يُقصد بعلم المغاور spéléologie النشاطات المختلفة التي تؤدّي إلى استكشاف الكهوف ودراستها. فهو يسعى إلى تحقيق متعتين : متعة الرياضة (علم المغاور الرياضي) ومتعة البحث العلمي (علم المغاور العلمي scientifique spéléologie الذي يقسم إلى علم المغاور الفيزيائي وعلم المغاور الآثاري وعلم المغاور البيولوجي). 
 
بُذلت منذ أكثر من نصف قرن جهود كثيرة لتشجيع علم المغاور ،هذا العلم الذي نشأ وبدأ يتقدم نتيجة لاكتشاف عدد من المغاور اللافتة للنظر. وجرت العادة أن تنسب بداية هذا العلم إلى اكتشافات إدوار ألفرد مارتل الذي يُعدّ من الرواد الأوائل في استكشاف المغاور ودراستها. وقد تتابع تطور هذا العلم فيما بعد وأُسست الجمعية الفرنسية لعلم المغاور عام 1930. وبدءاً من عام 1945 انتظم مستكشفو المغاور في العالم في نوادٍ تهتم بعلم المغاور. وفي عام 1963 تأسس في فرنسا الاتحاد الفرنسي لعلم المغاور ضم هذه النوادي جميعها وأشرف على إقامة مختبرات تحت أرضية للبحث العلمي ونظّم دورات تدريبية سنوية في علم المغاور.
 
تقنيات استكشاف المغاور
 
تتطلب ممارسة استكشاف المغاور تدريباً فيزيائياً وتأهيلاً تقانياً خاصاً. ويتطلّب الظلام في باطن الأرض إنارةً مستديمة، ولذلك فإنّ الخوذات البلاستيكية التي توفر حمايةَ الرأس من الصدمات المتوقعة وسقوط الأحجار المحتملة تكون مجهزة بنظام إنارة أمامية مؤلّفة من حزمة ضوئية تغذيها مدخرة كهربائية، إضافة إلى شعلة يغذيها خزّان لغاز الأسيتيلين معلّق على الحزام، وذلك لتحرير اليدين. أمّا اللباس فيجب أن يكون مؤلفاً من ثياب تحتية من نسيج خاص يحمي الجسم من البرودة والرطوبة يـُلبس فوقها بزة من البلاستيك الكتيم وتغطّى اليدان بقفازات. وتُستعمل «جزمات» خاصة مصنوعة من «الكاوتشوك» يختلف طولها بحسب عمق المياه قد يصل طول بعضها حسب الظروف إلى ما تحت الإبط. 
 
تبدأ المغاور في الغالب بنفق شاقولي، يتطلب النزولُ فيه معرفة تامة باستخدام جميع تقنيات ممارسة تسلّق الجبال، فقد استخدمت كل الطرائق الممكنة للتغلّب على هذا العائق. وقد استُبدل بالسلالم المألوفة التي استعملت في البداية سلالم لينة صغيرة الحجم خفيفة الوزن لا يزيد وزن 10 أمتار منها على الكيلوغرام الواحد، يمكن إدخالها بنجاح في الأنفاق الشاقولية. كما استخدمت تجهيزات جديدة وخفيفة الوزن تسهّل الهبوط والصعود على حبال من النيلون مجهزة بمكابح خاصة للنزول، وأخرى للصعود تنزلق على هذه الحبال. وهذا ما يسهّل ويسرّع عملية النزول والصعود ويؤدي إلى اختصار الوقت عند استعمال السلالم العادية. وعند وجود أنفاق شاقولية عميقة جداً (200-400م فأكثر) استخدمت رافعات آلية (ونش) للتغلّب على هذا العائق. 
 
أما في المغاور والأنفاق المملوءة بالمياه فقد استخدمت أجهزة الغطس المختلفة، كما استخدمت الزوارق المطاطية للإبحار في البحيرات الجوفية. وقد تتطلب اكتشافات المغاور الصعود إلى سقفها ا، ولذلك استخدمت سارية (10-15م) للتسلّق مؤلفة من وصلات أنبوبية (1-2م) يركّب بعضُها فوق بعض ويتدلّى من أعلاها سلّم ليّن يساعد على الصعود. 
 
