تكون الدولة شمولية عندما تحكم بنظام حكم شامل، أي عندما لا تسمح بوجود أي مؤسسات مستقلة، بمعنى آخر عندما تكون أهداف وأنشطة وعضوية جميع منظمات المجتمع المدني خاضعة لتحكم الدولة، ويعني ذلك غياب حرية هذه المنظمات. والواقع أن الفيلسوف الإنكليزي توماس هوبز (1588 ـ 1697) في كتابه عن (سلطة الكومنولث الكنسية والمدنية) توجه إلى النظرية السياسية وأنكر أن الناس مخلوقات اجتماعية بطبيعتها وجادل ودلّل على أن معظم الدوافع الأساسية هي العوامل الأنانية، وأن أي شيء يحدث يمكن التنبؤ به وفقاً لقوانين علمية دقيقة. وقد تبعه جان جاك روسو (1712 ـ 1778)، وهو فيلسوف فرنسي ساعدت فلسفته في تشكل الأحداث السياسية التي أدّت إلى قيام الثورة الفرنسية، إذ أكّد أن القوانين يجب أن تعبّر عن إرادة الشعب وأن أي نوع من الحكم يمكن أن يكتسب الصفة الشرعية ما دام النظام الاجتماعي القائم إجماعياً. وقد شكّك كلاهما في قيمة هذه الحرية وقدَّما مبررات تشجع الحكم الشامل.
أحد الجوانب المهمة في الكُلِّيانية أو الحكم الشامل totalitarianism- totalitarisme هو تحكّم الدولة التام في وسائل الاتصالات، وكذلك في الأيديولوجية التي تقوم أساساً على كون الدولة المصدر الوحيد لأي شرعية، ومن ثم فإنه لا يمكن أن يوجد أي استقلال لمؤسسة ما مثل الجامع أو الكنيسة أو الجامعة أو النادي أو الجمعية، وإذا ما وجدت مثل هذه المؤسسات فإن ذلك يتم بإذن خاص من الدولة، ومن ثم لا يمكنها أن تمارس أنشطتها إلا وفقاً للتعليمات المفروضة من الدولة.
ولا يشترط، بالضرورة، أن تكون الشمولية عنيفة، ولكنها غير عادلة لأنها تتضمن تدخّل الدولة في حقوق طبيعية كثيرة، ولأنها تعمل على إلغاء كل أشكال التجمع طالما هي غير مسموح بها من سلطة أعلى. وهذا التلاشي للمجتمع عادة ما يتمّ في ظل نظام يأتي بعد تحكم الدولة في جميع مصائر المجتمع، بشراً ومفاهيم وتقاليد.
والنظام الشمولي totalitarian regime هو ذلك النظام الذي يقوده عادة حزب سياسي واحد ينفرد بالسلطة ويسيطر على مختلف وسائل الإعلام بقصد نشر عقيدته السياسية. وتعدّ التعبئة السياسية للجماهير ملمحاً أساسياً من ملامح هذا النظام الذي تنتفي فيه حريات الرأي والاجتماع والمعارضة والذي قد يلجأ إلى التصفية الجسدية لأعدائه. والجدير بالذكر أنه كان لبعض الأنظمة السياسية الموصوفة بأنها شمولية وجود ما انقضى بانقضاء الظروف التاريخية المعينة التي أنتجتها (مثل: ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية والاتحاد السوڤييتي السابق وغيرها). وتوصف هذه الأنظمة بأنها أنظمة حكم شامل.
يُطلق على نظام الحكم الشامل في اللغة العربية اسم «الكلِّيانية» ويوصف بأنه حكم استئثاري واستبدادي. وتوصف بذلك أنظمة الحكم الشيوعي المضادّة لأنظمة الحكم الرأسمالي. ففي النموذج الأول لا يملك الفرد أكثر مما يملك غيره، إما لأن الثروات مملوكة ملكية مشتركة أو لأن مؤسسة الثروة غير موجودة في الأساس. والملكية مقصورة على وسائل الاستهلاك ولا تدخل فيها وسائل الإنتاج، في حين أن الفرد يتمتع بالملكية الكاملة في النظام الرأسمالي. ويبدو الحكم الشامل أو الكلِّياني متميزاً من غيره من أنواع الحكم بأنه تغيب فيه كثير من حقوق الإنسان وحرياته، بحيث تصبح الدولة مصدراً لوسائل الاتصال والمعلومة، في حين أن حقوق الإنسان وحرياته تشمل حرية الاتصال والمعلومة إضافة إلى حريات تشكيل الأحزاب المعارضة والرأي والاجتماع.
يعدّ شكل الحكم الشامل أو الحكم الاستئثاري الذي ينفرد به حزب واحد من الأشكال التي شهدها العالم فترة ما. ففي هذا العصر تزدهر الأنظمة القائمة على حقوق الإنسان وحرياته ومنها حريات الرأي والاجتماع والمعارضة، كما تزدهر الأنظمة المبنية على البيئة والمعلومات وحقوق المرأة بصفتها عضواً عاملاً في المجتمع. لذلك فإن الحكم الشامل بوصفه حكماً استئثارياً يعدّ من أنظمة الحكم التي يطويها التاريخ المعاصر.
المراجع
موسوعة الأبحاث العلمية
التصانيف
الأبحاث