رايت (فرانك لويد -)
(1867-1959)
فرانك لويد رايت Frank Lioyd Wright معماري ورسام ومنظّر أمريكي بارز، ولد في ويسكنسن Wisconsin وتوفي في أريزونا. ودرس العمارة في «باريس» وله إسهامات معماريّة مهمة في بلاده، حتى عدّ رائد العمارة في الولايات المتحدة الأمريكيّة. بدأ حياته المهنية رساماً عادياً في إحدى الوكالات، ثم أخذ يفرض وجوده في بلاده وخارجها، من ذلك مساهمته في وضع مخطط جديد لمدينة «بغداد».
6بناء فولنك ووتر فوق شلال حيث يبدو البناء مقاماً5
إلى جانب نبوغه في العمارة، كانت له أفكاره ونظرياته الخاصة التي نشرها في الكثير من الصحف والمجلات، وقد كشفت هذه الكتابات تأثره الواضح بأفكار الشعب، وبروح المؤرخ والناقد الإنكليزي كاريل والكاتب الأمريكي ثورو مؤلف كتاب «الحياة في الغابات». نادى رايت بمذهب الخيال السامي القائل بتفضيل المدركات البديهّية والعقليّة على الاختبار المحض. كان معجباً بالفن البدائي مثل بيكاسو وبراك وثمة تأثيرات واضحة جاءت من هذا الفن إلى بعض تصاميمه مثل مخزن ويسكنسن وأبنية كاليفورنية التابعة لمصانع النسيج.
يعدّ رايت نابغة شيكاغو وهو أقوى المهندسين موهبةً واقتداراً. امتلك نزعة إنسانيّة نبيلة، وناهض الشكليّة التي تدرب عليها في باريس. كان فناناً حقيقياً، ومعمارياً عظيماً متفرداً، شق طريقه في أمة لم تولِ أي احترام للمهندس الفنان الذي يصمم ويبدع بإحساس إنساني رفيع.
إن عدداً من مشروعات رايت في العقد الثاني من القرن العشرين، بقيت حبراً على ورق. كان بعضها أعمالاً خيالية من فن الباروك، كمشروعه في مزرعة دوهني بمقاطعة كاليفورنية عام 1921، وبعضها الآخر متقدماً تقانياً كمشروع شركة التأمين على الحياة الوطنية الذي وضعه مابين عامي 1920 و1925. وكانت تصاميمه للشقق السكنية في هذه المرحلة، غريبة لا تصدّق، مؤلفة من أشكال منفذة من الخرسانة والزجاج على هيئة الأكورديون غنية بالتفاصيل، ومصممة لتأمين راحة المقيمين فيها بشكل يليق بالإنسان.
لقد وضع رايت في هذه الفترة أفضل أعماله المعمارية، فدعاه اليابانيون إلى طوكيو ليبني الفندق الإمبراطوري الذي اشتهر بسقوفه المنخفضة، وبمقاومته للزلزال العظيم الذي ضرب اليابان في عام 1924، كما اشتهر هذا القصر بفراغاته المتداخلة. وعقب عودته من اليابان، وضع رايت تصاميم معمارية مهمة، خاصة في جنوب كارولينا وأوكلاهوما، وكانت التراكيب العمودية والأفقية التي شكلت هذه الأبنية، تتلاءم بشكل جميل مع الموقع الخاص بها.
بعد شهرة واسعة حافلة بالإبداع والإنتاج، أصبح رايت يميل إلى العزلة، فاعتكف في ويسكنسن حيث أنشأ بيتاً جميلاً ومزرعة، وأحاط نفسه بمجموعة من التلاميذ الشباب، جاء معظمهم من خارج أمريكا، فكانت هذه الفترة له فترة تأمل ومراجعة.
ما بين عامي 1927 و1928 نشر في مجلة «ريكورد» سلسلة مقالات أعلن فيها أن على المهندس المعمار أن يكون سيد الآلة، وأن يستعملها بإبداع دون أن يقع ضحية الجمود الذي هو روح الآلة. وأصر على أن فن العمارة يبتدئ بمنطق المخطط.
