الزيقورة Zigorat بناء هرمي مدرّج، شُيِّد في المدن الرافدية (العراق القديم) منذ الألف الثالثة قبل الميلاد. وتتكون الزيقورة من عدة طبقات تعلوها «حجرة الأقداس» وهي هيكل مخصص لآلهة المدينة، يستريح فيها في طريق نزوله من السماء إلى الأرض حيث معبده المشيد قريباً من الزيقورة. وتعد الزيقورة معبداً تصاعدياً. 
 

زيقورة ننار (إله القمر) في مدينة أور

 
 
ثمة مجموعة من الأسباب كانت وراء بناء الزيقورة؛ أولها أن الإنسان الرافدي يعتقد أن الكون مؤلف من طبقات، يهيمن على كل طبقة آلهة ممثلة بكوكب سماوي. وأن الشكل الهرمي يعبر عن الأرض في قاعدته، وعن السماء في ذروته. وثمة أسباب إنشائية تجعل بناء الزيقورة هرمياً، هي الترسيخ والثبات في الأرض ولاسيما أيام الفيضانات.
 
كانت العبادة في بلاد الرافدين كوكبية، إذ كان صفاء السماء وإشراق الكواكب سبيلاً لدراسة الأنواء والاتجاهات، ولمعرفة الغيب والتنجيم، وسبيلاً أيضاً للاستشفاء. وكانت الزيقورة تجسيداً وسبيلاً لهذه العبادة.
 
يختلف عدد طبقات الزيقورة باختلاف عدد الكواكب المكتشفة والمعبودة، فقد ابتدأت في «الوركاء» ذات طبقة واحدة تُرى في زيقورة إانا (بيت السماء). ثم استقرت في العصر السومري مؤلفة من ثلاث طبقات مستطيلة؛ الطبقة الصغيرة فوق الأكبر منها على شكل هرم مدرج، وفي الأعلى تقوم حجرة الأقداس، وأمثلتها في زيقورات «أور» و«أريدو» و«أوروك».
 
وفي العصر الآشوري كانت الزيقورة مؤلفة من سبع طبقات يصعد إليها بوساطة منحدرات لولبية تدور حول الزيقورة المضلعة، وكان برج بابل على شاكلتها. ومن هذه الزيقورة استوحيت مئذنة سامراء « الملوية» ولكنها دائرية وليست مضلعة.
 
وفي العصر الكلداني كانت الزيقورة مؤلفة من سبع طبقات وصفها هيرودوت، وكان لكل طبقة لون يرمز إلى أحد الكواكب السبعة، وكان لون الطبقة السفلى أسود ويرمز إلى زحل، وبعدها طبقة بيضاء ترمز إلى عشتار (الزهرة)، وبعدها طبقة بلون أحمر يرمز إلى مردوخ (المشتري)، ولون الطبقة الرابعة أزرق يرمز إلى عطارد، ولون الطبقة الخامسة قرمزي يرمز إلى المريخ، ولون السادسة فضي يرمز إلى ننار أوسين (القمر)، والطبقة الأخيرة ذات لون ذهبي يرمز إلى شماش (الشمس).
 
وتقوم الزيقورة على قاعدة مربعة ترمز إلى الجهات الأربع. وبهذا تمثل الزيقورة الكون كاملاً على شكل هرم مدرج يرمز إلى التسامي والقدسية، كما يرمز إلى وحدة الأرض ممثلة بالإله «أنكي» مع السماء ممثلة بالإله «أنو».
 
مازالت طريقة بناء الزيقورة واضحة في بعض بقايا الزيقورات. فلقد كانت مؤلفة من اللب المبني بوساطة ألواح الطين المجفف على شكل قوالب مربعة أو مستطيلة ذات أبعاد محددة وثابتة، وتنضّد القوالب على شكل مداميك يفصلها عن بعضها طبقات من الحصير لتمكين البناء، وفي الطبقات العليا يُستبدل بالحصير القصب. وتنفتح في جسم الزيقورة ثقوب تخترق لب البناء، مشكلة قنوات أفقية محشوة بحبال البردي يبلغ قطرها ذراعاً. وذلك لدعم الجدران الخارجية والتخفيف من حمولة الطين المجفف، ولتسهيل انسياب مياه الأمطار والسيول كي لاتؤثر في جسم البناء، ويكسى لب البناء بألواح من الآجر المشوي بقياسات محددة، وتستغل هذه الألواح في بلاط الأرض والأدراج.
 
إن أقدم أمثلة على الزيقورات المكتشفة يُرى في «أريدو» وهي أقدم مركز حضاري سومري يقع قريباً من الخليج العربي، وفيه عثر على زيقورة ومعبد «أنكي». وقد أعيد بناء الزيقورة في عصور لاحقة فبدت هرماً مدرجاً يقوم على مصطبة غير متناسقة.
 
ولعل أقدم زيقورة مازالت في وضع متكامل هي زيقورة ننار (إله القمر) في مدينة أور، والتي رممت مؤخراً ترميماً واسعاً. وقاعدة هذه الزيقورة مربعة وهي مبنية بألواح الطين المشوي والطين المجفف (أبعاده40×20سم)، ورتب التغليف الآجري الخارجي على شكل محاريب مضلعة ومتعاقبة. وتتألف هذه الزيقورة من أربع طبقات، يصعد إليها عن طريق درجات مستقيمة الاتجاه، تتعامد مع الضلع الشمالي الشرقي للزيقورة، وصولاً إلى أعلى طبقة حيث «حجرة الأقداس»، وقد تستعمل هذه الحجرة لحفلات الزواج المقدس. وإلى جانب الزيقورة مجموعة من الأبنية كانت مكاناً للاستراحة فيه مائدة النذور وبناء مخزن المعبد، ومقر الكاهنة الكبرى، ثم مطبخ الملك وأخيراً القصر الملكي.
 
 عفيف البهنسي

المراجع

موسوعة الأبحاث العلمية

التصانيف

الأبحاث