يميز في عمر الأرض نوعان: عمر نسبي وعمر مطلق. فالعمر النسبي للأرض هو مجموع الأحقاب الجيولوجية التي مرت على الكرة الأرضية (أو ما يسمى بالتاريخ الجيولوجي للأرض) وأدت إلى تكون القشرة الأرضية بالشكل الذي يُرى اليوم بعد تكون كوكب الأرض، بينما العمر المطلق لها هو الزمن الذي انقضى منذ نشوء كوكب الأرض حتى اليوم. ولكل منهما طرائقه الخاصة للقياس.
 
تحديد العمر النسبي لكوكب الأرض:
 
يقدر العمر النسبي للأرض بنحو 20% من عمر كوكب الأرض، ويُحدّد بطرائق تعتمد على التغيرات المتتالية في ظروف التعرية والترسيب، التي مرّت بها الأرض في تاريخها الجيولوجي الحديث Neozoic والوسيط Mesozoic والقديم Paleozoic، وعلى التباين في الطبقات الرسوبية والبنى الصخرية من حيث التكوين والسماكة والانتشار، وعلى محتواها من بقايا المتعضيات بمختلف أنواعها وأشكال تطورها، ومن حيث مكوّناتها المعدنية وأشكال ارتصافها، التي تشير إلى قطبية الحقل المغنطيسي القديم وانقلاباتها. وتخدم في ذلك طرائق ثلاث: هي (1) الطريقة الجيولوجية الترسيبية، و(2) الطريقة الجيولوجية الحيوية، و(3) طريقة المغنطيسية القديمة.
 
الطرائق الجيولوجية الترسيبية: يُعتَمَد لتحديد العمر النسبي للطبقات المتتالية للرسوبيات، على علم الطبقية أو الستراتيغرافية الصخرية perostratigraphy التي تكوّنت  بفعل عمليات الترسيب والتعرية (الحرارة والمياه والجليد والرياح)، إذ تُصنَّف الصخور بحسب أزمنة تَكُّونها من خلال محتوياتها الجيوكيميائية (المعدنية) والحيوية، وتوضع لها سلالم زمنية تؤرخ الأحداث الجيولوجية، وهي الأساس الذي تستند إليه كتابة تاريخ الأرض وتاريخ الحياة ومسائل الجيولوجيا الإقليمية. 
 
وثمة فرع لعلم الطبقية هو الطبقية الحيوية biotstratigraphy، يُحدّد من خلاله الزمن الذي استغرقته فترة الترسيب لكل طبقة وعمرها، ويكون ذلك بدراسة البقايا المتعضية للمستحاثات المصادفة فيها. وهكذا يوضع السلم الزمني الحيوي النسبي chronostratigraphy لتاريخ الأرض. أما إذا اقتصر وضع السلم الزمني على الطرائق الجيوكيميائية وعلى نوعية الصخور[ر] (البتروغرافية) من دون الاستعانة بالمستحاثات الحيوية، فتسمى الطبقية الصخرية (بتروستراتيغرافية أو ليثوستراتيغرافية lithostratigraphy أو petrostratigraphy)، وهي في معظم الحالات أقل أهمية مـن الطبقية الحيويـة، رغم أنها غالباً قادرة، على وصف الوحدات الصخرية الجيولوجية وربطها إقليمياً بعضها ببعض. 
 
