تُعّبر الفجوة الرقمية digital divide عن التفاوت بين الأفراد من حيث قدرتهم على التعامل مع تقانات المعلومات والاتصالات، وهي فجوة موجودة بين شرائح المجتمع المختلفة، تعود إلى أسباب ثقافية واقتصادية واجتماعية وجغرافية.
تتم دراسة هذا الموضوع كظاهرة اجتماعية، ولكنها لا تقتصر على البعد الاقتصادي أو التقاني، فقد يعبر نقص إمكانات الوصول إلى الإنترنت عن فجوة رقمية ذات بعد اقتصادي، إلا أن مجرد تجاوز هذه المشكلة لن يؤدي إلى ردم الفجوة الرقمية، إذ يبرز حينها العائق الأكبر، وهو الفجوة في القدرة على استخدام الإنترنت، وتعود إلى معوقات تتعلق باللغة والتعليم والمحتوى. ولهذا يركز المعنيون على أهمية تمكين المجتمعات من استخدام تقانات المعلومات والاتصالات لردم هذه الفجوة الرقمية، وليس مجرد تأمين الوصول إلى هذه التقانات.
العوامل المؤثرة في الفجوة الرقمية
يؤثر عدد من العوامل في الفجوة الرقمية، والتي تؤثر بعضها في بعض وتؤدي من ثم دوراً في تهيئة البيئة المناسبة لردم الفجوة الرقمية والعكس بالعكس، وهذه العوامل هي الآتية:
ـ النفاذ الفيزيائي
ويُعِّبر عن مدى توافر إمكان الاتصال بالإنترنت وكلفته، وهذا يتضمن كل متطلبات الاتصال (كالحواسيب والموديمات والطابعات وخطوط الهاتف أو أي وسيلة للاتصال بالإنترنت وحساباتها)، ولا تقتصر إمكانات النفاذ على المنزل، فقد يتم الاتصال من مكان العمل أو من أماكن أخرى. وتسعى وسائل النفاذ العامة إلى تشجيع الأفراد على امتلاك حواسيب شخصية وعلى استخدامها للاتصال بالإنترنت، وذلك بعد أن يجتازوا التدريب والتثقيف الذي يمكنهم من الاستخدام الأمثل لهذه التقانات. إلا أنه أيضاً لابد من التنويه لإخفاق بعض مبادرات ردم الفجوة الرقمية بسبب تركيزها فقط على هذا المحور وإهمال المحاور الأخرى.
ـ المحتوى الرقمي
يتزايد عدد المواقع المعدّة بلغات مختلفة، إلا أن معظم هذه الزيادة ينحصر في المواقع ذات الأثر الاجتماعي، أما نسبة المواقع الموجودة في المخدمات ذات السرية المرتفعة secured servers، فما زالت مرتفعة، بل إن المواقع التجارية المتوضِّعة على المخدمات ذات السرية المرتفعة والتي تعمل بلغة أجنبية هي في ازدياد مقارنة مع اللغات الأخرى، وعموماً فإن معظم المواقع المتعلقة بالتجارة الإلكترونية أو المواقع المتعلقة بالتبادل العلمي والأكاديمي مازالت باللغة الإنكليزية أو الفرنسية، ولا تقتصر مشكلة المحتوى على اللغة، وإنما تمتد لتشمل مدى تغطية الموضوعات التي تهم المجتمعات المحلية مثل المشكلات الصحية في بعض المواقع التابعة لمنطقة جغرافية محددة، أو القضايا التجارية التي تهم بعض المجتمعات، أو القضايا التعليمية وغيرها من النقاط التي تمتلك خصوصية محلية.
ـ الموارد البشرية
يقصد بهذا المحور المعرفة والخبرات والتوجهات التي يتمتع بها الأفراد، والتي يمكن أن تسهم في التطوير. وعموماً، يؤثر موضوعان أساسيان في استخدام تقانات المعلومات والاتصالات وهما الثقافة واللغة. ويؤدي التعليم دوراً رئيسياً في انتقال المجتمعات إلى زيادة الاهتمام بالتقانات الحديثة، وقد بينت الدراسات وجود ترابط بين مستوى التعليم وانتشاره وبين انتشار استخدام الإنترنت. وعلى المستوى الفردي لا تختلف الصورة كثيراً، إذ إن القدرة على القراءة والكتابة والتفكير السليم تعدُّ من أساسيات استخدام الإنترنت.
