إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أيها المسلمون:
فما فتئ أعداء الله من اليهود يكيلون المؤامرات تلو المؤامرات لإبعاد البشرية عن منهج الله.. فلقد حارب اليهود الإسلام منذ بعث الله نبيه محمداً، وكادوا لهذا الدين المكائد والدسائس الخبيثة فمن ذلك:
أولاً: تظاهروا بالدخول في الإسلام نفاقاً، ليعملوا على تخريبه من الداخل، وليطّلعوا على أسرار المسلمين، فينقلوها إلى جماعتهم، وليحموا أنفسهم من القتل ونقمة المسلمين، وذلك بالتعوذ بإعلان الإسلام..
ثانياً: محاولة الدخول في الإسلام ثم الخروج منه، ليفتنوا بعض المسلمين عن دينهم، فيرتدوا مثلهم، وليظهروا أمام العرب أن بعض الذين يدخلون الإسلام يرتدون عنه سخطة عليه، وبذلك يجعلون بعض الذين تميل قلوبهم إلى الإسلام من مشركي العرب يحجمون أو يتريثون..
ثالثاً: إحراج الرسول -صلى الله عليه وسلم- بسيل من الأسئلة التي يتعنتونه فيها، والتي يُلْبِسون فيها الحق بالباطل، ولعلهم يوهمون بها العرب أنهم أعلم من الرسول، وأنه غير صادق في رسالته..
رابعاً: محاولة استدراج الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأسئلة وعروض المزالق، بغية فتنته عن دينه ودعوته ورسالته، وهم في هذا ينسون أن الأنبياء محفوظون بالعصمة الإلهية عن كل فتنة في الدين، أو بغية المسلمين عن دينهم، وصد المقبلين على الإسلام عن الدخول فيه..
خامساً: الحرب الدعائية القائمة على الضغط بالتعيير والتنقيص والشتائم لمن شرح الله صدره منهم للإسلام فأسلم، وقَبِل هدى الله الذي جاء به النبي -عليه الصلاة والسلام-.
سادساً: الغدر ونقض العهود والمواثيق التي يبرمونها بينهم وبين الرسول كلما اشتدت الأزمة على المسلمين، وظن يهود أن نقض عهودهم والغدر بالمسلمين قد يوقع بالرسول وبالمسلمين نكاية بالغة.
سابعاً: دفع بعض فئات من العرب الوثنيين الذين لم يكونوا يعرفون النفاق من قبل إلى التظاهر بالإسلام نفاقاً، والدخول في صفوف المسلمين، ليكونوا أنصارهم إذا اشتدت عليهم الأزمة، ولينقلوا إليهم أنباء المسلمين عند كل حادثة، وليمكروا بالرسول، وذلك بالتخاذل عن مناصرته عند الشدائد وليدسوا في صفوف المسلمين بدسائس الكفر، وذلك ليضعفوا ثقة المسلمين بالرسول وحماستهم في الدفاع والجهاد لنشر دينه.
ثامناً: الهزء والسخرية والطعن في الإسلام كلما سنحت الفرصة بذلك، بغية الصد عن الدخول فيه وإضعاف حماسة المسلمين له، إذ يحذر ضعفاؤهم من هجمات حرب الهزء والسخرية والطعن والتجريح.
تاسعاً: الحرب الاقتصادية، وذلك بإيجاد نوع من الضغط المالي على المسلمين حتى ينفضوا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
عاشراً: التفريق بين المسلمين، وتشقيق وحدة جماعتهم، لضرب بعضهم ببعض، وإضعاف قوتهم.
الحادي عشر: ألوان من الحرب المباشرة الإعلامية والقتالية، ومحاولات اغتيال الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
الثاني عشر: تأليب القبائل العربية التي لم تدخل في الإسلام، على الرسول والمسلمين معه، وتحريضهم على قتالهم، وتوهين أمر المسلمين في نفوسهم.
الثالث عشر: الاتفاقات السرية بينهم وبين القبائل المعادية للمسلمين، التي اشتبكت معهم في معارك حربية،وذلك بالاتفاق معهم على أن ينصروهم ويغدروا بالرسول- صلى الله عليه وسلم-، ويطعنوا المسلمين في ظهورهم، بينما يكون المسلمون غافلين عنهم واثقين بأمانهم، مصدقين عهودهم ومواثيقهم.
إلى غير ذلك من مكايد عرف بها يهود في تاريخهم الطويل، والتي ما زالت تجر عليهم ويلات كثيرة، وبلاء عظيم1 ومعظم ما سجله التاريخ عليهم يعود إلى هذه المنطلقات من قواعد المكر والكيد والفتنة، التي يكفي بعضها لأن يعطي الصورة القبيحة لشياطين الإنس هؤلاء الذين حاربوا الدين من أول وهلة.. اللهم رد كيد يهود في نحورهم..
هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات إنه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، أما بعد:-
أيها المسلمون: وما زالت المؤامرات والدسائس اليهودية تلاحق المسلمين بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- فإنه يمكن القول بأن مقتل عمر بن الخطاب قد كان نتيجة مؤامرة خبيثة دبرها النفاق اليهودي بالاشتراك مع الحاقدين من غيرهم، ونفذها عبد مجوسي يقال له: أبو لؤلؤة فيروز، ولم يكن عذره فيها إلا عذراً ملفقاً أريد به كتم مدبري الجريمة الحقيقيين.
ولا ينكر عاقل أن الفتنة التي حدثت في عهد عثمان -رضي الله عنه- التي انتهت بمقتله كان وراءها ذلك الخبيث اليهودي عبد الله بن سبأ، وهو الذي بث الشبهات والدسائس على دين الله -تعالى-، وهو رأس الفرق الضالة المنحرفة، وهو أول من أتى بضلالات استقاها من الديانات المحرفة فمن ذلك:- أنه أخذ يبشر برجعة محمد -صلى الله عليه وسلم- ويقول: عجب ممن يزعم أن عيسى سيرجع ويُكذب بأن محمداً سيرجع، ومن ذلك أيضاً: أنه قال: "إن لكل نبي وصياً، وعليٌ وصيٌ لمحمد، ومحمد خاتم الأنبياء وعلي خاتم الأوصياء، ومن أظلم ممن لم يُجِز وصية رسول الله ووثب على حق وصيه، وتناول أمر الأمة".
وبعد أن قُتل عثمان بسببه في قصة لا يتسع المقام لذكرها، وصارت الخلافة إلى علي اندس في محبيه، وارتقى بدسيسته على الإسلام، فصار يبث في السر دون علم الخليفة -رضي الله عنه- دعوى نبوة علي، ونظراً إلى قربه من الخليفة انخدع بكلامه ودسائسه بعض الأغرار من العامة، ولشدة خبثه جعل يتظاهر أمام علي -رضي الله عنه- بالتقوى وحسن الحال، ثم أسرع فارتقى بدسيسته مرة أخرى ونقلها إلى طور جديد، فصار يبث بين المنخدعين به ألوهية علي -رضي الله عنه-، ونقل فكرة حلول الإله بالأشخاص ودسها بين الجاهليين من أهل الكوفة، فغلوا في علي غلواً فاحشاً وكفروا بذلك، وصنع هذا اليهودي ابن سبأ في علي -رضي الله عنه- مثلما صنع من قبله أستاذ الدسائس على الأديان اليهودي الأسبق (بولس) في عيسى -عليه السلام-.
ولم يكن الدافع لابن سبأ إلى كل هذه الدسائس والفتن إلا عداؤه للإسلام، ومكره بالمسلمين وحقده عليهم، ورغبته بتنفيذ حلقة من سلسلة مكايد اليهود على الإسلام وعلى الأديان السماوية كلها، وعلى جميع أمم الأرض. وإذا قلنا: إن روح التمرد في الخوارج قد كانت بسبب مكايد ابن سبأ ودسائسه كان لنا أن نقول: إن مقتل علي -رضي الله عنه- قد كان أثراً من آثار هذه الدسائس أيضاً، ومن الجهل بمكان: استصغار مقدمات الشر، واحتقار أوائل الفتن، فمعظم أحداث التاريخ الكبرى التي تحول فيها تاريخ الأمم قد بدأت بنواة صغيرة لم يلق لها الناس بالاً في أول الأمر، ثم نمت فكانت شجرة كبرى ذات جذور متغلغلة، وفروع ممتدة، وآثار عظيمة.2
فهذه مكائد أعداء الله عبر التاريخ، وقد وصل الأمر في زماننا إلى ما يراه المسلمون ويسمعونه من الانتهاكات الصارخة التي يمارسها اليهود في الشام، في بيت المقدس. فالواجب على المسلم تجاه هؤلاء العداء المطلق ومجاهدتهم بالمال والنفس.. وأن لا ينجر وراء تلك الأصوات التي تنادي بضرورة السلام معهم، هل يحل لمسلم أن يسالم عدواً لدوداً هذه جرائمه عبر التاريخ؟! هل يحل لمسلم أن يمد يده لأعداء الله الذين وصفوه بالأوصاف القبيحة فضلاً عن البشر؟!! فيا عباد الله اتقوا الله واخرجوا من هذه الحياة وأنتم سليمي المعتقد، سليمي الولاء، سليمي البراء..
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، اللهم احمِ بيضة الدين من المتآمرين عليه، يا رب العالمين.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
1- انظر كتاب مكايد اليهود عبر التاريخ لعبد الرحمن الميداني ص47-50.
2- مكايد يهود عبر التاريخ لعبد الرحمن الميداني (155-157).
المراجع
موسوعة امام المسجد
التصانيف
المعرفة