ولد الشاعر الفرنسي بيير دي رونسار Pierre de Ronsard في مدينة كوتور Couture في مقاطعة فاندوموا Vendômois، وتوفي في سان كوزم Saint-Cosme بالقرب من تور Tours، وهو أول الشعراء الفرنسيين المحدثين. درس الإيطالية واللاتينية واليونانية ليقرأ ويفهم ويتمثّل ويحاكي أعمال هوميروس[ر] Homeros وفرجيليوس[ر] Virgilius ودانتي[ر] Dante وبتراركا[ر] Petrarca. أصبح غلاماً في البلاط وله من العمر اثني عشر عاماً وعمل في خدمة ابنة الملك فرانسوا الأول مادلين دي فرانس Madeleine de France وكانت قد تزوجت ملك اسكتلندا فاصطحبت رونسار معها إلى مملكتها الجديدة، لكن الموت سرعان ما اختطف الملكة الشابة فعاد إلى فرنسا محزوناً وحيداً. وعندما أصبح عمره خمسة عشر عاماً، يحدوه الأمل والرغبة في أن يدخل سلك الجيش أو الدبلوماسية، كانت له الأقدار بالمرصاد، فخلال رحلة قام بها إلى ألمانيا مرض وأصيب بالصمم. وشاءت المصادفة القدرية ذات مساء شتوي قارس من عام 1547 أن يلتقي جواكيم دي بيليه[ر] (1522ـ1560) Joachim du Bellay  في خان قريب من مدينة بواتييه Poitiers. وكان وقتها قد عاش سحابة طويلة من الزمان في البلاط، في حين كان بيليه طالباً يستعد لدخول السلك الكنسي. وسرعان ما توطدت أواصر الصداقة بين الشابين عندما اكتشف كل منهما في صاحبه عشقه للشعر ووجدا أنهما يتشاطران الأفكار والرؤى والطموح في أن يكون لفرنسا لغة جديرة بها وبمكانتها وأدب يرقى إلى مصاف الآداب القديمة. ومنذ ذلك الوقت جمعت الصداقة بينهما واستمرت مدى الحياة، وكان لهما الفضل الأكبر في تشكيل مجموعة البلياد (الثريا)[ر].
نشر رونسار في عام 1550 «الأغنيات: الكتب الأربعة الأولى» Quatre Premiers Livres des Odes المشهورة باسم قصائد «أود» Odes أو «قصائد رونسار الغنائية». وقد صدّر ديوانه الشعري هذا بمقدمة مدوّية متعالية أكّد فيها عزمه وتصميمه على إحداث ثورة في الشعر، وكان فتحاً في تاريخ الأدب الفرنسي. ثم نشر في عام 1551 ديوانين، أولهما «المدائح» Les Panégyriques وثانيهما « قبر مرغريت دي فالوا ملكة نافارّ» Tombeau de Marguerite de Valois reine de Navarre. كما نشر في عام 1552 «قصص الحب» Les Amours تغنى فيه بمعشوقته كاسّاندرا سالفياتي Cassandra Salviati ابنة مصرفي إيطالي. وكان رونسار قد رآها في بلوا Blois خلال حفل أقيم في البلاط فهام بها عشقاً، لكنها تزوجت، وظل يكتب فيها شعراً حتى أصبحت مكانتها عنده في مكانة لَوْرا Laura عند بتراركا، يحبها حباً عذرياً، جاعلاً منها تجسيداً لفكرة الجمال والحب. ولم يُطل رونسار المقام مع هذا النوع من الحب واختط له توجهاً أكثر طبيعية ألهمه قصائد ديوانه «المعتوهون» les Folastries الذي نشره عام 1553 مغفلاً اسمه. ونشر بعد سنتين ديوانين من السونيتات «متابَعة» Continuation، و«متابعة جديدة لقصائد الحب» Nouvelle Continuation des Amours نُشرا تباعاً في عامي 1555ـ1556؛ تغنى فيهما بحبه الجديد ماري لانجوفين Marie L’Angevine وأظهر في قصائدهما تجديداً تاماً في أسلوب نظمه. لكن الموت اختطف معشوقته فنظم فيها أكثر سونيتات اللغة الفرنسية أسىً وحزناً تحت عنوان «سونيتات حول موت ماري» Sonnets sur la mort de Marie. لكن يجب ألاّ يسود الاعتقاد أن عاميّ 1555و1556 والأعوام التي تلتها مباشرة كانت كلّها للحب، فقد تخللتها لحظات تأمل أبدعت ديوانه «أناشيد» Hymnes، و«كتاب الأناشيد الثاني» (1555ـ1556) Second livre des hymnes. وسرعان ما ناهضه شعراء البلاط الرسميين الذين وجدوا أن مكانتهم بوجوده وبأشعاره قد اهتزت وتهددت. لكن رونسار وجد له نصيراً في شخص الأميرة مرغريت شقيقة الملك هنري الثاني. وكان يرفل بعطايا الملك وحظوته عندما خلع عليه البلاط لقب «أمير شعراء فرنسا».
 
