تعريفها

 
تعني المساواة l’égalité التطابق والمماثلة بين الأفراد في الحقوق والواجبات بمقتضى القاعدة القانونية التي تنظم العلاقات الاجتماعية، وتحتل المساواة مكاناً مرموقاً ضمن المنظومات الحقوقية للدول المعاصرة لأنها تعد شرطاً للحرية، لذلك يعدّ بعض الفقهاء أن المساواة هي أول الحقوق وأساسها. وهي عنصر أساسي لبناء دولة القانون، لذلك فقد احتلت المساواة مكاناً بارزاً في النظم الدستورية المقارنة، فقد نصت المادة /25/ من دستور الجمهورية العربية السورية مثلاً على أن «المواطنين متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات» وعلى ضرورة أن «تكفل الدولة مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين». وكذلك كان الحق في المساواة على رأس الحقوق المعترف بها في الإعلان العالمي لحقوق الانسان (المواد1 و2 و7 و10 و16 منه).
 

أنواع المساواة

 
للمساواة أنواع مختلفة ومتعددة، إذ إنها تتنوع وفقاً لمضمونها وغاياتها، وتتجلى هذه الأنواع وفقاً لما يأتي:
 
ـ المساواة أمام القانون L’égalité devant  le droit: ويتجلى هذا النوع من المساواة من خلال التزام الجهة المختصة بسنِّ قاعدة القانون، بحيث لا ترتكب تمييزاً ومحاباة بين المخاطبين بها، وبوجوب أن تعامل كل المراكز المتماثلة بطريقة متطابقة، ومن خلال الالتزام الواقع على عاتق الجهات التي تطبق القاعدة القانونية، بأن لا ترتكب تمييزاً بين الخاضعين للقاعدة القانونية لا تنص عليه هذه الأخيرة.
 
ـ المساواة أمام القضاء L’égalité devant la justice: تعني المساواة أمام القضاء، وممارسة جميع مواطني الدولة حق التقاضي على قدم المساواة أمام محاكم واحدة، ومن غير تمييز أو تفرقة بينهم، بسبب الأصل أو الجنس و اللون أو اللغة أو العقيدة أو الآراء الشخصية، ويتفرع من مبدأ المساواة أمام القضاء النتائج الآتية:
 
أ ـ وحدة القضاء: ويقصد بذلك أن يكون التقاضي لجميع المواطنين أمام القضاة أنفسهم الذين هم من الدرجة نفسها، مما يفرض بدوره عدم وجود محاكم خاصة أو استثنائية لأفراد معينين بذواتهم، أو لطوائف أو طبقات اجتماعية محددة.
 
ب ـ المساواة أمام التشريعات والعقوبات المطبَّقة: ويتمثل ذلك بضرورة تحقيق المساواة بين المتقاضين بالنسبة إلى القوانين التي تُطبّق عليهم فيما يثور بينهم من منازعات، وتوقيع العقوبات ذاتها المقررة للجرائم نفسها على جميع مرتكبيها.
 
ج ـ مجانية القضاء: فلكي تتحقق المساواة أمام القضاء، يجب أن يكون اللجوء إليه مجانياً، إلا أن ذلك يعد حتى اليوم مسألة نظرية؛ لأن وسائل اللجوء الى القضاء مكلفة في كثير من الأحيان، ولاسيما فيما يتعلق بالنفقات القضائية وأتعاب المحاماة.
 
ـ المساواة في استخدام المرافق العامة: فما دام المرفق العام نشاطاً تمارسه جهة عامة في سبيل إشباع حاجة من الحاجات التي تحقق المصلحة العامة، وطالما كان المرفق العام بطبيعة وجوده خدمة للمجتمع ولمصلحة الجميع، فمن الطبيعي لذلك أن يتساوى في استخدامه الجميع من غير تمييز أيّاً كان سببه.
 
ـ المساواة في نطاق الوظائف العامة: إذ يجب أن يتساوى الجميع في الدخول إلى سلك الوظيفة العامة في نطاق الرواتب والأجور والترقيات والعلاوات، طالما كانت مراكزهم القانونية واحدة.
 