الطرائق الجيولوجية الحيوية: استطاع علماء الأحياء القديمة (علم الأحافير أو المستحاثات) paleontology، تحديد الأعمار النسبية للصخور، منذ أن ترسبت في البحار والمنخفضات، وذلك بناء على بقايا القواقع والعظام المختزنة فيها إضافة إلى انطباعات بعض المتعضيات، التي عاشت في تلك الحقبة التاريخية، على الصخور، ووضعوا لها جداول تصنِّف الأحقاب الجيولوجية الزمنية المتتابعة، وهكذا توصل العلماء إلى الأعمار النسبية للطبقات الصخرية الواردة في الجدول (1). ولكن تجدر الملاحظة إلى أن الأزمنة المحددة في هذا الجدول وفق هذه الطريقة، تبقى نسبية وتقريبية، برغم محاولات عدة للوصول إلى أعمارها المطلقة والدقيقة، اعتماداً على سماكة الرسوبات ومكوِّناتها وسرعة عملية الترسيب الخاصة بها، وعلى سرعة التطور الحيوي وتمايز بعض المتعضيات والتغيرات التي طرأت عليها خلال التطور والعصور. علماً بأن ذلك ينطلق من تَطَبُّق stratification الغطاء الرسوبي في الأزمنة الجيولوجية الحديثة، أي بعد أن نشأت وازدهرت على سطح الأرض،  إذ ترتسم دورات شدة الإشعاع الشمسي (مثلاً بين الشتاء والصيف) على أحزمة (نطاقات) الترسيب في الأقاليم الباردة، وعلى ألوان حلقات النمو في المقاطع المأخوذة من سوق الأشجار.
طرائق المغنطيسية القديمة paleo-magnetic methods: وهي تصلح للتاريخ الأرضي الحديث، وتعتمد حقيقة أن الحقل المغنطيسي الأرضي كان، ولفترات محددة، موازياً، من حيث الاستقطاب، للحقل الحالي أو معاكساً له. وقد أمكن توفيق هذه الفترات مع السلم الزمني الإشعاعي، لتأكيد أهمية السلم المغنطيسي الزمني (الجدول 2) الذي يُوضِّح انقلاب القطبية المغنطيسية، وإمكان الإفادة منها لتحديد عمر الأرض في تاريخها الحديث.
 
تحديد العمر المطلق لكوكب الأرض Geo-chronology بالطرائق الإشعاعية
 
يستفيد العلماء اليوم من التحليل الدقيق لمحتوى العينة الصخرية من النظائر المشعة  isotopes ليحسبوا، من تراكيزها النسبية، الزمن الذي انقضى على تكوَّن العينة الصخرية، إذ يسمح الانزياح الملاحظ في تركيز العناصر المشعة بتحديد أعمار الصخور، وبوضع السلم الزمني المطلق، بحسب قوانين التفكك الإشعاعي. مثال ذلك انزياح نسبة تركيز اليورانيوم أو الثوريوم إلى تركيز الرصاص في العينات الصخرية (طريقة الرصاص)، أو باستخدام طريقة الهليوم، في حال كان محتوى الصخر من عنصري اليورانيوم والثوريوم ضعيفاً. أما وحدة قياس الزمن في هذه الطريقة فهي السنة ومضاعفاتها.
 
تقوم الطرائق الإشعاعية بتأريخ الزمن في مرحلة ما قبل العصر الجيولوجي القديم (الكامبري)، إلى جانب استخدامها مع الطرائق الحيوية والترسيبية في المرحلة الجيولوجية اللاحقة من عمر كوكب الأرض، التي تسمى بعصر الحياة أو الفانيروزوئيك Phanerozoic، ويسهم في ذلك عدد من النظائر المشعة (الجدول 3) ذات التفكك السريع (مثلاً C14 وk40 للأعمار القصيرة) إلى متوسطة الأمد (نظير الراديوم Ra226 والثوريوم Th230 للأعمار المتوسطة)، والنظائر ذات التفكك البطيء إلى بالغ البطء (اليورانيوم U238 و U235 للأعمار المديدة جداً)، وهي تغطي أعمار الصخور التي نشأت قبل مليار سنة، والنظائر التي سقطت على الأرض مع النيازك، ويصل عمرها إلى بضعة مليارات من السنين. وهكذا، تبدو الصخور والفلزات minerals التي تحتوي علـى هـذه العناصر المشعة، كأنها ساعـة زمنية geo-chronometer فريدة، تقيس الزمن بأجزاء الثانية وبملايين السنين، منذ نشوء الأرض حتى اليوم.
 

المراجع

موسوعة الأبحاث العلمية

التصانيف

الأبحاث