وعندما يصبح النفق ضيّقاً ويعرقل المرور يوسَّع بالمطارق والأزاميل المناسبة أو أحيانا باستعمال المتفجرات المحلية. لكن هذه الطريقة الأخيرة لا تخلو من مخاطر قد تؤدّي إلى حوادث مؤسفة نتيجة حدوث انهيارات. وقد يصادف الغطّاس بعد خروجه من الماء جوفاً محصوراً يكون جوه غنياً بثنائي أكسيد الكربون وفقيراً بالأكسجين، ولذلك لابد في هذه الحالة من استعمال أجهزة التنفس كالتي تستعمل في أثناء عمليات الغطس.
 
تنظيم حملات الاستكشاف
 
تقع معظم أماكن استكشاف المغاور والكهوف في الغالب في مناطق جبلية وعرة، ولذلك يجب على المستكشفين حل مشكلات الوصول إلى هذه الأماكن. في البداية لا بد من القيام بتعرّف هذه المناطق والتفتيش عن المداخل المحتملة إلى المغاور والكهوف. وهذه المداخل هي أماكن الانبثاقات المائية resurgences أو الينابيع، مثل عين الفيجة على سبيل المثال، أو الأنفاق العمودية. وبعد ذلك تُجَهَّز المعدّات اللازمة لعملية الاستكشاف وتُنقل إلى أماكن المداخل المكتشفة بوسائل النقل المختلفة، ومنها استخدام الحوّامات في المناطق الوعرة التي يصعب الوصول إليها. ويتم الاستكشاف وفق برنامج موضوع؛ إذ تقوم فرقة الاستكشاف بالدخول إلى المغاور وتتبعها فرق البحث العلمي والمسح الطبوغرافي، والتصوير، وإجراء القياسات العلمية الضرورية.
 
علم المغاور الفيزيائي 
 
يرتبط هذا العلم بتضاريس الكارست (نسبة إلى منطقة كارست في يوغوسلافيا). وتُعدّ مناطق الصخور الكلسية المناطق التي تكثر فيها في الغالب المغاور والكهوف. ومع ذلك يجب ألاّ يغفل وجود كهوف طبيعية لا يرتبط منشؤها بالصخور الكلسية القابلة للانحلال. يذكر منها مغاور بعض الجبال البركانية.
 
وعند دراسة كهف من الكهوف الطبيعية، لا بدّ من دراسة غلافه الجوي والمياه الجوفية التي تخترقه أو تستقر فيه، إضافة إلى ما يحيط به من صخور. ومن الضروري فهم تركيب هذه الصخور وقابلية انحلالها وطبيعة موادها غير المنحلة ومساماتها وشقوق طبقاتها واتجاهاتها.
 
تدور في الكهوف كتلةٌ كبيرة من الهواء بسبب الاختلاف الحراري بين الغلاف الجوي الداخلي والخارجي وبسبب الاختلاف في الضغط الجوي. ويؤدي انخفاض الضغط في الكهوف إلى تمدد كتلة الهواء ومن ثم إلى إضعاف حركات الهواء الناجمة عن الاختلاف الحراري أو ازديادها. كما أن درجة رطوبة الهواء ضمن الأنفاق والكهوف تكون مرتفعة جداً تصل إلى حد الإشباع. أمّا تركيبه الكيمياوي فيختلف عن تركيبه في الهواء الجوي، إذ تبلغ نسبة غاز CO2 4.5 % عوضاً عن 0.03% ونسبة الأكسجين 14.5% عوضاً عن 20.9% ونسبة النتروجين 80% عوضاً عن 76%.
 
