كتب: د.علي بن عمر بادحدح
27 شوال 1428 ( 08-11-2007 )
 
أخي الداعية لا يخفى على أحد أهمية الحماسة ، وأثرها في الانطلاق ، ولا شك أنك تعلم أن الدعوة ليست ملكاً لك ولا لغيرك ، وأن مراعاة مصالحها ، والحرص على تحقيق أهدافها من أوجب الواجبات ، وأنه لا يمكن لأحد أن يفرط أو يتساهل أو يقصر في شيء من ذلك استجابة لحماسة دافعة ، أو ردود فعل طائشة لا تقدّر العواقب ، ولا تدرس النتائج ، وتعود على الدعوة بالمصادرة أو المحاصرة ، وتفقدها مكتسبات استغرقت زمناً طويلاً ، واستنفدت جهداً كبيراً .

 إن الداعية مطالب أن يضبط حماسته بأحكام الشرع ، ومراعاة المصلحة، والأخذ بالأسباب ، ولا يغيب عن البال أن الصراع بين الدعوة وخصومها صراع عقائدي حضاري ، ممتد في الزمن ، شامل لجميع المجالات فليس الهدف الانتصار على الباطل في ميدان محدود أو جولة محدودة على حساب عرقلة الدعوة ، وتأخر المشروع الإسلامي المتكامل.

 والرسول - صلى الله عليه وسلم - القدوة الأولى في هذا المضمار ، فعندما اشتد أذى قريش ، وزاد سعارها ضد الدعوة والدعاة أراد النبي الكريم أن يحمي الدعوة ، ويجنبها صداماً ليست مهيأة له ، ولذا عمد إلى نزع فتيل التوتر لتفويت الفرصة على المتربصين المنتظرين لأدنى سبب لتوسيع دائرة الحرب ، والعمل على استئصال الدعوة ، ومن هنا وجه النبي الكريم أصحابه للهجرة إلى الحبشة محققاً بذلك تهدئة الأوضاع ، وحماية للدعاة ومزيداً من الانتشار للدعوة ، وعندما بايعه النفر الأوائل من الأنصار قال بعضهم للمصطفى - عليه الصلاة والسلام-: " والذي بعثك بالحق لئن شئت لنميلن غداً على أهل منى بأسيافنا "، فقال لهم : ( لم نؤمر بذلك )، فضبط حماستهم استجابة لأمر الله ، ومراعاة لسياسة الدعوة ومصلحتها ، وكذا كان الأمر في صلح الحديبية عندما دفعت الحماسة عمر - رضي الله عنه - إلى عدم القبول بشروط الصلح والسلام ، حيث انتزع اعترافاً رسمياً من قريش بالمسلمين ودولتهم ، ثم كانت الهدنة فرصة لنزع طبيعة التوثب الناشئة عن الصراع العسكري مما هيأ العقول والنفوس أن تتقبل دعوة الإسلام بعيداً عن العداء والثأر والدماء، وكان المسلمون في الحديبية ( 1400) رجلاً، وبعد عامين كانوا ( 10.000 ) رجل في فتح مكة ، وكان المسلمون قبل الحديبية قد انتصروا في " بدر " وكانت لهم جولة في " أحد " ورد اعتبار في " حمراء الأسد " وخزي للمشركين في " الخندق " وكانت حماستهم وإيمانهم وتضحيتهم على استعداد للتصعيد والقتال ولكن الرسول الكريم أراد للدعوة الحماية والانتشار ، حتى يحقق المزيد من التمكين والانتصار في معركة فاصلة ، تحقق من المكاسب أضعاف أضعاف المكاسب القليلة في الانتصار المحدود.

 واليوم تواجه الدعوة والدعاة حملة شعواء ، وهجمة شرسة ، ومضايقة مستمرة تستدعي أن تكون الكياسة مصاحبة للحماسة ، حتى تسترشد بالسيرة العطرة للداعية الأول عليه الصلاة والسلام .

المراجع

midad.com

التصانيف

ثقافات فرعية   العلوم الاجتماعية