تطورت تطبيقات الوسائط المتعددة على الشبكات، وشاع استخدامها بفضل تقدم تقانات الاتصال وتصنيع الحواسيب وزيادة أداء الدارات الإلكترونية المكوِّنة لمحطات العمل والحواسيب الشخصية، وانخفاض كلفة الاتصال العريض الحزمة، ونقصان تلبث المعطيات latency عبر الشبكة. وسمح ظهور البنية التحتية المناسبة والتقارب بين الخدمات المتنوعة ـ مثل التلفاز والسينما والهواتف ـ بإنشاء مخدِّمات خاصة للتطبيقات المتعددة الوسائط، تسمى المخدِّمات الفيديوية video servers. وقد ازدادت الحاجة إلى تلك المخدِّمات مع انتشار شبكة الإنترنت، وتوفر المحتوى الفيديوي الغزير، وتطور تقنيات نقل الصور، وتعريف بروتوكولات شبكية تلائم النقل الفيديوي في الزمن الحقيقي.
والمخدِّم الفيديوي هو حاسوب يخصص لتقديم الدفق الفيديوي video stream آلياً أو عند الطلب، على نحو موصول إلى الخط online. ويُقصد بالدفق الفيديوي وصلة وحيدة الاتجاه، تُنقل فيها المعلومات عبر شبكة المعطيات. ويسمح المخدِّم الفيديوي أحياناً بتحويل الصور التمثيلية إلى صور رقمية، فتتحول الكاميرات التمثيلية بفضله إلى كاميرات شبكية. ويحوي المخدِّم الفيديوي نظام تخزين للمعلومات المرئية والسمعية بالاعتماد على وسائط تمثيلية أو رقمية.
يُستخدم المخدِّم الفيديوي في تطبيقات عدة، مثل توفير خدمة الفيديو عند الطلب video-on-demand أو البث الفيديوي الحي أو المبرمج، ومراقبة المنشآت، وفي التعلم من بعد. ويسمح بالنفاذ الموزَّع إلى الصور عبر الشبكة، ويقدم إمكانات بحث سريع عن الصور المخزَّنة.
ينبغي أن يتوافر للمخدِّم الفيديوي عموماً الإمكانات الآتية:
ـ سعة تخزين ضخمة.
ـ شبكة اتصالات ذات عرض حزمة bandwidth واسع.
ـ إمكانية العمل في الزمن الحقيقي لضمان جودة الخدمة QoS وتسليم المعطيات من دون تأخير.
ـ إمكانية جدولة الموارد ديناميكياً في أثناء العمل بسبب تغير المتطلبات تغيراً كبيراً في أثناء عرض المقاطع الفيديوية.
بنيان المخدِّم الفيديوي
لتحقيق الإمكانات المذكورة آنفاً، يمكن اعتماد أحد البنيانين الآتيين:
ـ مخدِّم وحيد العقدة: يتألف من وحدة لتحويل الإشارة التمثيلية إلى معطيات رقمية، ومن وحدة معالجة وضغط للمعلومات، ومن وحدة إرسال عبر الشبكة. وقد يتضمن المخدِّم أيضاً مداخل ومخارج إنذار، ومداخل خاصة للتشكيل والتحكم في الكاميرات.
ـ مخدِّم متعدد العقد: وقد يُبنى كنظام ذي ذاكرة مشتركة shared memory أو نظام عنقودي clustered system ذي ذاكرة موزَّعة distributed memory. ففي الحالة الأولى، يحوي المخدِّم عقداً حسابية وأخرى للتخزين، وهي موصولة كلها إلى ذاكرة مشتركة. تتخاطب العقد فيما بينها بوساطة هذه الذاكرة، في حين تتألف النظم العنقودية ذات الذاكرة الموزَّعة من مجموعة من المخدِّمات الكاملة المتصلة عبر شبكة عالية السرعة. ويُميّز في تلك النظم مخدّمان أساسيان: مخدِّم نفاذ ومخدِّم تخزين. وقد يعمل المخدِّم الفيديوي المتعدد العقد في أحد نمطين: نمط الوكيل proxy أو نمط النفاذ المباشر direct access. ففي نمط الوكيل، يُقسم دفق الزبون إلى عدة دفقات فرعية، ويضطلع الوكيل بمهمة جمعها ومزامنتها، ولا يُسمح للزبون بالنفاذ إلى عقد التخزين مباشرة. وقد يكون الوكيل مستقلاً أوقد يُجمع مع مخدِّم النفاذ والتخزين على حاسوب واحد. أما في نمط النفاذ المباشر، يُتاح للزبون فرصة النفاذ مباشرة إلى مخدِّم التخزين. وهو يتميز من النمط السابق بتقليص حركة المعطيات الواجب نقلها بين المخدِّمات العقدية قبل تسليمها إلى الزبون.
