يُطلق على كل جسم يدور حول كوكب في مسار دائري أو بيضوي، طبيعياً كان أم صنعياً، اسم ساتل satellite. فالقمر على سبيل المثال هو ساتل طبيعي للأرض، إلا أن الشائع هو استخدام هذا المصطلح للحديث عن الأجسام التي صنعها الإنسان ووضعها عن عمد في مدار غالباً حول الأرض، بغية أداء مهمة محددة: كتأمين الاتصالات بعيدة المدى ومراقبة الأحوال الجوية والملاحة وغيرها.
لمحة تاريخية
جاء أول اقتراح لإطلاق ساتل حول الأرض في رواية للكاتب الأمريكي إدوارد إيفرت هال Edward Everett Hale يعود تاريخها إلى عام 1869. وكان السوفييتي قونسطنطين إدواردوفيتش تسيولكوفسكي Konstantin Eduardovich Tsiolkovsky والألماني هرمان أوبرث Hermann Oberth من أوائل من أشاروا إلى المزايا التي يوفرها وضع ساتل على مدار، باستخدام صاروخ إطلاق، وعلى الأخص إذا كان الساتل مأهولاً.
ويعود الفضل في التطور الحقيقي للسواتل إلى تقانتي الصواريخ (الدفع النفاث) والأمواج الميكروية اللتين ازدهرتا في الحرب العالمية الثانية. ويعد نجاح إطلاق الساتل سبوتنيك 1[ر] من قبل الاتحاد السوفييتي في الرابع من تشرين الأول عام 1957 بداية عصر غزو الفضاء وبداية منافسة شديدة بين قطبي الصناعة الفضائية آنذاك الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية. وقد أُرسل إلى الفضاء منذ ذاك الحين عدة مئات من السواتل منها الكبيرة والصغيرة، الطويلة الأمد والقصيرة، البسيطة والمعقدة، الناجحة وغير الناجحة. وعلى الرغم من تعدد السواتل وتنوع مهماتها منذ ذاك الحين إلا أنه كان للاتصالات على الدوام النصيب الأوفر منها.
أهم المحطات في تاريخ الاتصالات الساتلية
أطلقت وكالة الفضاء الأمريكية عام 1958 الساتل سكور الذي قام ببث رسالة التهنئة الرئاسية بعيد الميلاد، ثم أطلقت وكالة الفضاء الأمريكية بالتعاون مع مخابر بل الهاتفية الساتل إيكو Echo الذي وفّر أول اتصال ساتلي عبر المحيط الأطلسي. وأطلقت منظمة إنتلسات Intelsat الدولية عام 1965 الساتل إرلي بيرد Early Bird (إنتلسات 1) وهو أول ساتل تجاري على المدار الثابت بالنسبة للأرض مفتتحة بذلك سلسلة من سواتل الاتصالات، وقام الاتحاد السوفييتي في العام ذاته بوضع أول ساتل اتصالات من سلسلة مولنيا. وشهد عام 1968 إطلاق مجموعة من سواتل إنتلسات 3 فوق مناطق مختارة، حققت تغطية شاملة تقريباً للأرض. وجرى عام 1976 تشغيل أول خدمة للاتصالات الساتلية البحرية المدنية (إنمارسات Inmarsat)، كما أُحدثت عام 1977 المنظمة الإقليمية الأوربية يوتلسات Eutelsat. وأطلق في عام 1997 أول سواتل إيريدوم لخدمة الاتصالات الفضائية النقالة، وشهد عام 2000 إطلاق «الثريا» وهي منظومة ساتلية عربية للاتصالات النقالة.
أنواع المدارات
المدار هو المسار الذي يرسمه الساتل حول الكوكب، وليكن الأرض. ويُطلق على أبعد نقطة عن الأرض اسم أعلى ذروة وعلى أقرب نقطة إلى الأرض اسم أخفض ذروة.
وهناك أربعة أنواع رئيسية من المدارات، تبعاً لارتفاع الساتل عن سطح الأرض هي:
أ ـ المدار الثابت بالنسبة للأرض: وهو مدار دائري، يرتفع عن سطح الأرض نحو 35780كم (عِشر المسافة بين الأرض والقمر) ويبلغ دور الساتل فيه 24 ساعة (متزامناً مع حركة الأرض)، ويبدو الساتل ثابتاً بالنسبة إلى نقطة معينة على سطح الأرض. وهو من أهم المدارات للاتصالات، بسبب إمكانية استخدام ثلاثة سواتل متوضعة في مناطق مختارة منه لتغطية سطح الأرض، عدا منطقة القطبين. لكن الطلب الشديد على هذا المدار جعله مزدحماً بعدة مئات من سواتل البث التلفزيوني والاتصالات. ويسمح استخدام هذا المدار بثبات توجيه هوائيات الاستقبال الأرضية.
