ألبرت أينشتاين (1879-1955)

ألبرت أينشتاين (Albert Einstein)عالم فيزيائي ومؤسس النظرية النسبية، وصائغ عدد من النظريات الفيزيائية الأخرى. ويدين الناس في عالم اليوم لأينشتاين بشكل كبير في تصورهم عن المكان والزمان. ذلك بالرغم من أنه لم ينجح في الالتحاق بالجامعة إلا في المحاولة الثانية ولد أينشتين لأبوين يهوديين في ألمانيا التي عاش فيها. وقد كان أينشتاين في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث كان محاضرا زائرا، حين وصل أدولف هتلر إلى السلطة في ألمانيا عام 1933. وبقي في الولايات المتحدة واستقر في مدينة برنستون خوفا من الإرهاب الفاشي الذي جعل من أينشتاين هدفا له. صاغ أينشتاين نظريته الأولى عن الحركة البراونية في العام 1901. وفي العام 1905 صاغ نظريته عن الظاهرة الكهروضوئية، وصاغ النظرية النسبية الخاصة في نفس العام. وفي العام 1916 نشر مؤلفه عن النظرية النسبية العامة، وله العديد من النظريات الأخرى. حصل أينشتاين على جائزة نوبل للفيزياء في العام 1921، عن أعمال غير النظرية النسبية. إن مقدمة أينشتاين لكتاب غاليليو التي تم اختيارها لهذا الكتاب هي محاولة للتعرف، من مصدر ثانوي، على أفكار جاليليو جاليلي، عالم الفلك الإيطالي الشهير، الذي ولد في مدينة بيزا في العام 1564. وجد غاليليو في أبحاثه ما يدعم وجهة نظر كوبيرنيكوس القائلة بان الشمس هي مركز الكون وبان الأرض تدور حولها. وفي عام 1616 اضطر غاليليو أن يعد بهجر نظريته. لكن ذلك لم يدم، حين نشر كتابه (Saggiatore) وجاهر بأفكاره في كتابه "حوار بين منظومتين عالميتين" الذي صدر في العام 1932. ودعي جاليليو إلى روما إثر ذلك، لينكر تأكيده على نظرية كوبيرنوكوس، وقد فعل ذلك تحت التهديد. وهناك رواية، غير صحيحة في الغالب، تقول إنه أضاف بعد إنكاره الرسمي لهذه النظرية قائلا: "لكنها في كل الأحوال تدور" (عن الأرض).

أينشتاين: مقدمة لكتاب جاليليو جاليليي

"حوار بخصوص النظامين الرئيسيين: نظام بطليموس والنظام الكوبيرنكي" يعتبر عمل جاليليو المسمى "حوار بخصوص النظامين العالميين الرئيسيين ..." منجما من المعلومات لكل إنسان معني بالتاريخ الحضاري للعالم الغربي وأثره على النمو الاقتصادي والسياسي. هنا ينكشف إنسان يملك إرادة ملتهبة وذكاء عقلانيا وشجاعة ليقف ممثلاً للتفكير العقلاني أمام جمع من هؤلاء الذين باعتمادهم على جهل الناس وتراخي المدرسين في زي الكاهن والعالم، يحافظون على مراكز سلطتهم ويدافعون عنها. إن موهبة غاليليو الأدبية الفائقة مكنته من مخاطبة المتعلمين من رجال عصره بلغة واضحة مؤثرة من أجل التغلب على تفكير معاصريه الأسطوري والمتمركز حول الإنسان، ومن الرجوع بهم باتجاه رأي موضوعي سببي بخصوص النظام الكامل المتناغم للكون (الكوسموس)، ذلك النظام الذي فقدته الإنسانية مع تدهور الحضارة اليونانية. عندما أتحدث بهذه الطريقة، فإنني أدرك أنني أنا أيضاً أقع في المنزلق العام الذي يقع فيه هؤلاء السكارى بإخلاصهم، الذين يبالغون في تعظيم مكانة أبطالهم. قد يكون صحيحاً أن شلل العقل خلال القرن السابع عشر، والناتج عن التقليد السلطوي المتصلب الذي جلبته عصور الظلمات القروسطية[1][1] كان قد إنحسر إلى