صموئيل بيكيت Samuel Beckett كاتب إيرلندي ولد في ضواحي مدينة دبلن، وتوفي في باريس. عمل في شبابه أستاذاً للغة الإنكليزية في دار المعلمين العليا في باريس واستقر فيها نهائياً من عام 1947. كتب مؤلفاته الأولى بالإنكليزية ثم انتقل إلى الكتابة بالفرنسية، وقام بترجمة أعماله بنفسه إلى اللغتين.
اشتهر بيكيت كاتباً مسرحياً، لكن له أيضاً مؤلفات نقدية وروائية وقصصية وشعرية وعدداً من الأعمال الدرامية للسينما والتلفزيون والإذاعة إضافة إلى بعض النصوص القصيرة التي يصعب تصنيفها حسب المعايير التقليدية للأجناس الأدبية.
ارتبط اسم بيكيت بتيار العبث L’absurde وعدَّ في رواده. والعبثية لديه تعبير متكامل عن القناعة بمأساوية الحياة إذ يتكرر كل شيء ويبدو الموت خلاصاً، وإذ تتوه الشخصيات التي فقدت صلاتها بالمجتمع بحثاً عن ملجأ بعد أن فقدت القدرة على التواصل مع الآخرين. في هذا العالم القاتم الذي لا يخلو من لمسات الحنان ومن حس الفكاهة، غالباً ما تكون لعبة الانتظار العنصر الذي يجمع بين الشخصيات: انتظار شخصية لن تصل في فضاء مفتوح مبهم المعالم، وفي زمن تكراري دائري تعيد النهاية فيه إلى نقطة البداية.
ولأعمال بيكيت الروائية والسردية والمسرحية بنية محددة وواضحة، ولاسيما أن الموضوعات نفسها تتكرر، وتأخذ فيها أشكالاً مختلفة وتنويعات عديدة، فتبدو تعبيراً عن الهاجس المسيطر على الكاتب. وعلى صعيد الشكل تتطور كتابة بيكيت من عمل لآخر نحو مزيد من الاختزال والتجريد والفراغ. فالنصوص تصبح تدريجياً أقصر فأقصر، والجمل والتراكيب النحوية أقل اكتمالاً، وعلامات الترقيم أكثر ندرة حتى تحذف تماماً في النصوص الأخيرة. أما اللغة، وهي عنصر أساسي يشغل حيزاً مهماً لدى بيكيت، فتبدو كأنها تُفرّغ تدريجياً من مضمونها وتفقد وظيفتها كفعل تواصلي، ولا يتبقى منها في النهاية سوى أصوات لا تعني شيئاً، أو نوع من الصراخ أو اللهاث أو التنهد أو الصمت، كما في «قصص قصيرة ونصوص للاشيء» (1955) Nouvelles et textes pour rien.
يجنح الحدث في أعمال بيكيت على صعيد المضمون نحو البساطة المتزايدة حتى يكاد يخلو من أي حبكة فيكون مجرد حالة هي الانتظار، كما في مسرحية «بانتظار غودو» (1952) En Attendant Godot، أو الحنين، كما في مسرحية «آه لتلك الأيام الجميلة» (1961) Oh les Beau Jours، أو في مسرحية «الشريط الأخير» (1960) La Derniére bande إذ تكتفي الشخصية بالاستماع لصدى ماضيها مسجلاً على شريط، أو يكون الحدث استثمارا للمتخيل واستعادة لعناصر من الذاكرة، كما في نص «الخيال الميت، تخيلوا» (1965) Imagination morte, imaginez. أما الشخصيات في أعمال بيكيت فتجنح باطِّراد نحو مزيد من الابتعاد عن أي مرجعية في الواقع. فهي تبدو عاجزة عن التعبير عن ذاتها بضمير المتكلم كما في «مالون يموت» (1951) Malone meurt، أو تصل لأن تفقد اسمها وهويتها، كما في روايته «ذلك الذي لا يمكن تسميته» (1953) L’Innommable . وبوجه عام تعيش شخصيات بيكيت حالة من الاحتضار والتهالك، وخاصة أنها في غالبيتها شخصيات تجاوزت