تطور مؤخراً تعريف الفرد المثقف، فتضمَّن بعض مفاهيم التعامل مع التكنولوجيا مثل القدرة على قراءة البريد الإلكتروني وعلى البحث عن معلومات عبر الإنترنت، وقد وصلت في بعض الحالات إلى القدرة على التفكير وربط المعلومات بعضها مع بعض للوصول إلى المعرفة المطلوبة، وتمت تسمية هذا النوع من الثقافة بالثقافة المعلوماتية.
يُعدُّ إتقان إحدى اللغات الواسعة الانتشار (مثل اللغة الإنكليزية) مهماً في جذب الأفراد لاستخدام الإنترنت، ومن ناحية أخرى فإن تطوير مواقع حديثة باللغات المحلية يؤدي أيضاً إلى جذب الأفراد إلى ذلك، كما أن الإنترنت قد تؤدي دوراً مهماً في تحفيز ممارسة اللغة سواء عبر الاطلاع اليومي على كم كبير من المواد التي يتم نشرها على الإنترنت، أو عبر التخاطب عبر البريد الإلكتروني، أو أي من وسائل التخاطب الأخرى مع أفراد بلغاتهم الأم.
ـ العلاقات الاجتماعية
تؤدي العلاقات بين الأفراد في المجتمعات دوراً مهماً في تحديد طبيعة تفاعلهم عبر الإنترنت، حيث تقرر هذه العلاقات كيفية استفادة الأفراد من انضمامهم لمجموعات عبر شبكة الإنترنت، سواء كان ذلك عبر الحصول على معلومات أم دعم أو إرشاد أو أي مجال آخر. وقد لوحظ أن شبكة العلاقات الاجتماعية تؤثر في طبيعة وحجم استخدام الأفراد للإنترنت، بل قد تكون الدافع وراء رغبتهم بذلك، وإن كثيراً من الأصدقاء والأقارب والزملاء قد يزرع فكرة أهمية استخدام الإنترنت وشراء الحاسب والاشتراك بالإنترنت، ويساعد على استخدامها.
ـ المؤسسات
تعدُّ المؤسسات القوة المحركة لكثير من النشاطات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ولهذا فإن آليات عملها وقدرتها على التطوير تؤدي دوراً في تحديد مدى الاستفادة من تقانات المعلومات والاتصالات؛ ففي مجال الأعمال تستخدم تقانات المعلومات بهدف الأتمتة. وقد شاع في البداية مفهوم أن الأتمتة تؤدي إلى سحب الصلاحيات من الأفراد، إلا أن التقانات الحديثة تؤدي إلى عكس ذلك، حيث تجعل من الأفراد أكثر قوة وتأثيراً عبر تزويدهم بالمعلومات المناسبة. أما في مجال الحكومات، فإن استخدام تقانات المعلومات في المؤسسات الحكومية يؤدي إلى تعزيز دور الحكومات، وإن انتشار الإنترنت يرتبط مباشرة بمدى الانفتاح السياسي وبالمستوى التعليمي، ولم يمنع هذا بعض الدول التي لا تتمتع بالانفتاح السياسي والمستوى التعليمي المناسب من تحقيق معدلات نفاذ عالية عبر الإنترنت، إلا أن معدل استفادة هذه البلدان كان محدوداً. وتبين ذلك من محدودية المحتوى الذي تمكنت هذه البلدان من توليده.
أما في المجال التعليمي، فإن إعادة توصيف طرائق التدريس وإصلاح المؤسسات التعليمية يؤديان دوراً محورياً في تمكين الأفراد من استخدام تكنولوجيا المعلومات بفعالية، فالمعلمون الذين حفَّزوا تلاميذهم على المبادرة على نحو مستقل للبحث عن المعلومات واستخدامها في الدراسات التي تطلب منهم، كانوا الأكثر قدرة على الاستمرار في استخدام الحواسيب في غرفة الصف، أما المعلمون الذين تابعوا تدريسهم بالطرائق التقليدية فقد اضمحل استخدام الحاسوب في دروسهم.
قياس الفجوة الرقمية
تستخدم عموماً مجموعة من المؤشرات الأساسية للدلالة على عمق الفجوة الرقمية، والتي تركز على كثافة انتشار بعض الخدمات الرقمية مقارنة بعدد السكان، ومن أهمها ما يأتي:
ـ كثافة خطوط الهاتف الثابت.
