السؤال

هذا حديث النهى عن الموبقات حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال حدثني سليمان بن بلال عن ثور بن زيد المدني عن أبي الغيث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (اجتنبوا السبع الموبقات قالوا يا رسول الله وما هن قال الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات). وقد استثنى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم قتل النفس فقط ((الا بالحق)) فلماذا لم يستثن سحر البيان.وهذا حديث عن ابى داود يوضح سحر البيان حدثنا أبو الوليد الطيالسي ثنا شعبة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلىء شعرا قال أبو على بلغني عن أبي عبيد أنه قال وجهه أن يمتلئ قلبه حتى يشغله عن القرآن وذكر الله فإذا كان القرآن والعلم الغالب فليس جوف هذا عندنا ممتلئا من الشعر وإن من البيان لسحرا قال كأن المعنى أن يبلغ من بيانه أن يمدح الإنسان فيصدق فيه حتى يصرف القلوب إلى قوله ثم يذمه فيصدق فيه حتى يصرف القلوب إلى قوله الآخر فكأنه سحر السامعين بذلك). سنن ابى داود حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا قريش بن إبراهيم قال : ثنا عبد الرحمن بن عبد الملك بن أبجر عن أبيه عن واصل بن حيان قال : قال أبو وائل : : ( خطبنا عمار فأبلغ و أوجز ، فلما نزل قلنا : يا أبا اليقظان لقد أبلغت و أوجزت فلو كنت تنفست ؟ قال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : إن طول صلاة الرجل و قصر خطبته مئنة من فقهه فأطيلوا الصلاة و أقصروا الخطبة ، فإن من البيان لسحرا .) مسند أحمد ومن حديث مسند أحمد نفهم بأن عمار خاف من سحر البيان فأوجز فى خطبته ولم يطل . وأخى الفاضل معنى أن هناك سحرا حلالا وسحرا حراما فقد يأتى شخص ويقول بعد ذلك الربا الحلال والربا الحرام والميسر الحلال والميسر الحرام والزنا الحلال والزنا الحرام.فهل يصح أن نقول السحر الحلال ولو لفظا وقد حرمه الله تعالى وحرمه رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم. إنه مجرد توضيح واستفسار مني فلو أخطأت أرجو إرشادي للصواب .وفقكم الله لما فيه الخير

الإجابــة

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن نصوص الوحي يوضح بعضها بعضا، فإذا لم يبين الحكم في حديث ما فيمكن معرفته من النصوص الأخرى. فالسحر الحقيقي محرم كله بلا استثناء، أما البيان فليس سحرا في الحقيقة، ولكنه كالسحر في استمالة القلوب وهو ممدوح إذا صرف إلى الحق ومذموم إذا صرف إلى الباطل.

قال صاحب عون المعبود: ( إن من البيان لسحرا ) يعني أن بعض البيان كالسحر في استمالة القلوب أو في العجز عن الإتيان بمثله، وهذا النوع ممدوح إذا صرف إلى الحق ومذموم إذا صرف إلى الباطلاهـ

وقال أيضا : قال المنذري وقد اختلف العلماء في قوله صلى الله عليه وسلم إن من البيان لسحرا فقيل أورده مورد الذم لتشبيهه بعمل السحر لغلبة القلوب وتزيينه القبيح وتقبيحه الحسن، وإليه أشار الإمام مالك رضي الله عنه فإنه ذكر هذا الحديث في الموطأ في باب ما يكره من الكلام قيل إن معناه أن صاحبه يكسب به من الإثم ما يكسبه الساحر بعلمه وقيل أورده مورد المدح أي أنه تمال به القلوب ويرضى به الساخط ويذل به الصعب ويشهد له: إن من الشعر لحكمة. وهذا لا ريب فيه أنه مدح وكذلك مصراعه الذي بإزائه. انتهى كلام المنذري

قال الميداني: إن من البيان لسحرا. قاله النبي صلى الله عليه وسلم حين وفد عليه عمرو بن الأهتم والزبرقان بن بدر وقيس بن عاصم فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن الأهتم عن الزبرقان فقال عمرو مطاع في أذنيه شديد العارضة مانع لما وراء ظهره فقال الزبرقان يا رسول الله إنه ليعلم مني أكثر من هذا ولكنه حسدني فقال عمرو أما والله إنه لزمر المروة ضيق العطن أحمق الوالد لئيم الخال والله يا رسول الله ما كذبت في الأولى ولقد صدقت في الأخرى ولكني رجل رضيت فقلت أحسن ما علمت وسخطت فقلت أقبح ما وجدت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من البيان لسحرا يعني أن بعض البيان يعمل عمل السحر  ومعنى السحر إظهار الباطل في صورة الحق.

 والبيان اجتماع الفصاحة والبلاغة وذكاء القلب مع اللسن، وإنما شبه بالسحر لحدة عمله في سامعه وسرعة قبول القلب له يضرب في استحسان المنطق وإيراد الحجة البالغة. انتهى كلامه.

 وقال الإمام أبو هلال العسكري: أما النبي صلى الله عليه وسلم فذم البيان أم مدحه فقال بعض ذمه لأن السحر تمويه فقال إن من البيان ما يموه الباطل حتى يتشبه بالحق. وقال بعض بل مدحه لأن البيان من الفهم والذكاء

 قال أبو هلال: الصحيح أنه مدحه وتسميته إياه سحرا إنما هو على جهة التعجب منه لما ذم عمرو الزبرقان ومدحه في حالة واحدة وصدق في مدحه وذمه فيما ذكر عجب النبي صلى الله عليه وسلم كما يعجب من السحر فسماه سحرا من هذا الوجه. انتهى مختصرا.

 وقال المناوي : ( وإن من البيان لسحرا ) أي منه ما يصرف قلوب السامعين إلى قبول ما يستمعون وإن كان غير حق هذا ذم لتزيين الكلام وتعبيره بعبارة يتحير فيها السامعون كما يتحيرون بالسحر وكما يكتسب الإثم بالسحر يكتسب بعض البيان ...اهـ

وقال أيضا : (إن من البيان لسحرا ) أي إن منه لنوعا يحل من العقول والقلوب في التمويه محل السحر فإن الساحر بسحره يزين الباطل في عين المسحور حتى يراه حقا فكذا المتكلم بمهارته في البيان وتفننه في البلاغة وترصيف النظم يسلب عقل السامع ويشغله عن التفكر فيه والتدبر له حتى يخيل إليه الباطل حقا والحق باطلا وهذا معنى قول ابن قتيبة : إن منه ما يقرب البعيد ويبعد القريب ويزين الباطل القبيح ويعظم الصغير فكأنه سحر وما ضارعه فهو مكروه كما أن السحر محرم ....اهـ

 والله أعلم.

 


المراجع

islamweb.net

التصانيف

فنون  أدب  أدب عربي   الآداب