كريستوف مارتين فيلاند Christoph Martin Wieland من أبرز أدباء عصر التنوير Aufklärung الألماني على صعيد النثر والشعر والترجمة. ويُعدُّ إلى جانب الشاعر كلوبشتوك Klopstock والمسرحي والمنظِّر لِسينغ Lessing الممهد للكلاسيكية (بمعنى الذروة) Klassik الألمانية. يوحِّد إنتاجه الغزير والمتنوع الأجناس في ثناياه بين أسلوب الروكوكو Rokoko، الأنيق المزخرف المتأثر بالذوق الأرستقراطي ثقافياً، وبين نزعة الشك العقلانية تجاه القواعد الأخلاقية في المجتمع الإقطاعي ذي نظام الحكم المطلق، معبراً بذلك عن التطلعات التنويرية البرجوازية في ألمانيا، التي هي امتداد لأفكار الموسوعيين الفرنسيين مثل ڤولتير Voltaire وجماعته.

ولد ڤيلاند في بلدة أوبرهولتْسهايم Oberholzheim في إقليم شڤابن Schwaben وتوفي في مدينة ڤايمار Weimar العاصمة الثقافية لألمانيا حينذاك. كان والده واعظاً كنسياً، لكنه تلقى تعليماً بروتستنتياً متقشفاً في دير بِرْغِن Kloster Bergen القريب من مدينة ماغْدِِبورغ Magdeburg، ودخل عام 1749 جامعة إيرفورت Erfurt لدراسة الفلسفة، وأعلن في العام التالي خطوبته على الروائية صوفي فون غوترمَن Sophie von Gutermann التي صارت لاحقاً زوجة المستشار لاروش Laroche واشتهرت باسمه. ثم انتقل ڤيلاند إلى جامعة توبنغن Tübingen عام 1750 لدراسة الحقوق، وغادرها عام 1752 إلى زوريخ Zürich تلبية لدعوة الأديب بودْمَر Bodmer، حيث عمل هناك معلماً خصوصياً حتى 1758، لينتقل عام 1759 إلى مدينة بِرْن Bern متابعاً عمله في التدريس وأعلن خطوبته على جولي بونْدِلي Julie Bondeli التي صارت لاحقاً عشيقة روسو Rousseau. عاد ڤيلاند عام 1760 إلى مسقط رأسه وشغل في مدينة بيبِراخ Biberach المجاورة منصب مستشار ومدير الديوان الحكومي، ثم تزوج عام 1765 فتاة من عائلةِ تجارٍ ثرية، وانتقل عام 1769 إلى مدينة إيرفورت لتعيينه أستاذ فلسفة فيها، ثم استدعي عام 1772 إلى إمارة ڤايمار ليصبح مربياً لأمراء الأسرة الحاكمة، واستقر فيها حتى وفاته.

كان إبداع ڤيلاند متأثراً بالشاعر كلوبشتوك وبحركة اليقظة البروتستنتية Pietismus التي سادت في القرنين السابع عشر والثامن عشر، أي إنه كان ذا صبغة دينية وأسلوب ملائكي رفيع، ومنه مثلاً ملحمة «امتحان إبراهيم»  Der geprüfte Abrahamء(1753)، كما عبّر في كتابه «مشاعر مسيحي» Empfindungen eines Christen عن معارضته الشديدة لشعر الغزل الصريح. إلا أن تحوله عن هذا الموقف لم يطل به الزمن، فتحت تأثير الأدب الإغريقي واللاتيني (لُقيانُس Lukianos وهوراتيوس Horatius) والتنوير الأوربي الغربي (دَلَمبير d’Alembert وڤولتير وشافتسبري Shaftesbury) ولاحتكاكه بنبلاء وبرجوازيين من المفكرين الأحرار، تجلّت في كتاباته اللاحقة سمات دنيوية واضحة. ففي المأساتين «ليدي يوهانس غرَي»Lady Johannes Grayء(1758)، و«كلمنتينا فون بورِّتا» Clementina von Porretta ء(1760)، يتلمّس المشاهد تدفق الحس الدنيوي العميق. أما «الحكايات الطريفة» Komische Erzählungen ء(1762ـ1768) التي تناول فيها بعض الموضوعات الشبقية (الإيروسية)، ونضجت فيها فلسفته الحسية الجريئة، فقد خدشت حياء «جماعة غوتِّنغن الأدبية» Göttinger Hain وأثارت حفيظتها إلى درجة إعلان العداء الصريح. وفي المرحلة نفسها نشر ڤيلاند رواية «انتصار الطبيعة على الانسلاب الديني أو مغامرات دون سيلْبيو من روزالبا» Der Sieg der Natur über die Schwärmerei oder Die Abenteuer des Don Sylivio von Rosalva ء(1764) التي استخدم فيها أسلوب التحقير الفكاهي burlesque، معمقاً فلسفته الحسية الدنيوية، مقتفياً أثر ثربانتس Cervantes في «دون كيخوته». ويمكن القول إن أدب ڤيلاند يمثّل الشريحة البرجوازية المثقفة التي نادت بحرية الفكر والتفتح الأخلاقي (بالمعنى الفلسفي الإغريقي) محافظةً في الوقت نفسه على الفضيلة واللطف والذوق. وبتأثير الفن الروائي الإنكليزي بدأ ڤيلاند عام 1766 العمل على رواية «حكاية أغاتون» Geschichte des Agathon التي انتهى من صيغتها النهائية عام 1798، فأبدع بها أول رواية تعليمية Bildungsroman ألمانية، يستند مغزاها الفلسفي العميق والإنساني التقدمي المناهض للهيمنة الإقطاعية إلى مرجعية فكرية إغريقية حول نموذج «الإنسان المتجانس» harmonischer Mensch، وقد صوّر فيها الحاضر الألماني في إهاب إغريقي.