ب ـ المدارات المنخفضة الارتفاع: وهي مدارات دائرية عادة، يراوح ارتفاعها بين 100 و600 كم، وتدور السواتل على هذه المدارات بسرعة أكبر من سرعة دوران الأرض بهدف موازنة الجاذبية الأرضية وتحقيق الاستقرار. وتتميز بدور قصير، مما يجعل مدة بقائها نموذجياً في نطاق رؤية محطة معينة على سطح الأرض أقل من ساعة. وتُستخدم هذه المدارات لسواتل المراقبة وسواتل الاتصالات الفضائية النقالة مثل مجموعة جلوبلستار Globalstar (الشكل ـ 1).
ج ـ المدارات الإهليلجية المائلة: وهي مدارات بيضوية غير متزامنة، ويعد مدار النظام مولنيا السوڤييتي من أشهرها، ويمتاز بدور 12 ساعة مع ارتفاع أعلى ذروة نحو 40000 كم وأخفض ذروة نحو 1000 كم، مما يسمح له بتغطية نصف الكرة الشمالي بصورة رئيسية.
د ـ المدارات المتوسطة الارتفاع: وهي مدارات دائرية يراوح ارتفاعها بين 10000 و20000كم، وتبلغ أدوارها عدة ساعات، وتكون مدة رؤية كل محطة أرضية عدة ساعات أيضاً. وتستخدم أنظمة الاتصالات وأنظمة تحديد الموقع هذه المدارات.
مكوّنات الساتل
يتكون الساتل عادة من مجموعة من المنظومات الجزئية الرئيسية التي تتوزع في فئتين هما المنصّة والحمولة المفيدة. ويمكن أن تقتصر بعض السواتل البسيطة على بضعة منظومات جزئية كالسواتل المنطادية المستخدمة لقياس كثافة الهواء، في حين تكون سواتل مهمات المراقبة الفلكية شديدة التعقيد وتشتمل على معظم أنواع المنظومات الجزئية.
تتكّون المنصّة التي تمثل الجزء الأكبر من كتلة الساتل من التجهيزات الآتية:
ـ البنية الفيزيائية: يدخل الكثير من العوامل في اختيار بنية (أو جسم) الساتل. إذ تختلف البنية القاعدية للساتل تبعاً لنوع المدار ومدة الحياة ووحدات القياس والتغذية والمهمة الموكلة إليه وغيرها من العوامل. وتستخدم سواتل الاتصالات عادة إحدى بنيتين: السواتل ذات الاستقرار ثلاثي المحاور التي تتميز بتوجيه ثابت نحو الأرض، وتكون ألواحها الشمسية عادة مطوية في أثناء الإطلاق ثم تنفتح بعد الوصول إلى المدار. أما النوع الأخر فهو السواتل المستقرة بالدوران ويكون الساتل عادة أسطواني الشكل وتكون الخلايا الشمسية مغطية لسطحه الخارجي.
ـ منظومة التغذية الكهربائية: توفر منظومات ووحدات التغذية الكهربائية الاستطاعة اللازمة لتشغيل الحمولة المفيدة. وتعتمد غالبية السواتل على الخلايا الشمسية لتحويل الطاقة الشمسية إلى طاقة كهربائية، كما توجد مدخرات قابلة للشحن لدعم الاستطاعة اللازمة للساتل في مدة حجب الأرض أو القمر لأشعة الشمس. وتَستخدم بعض السواتل والمركبات الفضائية مصادر أخرى كالطاقة النووية.
ـ منظومة الدفع: تُزوَّد السواتل عادة بمحركات دفع صغيرة تسمح للساتل بالقيام بمناورات محدودة للحفاظ على موقعه (وهو أمر بالغ الأهمية لسواتل الاتصالات على مدار ثابت بالنسبة للأرض)، أو لتغيير المدار (في المراحل الانتقالية نحو المدار النهائي) أو لكبح السرعة في مراحل الهبوط (المهمات الفضائية).
ـ منظومة التحكم الحراري: وهي منظومة مهمتها المحافظة على الشروط الحرارية المثلى لعمل المنظومات المختلفة على متن الساتل، كالمحافظة على حرارة مناسبة للتجهيزات الإلكترونية ومنع تجمد الوقود في المحركات وتبديد الكمية الكبيرة من الحرارة المولَّدة من مضخمات الاستطاعة.
ـ منظومة التحكم بالارتفاع والتوجيه والاستقرار: تعتمد هذه المنظومة على حساسات متنوعة لتحديد موقع الساتل بدقة. وتعمل على استقرار الساتل والحفاظ على الموقع المحدد له وعلى ثبات توجيه الهوائيات نحو الأرض. وتستخدم محركات دفع صغيرة أو أدوات أخرى لإجراء التصحيح حين الحاجة.