سن الشباب واقتربت من الموت. أما فعل الشخصية فهو دائماً فعل عبثي مغلق على نفسه يمكن أن يأخذ شكل التسكع والتيه على الصعيد الفردي كما في رواية «وات» (1953) Watt، أو التسكع الثنائي الذي يبدو مناسبة لالتقاء كائنين متوحدين يعيش كل منهما عزلته الخاصة، كما في رواية «مرسيه وكامييه» (1970) Mercier et Camier، أو يكون التيه مجرد وسيلة لمقارنة حكايتين متماثلتين كما في رواية «مولُوي» (1951) Molloy. تصل الشخصيات في بعض الحالات إلى حد استحالة الحركة والفعل فتعيش مغلقة على ذاتها سجينة غرفة ضيقة كما في رواية «مورفي» (1938) Murphy، أو تختنق في أكوام القمامة، كما في مسرحية «نهاية اللعبة» (1957) Fin de partie أو تغوص تدريجياً في الطين، كما في مسرحية «آه لتلك الأيام الجميلة»، أو تغيب تماماً داخل جرار خزفية كما في مسرحية «كوميديا» (1963) Comédie، فلا يبقى منها سوى الصوت والكلام، كما في مسرحية «ليس أنا» (1975) إذ تخرج الأصوات من فم وحيد يشغل الخشبة بأكملها.
وبيكيت الذي أشرف دائماً على إعداد أعماله للمسرح والسينما والتلفزيون والإذاعة يبدو واعياً لما تتيحه التقنيات المتطورة من إمكانيات، فيستخدمها بمنحى درامي لخدمة التفكيك العبثي للعناصر. لذلك نجده تارة يفصل بين الجسد الموجود على الخشبة والصوت المسجل الذي يأتي من خارجها كما في «خطوات» (1975) وفي «الترنيمة» (1981)، أو يستغل التعددية التي يتيحها تسجيل الصوت الخارجي كما في مسرحية «هذه المرّة» (1974) حيث تسمعنا مكبرات الصوت ثلاثة أصوات مسجلة للشخصية نفسها في مراحل مختلفة من حياتها. ويذهب بيكيت أبعد من ذلك، فهو يستثمر إمكانيات المسرح الصامت، كما في مسرحية «فصل بدون كلام» (1957) Acte sans paroles ومسرحية «جيئة وذهاباً» (1966) Va et vient، بل إنه يخلق مسرحاً لا تسمع فيه سوى التنهدات كما في نص «تنفس» (1970) Souffle (كتبه بالفرنسية) الذي عدّه «فاصلة درامية» مكتوبة للتنفس والضوء. بالمقابل فإن بيكيت في كتابته للإذاعة يستغل الكلام في حالاته القصوى علامةً دلاليةً وحيدةً في غياب الصورة، وهذا ما يتبدى من التمثيليات الإذاعية مثل «كل أولئك الذين يقعون» (1957) Tous Ceux qui Tombent و«رماد» (1959) Cendres و«كلمات وموسيقى» (1966) Paroles et musique و«كاسكاندو» (1962) Cascando. أما في أعماله التي كتبها وأعدها بنفسه للسينما مثل «فيلم» (1964)، وتلك التي أعدها للتلفزيون مثل «قل يا جو» (1965) Dis Joe و«ثلاثية الأشباح» (1975) Ghost Trio و«إلا الغيوم» (1976) But the Clouds و«ليل وأحلام» (1982) Nacht und Treume (كتبها بالألمانية)، فهو يستثمر إلى الحد الأقصى العلاقة بين الصوت والصورة، ويحافظ على التوتر بين القصيدة المرئية والمونولوغ الداخلي حتى ولو اختفت الكلمات أحياناً.
حصل بيكيت على جائزة نوبل للأدب عام 1967، وقد ترجمت مسرحيته «بانتظار غودو» إلى أغلب لغات العالم وتعد أكثر المسرحيات شهرة في العصر الحديث.
حنان قصاب حسن
المراجع
موسوعة الأبحاث الموسوعة العربية
التصانيف
الأبحاث