6بناء جونسون واكس5
حارب رايت الاصطفائيّة، تاريخية كانت أم حديثة، وآمن بأن الشكل لا يطوره سوى المصمم والمواد والموقع وهيكل البنيان، وكان دائم التذكير لجيله من المهندسين الذين بهرتهم منتجات الآلة البراقة، بالكنوز التي ما زالت مكنونة في المقلع وفي آتون الجير ومنشرة الخشب. وكان بعيد النظر فيما يخص إمكانيات الزجاج والخرسانة وصفائح المعدن.
قام رايت في عام 1930 بإلقاء مجموعة من المحاضرات نُشرت فيما بعد في كتاب عنوانه «فن العمارة الحديث» بدا فيه خارجاً على عصره، معارضاً للأسلوب الحديث الذي ظهر في أوربة. ظهرت أعمـال رايـت العظيمة في أواخر العقد الثالث من القرن العـشرين في سـلـسلة من الأبنيّة منها «فولنك ووتر» وهو بناء فوق شلال ماء، ومشروع «جونسن واكس بلدنك» وبرج «سـان مارك» الذي صممه عـام 1929 ونُفذ عام 1955 على شكل برج «برايس» في «بارتلرفيل» بمقاطعة «أوكلاهوما».
كانت أعمال رايت دليلاً على مستقبل العمارة، وهي تختلف عن عمارة «لوكوربوزيه» و«كروبيوس» في النظرية وفي التطبيق.
وجدت أبنية «رايت» موضوعاتها الهندسيّة في تضاريس الأرض، وكان الحيز لديه ليناً يتخذ منه الشكل الذي يريده، والضوء هادئاً يعتمد على اختلاف الظل والنور، وكان يُفضل الملمس الخشن وألوان الخريف في عمارته التي تنمو كالجسم العضوي بملاءمتها للموقع والمواد والهياكل الخاصة، وقد حاول مصممون ومهندسون آخرون تقليد أسلوب رايت الشخصي ولكن دون جدوى.
منزل روبي (شيكاغو)
كان خيال رايت ينفِر كحَمَل في الربيع. وقد أُقيمت لأعماله معارض كثيرة، منها معرض «جمبل» في فيلادلفية عام 1950 الذي نُقل إلى أوربة.
برهن رايت في عدد كبير من أبنيته على مهارته التي لا تجارى في معالجة الحجوم والمستويات، وظهر هذا التنوع الحيوي العظيم في بناء «ريشة النسر» بالقرب من أكمات «سانتا مونيكا» وفي بناء «نادي الرياضة» الذي يخص «هوليوود» وفي أبنية كلية جنوب «فلوريدة» وفي بناية إدارة «جونسن واكس» وفي دار «بوزون».
أعلن رايت في كتابه «المدينة المحتجبة» الصادر عام 1932 عن نفور شعبي من الحياة المدنية العصريّة، وحمله هذا الأمر على معالجة مشكلة تطوير شكل جديد للجماعات. ظهر هذا التطور في مخطط مدينة «بروديكر» الذي عُرض أول مرة في مركز «روكفلر» عام 1935 ثم في متحف الفن الحديث عام 1940.
تتميز حلول «رايت» المعماريّة من حلول «لوكوربوزيه» بأخذها بعين الاعتبار الحياة الشخصيّة التي لا توجد أبداً عند «لوكوربوزيه» الذي تتميز حلوله بالمنطق الشديد.
لقد نهضت أعمال المهندس المعمار الفذ «رايت» في أرض أمريكا الشاسعة، وكانت دائماً منسجمة ومتوافقة مع أمكنتها ومواقعها، وهذه الخاصيّة الفريدة في تصاميمه، رفعته إلى مستوى إقليمي، مما حدا بالعديد من المهندسين إلى تقليده، ليس في أمريكا فحسب، بل وفي العالم أيضاً، وبالمقابل كان هناك عدد من المهندسين الذين يطعنون في عبقريته حتى بعد وفاته، لكن في حقيقة الأمر، ما كان لدى هؤلاء من العبقريّة ما يكفي لمعرفة استعمال مبراة قلمه.
محمود شاهين
المراجع
الموسوعة العربية
التصانيف
الأبحاث