ـ منظومة القياس عن بعد والتحكم والأوامر عن بعد: تسيطر هذه المنظومة على قياس مختلف الوظائف ومراقبتها على متن الساتل في نقاط مختلفة منه، وإرسال تلك المعلومات باستخدام موجات راديوية خاصة إلى محطة التحكم الأرضية، التي تقوم بتحليل تلك المعطيات، كدرجات حرارة الأجزاء الحساسة ومخارج وحدات التغذية ووضع المبدلات وشدة الإشعاعات الشمسية وغيرها، ثم ترسل المحطة الأرضية الأوامر المناسبة إلى الساتل للتدخل عند الضرورة.
ـ منظومة الحاسوب أو المعالج: تقوم بتخزين المعطيات عن أداء المركبة وتخزين المعلومات العلمية التي تقاس في أثناء المهمة، واتخاذ إجراءات محددة مسبقاً. كما تقوم بالتحقق من صحة الأوامر المستقبَلة من الأرض قبل نقلها إلى المنظومات الأخرى للتنفيذ.
أما الحمولة المفيدة فتتكون من:
ـ منظومات الهوائيات: وهي التي تؤمن الاتصال مع محطات التحكم والمراقبة وكذلك استقبال الإشارات الراديوية وإعادة بثها نحو الأرض.
ـ منظومات الاتصالات: وتشتمل على مستقبلات راديوية ومضخمات استطاعة ومرسلات ومجمعات للأقنية المختلفة، ويتعلق عدد تلك المنظومات بعدد المهمات الموكلة إلى الساتل والحزم الترددية المستخدمة.
ـ تجهيزات القياس العلمية: تُزود السواتل بأجهزة إلكترونية وبأجهزة قياس ومراقبة مختلفة بهدف الاستكشاف وإجراء قياسات وتسجيل عن بعد ومعالجة الأشياء الموجودة في الفضاء وتحليلها. وتعد الحساسات العنصر الرئيسي في هذه التجهيزات.
استخدامات السواتل
للسواتل تطبيقات متنوعة كثيرة من أهمها:
أ ـ سواتل الاتصالات: تسمح هذه السواتل بنقل المكالمات الهاتفية والمعطيات من محطة مرسِلة (أو عدة محطات) إلى محطة مستقبِلة (أو عدة محطات). ويُعد معيد التقوية من أهم مكونات هذه السواتل، وهو جهاز راديوي يستقبل الإشارة على تردد معين ويضخمها ثم يعيد إرسالها إلى الأرض على تردد مختلف. ويشتمل ساتل الاتصالات عادة على مئات من معيدات التقوية. وتَستخدم سواتل الاتصالات بصورة خاصة المدار الثابت بالنسبة إلى الأرض. ومن أشهر هذه المنظومات سلسلة السواتل إنتلسات () التي تؤمن منذ الستينات من القرن العشرين تغطية عالمية شاملة. ومنظومة الاتصالات الإقليمية العربية عربسات Arabsat (
ب ـ سواتل البث التلفزيوني والإذاعي: تقوم ببث الإشارات الحاملة للبرامج التلفزيونية (أو الإذاعية) من نقطة (أو عدة نقاط) إلى مناطق كاملة. وتَستخدم هذه السواتل أيضاً المدار الثابت بالنسبة للأرض. ومنها الساتل المصري نيلسات Nilesat (الشكل ـ4).
ج ـ السواتل العلمية: تقوم بأداء طيف من المهمات العلمية، ويعد التلسكوب الفضائي هابل Hubble من أشهر تلك السواتل. وتوجد سواتل كثيرة تختلف في مهامها كالمهمة يوليسز Ulysses التي تقوم بدراسة فيزياء الشمس.
د ـ سواتل الملاحة: تساعد في توجيه السفن والطائرات وتحديد مواقعها. من أشهرها نظام جي بي إس نافستار GPS Navstar.
ه ــ سواتل مراقبة الأرض: تراقب التغيرات التي تطرأ على الأرض من الحرارة إلى التصحر مروراً بالبراكين. ومنها سلسلة السواتل لاندسات Landsat.
و ـ سواتل الإنقاذ: تسمح بالتقاط إشارات الاستغاثة من السفن والطائرات والأفراد المنكوبين وتحديد موقعهم وتوجيه فرق الإنقاذ إليهم.
ز ـ السواتل العسكرية: وهي موزعة حول الأرض على مدارات مختلفة، لكن المعلومات الدقيقة عنها تتسم بالسرية. وتقوم هذه السواتل بجمع المعلومات باستخدام تجهيزات تَعرُّف إلكترونية ذات تقانة عالية جداً، ومعدات تصوير فائقة الدقة. وتشمل تطبيقاتها أيضاً نقل الاتصالات المشفّرة والمراقبة النووية والإنذار المبكر والتشويش على أنظمة الاتصالات الراديوية الأرضية والتصوير الراداري والتصوير البصري.