برمجيات المخدِّم الفيديوي
يتطلب تنجيز المخدِّم الفيديوي نوعين من البرمجيات: معايير ضغط الصور والبروتوكولات الشبكية.
ـ معايير الضغط: يُقسم الدفق الفيديوي إلى رزم packets تُنقل عبر الشبكة، وقد تمثل الرزم معطيات الإشارة الفيديوية الأساسية (أي الأطر frames) أو المعطيات الناتجة من عملية الضغط ذات الحجم الأصغر. ولا يتسامح الدفق الفيديوي المضغوط مع أخطاء النقل أو فقدان الرزم. لقد طوَّرت منظمة المعايير الدولية ISO عدة معايير لضغط الصور المتحركة وهي: المعيار MPEG1 والمعيار MPEG2 والمعيار MPEG4. ويتميز المعيار الأخير بترميز الأغراض الفيديوية والسمعية اعتماداً على محتواها. وهو يتألف من 3 طبقات: طبقة الضغط وطبقة التزامن وطبقة التسليم، لضمان النفاذ الشفاف إلى المحتوى بصرف النظر عن تقانة التسليم المعتمدة. يمكن توظيف هذا المعيار في بيئات العمل المعرَّضة للأخطاء، مثل الشبكات اللاسلكية والإنترنت.
ـ البروتوكولات الشبكية: وهي تُصنَّف في 4 فئات:
· بروتوكولات البنية التحتية: وهي تعتمد على البروتوكول IP الذي تُبنى عليه البروتوكولات الأعلى مثل TCP وUDP. ويُعدّ البروتوكولUDP مناسباً لنقل المعطيات في الزمن الحقيقي نظراً لتعقيد الإطار TCP.
· بروتوكولات النقل: يُستخدم البروتوكول RTP لنقل المعطيات في الزمن الحقيقي. وهو يعمل فوق المكدس UDP/IP. وللتحكم في المعلومات يُعتمد البروتوكول RTCP الذي يفيد في نقل معلومات التحكم المتعلقة بالمعطيات المنقولة بوساطة البروتوكول RTP.
· بروتوكولات التشوير signalling: وتفيد في الإعلان عن جلسة متعددة الوسائط، وفي إعلام المشاركين بضرورة الانضمام إليها. يُستخدم لهذا الغرض عادة البروتوكول HTTP أو H225.
· بروتوكولات الجلسة session: يعرِّف البروتوكول RTSP الرسائل والإجراءات اللازمة للتحكم في تسليم المعطيات المتعددة الوسائط خلال الجلسة، وهو يعمل فوق مكدس البروتوكولTCP أو UDP.
إذا كان المخدِّم الفيديوي متصلاً بشبكة بث تلفزيونية يمكن اعتماد أحد بروتوكولات البث الآتية:
ـ البث الهرمي pyramidal: الذي يتطلب تخزين 60% من الفيديو المطلوب بثه لدى الزبون لضمان استمرار العرض.
ـ البث الديناميكي: ويعتمد على البروتوكول FB الذي يُحصص وفقه لكل دفق فيديوي عدد من الأقنية المتماثلة في عرض حزمتها، بحيث تعيد كل قناة بث المقاطع المحصَّصة لها لضمان عدم الانقطاع. أما البروتوكول FDBP فيجعل لكل مستخدم تأخيراً ثابتاً قبل بداية بث الفيديو المطلوب، وهو يسمح بحزم عدد أكبر من المقاطع في كل قناة. وقد يُستخدم أيضاً البروتوكول UD الذي لا تُرسل فيه المقاطع إلا عند الطلب، وهو يقلص بذلك عرض الحزمة اللازم إذا كان عدد الطلبات محدوداً.
تحديات الأداء
يتطلب تصميم مخدِّم فيديوي عالي الأداء مواجهة التحديات الآتية:
ـ توفير سعة تخزين مناسبة للوثائق المتعددة الوسائط وإدارتها.
ـ استحضار المعطيات المطلوبة بسرعة تخفي زمن نشدان seek time الأقراص وتأرجح عرض الحزمة jitter. ويُستخدم لذلك عادة مبدأ الصوان المزدوج double buffering.