منشأ المغاور والكهوف
 
يتعلّق منشأ المغاور والكهوف في المناطق الكلسية بالتركيب الكيمياوي للمياه الجوفية. فالمياه الحاوية على غاز ثنائي أكسيد الكربون التي تخترق طبقاتها تحلّ الصخور الكلسية حسب المعادلة:
 
 
 
وتتدخّل درجة الحرارة المهيمنة في الكهوف في تنظيم كمية هذا الغاز المنحلة في المياه، إذ تنخفض في درجات الحرارة المرتفعة وترتفع في درجات الحرارة المنخفضة،كما تتعلّق الكمية المنحلة من الغاز أيضاً بمحتوى الغلاف الجوي الجوفي من هذا الغاز، الذي يختلف من نقطة إلى أخرى في المغاور. ويمكن أن تصبح المياه المشبعة بهذا الغاز فعالة جداً لإذابة الصخر الكلسي، أو على العكس تصبح فوق مشبعة تؤدي إلى ترسيب كربونات الكلسيوم المنحلة، وذلك حسب الشروط المختلفة المهيمنة في المغاور من درجة حرارة وسرعة جريان المياه الجوفية. وتؤدي سرعة جريان المياه الجوفية دوراُ مهماً في نقل الرواسب، إذ تنقلُ الأنهارُ الجوفيةُ سريعة الجريان الرمالَ والحصى وتشتد قدرة حملها ونقلها في أثناء الفيضان وفي الأماكن التي تكون مجاريها شديدة الانحدار. ويؤدي الجريان البطيء إلى تكوين رواسب ثخينة من الجزيئات الغضارية في مجاريها.
 
رواسب المغاور
 
باستثناء الرواسب البيولوجية، مثل تجمعات عظام الحيوانات والغوانو وهو روث الحيوانات الذي يتحوّل إلى فوسفات، التي تتركز في مداخل المغاور أو في أسفل الأنفاق الشاقولية، يوجد نمطان من الرواسب: رواسب كيمياوية المنشأ ورواسب فتاتية المنشأ.
 
تشمل الرواسب كيمياوية المنشأ رواسب كلسيتية تظهر على شكل نوازل stalactites وصواعد stalagmites وتتشكّل بدءاّ من رشح المياه في سقف المغاور. وقد تتحد الهوابط والصواعد لتشكيل ما يُسمى بالأعمدة colonnes. أما المياه التي ترشح من سقف المغاور وتسقط على أرضيتها فتُغشّي ما تحوي هذه الأرضية من رمال وجزيئات عظمية مختلفة بطبقات متراكزة من الكلسيت مشكلة ما يُسمى بالحجر الكلسي الحمّصي أو لآلىء المغاور. وقد يتبلور ضرب آخر من كربونات الكلسيوم على شكل أراغونيت، ويظهر أحياناً على شكل إبر رائعة الجمال من سقف المغاور أو على شكل طلاء أبيض خزفي اللون يُغطي جدرانها. وقد يتبلور الكلسيت بين ذرات الرمال الكوارتزية[ر. الرمل الكوارتيزي] مما يؤدي إلى تشكيل الحجر الرملي.
 
أما الرواسب فتاتية المنشأ فتتمثّل بتراكم كتل مختلفة الحجوم، تنتج من انهيارات من سقف المغاور، إضافة إلى الغضار والرمل والحصى إذ تترسب مصَنَّفَةً حسب حجومها. 
 
علم المغاور الآثاري 
 
يدرس هذا العلم آثار ما تحت الأرض archéologie souterraine، أي الآثار التي خلّفها أسلاف الإنسان الذين قطنوا هذه المغاور في عصور ما قبل التاريخ؛ فقد مارس الإنسان في كل العصور استكشافَ المغاور للصيد ولإيجاد ملاجئ يلجأ إليها، وقد أظهرت عمليات الاستكشاف في بعض الكهوف أنها استخدمت لإقامة معسكرات متتالية استمرت حتى العصور التاريخية. فقد سكنها الصيادون والنياندرتاليون وبقيت حتى القرن الخامس عشر حيث سكنها بعض الفقراء الذين كانوا يعيشون على تربية الماعز. كما دلت هذه الاكتشافات على أن أفراداً من إنسان ما قبل التاريخ قد دخلوا إلى أعماق الكهوف. فقد عُثِر على آثارهم في أعماق وصلت إلى عدة مئات من الأمتار من مدخل الكهوف ممثلة بانطباعات أقدامهم وأجزاء من مشاعلهم وأدواتهم الصوانية. كما عُثِر على آثارهم محفوظة تدل على محاولاتهم لتوسيع الأنفاق الضيقة التي حالت دون تقدمهم. وهذا ما يثبت أن إنسان ما قبل التاريخ كان يتحرّك من دون صعوبة ضمن المغاور.
 