ـ المساواة في استخدام الأموال العامة: ولأن المال العام مخصص للنفع العام فهو يُستخدم حتماً من قبل الجمهور، وهو ما يُطلق عليه اصطلاحاً تسمية الاستعمال العام للمال العام، وهو يقوم بصفة أساسية على مبدأ مساواة المنتفعين، أي المساواة بين جميع مستخدمي المال العام، ومن ثمّ فإن جميع الأفراد يجب أن يُعاملوا على قدم المساواة في هذا المجال، ماداموا قد تساووا في مراكزهم القانونية.
 
ـ المساواة في التكاليف والأعباء العامة: إن تعبير التكاليف العامة charges publiques يعني كل النفقات التي تدفع ضمن مصلحة كل أفراد المجتمع، ومن ثم فإن نفقات الدولة وأعباءها تأخذ معنى واحداً في هذا النطاق، إذ تحتاج إلى موارد كافية لتغطيتها، وهذه الموارد يجب أن تُوزع على كل أفراد المجتمع على قدم المساواة، ما دامت تُدفع في سبيل مصلحتهم جميعاً، لذلك لا يجوز أن يتحملها بعض الأفراد من دون بعضهم الآخر.
 

التحولات في مفهوم المساواة

 
حين نشأ نظام الحرية الاقتصادية التقليدي كان يفرض حرية المبادلات وحرية التجارة، وأن يقتصر دور الدولة على حماية النظام الحر للمعاملات والمبادلات التي يقوم عليها النظام الاقتصادي، إلا أنّ مبدأ الحرية الاقتصادية على النحو المذكور، قاد إلى الظلم الاجتماعي لانعدام المساواة الحقيقية بين الأفراد وجعلها فرضية نظرية بحتة، فالمساواة لا تتحقق إلا بتسليح أطراف العلاقات القانونية الاقتصادية بسلاح مماثل، ثم تركهم يتنافسون في معركة الحياة، بيد أن الناس في المجتمع الفردي غير متساوين في الظروف أو في الكفاءات الطبيعية أو في القوة الاقتصادية؛ لذلك كان لابد من تدخل المجتمع أو السلطة لتلافي هذه الاختلالات الناشئة من فرضيات الحرية الاقتصادية المطلقة، لذا  اتجهت التشريعات المعاصرة الى وضع الحريات الاقتصادية في تنظيم دقيق وقيود عديدة؛ مما أسهم في ايجاد جملة من الحقوق الاجتماعية التي تجد أساسها في الرغبة بتحرير الضعفاء اقتصادياً من سيطرة الملاك وأرباب الأعمال، وإيجاد نمط من المساواة الفعلية ضمن العلاقات القانونية.
 

المساواة في القانون الدولي العام

 
بالرغم من أن تنمية العلاقات الودية بين الدول على أساس المساواة في الحقوق فيما بينها يعد مبدأً أساسياً من مبادئ القانون الدولي العام، على نحو ما جاء في المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة، وعلى الرغم من أن ديباجة الميثاق المذكور قد أقرت بالمساواة بين الأمم كبيرها وصغيرها، وعلى الرغم من أن مبدأ المساواة في السيادة بين الدول من المبادئ الرئيسة في إطار العلاقات الدولية، إلا أن الواقع الدولي، يعكس خلاف ذلك، فالقوة العسكرية والاقتصادية للدول هي الفيصل في تحديد مسار العلاقات الدولية؛ لذلك فإن تنامي القوتين العسكرية والاقتصادية لبعض الدول أوجد خللاً خطيراً في المساواة الفعلية على صعيد المجتمع الدولي، ويتجلى هذا مثلاً في أن الميثاق ذاته منح الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن حق النقض[ر] «الفيتو»، وهو يخل بمبدأ المساواة أيما خلل؛ إذ يمكّن أياً من هذه الدول دائمة العضوية أن ترفض أي مشروع قرار يُعرض على المجلس حتى لو نال الأغلبية اللازمة لإقراره، أضف إلى ذلك أنه في السنوات الأخيرة أضحت دولة عظمى واحدة (الولايات المتحدة) قادرة على فرض إرادتها على العالم أجمع ولو على حساب مصالح هذا العالم كله أو جلّه.
 
 

المراجع

موسوعة الأبحاث العلمية

التصانيف

الأبحاث