نحت الإنسان منذ أزمان مغرقة القدم، فالنحت فن عريق، ووسيط حقيقي ربط بين الحضارات عبر التاريخ، ووسيلة للتفاهم لما يحتويه من مفردات ودلالات إنسانية، وعامل للهيمنة على الوسط المحيط والانسجام معه.
 
ثمة آراء تعطي الأولوية في تقويم العمل النحتي وتمثله اعتماداً على الخامات والتقانات المستخدمة في تنفيذه، وثمة آراء أخرى لا تعير اهتمامها للمواد المستخدمة وتقاناتها، بل تعتمد على الشكل الفني في إقرار نجاح العمل الفني أو فشله.
 
من خلال ما تقدم، يمكن الإقرار بأن الهدف ليس في استخدام خامات وتقانات مختلفة فحسب، وإنما في البحث عن القضايا الأساسية والسامية التي تنشد التعبير عن طبيعة الموضوع، فلكل مادة مواصفاتها وإمكاناتها وخصوصيتها في التعبير.
 
تقسم المواد التي ينفذ بوساطتها العمل النحتي حسب طبيعتها قسمين:
 
ـ الخامات الوسيطة كالطين والصلصال والجبس والعجائن المصنعة كيميائياً مثل الشمع وغيره.
 
ـ الخامات القاسية والمقاومة لعوائد الزمن وتقلباته، وهي الأساس في حضور العمل الفني عبر التاريخ كالحجر والرخام الطبيعيين، والحجر الصناعي والبرونز والمعادن المصهورة والمجمعة والخشب والخزف والسيراميك واللدائن الصنعية المبتكرة.
 
ومن أجل الوصول إلى النتائج المرجوة يسلك النحات طرائق متنوعة من أهمها: النحت المباشر، والنحت بطريقة القولبة، والنحت بطريقة التجميع.
 
النحت بطريقة «التشذيب المباشر» la taille ويتمثل في استخدام خامة الحجر الطبيعي والخشب، ويعد الحجر الطبيعي في أقدم المواد وأنبلها استخداماً وأطولها ديمومة. وقد يعود التردد في استخدام هذه المادة لصعوبة تطويعها في التشكيل، وعلى النحات، لتطويعها، أن يستخدم أدوات يدوية مثل الأزاميل المسطحة والمسننة والمدببة، التي تطور استخدامها آلياً بوساطة الهواء المضغوط لتخفيف الأعباء عن النحات. أما الأدوات المستخدمة في تنفيذ الأعمال الخشبية، فإنها أكثر تعقيداً، بدءاً من الأدوات ذات الروؤس المقعرة بدرجات متفاوتة وانتهاء بالمطارق الخشبية.
 
النحت بطريقة «القولبة» modelage ويتمثل باللجوء إلى استخدام مادة وسيطة، ويعد الطين الصلصال في أكثر المواد شيوعاً في تحضير الأنموذج المراد تنفيذه لاحقاً بمادة أخرى طويلة الديمومة. يبدأ النحات بتجهيز هيكل معدني يحمل مواصفات الشكل النهائي الأولية كما الهيكل العظمي لجسم الإنسان، وبعد تنفيذ الشكل بالطين بصورته النهائية يقوم النحات بتصنيع القالب من مادة الجبس غالباً، وهذا القالب إما أن يكون قالباً هالكاً يستخدم مرة واحدة، ويحصل النحات على النسخة المطلوبة بعد تحطيمه، وإما أن يكون قالباً دائماً مؤلفاً من أجزاء عدة يمكن فكها وتركيبها في كل مرة يرغب النحات في الحصول على نسخة الأنموذج الأساسي.
 
 
كثيراً ما يلجأ النحاتون اليوم إلى استخدام مادة الحجر الصناعي (الحجر الصناعي بنية بيتونية قوامها الإسمنت والصخور المطحونة والمكسرة من الرمل والماء، مسلحة بالقضبان المعدنية) للحصول على الأنموذج الأساس بطريقة القولبة. ومع نظرة علماء الجمال إلى الإسمنت والإسمنت المسلح بازدراء، انتشرت هذه المادة في الحياة المعاصرة انتشاراً واسعاً، وصارت مادة أساسية في مجال النحت لتوافرها في كل زمان ومكان، وتكلفتها الزهيدة ومطواعيتها وقابليتها للتشكيل، وصمودها أمام الظروف الطبيعية وانسجامها مع العمارة الحديثة مع إمكانية التحكم بتلوينها.
 
