الغنائم

 
 
 
الحرب منذ القديم غنم للمنتصر وغرم على المنهزم، ولذا فإنه يتخلف غالباً عن انتصار أحد الطرفين أموال يغنمها تعوّض له بعض ما خسره في سبيل الحرب. وهو ما يُعرف بنظام الغنائم المعمول به في القانون الدولي الذي كانت قد عرفته الشريعة الإسلامية[ر] وطبقته من قبل.
 
تعريف الغنائم في القانون الدولي: يُراد بالغنائم spoils=booty في الاصطلاح الدولي ممتلكات العدو، كالبضائع التجارية التي يُستولى عليها في البحر في أثناء الحرب بشروط خاصة، ذلك أنه لم يكن للملكية الخاصة حرمة في الحرب البحرية في أثناء حقبة طويلة من الزمن، خلافاً للقاعدة التي كانت مرعية في الحرب البرية. ففي الحرب البحرية يُعدّ الاستيلاء على أملاك الآخرين مسألة مشروعة؛ لأن الوسيلة الوحيدة لكسر مقاومة العدو هي قطع مواصلاته البحرية التي من دونها لا تستطيع أي دولة أن تعيش.
 
تعريف الغنائم في الشريعة الإسلامية: هي ما أُخذ من أموال أهل الحرب عنوةً بطريق القهر والغلبة، أو هي ما يُؤخذ من مالٍ حربيٍ قهراً عن طريق القتال مما هو واجب الاقتسام بين المقاتلين. ووفقاً لهذا التعريف يخرج من مفهوم الغنائم كل ما يؤخذ من أموال العدو ولا تتوجب قسمته بين المقاتلين، كالجزية والخراج والعشور، وما جلا العدو عنه خوفاً وفزعاً فغنمه المسلمون من دون قتال (وهو ما يُسمى الفيء)، وأسلاب القتلى من المشركين؛ لأن هذه جميعاً لا يتوجب قسمتها.
 

أحكام الغنائم

 
أحكام الغنائم في القانون الدولي: نظّم القانون الدولي حق الاغتنام، ومجال تطبيقه، وطريقة ممارسته، وآلية اقتسامه، وذلك بموجب معاهدات وأعراف عدة، وبموجبها يُمارس حق الاغتنام على السفن التجارية للعدو بعد ابتداء الأعمال الحربية مع إعطاء سفن العدو التي توجد في ميناء العدو لدى بداية العمليات الحربية مهلة تحددها دولة الميناء.
 
ويُمارس حق الاغتنام في البحر وفي الموانئ، إذ تضبط سفن العدو وتحجز بضائعه، علماً أن حق الاغتنام لا يُمارس إلا على سفن العدو التي تستطيع أن تمخر البحر، ووفقاً لهذا المفهوم فهو يشمل السفن الخاصة مهما كانت طبيعتها وتسميتها، بما في ذلك اليخوت، وسفن النزهة، باستثناء السفن الحربية والسفن الحكومية المخصصة للخدمات العامة، وكذلك يشمل أيضاً السفن الخاصة التابعة للعدو إذا كانت غير مستثناة من الحجز بموجب نص تعاقدي.
 
وأما البضائع الخاضعة لنظام الغنائم فهي تشمل كل البضائع الموجودة على سفن العدوّ، سواء أكانت هذه البضائع للدولة أم للأفراد، لأن هناك قاعدة عرفية قديمة تعدّ أن كل البضائع الموجودة على سفينة عدو تابعة للعدوّ ما لم يثبت العكس.
 
وفي مطلق الأحوال لا يُمارس هذا الحق إلا بموجب إجراءات معيّنة نظمتها الاتفاقات الدولية، تبدأ بإجراءات تفتيش السفن المعادية ثم قيادة هذه السفينة إلى إحدى موانئ الدولة المعنية، إذ تضبط السلطات محتوياتها وتحرر محضراً بذلك، ومن ثم يعرض الأمر على محكمة الغنائم التي تقيمها كل دولة في إقليمها، وللمحكمة إقرار الضبط، أو إلغاؤه وإطلاق سراح السفينة وما عليها من بضائع، ذلك أن الحكم في قانونية ضبط الغنائم إنما يعود إلى محاكم الدولة الحاجزة التي تنفرد بهذا الاختصاص. وتنص اتفاقية لاهاي الثانية عشرة لسنة 1907على إنشاء «محكمة دولية للغنائم»  تختص بالنظر في الاستئناف المقدّم ضد قرارات المحاكم الوطنية للغنائم، إلا أن هذا النص لم يُطبق، ومن ثمّ لم تشهد هذه المحكمة النور. ولا تصادر البضاعة المعادية إلا إذا ضبطت على سفينة معادية، أما إذا ضُبطت على سفينة دولة محايدة فلا تصادر ولا تصادر البضاعة المحايدة إذا ضُبطت على سفينة معادية بل يكتفي بمصادرة السفينة هنا. فالقاعدة معروفة هنا بأن: «علم السفينة يغطي البضاعة ولا يصادرها».       
 
