الدريقات parathyroids هي أربع غدد صغيرة الحجم، شكل كل منها بيضوي بحجم حبة العدس يمتد قطرها من 0.5 إلى 1سم، ذات لون أصفر يضرب إلى البني. توجد على السطح الخلفي للغدة الدرقية. تتوضع كل من الغدتين العلويتين قرب القطب العلوي لكل من فصي الغدة الدرقية، وموضعهما ثابت، أما الغدتان السفليتان فموضعهما غير ثابت. ولتوضع هذه الغدد التشريحي شأن كبير في جراحة الغدة الدرقية. يُغَلف كل غدة من الدريقات محفظة، وتأخذ ترويتها من فرع شرياني دقيق.
يتكون نسيج الدُرَيْقة من سَدَى stroma يتخلله شبكة غنية من الشعيرات الدموية، يوجد بينها جزيرات من الخلايا، عرف منها نوعان، النوع الأول هو الخلايا الأساسية أو الرئيسية chief or principle، التي تفرز هرمون الدريقات المُسمى الباراثرمون parathormone وخلايا النوع الثاني تسمى الخلايا الحمضة oxyphil، ووظيفتها غير معروفة بدقة.
الوظائف الفيزيولوجية
يمكن إجمال الوظائف الفيزيولوجية للدريقات في شأنها في استقلاب الكلسيوم والفسفور في الجسم، وذلك عن طريق إفرازها هرمون الباراثرمون، ويشاركها في هذا الاستقلاب هرمون آخر يفرز من الدرقية يسمى الكلسيتونين calcitonin.
ولابد من ذكر أهمية الكلسيوم والفسفور في الجسم، حتى تتضح أهمية هذه الغدد للحفاظ على الوظيفة الحيوية للإنسان:
ـ وظائف الكلسيوم في الجسم: أهمها تشكيل البنية الهيكلية (العظام) وبناؤها وحفظها، كما له شأن هام في نقل السيالة العصبية (ويؤدي نقصه إلى زيادة الاستثارة العصبية، والعكس)، يضاف إلى ذلك دوره في وظيفة العضلة القلبية، وإنقاصه من نفوذية الشعيرات الدموية، كما أنه يُفَعِّل كثيراً من الإنظيمات.
ـ وظائف الفسفور في الجسم: يشكل الصاعدة anion الرئيسية في الهيكل العظمي (فسفات الكلسيوم)، وهو المكون الرئيس لكثير من مركبات الأنسجة (الشحميات الفسفورية، البروتينات الفسفورية، الخ...) وللروابط الفسفورية عالية الطاقة مثل ATP وADP وغيرها، كما أنه يسهم في تكوين مجموعات الدوارئ buffers في الدم.
إن تركيز مستوى الكلسيوم في السائل خارج الخلايا (البلازما والسائل الخلالي) مهم جداً في المحافظة على الفعالية العصبية العضلية، ولذلك يحافظ الجسم على مستواه ثابتاً ضمن مجال ضيق جداً (8.5 إلى 10.5مغ/100مل) في الإنسان السوي. ويؤدي انخفاض مستوى شاردة الكلسيوم إلى زيادة الاستثارة العصبية العضلية (تكزز واختلاجات)، أما ارتفاع مستواه فقد يؤدي إلى تباطؤ في التوصيل العصبي العضلي، وقد يبلغ عند المستويات العالية حد الشلل، كما أن له تأثيرات كبيرة في أداء العضلة القلبية، وكذلك في الجهاز العصبي المركزي.
تتم آلية عمل هرمون الدريقات في ثلاثة مستويات: أولها العظام وفيها ينشط الهرمون عمل ناقضات العظام osteoclasts، فيؤدي إلى تحرر الكلسيوم في الدم وبالتالي ارتفاع مستواه فيه. ولذا فإن فرط نشاط الدريقات يسبب انحلالات عظمية تظهر في الصور الشعاعية في أماكن مختلفة. ويعمل هرمون الكالسيتونين نقيض ذلك، فهو ينشط بانيات العظم osteoblasts مما يؤدي إلى تثبيت الكلسيوم في العظام. وثانيها الكلية إذ يزيد هرمون الدريقات من عودة امتصاص الكلسيوم، وإنقاص عودة امتصاص الفسفور. ولذا يرفع فرط نشاط الدريقات من طرح الفسفات في البول وينقص من طرح الكلسيوم. وقد ينجم عن ذلك تكون الحصيات في الكلية أو حدوث حالة يطلق عليها الكلاس الكلوي nephrocalcinosis. وثالثها المعي فلهرمون الدريقات شأن هام في امتصاص الكلسيوم من الأمعاء، ففي الأشخاص الأسوياء يمتص نحو 30% من الكلسيوم الموجود في الطعام، وتزداد هذه النسبة في فرط نشاط الدريقات لتصل إلى 90%، وقد تهبط هذه النسبة إلى الصفر في قصور الدريقات.
ـ آلية إفراز هرمون الدريقات (الباراثرمون): تعتمد آلية إفراز الباراثرمون على مستوى شاردة الكلسيوم في الدم، فإذا انخفض مستوى الكلسيوم حرّض الخلايا الرئيسية أو الأساسية chief cells في الدريقات على إفراز الهرمون، مما يعيد مستوى الكلسيوم إلى حده الطبيعي مرة أخرى وذلك عن طريق تحريره من العظام، وزيادة عودة امتصاصه من الأنابيب الكلوية إلى الدم، وكذلك امتصاصه من الأمعاء. أما إذا ارتفع مستوى الكلسيوم في الدم، فيقل إفراز الباراثرمون، وتحدث الآليات المعاكسة تماماً.