ومن المواد المستخدمة في النحت بطريقة القولبة لابد من التطرق إلى خامة البولستير التي اجتاحت، على اختلاف أنواعها، كل مكان في الحياة الإنسانية المعاصرة وصارت بديلاً للرخام في استخدامات الإكساء الداخلي وصناعة هياكل السفن والطيارات والسيارات.
 
النحت بطريقة «التجميع» assemblge كتب النحات بوتشوني Poccioni في بيانه الشهير حول «المستقبلية»: «علينا التخلص، قبل كل شيء، من أحادية المادة في بنية العمل النحتي، والاعتراف بأننا نستطيع، إذا مادعت الضرورة، استخدام عشرين نوعاً من المواد في العمل الواحد، وذلك من أجل تحريض الأحاسيس في تلقي الشكل». ثم ذكر بعضاً منها: الزجاج والخشب والورق المقوى والحديد والإسمنت والشعر والجلد والإضاءة الكهربائية وغيرها. وبهذا فتح المستقبليون آفاقاً واسعة أمام الفنان المبدع، ومنحوه كل الحق في استخدام مختلف الوسائط لتحقيق ما يتطلع إليه.
 
يختلف الباحثون في أدبيات الفن التشكيلي في نظرتهم إلى خامة الحديد، فبعضهم يراها مادة ترتبط بقوة الشر الشيطانية الدنسة، وبعضهم الآخر يراها مادة مقدسة ذات خواص سحرية. أما الفنانون فقد استخدموا الحديد كل حسب مايريده منه، فالنحات كالدر Calder بنى أعماله بتقطيع الصفائح المعدنية بصيغ هندسية، وألف منها تكوينات تجريدية في الفراغ، ليطورها لاحقاً أشكالاً متحركة في الفراغ بفعل الهواء أو التفاوت بدرجات الحرارة. ولجأ نحاتون آخرون إلى تشكيل أعمالهم بوساطة الطرق واللحام بالقوس الكهربائية أو بغاز الأستيلين.
 
ولابد من التذكير بالنصب التذكاري الذي يقام من أجل التذكير بشخصية عظيمة أو حدث تاريخي كبير، والذي تجاوز حدود التعريف الموروثة ليشمل الأعمال العملاقة في مجالات الإبداع كلها: المعمارية كالمكتبات والمشافي، والأدبية كالموسوعات العلمية، والموسيقية كالسمفونيات والأوبرات.
 
 
 
أحمد الأحمد   
 
نحت الإنسان منذ أزمان مغرقة القدم، فالنحت فن عريق، ووسيط حقيقي ربط بين الحضارات عبر التاريخ، ووسيلة للتفاهم لما يحتويه من مفردات ودلالات إنسانية، وعامل للهيمنة على الوسط المحيط والانسجام معه.
 
ثمة آراء تعطي الأولوية في تقويم العمل النحتي وتمثله اعتماداً على الخامات والتقانات المستخدمة في تنفيذه، وثمة آراء أخرى لا تعير اهتمامها للمواد المستخدمة وتقاناتها، بل تعتمد على الشكل الفني في إقرار نجاح العمل الفني أو فشله.
 
من خلال ما تقدم، يمكن الإقرار بأن الهدف ليس في استخدام خامات وتقانات مختلفة فحسب، وإنما في البحث عن القضايا الأساسية والسامية التي تنشد التعبير عن طبيعة الموضوع، فلكل مادة مواصفاتها وإمكاناتها وخصوصيتها في التعبير.
 
تقسم المواد التي ينفذ بوساطتها العمل النحتي حسب طبيعتها قسمين:
 
ـ الخامات الوسيطة كالطين والصلصال والجبس والعجائن المصنعة كيميائياً مثل الشمع وغيره.
 
ـ الخامات القاسية والمقاومة لعوائد الزمن وتقلباته، وهي الأساس في حضور العمل الفني عبر التاريخ كالحجر والرخام الطبيعيين، والحجر الصناعي والبرونز والمعادن المصهورة والمجمعة والخشب والخزف والسيراميك واللدائن الصنعية المبتكرة.
 
ومن أجل الوصول إلى النتائج المرجوة يسلك النحات طرائق متنوعة من أهمها: النحت المباشر، والنحت بطريقة القولبة، والنحت بطريقة التجميع.
 
النحت بطريقة «التشذيب المباشر» la taille ويتمثل في استخدام خامة الحجر الطبيعي والخشب، ويعد الحجر الطبيعي في أقدم المواد وأنبلها استخداماً وأطولها ديمومة. وقد يعود التردد في استخدام هذه المادة لصعوبة تطويعها في التشكيل، وعلى النحات، لتطويعها، أن يستخدم أدوات يدوية مثل الأزاميل المسطحة والمسننة والمدببة، التي تطور استخدامها آلياً بوساطة الهواء المضغوط لتخفيف الأعباء عن النحات. أما الأدوات المستخدمة في تنفيذ الأعمال الخشبية، فإنها أكثر تعقيداً، بدءاً من الأدوات ذات الروؤس المقعرة بدرجات متفاوتة وانتهاء بالمطارق الخشبية.
 