في الأزمنة الجافة وفي العصر النيوليتي كوَّن نزّ المياه في الكهوف مصدراً للحصول على ماء الشرب. فقد اكتشفت في هذه الكهوف أدوات فخارية في الأماكن التي استخدمت فيها لجمع المياه. كما اكتشفت في بعض المغاور كميات من العظام المتراكمة تدل على أنّها استخدمت مدافن.
 
ويدل تحديد الأعمار باستعمال الكربون14 المشع[ر. الكربون] المحفوظ في المواد المتفحّمة التي عُثر عليها في أرضيات المغاور، على أنّ زيارات متكررة جرت على مدى آلاف السنين، وتوقّفت عندما أدت انهيارات صخرية إلى إغلاق المدخل.
 
تغطي جدران كثير من المغاور والكهوف نقوش ورسوم ولوحات جدارية يصل عمق مواقعها إلى 1000م من مدخل المغاور، بعضها معاصر (مثل أسماء بعض الزائرين للذكرى!) وبعضها الآخر يرجع إلى القرن الثالث عشر أو الرابع عشر أو الخامس عشر (رسوم بعض السحرة) والكثير منها يعود إلى العصر الباليوليتي (أي إلى ما قبل 10-20 ألف سنة).
 
علم المغاور الأحيائي
 
لاحظ مستكشفو المغاور الحيوانات التي تقطن المغاور قبل أن يهتم بها علماء الحياة. وقد تبيّن بعد دراستها أنّ ساكنات المغاور تنتمي إلى ثلاث مجموعات :الساكنات العرَضية trogloxènes وهي حيوانات تلجأ إلى الكهوف نتيجة لمتطلّبات فيزيولوجية خاصة ترتبط بالتغيرات الفصلية أو لمتطلبات أخرى كالاختباء أو جمع الغذاء مثل بعض الحشرات[ر] والخفافيش[ر] وبعض الضفدعيات والقواضم والأفاعي، وهذه البيئة تحت الأرضية ليست بالضرورة مسكناً إجبارياً لهذه المجموعة؛ لأن الحيوان قد يجد بيئة فوق أرضية توفر له هذه الشروط، مثال الخفافيش التي تسكن في بعض التجمعات السكنية. وهناك الساكنات المؤقتة troglophiles التي تقطن الكهوف في مرحلة معيّنة من تاريخ حياتها مثل بعض العناكب[ر] ومعديات الأرجل ويرقات بعض الحشرات. وأخيراً ساكنات الكهوف الحقيقية troglobies، التي تتميّز بغياب العيون أو ضمورها وفقدان الأصبغة الجلدية وإبطاء كبير في نمو بعض الحشرات والقشريات وبعض الضفادع والأسماك.
 
أهمية استكشاف المغاور
 
يقوم استكشاف المغاور بدور كبيرٍ في السياحة؛ إنّ تجهيز ما اكتُشف من كهوف ومغاور بمصاعد مناسبة وإقامة ممرات آمنة وتزويدها بإنارة ملائمة تتيح للزوًار من دون أي عناء أو خطر زيارة عالَم ما تحت الأرض بكهوفه وأنفاقه، والتمتع بما تحويه من مناظر خلاًبة ممثلة بالصواعد والنوازل والأعمدة الكلسية والترسبات الكلسيتية من كل الأشكال والألوان. ويحقق استثمار مثل هذه المغاور الطبيعية، كما في مغارة قاديشا في لبنان ومغارة الضوايات في سورية، أهمية سياحية كبيرة لها منعكسات اقتصادية مه
 
 

المراجع

موسوعة الأبحاث العلمية

التصانيف

الأبحاث