حد انه لم يكن باستطاعة قيود التراث لمفكري القدم ان تصمد مدة أطول، مع أو بدون جاليليو. وبالرغم من ذلك فإن هذه الشكوك تتعلق فقط بجزء صغير من المشكلة العامة المختصة بالمدى الذي يمكن أن تتأثر به حقبة من التاريخ ببعض الأفراد الذين تثير ميزاتهم فينا الانطباع بأنها [الميزات] متفردة أو مصادفة، الذين لم يكن تواجدهم في تلك الفترة إلا بمحض الصدفة. وكما هو مفهوم، فإن عصرنا هذا ينظر نظرة متشككة أكثر من النظرة التي كانت سائدة في القرن الثامن عشر أو النصف الأول من القرن التاسع عشر، إلى دور الفرد. فالتخصصات العميقة في المهن والمعرفة، تجعل الفرد يظهر كـ "قابل للتبديل" كأي جزء من آلة يتم إنتاجها بالجملة. لحسن الحظ، إن تقديرنا لكتاب "حوار ..." كوثيقة تاريخية لا يعتمد على موقفنا من تلك الأسئلة المخاطِرة. بداية، إن "حوار ..." يعطي تفسيراً حياً ومقنعاً لأبعد الحدود لتلك الآراء التي كانت سائدة والمتعلقة بتركيب الكوسموس بعامة. إن التصور السائد لشكل الأرض كقرص مسطح بالإضافة إلى بعض الأفكار المهمة المتعلقة بالفضاء المليء بالنجوم وبتحركات الأجسام السماوية الذي كان سائدا في بداية العصور الوسطى، كان يمثل تدهورا للمفاهيم اليونانية القديمة، وبشكل خاص لأفكار أرسطو ولمفهوم بطليموس المكاني والمتماسك المتعلق بالأجسام السماوية وتحركاتها: التصور السائد حول العالم في عصر جاليليو يمكن وصفه كما يلي: هناك فضاء وفيه توجد نقطة مفضلة هي مركز الكون. المادة، على الأقل الجزء الأكثف منها، يميل للاقتراب إلى أقرب حد ممكن من هذه النقطة. وتبعاً لذلك، فقد اتخذت المادة شكلاً مقارباً (مشابهاً) للشكل الدائري (الأرض). وانطلاقاً من هذه المعلومة حول الأرض، فإن مركز تلك الكرة يتطابق عملياً مع مركز الكرة السماوية (الكون). أما الشمس، والقمر والنجوم فكلها محمية من السقوط باتجاه مركز الكون، حيث إنها مربوطة بقواقع كروية متصلبة شفافة تتطابق مراكزها مع مركز الكون "الفضاء". هذه القواقع الكروية تدور حول الكرة الأرضية الثابتة (أو مركز الكون) بسرعات زاويّة قليلة الاختلاف. قوقعة القمر هي صاحبة أصغر نصف قطر، وتحيط بعالم ما تحت القمر. أما القواقع الخارجية بأجسامها السماوية فتمثل "العالم السماوي"، والتي توصف أجسامها بأنها أبدية، غير قابلة للانهدام أو التبدل وذلك مقارنة بـ "الكرة الأرضية السفلى" الموجودة داخل قوقعة القمر، بالهيكل القمري الذي يحتوي على كل ما هو مؤقت زائل فانٍ وقابل للإفساد. بطبيعة الحال، لا يمكن لنا أن نلقي اللوم بشأن هذه النظرة الساذجة على الفلكيين اليونان الذين في تصويرهم لتحركات الأجسام السماوية، استعملوا تراكيب هندسية مجردة، ازداد تعقيدها بازدياد دقة المراقبات الفلكية. وبسبب عدم توفر نظرية للميكانيكا حاولوا تقليص التحركات المعقدة (الظاهرة) إلى أبسط حركات أمكنهم تصورها، وبالتحديد إلى حركات دائرية موحدة وتراكيب منتظمة. إن التعلق بفكرة أن الحركة الدائرية هي الحركة الطبيعية بحق كانت ما تزال واضحة التميز عند جاليليو، وربما تكون هي المسؤولة عن عدم إدراك جاليليو الكامل لقانون القصور الذاتي وأهميته الضرورية. وهكذا باختصار كُيّفت أفكار اليونان مع ذهنية الأوروبيين