«إذا ما جاءَ ما لا بدَّ منه»(1)
انهضي يا قرى الجراد
عاودي التفتحَ على مساماتِ الجلدِ
طريقاً ...لبقاً نحو الإغتسال
هو العريُّ ..واجهَ الوقتَ
هو العريُّ ... ينثرنا على مساحةِ البلادْ
كالخنجر غادرني الغمدُ
توسَّطَ الجسدَ
«فلما رأى أنَّ لا قرار يقرُّهُ»
أحرزَ القلبُ شهادةَ طعنٍ
و عبرنا .. عبرنا ..القلقَ ، الهلعَ
كالسّيلِ خرجتُ من سمائكِ إلى الأرضِ
كالدمعِ غافلتُ عينيكِ و نهضتُ صوبَ الشمسِ
«و إذا القوم قالوا من فتى»
أعديني لقوافل تأمر عليها الرمل
أعديني لأمواج ما صادفها بحر
أعديني لمواسمَ لا ماءَ ،لا زرعَ ، إلا الجرادْ
أعديني للموتِ و العشقِ ، و لحظات الارتدادْ
و ما زلت أتعمَّدُ برملِ الوحشةِ و الصحراءِ
و مازلت أُسيِّرُ دميَ فيكِ كلَّ مساءْ
أنت ما تحتَ جلدي
ما فيَّ
ما بينَ أصابعي
على خلايا دمي تركعينْ
كالطفلةِ الطلقةِ ..تبكينْ
(3)
(( أصحوتِ اليوم ..أم ..؟))
ما الذي حولَ في عينيك الخوفَ رمادْ ؟
ما الذي حولَ حنجرتكِ طقسَ جمادْ ؟
أعديني للمواقفِ الآتية ..
أعديني للشوارعِ الآتية ..
أعديني للمقاصلِ الآتية ..
أعديني لموانئ لا ترحلُ خلفَ موتها
أجلسُ فيكِ
ترتعدينَ فيَّ
أحدقُ فيكِ
تقتليني فيَّ
و ما زلتُ أعاودُ الحضورَ كلَّ حينْ
السنونُ التي شرَّقتْ خلفَ ارتحالكِ
الطيورُ التي لاحقتْ الماءَ
الأكفُّ التي زرعتْ جسمَكِ بالطلقاتْ
أعرفها ...هي البلادُ حين يغرقُ فيها الماءُ
هي النارُ حين يبتلعُها الرمادُ
ضمديني بكلِّ الجراح ...و الآه ..
العالمُ على شفةٍ قتيلٍ
ينهضُ ليموتَ كلَّ صباحْ
(4)
«عدَدْنا لهُ ...»
اقرأْ باسمِ الشوارعِ الممددةِ خلفَ الخطوِ
مناديلَ خنقٍ و لحظةَ مماة
اقرأ باسمِ القوافلِ ..وجهَ الواحةِ ... و آيةَ الرحلاتْ
اقرأ باسمِ المسافرِ خلفَ القلقِ
سفينةً أشرعتُها سرابُ شتاءْ
حين تفتحٌ جبهةُ الصباحِ فنجانَ قهرٍ
سيكارةَ عدوٍ لا ينتهي صوبَ الماءْ
اقرأ شاهدةَ موتِكَ
حين يغلفُكَ الرمادْ
(5)
أيتها الأرضُ.. لا تقبريني ..
أيتها الأرضُ ... لا تأتيني ... اقتليني
أيتها المرأةُ الرائحةُ صوبَ دمي و قيدي
لا تقربيني
هنا مكانُ العينِ اتجاهٌ صوبَ الخوفِ
هنا مكانُ الكفِّ بصماتٌ للخنجرِ
هنا مكانُ القلبِ بقايا للطعنِ
فاخرجي مني ..