النحت بطريقة «القولبة» modelage ويتمثل باللجوء إلى استخدام مادة وسيطة، ويعد الطين الصلصال في أكثر المواد شيوعاً في تحضير الأنموذج المراد تنفيذه لاحقاً بمادة أخرى طويلة الديمومة. يبدأ النحات بتجهيز هيكل معدني يحمل مواصفات الشكل النهائي الأولية كما الهيكل العظمي لجسم الإنسان، وبعد تنفيذ الشكل بالطين بصورته النهائية يقوم النحات بتصنيع القالب من مادة الجبس غالباً، وهذا القالب إما أن يكون قالباً هالكاً يستخدم مرة واحدة، ويحصل النحات على النسخة المطلوبة بعد تحطيمه، وإما أن يكون قالباً دائماً مؤلفاً من أجزاء عدة يمكن فكها وتركيبها في كل مرة يرغب النحات في الحصول على نسخة الأنموذج الأساسي.
 
 
كثيراً ما يلجأ النحاتون اليوم إلى استخدام مادة الحجر الصناعي (الحجر الصناعي بنية بيتونية قوامها الإسمنت والصخور المطحونة والمكسرة من الرمل والماء، مسلحة بالقضبان المعدنية) للحصول على الأنموذج الأساس بطريقة القولبة. ومع نظرة علماء الجمال إلى الإسمنت والإسمنت المسلح بازدراء، انتشرت هذه المادة في الحياة المعاصرة انتشاراً واسعاً، وصارت مادة أساسية في مجال النحت لتوافرها في كل زمان ومكان، وتكلفتها الزهيدة ومطواعيتها وقابليتها للتشكيل، وصمودها أمام الظروف الطبيعية وانسجامها مع العمارة الحديثة مع إمكانية التحكم بتلوينها.
 
ومن المواد المستخدمة في النحت بطريقة القولبة لابد من التطرق إلى خامة البولستير التي اجتاحت، على اختلاف أنواعها، كل مكان في الحياة الإنسانية المعاصرة وصارت بديلاً للرخام في استخدامات الإكساء الداخلي وصناعة هياكل السفن والطيارات والسيارات.
 
النحت بطريقة «التجميع» assemblge كتب النحات بوتشوني Poccioni في بيانه الشهير حول «المستقبلية»: «علينا التخلص، قبل كل شيء، من أحادية المادة في بنية العمل النحتي، والاعتراف بأننا نستطيع، إذا مادعت الضرورة، استخدام عشرين نوعاً من المواد في العمل الواحد، وذلك من أجل تحريض الأحاسيس في تلقي الشكل». ثم ذكر بعضاً منها: الزجاج والخشب والورق المقوى والحديد والإسمنت والشعر والجلد والإضاءة الكهربائية وغيرها. وبهذا فتح المستقبليون آفاقاً واسعة أمام الفنان المبدع، ومنحوه كل الحق في استخدام مختلف الوسائط لتحقيق ما يتطلع إليه.
 
يختلف الباحثون في أدبيات الفن التشكيلي في نظرتهم إلى خامة الحديد، فبعضهم يراها مادة ترتبط بقوة الشر الشيطانية الدنسة، وبعضهم الآخر يراها مادة مقدسة ذات خواص سحرية. أما الفنانون فقد استخدموا الحديد كل حسب مايريده منه، فالنحات كالدر Calder بنى أعماله بتقطيع الصفائح المعدنية بصيغ هندسية، وألف منها تكوينات تجريدية في الفراغ، ليطورها لاحقاً أشكالاً متحركة في الفراغ بفعل الهواء أو التفاوت بدرجات الحرارة. ولجأ نحاتون آخرون إلى تشكيل أعمالهم بوساطة الطرق واللحام بالقوس الكهربائية أو بغاز الأستيلين.
 
ولابد من التذكير بالنصب التذكاري الذي يقام من أجل التذكير بشخصية عظيمة أو حدث تاريخي كبير، والذي تجاوز حدود التعريف الموروثة ليشمل الأعمال العملاقة في مجالات الإبداع كلها: المعمارية كالمكتبات والمشافي، والأدبية كالموسوعات العلمية، والموسيقية كالسمفونيات والأوبرات.
 
 
 
أحمد الأحمد

المراجع

الموسوعة العربية

التصانيف

الأبحاث