وضع الساتل على المدار
تعد قوانين كبلر Kepler والتي وُضعت لوصف حركة الأجسام الكونية أساس الحسابات النظرية لمدارات السواتل حول الأرض. ويوضع الساتل على المدار إما بوساطة صاروخ أو بوساطة مركبة فضائية. وتملك عدة دول كالولايات المتحدة الأمريكية (دلتا Delta، أطلس Atlas) وروسيا (بروتون Proton) والاتحاد الأوربي (أريان Ariane) (الشكل ـ5) إمكانية إطلاق صواريخ قادرة على وضع سواتل من زنة عدة أطنان على المدارات بصورة منتظمة. ويعد الإطلاق المبرمج على متن صاروخ الخيار الراجح لغالبية عمليات إطلاق السواتل، إذ يسمح باختراق الغلاف الجوي من المنطقة الأقل سماكة بسرعة، كما يوفر اقتصاداً في الوقود المُستهلك. وتعد منطقة خط الاستواء من أفضل مناطق الإطلاق عالمياً.
وعلى متن الصاروخ منظومة توجيه مهمتها التحكم الدقيق بالصاروخ، بعد إطلاقه، بهدف وضعه على المدار المطلوب. وتقوم هذه المنظومة بتحديد موقع الصاروخ ووجهته، بإجراء قياسات دقيقة، وذلك باستخدام جيروسكوبات (مدوارات) ومقاييس تسارع. ويمكن لآلية التحكم، بفضل هذه المنظومة، حساب التعديلات اللازمة لضبط مسار الصاروخ وفق مخطط الرحلة. وعندما يصل الصاروخ إلى طبقات الغلاف الجوي قليلة الكثافة يقوم نظام الملاحة بتحرير الساتل، ثم تشغيل صواريخ صغيرة بالقدر الكافي لإعطاء الساتل مسارات بيضوية انتقالية متتالية وصولاً إلى المدار الدائري المطلوب.
نافذة إطلاق الساتل
هي المدة الزمنية المحددة التي يسهل فيها وضع الساتل على المدار المحدد لأداء مهمته. ويكون إعادة رواد الفضاء إلى الأرض بسلام، في حالة المركبة الفضائية، لدى حدوث خلل ما عاملاً مهماً في اختيار نافذة الإطلاق. أما للأنواع الأخرى من الرحلات، بما فيها الرحلات الكونية، فيجب أن تسمح نافذة الإطلاق للرحلة باتباع المسار الأكثر فاعلية نحو مقصده. فإذا كان الطقس سيئاً أو حدث خلل ما في أثناء التحضير للإطلاق فيجب تأجيل الرحلة حتى النافذة التالية الملائمة، إذ إن إطلاق الساتل في الوقت غير الملائم، حتى ولو توافرت الشروط الجوية المناسبة، قد يضع الساتل على مدار خاطئ لا يصلح لأداء المهمة.
تكلفة الساتل
تتفاوت تكلفة الساتل تبعاً لمهمته ومواصفاته (الكتلة، الحجم، الوقود، مدة الحياة)، والتقانات المستخدمة في صنعه. وقد بلغت تكلفة ساتل مراقبة الإعصار المداري، على سبيل المثال، 290 مليون دولار، في حين بلغت تكلفة ساتل إنذار مبكر 682 مليون دولار. وتقارب تكلفة مهمة المركبة الفضائية نصف مليار دولار (إذ يمكنها وضع عدة سواتل على المدار في آنٍ واحد). ويجب أخذ تكلفة الإطلاق في الحسبان، وتراوح بين 50 و400 مليون دولار، تبعاً لمواصفات الساتل ووسيلة الإطلاق.
الآفاق المستقبلية
تؤدي السواتل دوراً رئيساً في حياتنا اليومية، من خلال النشرات الجوية أو الإرسال التلفزيوني الفضائي أو المكالمات الهاتفية الدولية أو إنقاذ الطائرات وغيرها. وتشهد السواتل تطوراً في الخدمات المقدمة (مثل الإنترنت عريضة الحزمة عبر الفضاء، وأنظمة تحديد الموقع على متن المركبات)، وفي التقانات المستخدمة في صنعها، وفي مواصفاتها (كالحجم والكتلة والسعة)، وفي مصادر الطاقة المستخدمة، والوثوقية. وستعزز السواتل من مكانتها ركيزةً أساسيةً في مجتمع المعلومات والاتصالات.
المراجع
الموسوعة العربية
التصانيف
الأبحاث