و على حجرٍٍ لا تستقرُ
اسندي ما تبقى من الجمرِ في الرأسِ و ادفنيني
حين السنين تقفُ فيكِ
عليَّ ألا أكونَ أنا
عليَّ ألا أكونَ هنا
و كلُّ ما هنا كالعالمِ حولي يدورْ
تمرُّ الغاباتُ
تمرُّ الشهواتُ
تمرُّ الطيورُ
و مساحاتٌ ما بيننا تأتي و تذهبُ
كلُّ ما فيكِ ...لديَّ
قتلةٌ ..أدعياءٌ ... قياصرةٌ
كلٌّ ما فيكِ ...لديَّ
شجرٌ .. رعبٌ ..رمادٌ
على حدودِ جسمكِ أسكروني
و صلبوني .. و فصدوني
هي الروحُ آخرُ ما تبقى في واحةِ الجسدِ من ماءْ
(6)
يا عابقاً بالوقتِ و الأشعارِ البائدة
اخرجْ من نهوضكَ
تعمَّدْ بماءِ الوحشةِ
ركِّزْ آخرَ ما تبقى من سهامكَ في القلبِ
انتشرْ في ماءِ القتلِ
اخرُجْ من نهوضكَ
توِّجْ الشجرَ في جسمكَ
ملكاً للتوهمِ و البقايا الرجسةْ
هي الحياةُ لا زالتْ بخسةً .. بخسةْ
اخرج من تعمّدكَ
و اركضْ خلفَ الفيافي كالغبارِ
كي تصلَ الانتظارْ
و ألتقيكَ فاراً صوبَ الشمسِ
على كفّيكَ بقايا نهوضٍ و قصيدة خمرْ
(7)
هي القبائلُ ..تعتمرُ الأحذيةَ ... و تقتلُ الروحَ
هي القبائلُ ...تشربُ المبادئ كالأنهرِ العفنةِ
هي القبائلُ .. تغمِّسُ الروحَ بالدمِ
و تطفئُ ما تبقى في الجمرِ
هي القبائلُ ..تلاحقُ القوافلَ حدَّ الفناءِ
هي القبائلُ ..غَطِسْها في القلبِ
حينَ لا قلب في الرمادِ
و اشربْ ما تبقى من الدمعِ
هو الحزنُ ...مفتاحُ الشرقِ و أغنيةُ البهاءِ
هو الحزنُ ..يمشي حين يقفُ في حلقنا الوقتُ
هو الحزنُ .. ما يأخذُكِ مني
حين يطأُ القيصرُ سفنَ السماءِ
(8)
(( أصحوت أم ...))
لا .. لا ..
لكلِّ طفلٍ في الحرفِ تاريخ
لكلِّ طيرٍ في الدمعِ جدول
لكلِّ شجرةٍ في القلبِ دماء
لكلِّ خنجرٍ في الظهرِ مكان
كفكفْ دموعكَ
انتصلها حينَ يغطي العالمَ الجرادُ
كفكفْ دموعكَ
سيِّلها في الخدودِ ..طوفانَ نوحٍ يمحو البلادْ
هو الموتُ آخرُ الحصادِ ، و أولُ الحياةِ
(( و إن كنتَ لا تستطيعَ دفعَ منيتي
فدعني أبادرُها ...بما ملكتْ يدي ))
(9)
(( أسلمني قومي ))
أرسلوني خلفَ خطوِ الدمعِ و الموتِ قصيدة
و عدوني بوجهك يلفحُني
كرائحةِ الهيل في دلاتنا البائدةِ
أرسلوني ...
أحملُ شهادةَ موتي ... بقايا صوتي
خَجِلَتْ دمائي من الطعنِ ... و طعنتُ في الظهرِ
خجلتْ خلاياي من الخمرِ ... و سكرتُ حتى القبرِ
خجلتْ جثثُكم من القتلِ ... و قتلتمْ حتى القتلْ
(10)
(أصحوت الآن ..أم | )
لا ...لا ..