ـ موازنة الأحمال بين أقراص التخزين المختلفة، بتقسيم المعطيات إلى شرائح stripping وتخزين كل منها على قرص. ويمكن أيضاً استخدام مبدأ التحصيص الكتلي لتحقيق هذه الموازنة.
ـ جدولة موارد النظام للتخفيف من تأرجح عرض الحزمة. ويُستخدم لذلك التنفيذ الدُفعي batch، أو التنفيذ الجسري bridging، أو تخبئة المجالات interval caching.
ـ ضمان جودة خدمة مناسبة QoS لدى الزبون. ويُستخدم لتحقيقها خوارزميات التحكم في القبول.
ـ التخفيف من أثر التلبث، وضمان نقل كل المعطيات نقلاً متماثل الزمن isochronous. وتفيد هنا البروتوكولات الشبكية لتحقيق هذا النمط من النقل.
ـ ضمان الأمن والخصوصية، وهي من مهمة البروتوكولات الشبكية المستخدمة.
ـ بناء تطبيقات متعددة الوسائط ذات محتوى مناسب للبحث والاستحضار بهدف الحد من التأخير في التسليم.
أمثلة عن بعض المخدِّمات الفيديوية المعاصرة
طُوِّر العديد من نظم المخدِّمات الفيديوية التي تختلف من حيث البنيان والبرمجيات والأداء. فالمخدِّم الفيديوي إلفيرا Elvira هو نظام متعدد العقد، يعمل في نمط الوكيل، ويضم مجموعة من محطات العمل ذات نظام التشغيل UNIX الموصولة عبر المبدِّل switch. وتشارك جميع المحطات في تحقيق طلب الزبون بفضل الإجراءات الفيديوية الموزَّعة عليها. يسمح الإجراء المكامِل المتوفر على تلك المحطات بمكاملة الدفقات في دفق واحد (الشكل 2).
أما المخدِّم كاليوب Calliope فهو مخدِّم متعدد العقد يعمل وفق نمط النفاذ المباشر. ويضم مجموعة من المخدِّمات المتناطرة التي تخدم الزبائن على التوازي. وعند استقبال طلب زبون ما يقوم مخدِّم النفاذ (أي المنسق) بالبحث عن وحدة تخزين ذات موارد كافية لتحقيقه. وتقوم تلك الوصلة بإعادة الدفق إلى الزبون مباشرة.
أما في حالة المخدِّم وانلان WANLAN فيُقسم الدفق الفيديوي إلى عدة مقاطع ويُوزَّع على عقد التخزين. وعند العرض يجبر المخدِّمُ الدفقَ على الانتقال من عقدة إلى أخرى حسب ترتيب العرض. ويعتمد هذا المخدِّم البروتوكول RTP لنقل الدفق الفيديوي. ويُعدُّ المخدِّم الفيديوي يما2 Yima 2 مثالاً آخر على بنية النفاذ المباشر، فهو يحوي عدة وصلات بين المخدِّم والزبون. وهو نظام يتوافق مع معايير الضغط MPEG4، ويستخدم البروتوكول RTP/RTSP، ويضم مخدِّم التخزين عدداً من الأقراص التي تتصل بعدة حواسيب لضمان عرض الحزمة المناسب. وهو نظام قابل للتصعد scalable للتلاؤم مع الأداء المطلوب.
طوّرت الشركة سيسكو Cisco برمجيات تسمى IP/TV لتحقيق المخدِّم الفيديوي الموزَّع. وتعتمد على مبدأ تخزين المحتوى المتكرر الطلب لدى مخدِّم مجموعات العمل المحلي، والذي يتسم بطاقة تخزين صغيرة. ويسمح ذلك بتخفيف العبء عن الشبكة وبتوفير نقاط نفاذ متعددة. وتحوي هذه البرمجيات أيضاً وحدة خاصة لإدارة المحتوى، وتسمح بتحقيق البث الفيديوي الحي أو المبرمج أو الفيديو عند الطلب، وتوفر أيضاً هذه البرمجيات إمكانات التعمية وإجراءات الأمان اللازمة. وهي تعتمد على البروتوكولات RTP RTSP, RTCP,، وبإمكانها التعامل مع المعطيات المضغوطة وفق أي معيار.
محمّد نوّار العوّا
المراجع
الموسوعة العربية
التصانيف
الأبحاث