الرضاع
معناه لغة واصطلاحاً
الرَّضاع والرَّضاعة بالفتح والكسر، مصدر رَضَع الولد أمه رَضْعاً ورَضَعاً إذا امتص ثديها، فهو راضع والجمع رُضَّع، ومن ألقمت ثديها للصغير فهي مرضع ومرضعة، وهو رضيع. وفي الاصطلاح: اسم لوصول لبن الأنثى، أو ما خرج من لبنها في جوف طفل.
وهو حق واجب للصغير على والديه ومن كـان في ولايته، وأحق النساء به الأم، لا ينازعها في ذلك غيرها، إن أبدت رغبتها واستعدادها له، لقوله تعالـى: )والوالداتُ يُرضِعْنَ أولادَهٌنَّ حَولَين كَامِلين( (البقرة 233)، ولقوله تعالى: )لا تُضَارَّ والدةٌ بِوَلَدِها( (الطلاق 6)، ويتعين عليها الإرضاع إن لم يقبل الصغير غير ثديها.
ما يثبت بالرضاع من أحكام
المرضعة إما أن تكون أمّاً للرضيع أو أجنبية عنه وهي الظئر، أما الأم فإن ولدها يأخذ حقوق النسب، ويتمتع بكل أحكامه ولا يتوقف ذلك على إرضاعها له، لأن سبب هذه الأحكام الحمل المشروع والولادة. وأما الظئر المرضع فإن رضيعها لا يتمتع إلا ببعض هذه الأحكام، ومن ذلك حرمة النكاح وما يلحقها.
فقد أجمع الفقهاء على أن الرضاع تثبت به حرمة النكاح، كما تثبت بالنسب والمصاهرة، لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الجماعة إلا الترمذي: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النَّسب) ولهذا قرروا:
أولاً: يحرم النكاح بسبب الرضاع في الحالات الآتية:
1- تحرم على الرضيع مرضعته وأمهاتها مهما علون، لأنهن في حكم أمه وجداته، وتحرم عليه بنات المرضعة مهما نزلت لأنهن في حكم أخواته، ولقوله تعالى: )وأُمهاتُكم الَّلاتي أَرْضعنَكم وَأخَواتُكم مِنَ الرَّضَاعة( بعد قوله: )حُرِّمَت عَلَيْكم أُمهَاتُكم( (النساء 23).
2- تحرم على الزوج من أرضعتها زوجته وبناتها مهما نزلن، لأنهن في حكم بناته وحفيداته، ولأنه لما حرمت الأخت من الرضاع، فحرمة البنت من الرضاع أولى.
3- تحرم على الرضيع أخوات أبيه من الرضاع، لأنهن في حكم عماته.
4- تحرم عليه أخوات أمه من الرضاع، لأنهن في حكم خالاته.
5- كما يحرم على المرضعة من رضع منها، لأنه في حكم ولدها، يحرم عليها أبناؤه، وأبناء أبنائه مهما نزلوا، لأنهم في حكم أحفادها، لكنه لا يحرم عليها أصوله - آباؤه وأجداده - ولا حواشيه، كإخوته وأعمامه، فيجوز لأبي الرضيع أو جده، وأخيه أو عمه أو خاله الزواج بمرضعته أو ببناتها، لأن الرضاعة لا تنشر الحرمة إلى أصول الرضيع ولا إلى حواشيه.
6- ولما كان لبن المرضعة إنما ينسب لزوجها الذي هي في عصمته عند جماهير العلماء، يحرم على الزوج صاحب اللبن كل من أرضعتها زوجته، لأنهن في حكم بناته، كما يحرمن على كل أولاده، سواء من المرضعة أو من غيرها، لأنهن في حكم إخوتهن الأشقاء أو لأب، ويحرمن على أبناء بناته، لأنهن في حكم أبناء إخوتهن، ولا حرمة بين صاحب اللبن وأمهات الرضيع، وأخواته من النسب لما تقدم من عدم انتشار الحرمة إلى أصول الرضيع وحواشيه.
7- تحرم البنت الرضيعة على آباء زوج المرضعة، لأنهم أجدادها من قبل الأب من الرضاعة، وتحرم على إخوته، لأنهم أعمامها من الرضاعة.
ومما يـستدل به لنـشر الحرمة من الزوج صاحب اللبن، ما روته الـسيدة عائـشة رضي الله عنها قالت: إن أفلح أخا أبي القعـس استأذن عليَّ بعد أن نزل الحجاب، فقلت: والله لا آذن حتى استأذن رسـول الله r، فإن أخا أبي القعيس ليس هو الذي أرضعني، ولكن أرضعتني امرأة أبي القعيس، فدخل عليَّ رسول r فقلت: يا رسول الله إن الرجل ليس هو الذي أرضعني ولكن أرضعتني امرأته، فقال: ائذني له، فإنه عمك تربت يمينك (متفق عليه).
8- ولما كانت أبوة صاحب اللبن تثبت للرضيع عند جمهور الفقهاء، ولا ينقطع ولو بعد الطلاق أو الموت، فإن المطلقة أو المتوفى عنها زوجها لو أرضعت طفلاً قبل أن تتزوج بغير زوجها الأول صاحب اللبن صار الرضيع ابناً للمطلق أو الميت من الرضاع، أما لو تزوجت بعد العدة رجلاً آخر، وولدت منه، فقد انقطعت صلة اللبن بالأول وصار للثاني.