البربرية البدائية لذلك الوقت. كما ورغم ان الأفكار الهيلينية هذه ليست سببية، فقد كانت موضوعية وحرة من الآراء ذات النظرة الإحيائية، أو خالية من الآراء الروحية، وهذه فضيلة يمكن ان ننسبها لكونية (كوسمولوجية) أرسطو. إن جاليليو في دفاعه عن النظرية الكوبرنيكية لم يكن فقط مدفوعا بدافع تبسيط التصور عن الحركات السماوية. فقد كان هدفه ان يستبدل النظام الفكري المتحجر والعقيم ببحث جدي عن فهم أعمق وأثبت بخصوص الحقائق الفيزيائية (الطبيعية) والفلكية. إن شكل الحوار المستعمل في عمله قد يكون جزئياً نتيجة لمثال أفلاطون الساطع. فقد مكن جاليليو من استخدام موهبته الأدبية غير العادية في خلق مواجهة حادة وفعالة بين الآراء. بالتأكيد انه أراد أن يتفادى التزاماً مفتوحاً حول هذه الأسئلة الخلافية، مما كان يقوده إلى الدمار بأيدي محاكم التفتيش. في الحقيقة، كان جاليليو ممنوعا بوضوح من المدافعة عن النظرية الكوبرنيكية. وبغض النظر عما يحويه الحوار من حقائق ثورية، فإنه يمثل محاولة خبيثة، ظاهرياً تستجيب لذلك الطلب، وتتجاهله في الواقع. ولسوء الحظ فقد تبين بأن محاكم التفتيش لم تستطع أن تقدر مزاحا بهذه الدقة حق قدره. إن نظرية الأرض الثابتة كانت قائمة على الفرضية القائلة بأنه يوجد مركز مجرد للكون، وكان الافتراض بان ذلك المركز يسبب سقوط الأجسام الثقيلة على سطح الأرض. إذ ان تلك الأجسام المادية لها ميل للاقتراب من مركز الكون بقدر ما تسمح به "لا-اختراقية الأرض". هذا يؤدي إلى شكل الأرض شبه الدائري. يعترض جاليليو على تقديم أرضية ذلك "اللاشيْ" (مركز الكون) والذي من المفترض أن يفعل في الأجسام المادية، معتبراً ذلك غير كاف أبداً. إلا أنه يوجه الانتباه إلى حقيقة أن هذه الفرضية غير المرضية تنجز اقل بكثير من المطلوب منها. فعلى الرغم من انها تعطي تفسيراً لكروية للأرض إلا انها لا تفسر الشكل الكروي للأجسام السماوية الأخرى. ومع ذلك، فإن دورات القمر والزهرة، والتي اكتشفها لاحقاً بواسطة التلسكوب المخترع حديثاً، أثبتت الشكل الكروي لهذين الجسمين السماويين، كما وأثبتت المراقبات الدقيقة للبقع الشمسية نفس النتيجة بالنسبة للشمس. والحقيقة، إنه لم يبق هناك أي شك في زمن جاليليو بشأن الشكل الكروي للكواكب والنجوم. وعليه، فإن فرضية "مركز الكون" لا بد أن تستبدل بفرضية أخرى تكون قادرة على تفسير الشكل الكروي للنجوم أيضاً وليس فقط للأرض. يقول جاليليو، بوضوح، إنه لا بد من وجود نوع من التفاعل (الميل نحو التقارب المتبادل) في المادة المكونة للنجم، والسبب نفسه يكون مسؤولاً (بعد التخلي عن فرضية "مركز الكون") عن السقوط الحر للأجسام الثقيلة على سطح الأرض. دعوني أضيف هنا أن تشابهاً قريباً يكمن بين رفض جاليليو لفرضية أن للكون مركزاً كتفسير لسقوط الأجسام الثقيلة، وبين رفض فرضية نظام قاصر ذاتيا كتفسير للسلوك القاصر ذاتيا للمادة. (الفرضية الأخيرة هي القاعدة التي تتركز عليها النظرية النسبية العامة). والمشترك بين الفرضيتين هو تقديم جسم مفهومي له الخصائص التالية:
  1. ليس من المفترض فيه ان يكون حقيقيا، كالمادة ذات الثقل (أو الحقل).
  1. انه يحكم سلوك الأجسام الحقيقية، إلا أنه لا يتأثر بها أبداً.