أحكام الغنائم في الشريعة الإسلامية: حلل الله تعالى الغنائم الحربية للمسلمين، وجعلها من نصيب الرسول حصراً في أوّل الأمر وذلك بموجب الآيـة الكريمـة )يَسْأَلُوَنَكَ عَن الأَنْفالِ قُل ِالأَنْفالُ لِلِّهِ والرَّسُولِ فاتَّقُوا اللَّهَ وأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وأَطِيْعُوا اللَّهَ ورَسُولَهُ إنْ كُنْتُمْ مؤْمِنْين[ (الأنفال 1).
 
ثم نزلت بعد ذلك آية التخميس التي تقول: )واعْلَمُوا أنَّما غَنِمتُمْ مِنْ شَيءٍ فَأَنّ للَّهِ خُمْسَهُ ولِلرَّسُول ولِذي القُرْبَى واليَتامَى والمَساكِيْنِ وابَّنِ السَّبِيْلِ[ (الأنفال 41). وهكذا وضعت هذه الآية الكريمة مبدأً عاماً وشاملاً هو قسمة الغنائم إلى خمسة أقسام:
 
الخمس الأول: يُصرف في سبيل الله على فئات معينة من الأشخاص، وقد اتفق الفقهاء في عهد رسول الله r على تقسيم هذا الخُمس إلى خمسة أنصبة: النصيب الأول لبيت مال المسلمين كي يُصرف في سبيل الله، والنصيب الثاني للرسول وذوي القربى - آل بيته -، والثالث يُصرف على اليتامى، والرابع على المساكين، والخامس على أبناء السبيل. 
 
أما الأخماس الأربعة الباقية فتُوزع بين من شهد المعركة من  مُقاتلي المسلمين. إذ مّيز الله سبحانه وتعالى المجاهدين في سبيله من القاعدين، وإذا كان لهؤلاء المجاهدين أجر الجهاد العظيم فإن لهم أجراً آخر هو حقهم في توزيع أربعة أخماس الغنائم الحربية عليهم من دون القاعدين، والرأي السائد بين الجمهور هو أن توزع هذه النسبة بين من حضروا الوقيعة حصراً، استناداً إلى قول عمر t: «إنما الغنيمة لمن شهد الوقيعة».
 
ينبغي التأكيد أخيراً أنه وإن أحلت الغنائم في الإسلام، ونزل في شأنها تشريع تفصيلي، لم يكن مقصد الجهاد هو الحصول على الأموال والأسلاب، وإنما كما قال الفقهاء: المقصود الأعظم من الجهاد هو إعلاء كلمة الله تعالى، ونشر شرع الله والدفاع عنه والغنائم تابعة، أي إن الغنائم نتيجة الحرب، ويتملكها المسلمون بالإحراز، فهي لإضعاف العدو ومعاقبته وتعويض ما أُنفق في القتال، فلم يكن المسلمون يوماً يهدفون في حروبهم إلى غرض دنيوي أو يشنون حروباً اقتصادية للسيطرة على مناطق النفوذ والثروة والأسواق الخارجية في العالم، كما حصل في الحرب العالمية الأولى، أو لتحقيق المطامع والأهواء المادية أو لتوسع في الملك، كما هو هدف أغلب الحروب الحديثة، قال الله عز وجل: )يا أَيّها الَّذِيْنَ آمَنُوا إذا ضَرَبْتُمْ في سَبيْلِ اللَّه فَتَبَيَّنُوا ولا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَلامَ لَسْتَ مُؤّمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيَرةٌ[ (النساء 49). وواجب هنا ذكر قول عمر بن عبد العزيز لبعض ولاته: «إن الله بعث محمداً بالحق هادياً ولم يبعثه جابياً» أي أن الهدف هو الهداية لا الجباية، والمساواة لا القهر والتفريق.

إبراهيم دراجي

المراجع

الموسوعة العربية

التصانيف

الأبحاث