لن أتوقفَ كما الملح في الحلقِ
و سأقرأ باسم السٌّمِ العالقِ بالدمِ
أطياراً تتناسلُ في هجرةِ التاريخِ ... على دمعنا الصحراوي
قافلةً تأكلُ خمرَنا .. رحيقاً في عسلِ القلبِ
نمشي ..
يداً تتوسَّدُ الدَّمَ
و أخرى تمسحُ العتمةَ
لا قلب إلا المناديل
لا يد إلا التوابيت
لا سماء تعطي مطراً بل أشباهَ شتاء
هنا قائمة تأتي من جفر(2) الإماء
تقرأُ الغيبَ
فاقرأ فتراتٍ لا تأتي
وقرناتٍ(3) تمضي حلماً أشعثَ
يخرج من أظلافِ الوقتِ
هذا الكون شارعٌ مصطخبٌ بكِ
هذا الدمعُ قافلةٌ تتوجهُ منكِ
يا جلديَ المتخمرِ حين تهرمُ الصحارى
و ينتحرُ المحلُ
هل عرفَ (بن هندٍ ) كيفَ يشربُ الألوانَ
و تتشرَّدُ المفرداتُ في حبرِ الطلقِ
هنا خنجرٌ في الحلقِ
هنا قلبٌ راكضٌ في ثوبِ الأفول
أماهُ .. هنا تموتُ العينُ خلفَ الرؤيا
و الشمسُ تتعلقُ بعصفورِ الروحِ و تمضي
(( و لا أدري بعيداً غداً
ما أقرب اليوم من غدِ ))
أرى الموتَ ..
أعرفُ أنَّ الدربَ موطئُ الرياحِ على دمي
أعرفُ أن الخوفَ فاتحةُ الآياتِ و بقايا الأحزانِ
أرى الموتَ ...
أفتتحُ العالمَ نافذةً لبلادي
أشتهي الموتَ أولا ... لبلادي
أطلقُ دمي حادياً لبلادي
في كلِّ كرمٍ يُعْتصرُ .. تمشي الأفئدةُ و الرصاصُ
في كلِّ بنفسجةٍ تتفتحُ فوقَ قبرٍ
تأتي أمي ... و أسافر
يأتي قلبي .. و أسافر
تأتي بلادي ... و أسافرُ عاصفةً صوبَ النارِ
يا صوتاً أول النهار
و خمراً آخر النهار
حَمَلوني آخرَ ما تبقى من الموتِ ... لأمضي ..بلا صدى
(11)
أخبرتني الخمورُ التي سكرتْ من دمي
أخبرني الملحُ العالقُ في الجرحِ
أخبرتني بلادي .. و أنا الهاربُ صوبَ الموتِ
أنَّ الانتظارَ ... قتلٌ
أنَّ الانتحارَ ... قتلٌ
(( و لكنَّ مولاي امرؤٌ هو قاتلي ..))
و أنتِ لا زلتِ تكبرينَ كلما أقتلُ
تبدأُ بلادي
تجرُّني القصائدُ حين الليل ، تجاهُ الخمرِ
هو الشِّعرُ لحظةُ عشقٍ و جرحْ
و هل يُقْتَلُ الحرفُ حين (( احضروا الرأسَ ..و لو في كأسْ ))
لبستُ جلدَ الخمرِ و الحنينِ القاتلِ
شوكٌ عالقٌ في القلبِ و الصباحِ
هنا النارٌ ثلجْ
هنا كتابٌ يقرأُ سرَّ الماءِ
قاومتُ .. قاومتُ و القهرُ احتضارٌ
يا قلبُ ...
هذي خيامُنا ترفعُ محاريثها و تذهبُ للاشيء
هذي بلادُنا نكونُ و لا تكونُ
(( احضروا الرأسَ ..و لو في كأسْ ))
معاً ..
تاريخُ القصائدِ صرخةٌ و آه ..