إن تقديم هذه العناصر المفهومية، بالرغم من أنها ليست ممنوعة تماما، من وجهة نظر منطقية محضة، منفّر للغريزة العلمية. لقد استطاع جاليليو أيضاً إدراك أن تأثير الجاذبية على سقوط الأجسام الحر في تسارع، عموديا بقيمة ثابتة، مثلما يمكن تركيب الحركة الأفقية غير المتسارعة فوق هذه الحركة المتسارعة. إن هذه الاكتشافات تتضمن بالضرورة، على الأقل بشكل نوعي، أسس النظرية التي صاغها نيوتن في وقت لاحق. لكن قبل كل شيء فإن الصيغة العامة لمبدأ القصور الذاتي ناقصة، على الرغم من انه قد كان من السهل الحصول على ذلك من قانون جاليليو لسقوط الأجسام مع معيقات (التحول إلى التسارع العمودي المتلاشي). إن الفكرة الناقصة هنا أيضا هي ان نفس المادة التي تشكل التسارع العمودي على سطح جسم سماوي تستطيع ان تؤدي إلى تسارع أجسام سماوية أخرى. كما أن جميع تلك التسارعات يمكن ان تشكل مع القصور الذاتي حركات دورانية. بيد انه تم الوصول إلى معرفة أن وجود المادة (الأرض) يسبب تسارع الأجسام الحرة (على سطح الأرض). من الصعب علينا اليوم أن نقدر المجهود الهائل الذي بذل في تحديد صياغة مفهوم التسارع وفي إدراك أهميته الفيزيائية (الطبيعية). كون مفهوم "مركزية الكون" قد رُفض، ولسبب معقول، فقد تم أيضاً سحب فكرة ثبات الأرض، وبشكل عام فكرة دور الأرض الاستثنائي لم تعد مبررة. إن السؤال حول ما يجب اعتباره "ثابتاً" حين وصف حركة الأجسام السماوية أصبح سؤالاً ملحاً وتبعاً لـ أرستاركوس وكوبرنيكوس، فقد تم توضيح حسنات اعتبار الشمس في حالة ثبات (وكما قال جاليليو فإن ذلك ليس إجماعاً تاماً ولكنه فرضية إما صحيحة أو خاطئة). وبشكل طبيعي، يمكن الجدل أن افتراض دوران الأرض حول محورها أسهل من افتراض دوران جميع النجوم الثابتة حول الأرض إضافة إلى ذلك، فإن الافتراض القائل بدوران الأرض حول الشمس يجعل حركات الكواكب الداخلية والخارجية تظهر متشابهة، وتُلغى بالتحركات التراجعية للكواكب الخارجية، أو أن ينسب تفسيرهم إلى حركة الأرض حول الشمس. ومهما كانت هذه النقاشات مقنعة، وبشكل خاص في ظل الحالة التي اكتشفها جاليليو بأن كوكب المشتري بجميع أقماره يمثل نظاماً كوبرنيكياً بشكل مصغر، فانها [النقاشات] ما زالت ذات طبيعة نوعية. فبما أننا [البشر] مرتبطون بالأرض، فإن ملاحظاتنا لن تكشف أبداً بشكل مباشر تحركات الكواكب "الحقيقية"، وإنما سيكون فقط باستطاعتنا ان نلحظ نقطة تقاطع خطوط الرؤية (الأرض- الكواكب) مع "مدار النجم الثابت". لقد اصبح وجود دعائم خارجة على النقاشات النوعية ممكناً فقط بعد تحديد "المدارات الحقيقية" للكواكب: إحدى المشاكل التي كان من الصعب تخطيها، والتي قام كيبلر بحلها (خلال الفترة التي عاش فيها جاليليو) بأسلوب بارع. إلا أن ذلك التقدم الحاسم لم يترك أثراً في عمل جاليليو الحياتي للتذكير بالحقيقية القائلة بأن الأفراد المبدعين غالبا ما يكونون غير متفتحين. لقد بذل جاليليو مجهوداً كبيراً كي يثبت أن الحقيقية القائلة بأننا لا نستطيع أن نلحظ أي تأثيرات ميكانيكة لتلك التحركات لا تدحض نظرية دوران الأرض. وبشكل دقيق، فإن إثباتاً كهذا كان مستحيلاً لأن النظرية الميكانيكية كانت ناقصة. وأنا