، فلو شرط في المضاربة كون الربح كله لرب المال أو للعامل فسد العقد عند الشافعية في المعتمد والحنابلة. وذهب الحنفية والمالكية إلى صحة العقد وعده إبضاعاً إذا جعل الربح كله للمالك، وقرضاً إذا جعل الربح كله للعامل. والإبضاع: بعث المال مع من يتّجربه تبرعاً، والربح كله لرب المال.
 

موضوع المضاربة

 
الأموال النقدية، الأوراق المالية، الأموال الحقيقية.
 
الأصل أن تكون المضاربة بالنقود، وهي الوسيلة التي من خلالها يمكن لصاحب النقود تنمية ماله، لأنّ المبدأ في الشريعة (أنّ الدراهم والدنانير لا تنمى إلا بالتقليب والتجارة). وهي وسيط التداول وأداة تحريك عجلة الاقتصاد. وقد مرّ في شروط صحة المضاربة اشتراط كون رأس المال من النقود، ولا يصح كون رأس المال من السلع على اختلاف أنواعها عند جمهور الفقهاء؛ لأنّ هذا يؤدي إلى جهالة الربح وقت القسمة، حيث يخرج رأس المال أولاً ثم يتقاسم الشريكان الأرباح حسب الاتفاق، والسلع معرضة للغلاء والرخص حسب قانون العرض والطلب، وتختلف باختلاف المقووميِّن، وهذا يؤدي إلى جهالة، والجهالة تؤدي إلى النزاع فيفسد العقد. ثم إنه جدّت معاملات في العصر الحاضر فظهرت الأوراق المالية، وهي الصكوك التي تصدرها الشركات أو الدول من أسهم وسندات قابلة للتداول في سوق الأوراق المالية. وأنشئت شركات المساهمة، وكان لها دور كبير في تطوير الاقتصاد عن طريق تجميع رؤوس الأموال الضخمة والقيام بمشروعات إنتاجية كبيرة. ويمكن تكييف التعامل بالأسهم على أنه مضاربة، حيث يعد السهم حصة في الشركة وهو خاضع للربح والخسارة، لكن يشترط لصحة العقد أن تكون الأسهم صادرة من شركات ذات أغراض مشروعة، وألا يترتب على التعامل بها أي محظور شرعي كالربا والغرر وأكل المال بالباطل.
 
أما السندات: فمحرمة؛ لأنها قروض طويلة الأجل تتعهد الشركة المقترضة أن تسدد قيمتها في تاريخ محدد مع فائدة ثابتة، فلا تكون موضوع المضاربة، لكن العلماء في هذا العصر أوجدوا البديل عنها وهو سندات المقارضة. وسندات المقارضة أداة استثمارية تقوم على تجزئة رأس مال المضاربة بإصدار صكوك ملكية برأسمال المضاربة على أساس وحدات متساوية القيمة ومسجلة بأسماء أصحابها باعتبارهم يملكون حصصاً شائعة في رأس مال المضاربة. وهي قابلة للتداول في سوق الأوراق المالية. وقد أصدرت وزارة الأوقاف الأردنية قانون سندات المقارضة سنة 1981 مستمداً من الشريعة الإسلامية[ر].
 

المضاربون

 
المضارب: هو العامل الذي يتولى تنمية المال واستثماره، وقد يكون المضارب واحداً أو أكثر من واحد، بأن يدفع رب المال ماله لاثنين فأكثر ليعملا في تنميته.
 
وقد يضارب المضارب، فيدفع المال لعامل آخر يعمل به ويتفقان على توزيع الأرباح بنسبة معلومة، ويكون ذلك عندما يتفق رب المال مع العامل على ذلك أو عندما يفوضه. وهو ما تقوم به المصارف الإسلامية حيث تستقبل الودائع بصفة مضارب، ثم تقوم بتمويل التجار والصناع.
 

تأثير المضاربة في التوازن الاقتصادي

 
يعدّ التمويل على أساس المضاربة من أهم البدائل الشرعية للربا، فهو يقوم على أساس العدالة، فالغنم بالغرم، ولابدّ فيها من تحمّل المخاطرة (الغرم) واقتسام الأرباح (الغنم)، وفي ذلك تحقيق للتوازن الاقتصادي القائم على العدل لا على استغلال جهد الآخرين.
 
ويحقق عقد المضاربة بصفة عامة المزاوجة بين عنصري النشاط الاستثماري العمل ورأس المال ومشاركتهما في الإنتاج من دون تسلّط أحدهما على الآخر، في حين يقوم التعامل الربوي على التقاء رأس المال برأس المال، فلا يجد أصحاب العمل الذين لا يملكون رأس المال فرصاً للكسب سوى العمل المأجور.
 

المضاربة والتنمية الاقتصادية

 
تحرص الشريعة الإسلامية على تنمية المال وتفعيل دوره في الأنشطة الاقتصادية النافعة، وتمنع كنز المال وحجبه عن التداول. وبما أنّ الشريعة تحرم المتاجرة بالنقود عن طريق الربا؛ لما له من مفاسد اقتصادية واجتماعية وسياسية فإنها تفتح آفاقاً كثيرة لتنمية المال منها المضاربة.
 
والمبدأ في المضاربة أنّ من يملك النقود قد لا يحسن التجارة أو لا يملك الوقت لإدارتها، ومن يحسن التجارة قد لا يملك رأس المال فاحتاج الطرفان إليها فشرعت لدفع الحاجتين.
 
والمضاربة اتفاق استثماري بين أرباب الأموال والعمال تتميز بفعالية وملاءمة للظروف الاقتصادية، فهي تكفل جمع المدخرات واستثمارها لتمويل التنمية، وتحقق بذلك قوة دفع ذاتية مستمرة ومتزايدة للنظام الاقتصادي الإسلامي، وتؤدي إلى المساهمة في تحقيق وظيفة الإنسان في الأرض وهي الخلافة لعمارة الكون وتنمية طيباته.
 
وقد نجح المتخصصون في الاقتصاد الإسلامي في تفعيل دور المضاربة ونقلها من كونها وسيلة يباشرها الأفراد إلى أداة تقوم بها المصارف الإسلامية في تجميع المدخرات وتوجيهها نحو الاستثمار لتحقيق التنمية.
 
أحمد حسن
 

المراجع

الموسوعة العربية

التصانيف

الأبحاث