ظهرت أول طبعة جامعة لأشعار رونسار في أربعة مجلدات صغيرة، نُشرت في باريس تحت عنوان «أعمال نثرية» (1560ـ1560) Œuvres en prose. وكانت هذه الفترة من حياته فترة هدنة وسلام قبل أن تهب عاصفة حروب الدين الهوجاء بين الكاثوليك والبروتستنت عام 1569، وكان منحازاً للطرف الكاثوليكي. وقد ألهمت مآسي التناحر والضغائن والاقتتال رونسار ثلاثة دواوين رئيسة هي: «حديث في مآسي هذا الزمان» (1563) Discours des misères de ce temps ، و«متابعة حديث في مآسي هذا الزمان» Continuation du discours des misères de ce temps، و«تحذيرات إلى الشعب الفرنسي»       (1562) Remontrances au peuple de France.  وشهدت هذه الحقبة ظهور دواوينه: «نصحٌ وإرشادات» (1558) Exhortations ، و «أحاديث» (1558ـ1564) Discours ، و«رسالة إلى القارئ» (1564) Epître au lecteur، و«الفن الشعري» (1565) L’Art poétique ، و«مَراثٍ وتنكريات ورعويات» Elégies, mascarades et bergerie. كما نظم خمريات ضمها ديوانه «قصائد ريفية» Eglogues. وقد كتب بمناسبة ارتقاء الملك شارل التاسع إلى العرش «مبادئ تربوية للملك اليافع المسيحي المؤمن» (1560) Institution pour l‘adolescence du roi très chrétien .
 
نظم رونسار في عام 1572 الكتب الأربعة الأولى في «الفرانسيادة» La Franciade، على غرار «إنيادة» فرجليوس، نظم فيها أشعاره بأبيات عشارية المقاطع décasyllabes يقص فيها مغامرات أسطورية للطروادي آستياناكس Astyanax، ابن هكتور Hector، الذي أصبح اسمه فيما بعد فرانكوس Francus ومؤسساً لمملكة فرنسا. وقد ظل رونسار ينظم في أشعارها ثلاثين عاماً لكنه لم يتمكن من أن ينفث فيها روحاً وحماسة ولم يتمكن من أن يلهب مشاعر قرائها. لكن «الفرانسيادة» على علاّتها تقدم أبياتاً شائقة اللفظ رائقة الأسلوب لطيفة التخيّل رقيقة التشبيب حسنة التشابيه بديعة في الاستعارات لطيفة الكنايات. ولا غرابة أن يتأتى ذلك كله لشاعر مُجيد مثل رونسار. وأصدر في عام 1578 ديواناً تحت عنوان «سونيتات من أجل آستريه» Sonnets pour Astrée، وفي عام 1584 ديواني «الغابة الملكية الصغيرة» Le Bocage royal، و«تنكريات ومعارك ومنازلات» mascarades, combats et cartels.
 
 صمدت أشعار رونسار أمام عوادي الزمن، وكل من جاء بعده من الشعراء مدينون له، فقد جدد اللغة الفرنسية وأعاد طريقة صياغة الأبيات الشعرية وتشكيلها وطوّر قوافيها وإيقاعاتها. وكان شاعراً متفنناً، ويعدّ في فحول شعراء فرنسا في كل العصور. وهو منضَّد اللفظ، مرصَّف المعاني نبيه الأغراض حلوّ التغزُّل حسن المطالع والمقاطع. وقد اعتمد في نظم بعض أشعاره على تعاقب القوافي المذكّرة والمؤنثة وهذا هو أحد أندر أسرار الشعر الفرنسي التي استنبطها العصر الوسيط ونجح رونسار في تطبيقها واستخدامها.

المراجع

الموسوعة العربية

التصانيف

الأبحاث