و شيءٌ ييبسُ في الفمِ كالريقِ
كنا مع النورِ نسكرُ كلَّ صباحٍ
نكتبُ تاريخَ الحجرِ و النارِ
و كانوا يعدُّونَ الرماحَ
ما كلّ يومٍ تُقَدَمُ البلادُ تحتَ الظلِّ
ما كلّ يوم نحملُ جثثنا و نذهبُ إلى الموتِ بخطى واثقة ...و أشعارٍ حقة
ما كلّ يومٍ نطرقُ أبوابَ الكونِ كالشمسِ
(( حسامٌ إذا ما قمتُ منتصراً بهِ ))
من قال : قُتِلْتُ أو قُتلوا
من قال : سُكِّتُ أو سُكِّتوا
و ها هو الرأسُ في قاعِ الكأسِ يبدأُ تاريخَ المواسمِ
(12)
لا عناوين تطالُ الحبرَ
لا خناجر تؤرخُ لوجهكِ الطفلِ
بل وجهيَّ المقتولِ
هو الوعدُ : (( إن متُّ فانعيني بما أنا أهله ))
و افتحي يا عذراءَ القلبِ عينيك نبضاً كالبرقِ ..
يخرجُ من ماءِ الحقولِ
هو من يقرأُ
باسمِ الرمزِ ..دمعَ التاريخِ
باسمِ الضبابِ .. رائحةَ الماءِ
باسم القراءةِ ...طعمَ النارِ
لا يعرفُ الرمادَ ... لا يعرف الرمادَ
سكنَ سهمَ الشِّعرِ و انطلقَ صوب الامتدادِ
(13)
راقبني الأصدقاءُ
كيف تخلخلَ جلدي و ذابَ في الملحِ
شالوني و بكوا
رحلوا أو رُحِلوا
حين أورقَ السُّمُ في دمي طعمَ الشبقِ
(( وقوفاً بي صحبي))
و الماءُ يدخلُ جزيرتي نهرَ صباحْ
وقفتُ على شرفةِ الموتِ
كان الوقتُ عصراً ..أو ظهراً ...أو مساءً
خمرٌ من حولي
خمرٌ في دمي
خمرٌ في رؤاي
كالضوءِ انسللتُ من زجاجِ بلادي نحو القتلِ
هنا في جزيرتكم أو شبهها تركني الأصدقاءُ
لا ماء في اليدِ
لا دم في القلبِ
خمرٌ في الدمِ
خمرٌ في القلبِ
خمرٌ و ملحٌ مكانَ الفصدِ
لا أصدقاء ... لا شجر ...لا واحات
يولدُ الشاعرُ و في دمهِ الزُّعافُ
وقفت و الموتُ
يعيشُ الشاعرُ و في دمهِ الزُّعافُ
وقفتُ و الموت ..
يموتُ الشاعرُ و في كأسهِ الزُّعافِ
شجرٌ على جلدي يتخمرُ
هذه الصحراءُ تدخلُ جروحي
و أنتِ انتظارٌ لا ينتهي
واقفٌ و الموتُ
صاخبٌ حضورُك و غيابي
وردةٌ في القلبِ
واحةٌ في الدمعِ
(( تلوحُ كباقي الوشمِ في ظاهرِ اليدِ ))
أمشي ... كلّي مقتولٌ إلا عيوني
أمشي شجراً في الفصولِ
أمشي حلماً يأتي كلَّ حين
أمشي ... وقتَ يحضرُ الماءُ
أمشي ... و أمشي إلى الموتِ
حين يخبو الجمرُ و ينطفئُ العناقُ
أمشي و في القلبِ تركعُ البلادُ
و أبقى معكِ و الموتُ ... مساحةٌ تتذكرُ ...انسياحَ الماءِ
المراجع
diwanalarab.com
التصانيف
فنون أدب أدب عربي الفنون
| |