من هذا العرض، يمكن معرفة ماذا يمكن أن يحدث مرضياً حينما تضطرب الوظيفة الفيزيولوجية للدريقات، في حالتي فرط النشاط أو القصور. إذ ينتج من ذلك خلل في استقلاب الكلسيوم والفسفور، ولاسيما في الأماكن الثلاثة المذكورة آنفاً، أي العظام، والكلية، والوصل العصبي العضلي، وكذلك النهايات العصبية في الجهاز العصبي المركزي.
الأمراض المرافقة لاضطراب وظيفة الدريقات
تتظاهر الأمراض المرافقة لاضطراب وظيفة الدريقات، بنقص الإفراز وتسمى قصور الدريقية، أو على شكل فرط إفراز هرمون الباراثرمون، وتسمى فرط الدريقية.
1- قصور الدريقية hypoparathyroidism: ينجم قصور الدريقية عن نقص في إفراز هرمون الباراثرمون ويكون أولياً، بسبب مناعة ذاتية، وكثيراً ما يرافقه قصور الكظر، أو ثانوياً، بعد عمل جراحي على الغدة الدرقية، بسبب الاستئصال العرضي غير المقصود للدريقات، أو قطع التروية الدموية عنها. وغالباً ما تظهر الأعراض في اليوم الثاني أو الثالث بعد العمل الجراحي. فإذا كان القصور حاداً (كما يجري بعد الاستئصال الجراحي)، أصيب المريض بالمذل paresthesia في الأطراف والتكزز tetany، وإذا كان التكزز غير واضح يمكن إظهاره باختبارات تروسو، وتشوفستك. أما الأشكال المزمنة، والمترافقة عادة مع المناعة الذاتية، فتشاهد معها شذوذات في الأظفار والأسنان، ويصاب الجلد بداء المبيضات candidiasis.
يكون التشخيص سهلاً في الحالات الحادة بعد العمل الجراحي، ويترافق قصور الدريقية عامة مع انخفاض كلسيوم المصل، وارتفاع الفسفات، وتكون الفسفاتاز القلوية في الحدود السوية، وإذا قيس هرمون الدريقات كان منخفضاً.
تعالج الحالات الحادة بتسريب 10 إلى 20مل من محلول غلوكونات الكلسـيوم في الوريد. أما الحالات المزمنة فيكفي فيها إعطـاء فيتـاميـن د (1 ألفا فيتامين د)، ليزيد من امتصاص الكلسيوم من الأمعاء.
2- فرط الدريقية hyperparathyroidism: تتميز هذه الحالات بإفراز مفرط لهرمون الباراثرمون، وتكون أيضاً إما أولية أو ثانوية. ففرط الدريقية الأولي، يحدث بنحو واحد في كل ألف من السكان، وهو أكثر شيوعاً لدى النساء منه في الرجال (2 أو 3 إلى 1)، يكون معظم المرضى فوق سن الخمسين من العمر. وغالباً ما يكون السبب وجود غدوم adenoma في أحد الدريقات (85% من الحالات تقريباً)، أو فرط التنسج (%15) hyperplasia ، ونادراً ما يكون السبب وجود ورم خبيث في الدريقات.
قد تكون الأعراض غائبة تماماً في الحالات المعتدلة الشدة وفي بدايات المرض، وتُكشف اتفاقاً في أثناء الاستقصاءات العادية التي يقاس فيها كلسيوم الدم، وربما ترافقت مع أعراض ارتفاع كلسيوم الدم المزمن، مثل التحصِّي الكلوي مع مظاهره وأعراضه، أو بعض المظاهر المعوية مثل القهم والإمساك وأحياناً الإقياءات، أو قد تتظاهر بأعراض وعلامات عضلية مثل الوهن، والآلام الظهرية الناجمة عن نقص تكلس العظام، وأخيراً قد تترافق ببيلة تفهة كلوية، ونادراً ما يشاهد تكلس قرنوي corneal calcification.
تتميز التحاليل الدموية بارتفاع مزمن للكلسيوم الشاردي بالدم، ونقص في مستوى الفسفات، مع إفراز زائد للكلسيوم والفسفات في البول، وتلاحظ زيادة في مستوى هرمون الباراثرمون في الدم. تُظهر الصور الشعاعية تآكلاً عظمياً تحت السمحاق subperiosteal في السلاميات، وكذلك في عظام الجمجمة. وقد يُظهر تصوير الدرقية بالأمواج فوق الصوت وجود غدوم في إحدى الدريقات.
العلاج الشافي في حال وجود الغدوم هو الاستئصال الجراحي، أما في حالات فرط تنسج الدريقات، فهو استئصال الغدد الأربع مع اغتراس إحدها في الساعد.
يستلزم علاج فرط الكلسمية الشديد المترافق بأعراض، تطبيق درجة جيدة من الإماهة عن طريق إعطاء كميات مناسبة من المحلول الملحي، أو استعمال إتدرونات ثنائي الصوديوم disodium etidronate.
أما فرط الدريقات الثانوي فمعظم أسبابه تنتج من نقص مزمن في الكلسيوم في الدم مثل القصور الكلوي المزمن، وحالات سوء الامتصاص، والتنبيه المستمر لإفراز هرمون الدريقات، على نحو يرتفع فيه مستواه في الدم. ويجب تمييز هذه الحالات عن فرط الدريقات الأولي، لأن التدبير يكون بتصحيح السبب المستبطن.
محمد علي هاشم
المراجع
موسوعة الأبحاث العلمية
التصانيف
الأبحاث