إن أهم قصة شعرية لڤيلاند من مرحلة إبداعه المبكر هي «موزاريون أو فلسفة ربات الحسن الثلاث» Musarion oder Die Philosophie der Grazien ء(1768) التي انعكست فيها الآراء الفلسفية للبرجوازية المستنيرة. وبعد أربع سنوات نشر رواية فريدة في أدب الرواية عامة هي رواية الدولة Staatsroman، وهي «المرآة الذهبية أو ملوك شيشيان» Der goldene Spiegel oder Die Könige von Scheschian ء(1772) التي جعل أحداثها تدور في جو مشرقي مشوقٍ للقارئ الألماني، وطرح فيها ـ من وجهة نظر حكمٍ مطلقٍ مستنير افتراضي ـ جملة من المُثل الإنسانية والمطالب الوطنية، طريقاً للخروج من مأزق ألمانيا المجزّأة والمتخلفة عن بلدان أوربا الغربية كفرنسا وإنكلترا. وفي رواية «حكاية سكان مدينة أبديرا» Geschichte der Abderiten ء(1774ـ1781) ابتدع ڤيلاند محاكاة تهكمية ساخرة لواقع البرجوازية الألمانية بتبجحها الفارغ وضيق أفقها، عُدت في حينها أشد أعمال النقد الاجتماعي تأثيراً. كان الأديب غوته Goethe يمتدح من أعمال ڤيلاند حكايته الخرافية الشعرية «أوبيرون» Oberon ء(1780) التي عدَّها كثير من الباحثين قمة إبداع الكاتب الذي أثبت أنه ملك اللغة الألمانية، سواء في الشعر أو النثر من حيث دقة المعنى والموسيقى الداخلية وجمال التعبير وطرافته اللافتة.

أصدر ڤيلاند عام 1773 مجلة ثقافية شهرية بعنوان «مِركور ألمانيا» Teutscher Merkur ثم بعنوان «مركور ألمانيا الجديد» Der neue Teutsche Merkur منذ 1790، فشكلت نافذة ثقافية مهمة لحركة التنوير الألمانية في أواخر القرن الثامن عشر، كما أبدت اهتماماً كبيراً بفكر الثورة الفرنسية.

كان ڤيلاند ذا باع طويل في ميدان الترجمة الأدبية التي عدَّت رافداً تنويرياً قيماً للبرجوازية الألمانية الصاعدة ومرجعاً مهماً في تطوير الأدب والمسرح على حد سواء، فقد ترجم «رسائل وأهجيات هوراتيوس» Die Episteln und Satiren des Horaz في أربعة مجلدات (1772ـ1786) كما ترجم أعمال لُقيانُس السميساطي الكاملة في ستة مجلدات (1880) والعمل اللافت الآخر هو ترجمته نثراً اثنين وعشرين مسرحية شكسبيرية في ثمانية مجلدات (1762ـ1766) كان لها كبير الأثر في حركة «العاصفة والاندفاع» Sturm und Drang الأدبية وفي غوته الشاب.

المراجع

الموسوعة العربية

التصانيف

الأبحاث