ـ كثافة خطوط الهاتف المحمول.
ـ كثافة أجهزة الحاسوب.
ـ كثافة مخدمات الإنترنت.
ـ كثافة المخدمات الآمنة.
ردم الفجوة الرقمية
هناك شبه إجماع على أن التعريف القديم للفجوة الرقمية، والمرتبط بالقدرة بالمؤشرات السابقة، لا يعبر سوى عن جزء يسير من المشكلة، ولهذا فقد تم تطوير تعريف متقدم يأخذ بالحسبان مجمل العوائق التي قد تعوق الاستفادة من الإنترنت. وإن من الضروري تمتع الأفراد بالحد الأدنى المبين من المهارات المعلوماتية للتمكن من التعامل مع الإنترنت، ومنها:
ـ إرسال وقراءة الرسائل الالكترونية.
ـ البحث عبر الإنترنت عن معلومات تتعلق بالعمل أو المدرسة.
ـ البحث عن عمل عبر الإنترنت.
ـ استخدام برامج تحرير النصوص.
ـ قراءة الصحف والمجلات عبر الإنترنت.
ـ تركيب برمجيات بسيطة.
ـ البحث عن منتجات عبر الإنترنت.
ـ البحث عبر الإنترنت عن معلومات صحية أو دوائية.
ـ البحث عن معلومات مالية عبر الإنترنت.
ـ استخدام الإنترنت للاطلاع على النشاطات المجتمعية ( عروض أفلام - احتفالات - مناسبات رياضية).
وقد خلصت إحدى الدراسات المتعلقة بطرائق ردم الفجوة الرقمية إلى ما يأتي:
ـ ضرورة مشاركة المواطنين كافة في الاقتصاد الرقمي، ومن ثمَّ فإن ردم الفجوة الرقمية لدى الأفراد سينعكس إيجابياً على الاقتصاد.
ـ التركيز على بناء القدرات البشرية التي ستتعامل مع التكنولوجيا، إذ إن مجرد شراء التجهيزات وربطها بالإنترنت لا يكفيان لردم الفجوة الرقمية.
ـ هناك تحديات متشابهة بين المدن والأرياف في ردم الفجوة الرقمية، إلا أن الأرياف لديها تحديات إضافية تتمثل بعدم جدوى تأمين النفاذ في المناطق ذات الكثافة السكانية المنخفضة.
ـ لا يقتصر مصطلح الفجوة الرقمية على الأفراد، بل يمتد إلى المؤسسات والحكومات والأعمال التي لا تتمكن من الاستفادة من تقانات المعلومات والاتصالات.
ـ يجب أن تركز البرامج التدريبية على المهارات الأساسية التي تمكِّن الأفراد من استخدام التجهيزات والبرمجيات.
ـ إنشاء مراكز نفاذ مجتمعي Community Technology Centers (CTCs)، تتمتع بطيف واسع من الخدمات التعليمية، لتسهم في تأهيل الأفراد وإكسابهم المهارات اللازمة.
توفير آليات لقياس أداء مراكز النفاذ المجتمعية (معدل الاستخدام)، كما يجب قياس أثرها في الأفراد (شعورهم بالثقة - المعارف التي اكتسبوها - التأثير في مستوى الحياة)، وكذلك قياس أثر هذه المراكز في المجتمعات التي تقوم بتقديم الخدمة بها.
ـ هناك مجموعة من الإجراءات التي يمكن أن تسهم في تحفيز عملية ردم الفجوة الرقمية وإقناع المعنيين بأهمية هذه التكنولوجيا واستخداماتها، وهي الآتية:
أ ـ بناء محتوى ذي خصوصية ثقافية محلية، مما قد يؤدي إلى إدراك الأفراد أهمية استخدام التكنولوجيا.
ب ـ رفع الوعي بأهمية المعلوماتية واستخداماتها المختلفة.
ج ـ توفير تمويل للبرامج التي تسهم في نشر المعرفة في مجال المعلوماتية.
د ـ توفير برامج تعليم موجهة للأفراد في المناطق المهمشة (كالتركيز على ما يؤدي إلى إيجاد فرص عمل أو يسهم في التنمية الاقتصادية).
هـ ـ يجب أن يكون هناك أولوية في الاستثمارات المتعلقة بالبنية التحتية للاتصالات.
المراجع
الموسوعة العربية
التصانيف
الأبحاث