التناص inter-textualité مصطلح نقدي، عُرف بداية في اللغة الفرنسية في الستينات، على يد الناقدة الفرنسية ـ البلغارية الأصل ـ جوليا كريستيفا J.Kristeva (1941). ويدل المصطلح على ظاهرة تفاعل النصوص فيما بينها، وتأثير هذا التفاعل في إنتاج الدلالة التي يحملها النص الذي يحتوي عملية التفاعل هذه.
عرف النقد المعاصر مصطلح «التناص»، ولكن التناص في ذاته قديم قدم الكتابة، وقد اختلط لدى بعض النقاد المعاصرين بمفهومات أخرى مثل: الاقتباس، التضمين، السرقات. إلا أن هذه المفهومات بعيدة في جوهرها عن التناص الذي يقصد به أن الكتّاب حين ينشئون نصوصهم ينطلقون من النصوص التي سبق لهم أن تمثلوها التي تتجاور وتتفاعل فيما بينها، وقد ينفي بعض منها الآخر في نصوصهم الجديدة. وهذا ينفي فكرة النص المستقل المكتفي بذاته.
إن النصوص لا تتفاعل بوصفها مجرد نصوص، إنما بوصفها ممارسات دلالية متماسكة، بوصفها أنظمة علامات متماسكة، لكل منها دلالته الخاصة به، وهذه الأنظمة إذ تلتقي في النص الجديد، تسهم متضافرة في خلق نظام ترميزي code جديد، يحمل على عاتقه عبء إنتاج المعنى أو الدلالة في هذا النص. وللتناص درجات، هي:
1 ـ التطابق: إن المطابقة في اللغة تعني الموافقة والمساواة، والتطابق هو الاتفاق، واصطلاحياً يعني التطابق تساوي نصوصٍ ما في الخصائص البنيوية، وفي النتائج الوظيفية. ومثال ذلك التقارب الذي يصل إلى حد التطابق بين مسرحية «القصة المزدوجة للدكتور بالمي» من تأليف الكاتب الإسباني أنطونيو بويرو باييخو (1916-) ومسرحية «الاغتصاب» للكاتب السوري سعد الله ونوس[ر] (1939-1996).
2 ـ التفاعل: إن أي نص هو نتيجة لتفاعله مع نصوص أخرى مختلفة عنه تُكيّف بحسب النص المنقولة إليه مع مراعاة أهداف الكاتب ومقاصده. فقد يكون النص مقتبساً إلا أن غاية الكاتب تجعله يصيغ من تلك النصوص جميعها نصاً واحداً له دلالاته ورسائله الخاصة به. ومثال ذلك التفاعل بين مسرحية «الحياة حلم» للكاتب الإسباني كالديرون دي لاباركا[ر] وحكاية «النائم واليقظان» في «ألف ليلة وليلة»، وكذلك ملحمة الكاتب الإنكليزي تشوسر[ر] «مجلس الطيور» (1382) وتأثرها بملحمة «منطق الطير» للكاتب الصوفي الفارسي فريد الدين العطار[ر] (1140-1230) الذي تأثر أيضاً بكتاب «رسالة الطير» للكاتب العربي أبي حامد الغزالي[ر] (1058-1111).
3 ـ التداخل: إذا لم يحقق التداخل والمداخلة الامتزاج أو التفاعل، فإنهما يبقيان دخيلين على النص الأصلي، وإن كانا شبيهين به، مما يخلق صلات محدودة فيما بينها. وهناك الكثير من نصوص الثقافة العربية القديمة، وكذلك بعض النصوص المعاصرة التي فهمت التناص فهماً خاصاً، ضمن ما عُرف بـ «التداخل».
4 ـ التحاذي أو المجاورة: إذا لم توجد صلات وعلائق بين النصوص، فإن وجود بعضها إلى جانب بعض يصير مجرد مجاورة وموازاة في فضاء، مع محافظة كل نص على هويته وبنيته ووظيفته.
5 ـ التقاصي أو التباعد: ويقوم على التقابلات بين نصوص مختلفة بعضها عن بعض ولا تنتمي إلى النوع نفسه. ومع أن النقد لم يبت الموضوع فإنه يورد نص أبي العلاء المعري[ر] «رسالة الغفران» ونص دانتي[ر] «الكوميديا الإلهية» مثالاً على التقاصي والتفاعل المحتمل في الوقت نفسه.
المراجع
الموسوعة العربية
التصانيف
الأبحاث