يُعدّ نيكُلاوس ليناو Nikolaus Lenau أكبر شاعر ومؤلف ملاحم نمساوي في مرحلة ما قبل ثورة 1848 البرجوازية ضد الإقطاعية والأرستقراطية التي امتدت آثارها إلى جميع مناطق أوربا الناطقة باللغة الألمانية، وهو أحد الممهدين لها. ولد في بلدة كْشاتاد Csatad المجرية التابعة لامبراطورية هابسبورغ Habsburg النمساوية؛ وتقع اليوم في جمهورية رومانيا باسمها الجديد «ليناوهايم» Lenauheim، أي بيت ليناو، وهو يتحدر من أسرة متواضعة كان عدد من رجالها ضباطاً في الجيش البروسي. بعد وفاة والده رعته والدته في بودابست في أجواء البرجوازية الصغيرة، ونشأ على حب الطبيعة المجرية وناسها العاطفيين، وعلى الانتفاضات الشعبية ضد نابليون. انتقل في عام 1818 إلى منزل جده في ڤيينا حيث درس الفلسفة والحقوق والطب، لكنه لم يحصل على الدرجة الأكاديمية، بل انخرط في الوسط الأدبي والموسيقي. وعندما ورث من والدته عام 1829 ما يؤمن معيشته كرّس حياته للشعر. وليتخلص من شعور السجين بين «قضبان الامبراطورية» هاجر إلى فرنكفورت على الماين في ألمانيا، حيث ارتبط بعلاقات صداقة مع «شعراء مدرسة شْڤابِن« Die schwäbische Dichterschule، ثم انتقل عام 1831 إلى مدينة هايدلبرغ Heidelberg لمتابعة دراسة الطب. لكن شعوره بالقهر والقلق في ظل العلاقات الاجتماعية الإقطاعية الرجعية دفعه قبل الامتحانات النهائية عام 1832 إلى الهجرة إلى أمريكا (العالم الجديد)، ليعود بعد عام واحد محبطاً خائب الآمال من ظروف التكالب على الثروة والفساد التي عايشها هناك، وليخوض تجربة حب معقدة آذته روحياً ونفسياً؛ مما عمَّق من كآبته وصعَّد توقه إلى حياة حرة مجدية وهادفة. وعندما رفضت جامعة ڤيينا توظيفه أستاذاً لعلم الجمال فيها تفاقمت أزمته النفسية واشتدت على أثر تجربتي حب لم تصمدا في وجه حساسيته المفرطة وعدم قدرته على التأقلم مع الواقع المعيشي؛ مما أدى إلى إصابته بانهيار عصبي كلي عام 1844 مع شلل جزئي، وفي عام 1847 ظهرت عليه عوارض الجنون فنقل إلى مشفى الأمراض العقلية في أوبردوبلينغ Oberdöbling قرب ڤيينا حيث توفي.
يتصف شعر ليناو بالتوق إلى الحرية الداخلية والخارجية، وبمعاناته العميقة من الواقع الاجتماعي في عصره. والحب والطبيعة هما الغرضان المهيمنان على شعره بتعبير جديد من حيث اللون والمغزى، كمعادل شعري لعصيان الشاعر وتمرده على عالم يسوده الطغيان وآيل إلى الانهيار، إنه نوع من «الألم الكوني» Weltschmerz يتسرب من قصائده الغنائية الحزينة مثل «الغجر الثلاثة» Die drei Zigeuner و«أغنيات القصب» Schilflieder و«أغنيات الغابة» Waldlieder و«نواح الخريف» Herbstklage. كانت روح الرفض تنبجس من أبيات القصيدة، كما في قصائد كبار شعراء النصف الأول من القرن التاسع عشر مثل بايرون [ر] Byron وليوباردي [ر] Leopardi، متخطية الحافز الذاتي (فقدان الوطن، الشعور بالعزلة، التمزق الداخلي) لتعبر عن اليأس من إيجاد مخرج للوضع الاجتماعي السياسي الرازح على كواهل البشر وحناجرهم.
 
صدرت مجموعة ليناو الأولى بعنوان «قصائد» Gedichte عام 1832 في دار النشر الشهيرة «كوتّا» Cotta في فرنكفورت، وهي تشي بتأثير الشاعر كلوبشتوك [ر] Klopstock وحركة «العاصفة والاندفاع» Sturm und Drang. وعلى الرغم من المسحة السوداوية فإن غنى إيقاعاتها وارتباط موضوعاتها بطموح الناس قد حولها إلى نوع من الأغنيات الشعبية. ففي «أغنيات بولندا» يظهر نضال الشعب البولندي في سبيل حريته، وكذلك نضال الهنود الحمر الأمريكيين في «الهنود الحمر الثلاثة» Die drei Indianer.
 
ويحتفي ليناو في ملاحمه البطولية الفلسفية بالأبطال وبالحركات الثورية ويرفعها في وجه عصره نموذجاً ومثالاً، كما في ملحمة البطل التشيكي «يوهانس زيشكا» Johannes Ziska (1840) أو ملحمة المصلح الديني الإيطالي «سافونارولا» Savonarola (1837) الذي أعدم بتهمة الهرطقة. أما ملحمة «فاوست» Faust (1836) فهي ـ على نقيض مؤلَف غوته[ر] ـ تعبر عن ضبابية صورة المستقبل واختلالها، وعن بحث الشاعر الملحاح عن السلام الذاتي وعن الانسجام والتوافق بين الفرد والمجتمع، في ظروف هيمنة المفاهيم والممارسات اللاإنسانية.
 
يعالج  مؤلف ليناو الرئيسي «الألبيجيون أو (مواطنو آلبي)» Die Albigenser (1842) (نسبة إلى مدينة ألبي Albi في جنوبي فرنسا) حركة التمرد الفريدة في القرن الثاني عشر التي قادها المواطنون مع بعض النبلاء والأشراف ضد الكنيسة الكاثوليكية وممارسات الكرسي البابوي المنافية لروح المسيحية. وعلى نقيض أعماله الأخرى بنى ليناو ملحمته هذه من سلسلة من الأناشيد والرومنسات والمثنويات بلغة صقيلة بليغة وإيقاعية في الوقت نفسه؛ مما ساعد على انتشارها بين القراء والمستمعين. ويعدُّ هذا العمل من أهم الملاحم السياسية الألمانية اللغة في القرن التاسع عشر.
 
وعقب وفاته اكتشفت مخطوطة مسرحية «دون جوان» Don Juan (1851) التي أوحت لريشارد شتراوس [ر] بسمفونيته الشهيرة «دون جوان» (1888).

المراجع

الموسوعة العربية

التصانيف

الأبحاث