أعتقد أن معالجة جاليليو لهذه المشكلة أثبتت إبداعه بقوة خاصة. كان جاليليو، طبعاً، معنيا بإثبات أن النجوم الثابتة بعيدة جداً، بحيث لا يمكن اكتشافها من خلال التغيير الظاهري الناتج عن الحركة السنوية للأرض بواسطة أدوات القياس في عصره. إن ذلك البحث هو نوع من الإبداع أيضاً، بغض النظر عن بدائيته. لقد كان جاليليو يهدف لإيجاد إثبات ميكانيكي لحركة الأرض، ما أدى به لصياغة نظرية خاطئة عن المد والجزر. وقد كان صعباً جداً على جاليليو أن يتقبل المحاججات الجميلة التي وردت في محادثته الأخيرة كإثباتات، لولا أن مزاجه لم يساعده في إظهار الأفضل عنده. إنه من الصعب علي أن أقاوم الإغراء في التعامل مع ذلك الموضوع بشكل أوسع. إن الصبغة التي أستطيع إدراكها في عمل جاليليو المهني هي المعركة الانفعالية ضد أي نوع من أنواع المبادئ الدوغمائية المستندة إلى السلطة. لقد كانت الخبرة والتفكير الحذر هما الشيئين الوحيدين اللذين تقبلهما جاليليو كمقياس للحقيقة. من الصعب علينا اليوم أن نفهم مدى تطرف ذلك الرأي الذي أظهره جاليليو في عصره، عندما كان الشك في حقيقة الآراء التي لا أساس لها سوى التسلط، يعتبر أعظم جريمة يحاسب عليها. في الحقيقة نحن لسنا بعيدين بأي حال من الأحوال عن ذلك الوضع، حتى في هذه الأيام، حيث يحاول كل منا إشباع غروره. إلا أنه نظرياً، على الأقل، فإن مبدأ التفكير العادل قد انتصر، ونجد معظم الناس يحاولون إعطاء موافقتهم الشكلية على ذلك المبدأ. لقد كان سائداً التأكيد على أن جاليليو قد أصبح الأب للعلم الحديث، وذلك باستبداله أسلوب الاستدلال الاستنباطي بالأسلوب التجريبي الوصفي. إلا أنني أعتقد أن ذلك التفسير لن يكون دقيقاً، إذ أنه لا يوجد أسلوب تجريبي مجرد من الأنظمة والمفاهيم الاستنباطية، كما أنه لا يمكن وجود، أي تفكير استنتاجي دون اللجوء إلى التجربة التي ينبع منها ذلك التفكير. وللمقارنة فإن التفكير التجريبي الاستنتاجي هو أسلوب مضلل وكان يبدو غريباً بالنسبة لجاليليو. وحقيقة فإنه لم يتم حتى القرن التاسع عشر إيجاد أنظمة منطقية (رياضية) منفصلة عن العنصر التجريبي بشكل قاطع. إضافة إلى ذلك، فإن الأساليب التجريبية التي أتى بها جاليليو لم تكن كاملة بحيث أن أفضل تخمين كان يغطي ثغرات المعطيات التجربيبة (على سبيل المثال، لم يكن هناك أي أساليب لقياس الأوقات التي تقل عن الثانية). إن التناقض بين المذهب التجريبي والمذهب العقلاني لا يظهر أبداً كمسألة جدلية في عمل جاليليو. إذ أن جاليليو كان ينقض الأساليب الاستنباطية التي اتبعها أرسطو ومناصروه، فقط عندما كان يعتبر مقدمتهما عشوائية أو خالية من حجة دفاع، كما انه لم يكن يوبخ خصومه لاستعمالهم المذهب الاستنباطي. في الحوار الأول، ركز جاليليو في عدة فقرات على أنه، طبقا لأرسطو أيضاً، لا بد من وضع معظم الاستنباطات جانباً إذا ما تعارضت مع النتائج التجريبية. من ناحية أخرى، فإن جاليليو نفسه قد استفاد من الاستنتاج المنطقي، كما أن محاولاته لم تكن موجهة تماماً نحو "الإدراك". إلا أنه ومن أجل الإدراك، لا بدّ من رسم النتائج من نظام منطقي مقبول أصلاً.

المراجع

مختارات اينشتاين

التصانيف

فلسفة