9- ويحرم بالرضاع ما يحرم بالمصاهرة بمجرد العقد ولو قبل الدخول في الحالات الآتية:
أ - الزوج يحرم على أم الزوجة وجداتها من الرضاع مهما علون.
ب - الرجل يحرم على زوجة الأب والجد من الرضاع مهما علا.
ج - الأب يحرم على زوجة الابن وابن الابن وابن البنت من الرضاع مهما نزلوا.
10 - ولا يحرم على الزوج بنت الزوجة من الرضاع وبنات أولادها مهما نزلن إلا بعد دخوله بالأم.
11- ويحرم الجمع بين امرأة وأختها أو عمتها أو خالتها من الرضاع.
ثانياً: يترتب على تحريم النكاح في كل الحالات المتقدمة، بعض أحكام المحارم من جواز النظر إلى المذكورات والخلوة بهن، وعدم نقض الطهارة بالمس عند من يقول بذلك. أما سائر أحكام النسب الأخرى فلا تثبت بالرضاع، فلا يلحق الرضيع بنسب زوج المرضعة صاحب اللبن، ولا تجب عليه نفقة الرضيع، ولا تجب نفقة المرضعة على الرضيع، ولا يستحق أحدهما الميراث من الآخر، ولا تثبت بالرضاع الولاية لا على المال ولا على النفس، ولا عدم القطع في السرقة، وعدم الحبس لدين الولد.
وقد نص قانون الأحوال الشخصية السوري في الفقرة الأولى من المادة (35) على أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب إلا ما قرر الحنفية استثناءه، مثل أم أخيه رضاعاً، وأخت ابنه رضاعاً وجدة ابنه رضاعاً فيجوز للرجل الزواج منهن، وكذا المسائل التي تلازمها كزواج المرضعة من أخي ابنها رضاعاً، وزواج الرجل بأخت ابنه رضاعاً.
القدر المحرم من الرضاع
يثبت حكم الرضاع بمجرد وصول اللبن إلى جوف الطفل، سواء أكان ذلك بمص الثدي أو الإيجار من الحلق أو الإسعاط من الأنف، واختلفوا في مقدار الرضاع الذي يثبت به التحريم:
ذهب الحنفية والمالكية وأحمد في رواية إلى أن قليل الرضاع وكثيره سواء في ثبوت التحريم، وهو مذهب جمهور السلف والخلف، واحتجوا بجملة من الأدلة أبرزها قول الله تبارك وتعالى: )وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم( علق التحريم على مطلق الرضاع من غير تحديد بقدر معين، فبأي قدر وجد تحقق الحكم.
وقال الشافعي رحمه الله: لا يثبت التحريم بأقل من خمس رضعات متفرقات، وهو ظاهر الرواية عن أحمد، وحجتهم ما رواه مسلم وأبو داود والنسائي عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن».
ومعناه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وبعض الناس لم يبلغهم نسخ تلاوته، فلما بلغهم أجمعوا على النسخ، فكان مما نسخت تلاوته وبقي حكمه.
وبقول الشافعية أخذ قانون الأحوال الشخصية السوري، فاشترط في الفقرة الثانية من المادة (35) في الرضاع المحرم أن يبلغ خمس رضَعَات متفرقات، يكتفي الرضيع في كل منها قل مقدارها أو كثر.
رضاع الكبير لا يحرم
اتفق جمهور الفقهاء من الصحابة والتابعين وغيرهم على أن رضاع الكبير لا يحرم شيئاً، فلا بد أن يكون الرضاع في الصغر في الحولين، أو فيما قرب منهما، خلافاً لعائشة رضي الله عنها ومن تبعها، وحجة الجمهور جملة من الأخبار والآثار: منها حديث «لا رضاع إلا ما أنبت اللحم وأنشز العظم» أخرجه أبو داود والبيهقي. وقال عبد الله بن مسعود: «لا رضاع إلا ما كان في حولين»، فقال أبو موسى: «لا تسألوني عن شيء ما دام هذا الجد بين أظهركم».
وبقول الجمهور أخذ قانون الأحوال الشخصية السوري، فاشترط في الرضاع المحرم أن يكون في العامين الأولين: الفقرة (2) المادة (35).
كيف يثبت الرضاع؟
ويثبت الرضاع بالإقرار أو بالبينة، فإذا قال الزوج زوجتي أختي أو ابنتي من الرضاع انفسخ عقده عليها، وكذا إذا أقرا معاً بوجوده، كما ينفسخ العقد إذا ثبت بالبينة أنهما رضيعان، ويثبت عند الجمهور بشهادة النساء منفردات.
أخذ الأجرة على الرضاع والتكرمة
مع كون الرضاع حقاً للصغير، أو متعيناً على المرضعة في بعض الأحوال، فإن من حق المرضعة أن تأخذ عليه أجراً إن أبت بذله بالمجان حتى ولو كانت أماً، والأب هو المكلف به كسائر أبواب النفقة الواجبة للصغير.
محمد هشام برهاني
المراجع
الموسوعة العربية
التصانيف
الأبحاث